ترجمة حفصة جودة
فرّت أم أمير وأطفالها الأربع من مديرية الجوبة التي تقع على بعد 25 كيلومترًا جنوب مدينة مأرب هربًا من الموت والدمار، وكنازحين للمرة الـ13، لم تحمل على ظهرها إلا الملابس والآن تجد نفسها في صحراء وادي عبيدة الشاسعة بلا أدنى مقومات البقاء على قيد الحياة.
تقول أم أمير بوجه متعب وممتقع: “كانت ليلة عصيبة للغاية، لم نستطع أن نأخذ معنا أي شيء، لقد سمعنا الانفجارات والرصاص وفجأة بدأ الناس في الفرار، لقد اكتفينا، نحن في الشتاء الآن، نحتاج إلى بطانيات وأسرّة وطعام وكل ما يمكنه حماية الأطفال وإبقائنا على قيد الحياة”.
للأسف، لم تنته معاناتهم بعد، فالصواريخ والقذائف المتفرقة ما زالت تهدد عائلة أم أمير وغيرهم، فبينما كانت تعد فطورًا من المياه الملوثة والدقيق في خيمة صغيرة مهلهلة، انفجرت قذيفة على بعد 10 أمتار وسببت ذعرًا شديدًا.
اشتد اندفاع الحوثيين نحو مأرب أملًا في السيطرة على مواردها النفطية الوفيرة وتعزيزًا لموقفهم في محادثات السلام مع الحكومة المعترف بها دوليًا التي كانت مأرب معقلًا رئيسيًا لها.
تقع مأرب على بعد 120 كليومترًا شرق العاصمة صنعاء، التي حكمها الحوثيون – المدعومون من إيران – منذ عام 2014 بعد الإطاحة بالرئيس عبد ربه منصور هادي، تُعد عائلة أم أمير واحدة من آلاف العائلات النازحة نتيجة حدة القتال مؤخرًا حول مدينة مأرب.
خلال الثلاثة أشهر الأخيرة نزح أكثر من 93 ألف شخص ليصل إجمالي عدد النازحين إلى 2.3 مليون في محافظة مأرب منذ 2015
يقول فهمي الزبيري رئيس مكتب صنعاء لحقوق الإنسان: “يأتي معظم النازحين داخليًا من مديرية الجوبة ومديرية جبل مراد ومناطق جنوبية أخرى تشهد قتالًا عنيفًا، إنهم يعيشون في ظروف إنسانية شديدة الصعوبة بسبب غياب أي خطط استجابة حقيقية للأمم المتحدة والمنظمات الدولية”.
وأضاف أن هناك خطرًا عظيمًا يواجه النازحين داخليًا في ضوء القتال المتواصل الذي يقول إنه انتهاك لاتفاقية جنيف.
قالد خالد الشجاني نائب مدير الوحد التنفيذية لإدارة النازحين داخليًا في مأرب إن الحوثيين مشاركون في التهجير القسري، وأضاف “قبل 2015، كان هناك 450 ألف شخص يعيشون في محافظة مأرب، ومنذ ذلك الحين وصل عدد النازحين داخليًا وحدهم إلى 2.2 مليون شخص”.
“خلال الثلاثة أشهر الأخيرة نزح أكثر من 93 ألف شخص ليصل إجمالي عدد النازحين إلى 2.3 مليون في محافظة مأرب منذ 2015، لدينا نحو 160 مخيمًا للنازحين داخليًا في المدينة بما يمثل 10% من إجمالي النزوح في المحافظة، أما البقية فيتوزعون في الأحياء والقرى والمناطق الريفية”.
ويضيف “تقدم الحوثيون في بدايات عام 2020 في محافظة الجوف وعلى حدود مأرب مع صنعاء والجوف، ما تسبب في نزوح ما يقارب 25 ألف عائلة”.
كارثة إنسانية
بعد 4 سنوات من هدوء القتال، ومع بداية 2020 أصبح القتال للسيطرة على المناطق الغنية بالنفط من أكثر المعارك دموية خلال 7 سنوات من الحرب الأهلية في اليمن، تسببت الحرب في وفاة ربع مليون شخص ونزوح أكثر من 4 ملايين، مع اقتصاد على حافة الهاوية وانتشار للأمراض المعدية، ما تسبب فيما وصفته الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية في العالم تركت أكثر من نصف سكان اليمن في خطر المجاعة.
نزح نحو 10 آلاف شخص في أكتوبر/تشرين الأول فقط، بما يعد أكبر موجة للنزوح مسجلة في شهر واحد هذا العام، يقول ديفيد جريسلي مندوب الأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية لليمن: “إننا قلقون أيضًا بشأن تصاعد القتال حول مأرب، فقد تسبب في مزيد من النزوح في تلك المنطقة التي تضم بالفعل أكثر من مليون نازح”.
