فيلم Shang-Chi.. توني لونغ يُحيِى أسطورة الحلقات العشرة

ewRJwnroRHGuzZNBH8DsH5

في عام 1970 انفصل رايموند شو عن شركة “إستوديو الأخوة شو” الذي كان يملكها بصحبة أخوته، وقرر تدشين شركته الخاصة Orange Sky Golden Harvest للإنتاج السينمائي، لينتج لتلميذ أشهر معلم فنون قتالية، النجم الأكثر شهرة على الإطلاق، ومؤدي الفنون القتالية صاحب الكاريزما المدهشة بروس لي، لتلاقي أفلامه نجاحًا هائلًا، ويصبح معبر لثقافة الفنون القتالية بشكل عام نحو مجتمعات الغرب ونوادي السينما الأوروبية والأمريكية التي لم تدرك هذا النوع من قبل، ولم تفطن لما يحتويه من إثارة إلا على يد بروس لي الذي أضحى معبودًا للجماهير ورائدًا في نوعية الـCult Films بقاعدة جماهيرية ضخمة.

صورة

في نفس الفترة تقريبًا، وبعد أن اجتاحت حموة أفلام الفنون القتالية الولايات المتحدة، حاول المؤلفان ستيف إنجلهارت وجيم ستارلين التعاون مع شركة DC لتطوير شخصية مرتبطة بثيمات الفنون القتالية، وهذا يظهر مدى تأثير بروس لي على الفن آنذاك، وقتها شركة DC لم توافق على الفكرة، لظنها أن موجة الفنون القتالية سرعان ما ستخبو ولم يبق لها أثر، فتوجها إلى شركة Marvel التي وافقت على المشروع، لكن بشروط معينة.

بعدها، أقدم كلاهما على خلق شخصية تشانج تشي (Shang-Chi) البطل الخارق الملقب بخبير الكونغ فو (Master of Kung Fu)، ولدت الشخصية متأثرة بأجواء شرق آسيا خصوصًا بروس لي من حيث الشكل ونوع الفنون القتالية، وتعددت الكثير من المحاولات لتحويلها إلى أفلام أو مسلسلات.

في الثمانينيات تحاور ستان لي مع براندون لي ابن الأسطورة بروس لي ليصنع مسلسلًا أو فيلمًا مأخوذًا عن الشخصية، لكن هذه المحاولة بجانب محاولات أخرى كثيرة لم تنجح، حتى أعلنت شركة مارفل في 2018 نيتها صنع الفيلم، واختارت المخرج ديستين كريتون ليتولى صناعة الفيلم.

صورة

يعد الفيلم محاولةً من شركة مارفل لتعزيز سوقها في آسيا بشكل خاص، من أجل تأسيس قاعدة جماهيرية ترتبط بالعالم، ليس فقط من الناحية القصصية، بل من ناحية الشكل ولغة الخطاب، وهذه نقطة مهمة تنفرد بها شركة مارفل عن أغلب إستوديوهات الأبطال الخارقين، لأن الخطاب الموجه لفئة معينة يمنحها قيمة مضاعفة، بجانب تثمينه للمنتج السينمائي الخاص بتلك الفئة كفئة مميزة وموضع اهتمام عالمي، ليس فقط من حيث الشكل الخارجي الصوري، لكن من حيث اللغة والثقافة، وهذا بالضبط ما تحاول مارفل اللعب عليه، أن تضع حجر أساس يكسبها ثقة الجمهور القاطن في النصف الآخر من الكرة الأرضية.

لكن على العكس، فالفيلم لا يحمل كثيرًا من ثقافة الشعوب الآسيوية، وهذا بالطبع لأنه مصمم ليتناسب مع الجو العام لعالم مارفل السينمائي، التي تتجنب الدماء بشكل مثير للسخرية في أغلب أفلامها، وتحاول البعد عن العلاقات الجنسية، وبهذه الطريقة تستطيع أن توسع مجال الفئات العمرية، وتوجه الفيلم لأكثر من بيئة اجتماعية، وعلى ذلك تحقق أرباحًا أكثر، وبهذه الطريقة تستطيع أن تعمل الشركة في المنطقة الآمنة بحيث لا تخاطر بجماهيريتها ولا بأموالها.

صورة

تأثر الفيلم بعدة ثيمات سينمائية آسيوية، وهذا طبيعي، لأن الشخصية نفسها خلقت في ظل فورة أفلام الفنون القتالية والووشيا، وإذا نظرنا لمشاهد القتال في الفيلم، وهي أهم المشاهد على الإطلاق في هذا النوع من الأفلام، سنجدها متأثرة ببعض الأفلام السابقة من حيث الأسلوب، بدايةً من مشهد القتال الرائع في الحافلة، الذي تنتقل فيه الكاميرا نحو الجهة الخارجية، فتكشف للمشاهد الحافلة المشطورة من الخارج، نلاحظ تشابهًا كبيرًا بين أسلوب المشهد السريع والديناميكي، بمشهد أيقوني في فيلم Old Boy للمخرج بارك تشان ووك، حين تنتقل الكاميرا للخارج، لتكشف الممر بشكل عرضي، ونرى في لقطة طويلة، البطل داي يقاتل كل أفراد العصابة تقريبًا وهو يحمل مطرقة في يديه.

هناك لقطات لقتالات أخرى متأثرة بأفلام الووشيا wuxia الصينية، خصوصًا التي أخرجها المخرج تشانج يمو zhang yimou، ويمكن ملاحظة التشابه الكبير بين تصميم القتالات في الفيلم والقتالات في فيلم Hero 2002 – الذي نقل أفلام الفنون القتالية بشكل عام إلى مرحلة مختلفة تمامًا ـ من حيث التنفيذ والأسلوب، الحركات التي تشبه الرقص الإيقاعي، والملابس الواسعة المستلهمة من ثقافة شرق آسيا الشعبية، والمدى الواسع التي تتخذه هذه الفنون القتالية، بجانب أسلوب الحركة نفسة والميل للطيران في الهواء، كل هذا يذكرنا بقتالات فيلم Hero لكن بمدى أصغر وقيمة جمالية أقل، وعنف أخف من المعتاد.

صورة

يدور الفيلم حول تشانج تشي (الممثل سيمو ليو) الفتى الذي يهرب من