أدى التصعيد الأخير في مأرب إلى نزوح عشرات آلاف المدنيين معظمهم من النساء والأطفال، تحديدًا من مديريات جنوب مدينة مأرب التي شهدت قتالًا عنيفًا مؤخرًا، يعيش نحو 90% من النازحين داخليًا في مأرب في فقر مدقع وفقًا للأمم المتحدة.
يقول سيف مثنى مدير الوحدة التنفيذية لإدارة النازحين داخليًا في مأرب: “استجابةً لموجات النزوح الداخلي، مول محافظ مأرب سلطان العرادة 5 مواقع جديدة يجري إعدادها وتجهيزها كمخيمات جديدة للنازحين داخليًا”.
مخيمات قارسة البرودة
يقول علي ناصر دهبول – 42 عامًا – الذي يملك خيمةً في مخيم النجيعة للنازحين داخليًا في مديرية الوادي جنوب مدينة مأرب: “هذه سابع مرة اضطر فيها وأسرتي للنزوح، في آخر مرة انتهى بنا الوضع في منزل أحد أقاربنا في مديرية جبل مراد، ثم دفعتنا الحرب للفرار مرة أخرى، إنها رحلة طويلة من المعاناة”.
يعاني الناس في المخيمات للعثور على الضروريات الأساسية مثل الطعام والدواء والمياه والمأوى، قال الزبيري إنها أكبر موجة للنزوح سجلتها المحافظة، وهناك موارد قليلة متاحة لإيوائهم.
يقول علي صالح محمد، أب لعشرة أطفال انتقل من محافظة الجوف عندما سيطرت عليها قوات الحوثيين العام الماضي: “إننا نعاني من كل شيء بعد أن فقدنا كل ما نملك، لقد حل الشتاء ولدينا أطفال ولا نملك ما يحميهم من الطقس البارد”.
حذرت اليونسيف من أن موجة العنف الأخيرة أدت إلى تفاقم وضع الأطفال البائس بالفعل، الذين يبلغ عددهم ما يقارب 1.7 مليون نازح داخلي في اليمن
تقول منال عبده، ممرضة يمنية تعمل في مخيم الخولة للنازحين داخليًا في مديرية الوادي إن الوضع الصحي كارثي للغاية، وتضيف “ما تتجاهله المنظمات الدولية وأصحاب الشأن هو أن أن الصحراء قارسة البرودة ولا يمكن أن يتحملها أحد، إنهم بحاجة إلى أغطية وسخانات كهربائية وأشياء أخرى تحميهم من الأمراض التي قد تؤثر على صحتهم، لقد أدى التدفق الجديد للنازحين داخليًا إلى تفاقم المشكلة واستفحال المعاناة”.
مستقبل مظلم
في محافظة ذات بنية تحتية هشة ومجتمع مُضيف يزداد ضعفًا، لم تعد المنظمات الدولية قادرة على تخفيف المعاناة، أصدرت مجموعة من 14 هيئة إغاثة دولية تعمل في مأرب، بيانًا في أول نوفمبر/تشرين الثاني تعرب فيه عن قلقها العميق بشأن وضع النازحين داخليًا، بينما حذرت اليونسيف من أن موجة العنف الأخيرة أدت إلى تفاقم وضع الأطفال البائس بالفعل، الذين يبلغ عددهم ما يقارب 1.7 مليون نازح داخلي في اليمن.
يقول دهبول: “هيئات الإغاثة ضعيفة وغير منظمة، إنهم لا يوفرون لنا المأوى أو الأغطية وغيرهم من ضروريات الحياة، لكنهم يقدمون لنا الحساء وأدوات النظافة، لا نعلم، ربما لم يصلوا إلينا بعد، وربما لن يأتوا مطلقًا، لا فكرة لدينا عن ذلك”.
يقول الشجاني في مناقشة لعمل المنظمات الدولية إن تعاملهم مع طوارئ النزوح الداخلي مستهتر وغير محايد، كانت مجموعة من المنظمات قد قالت في بيان لها “إننا نواصل العمل في بيئة مليئة بالتحديات، ونقص حاد في الأموال، ما أدى إلى فقدان القدرة على التعامل مع الأزمة في مأرب”.
إذا واصل مقاتلو الحوثيين تقدمهم باتجاه مدينة مأرب، فإن المنظمات الدولية والمؤسسات الحكومية ستواجه تحديًا إنسانيًا ضخمًا لتوطين ورعاية مئات آلاف النازحين داخليًا، يتساءل علي صالح “إننا خائفون من المستقبل، ماذا لو وصلت الحرب إلى هذه المخيمات؟ لا نملك إلا الدعاء إلى الله ليساعدنا ويحفظ أطفالنا”.
المصدر: ميدل إيست آي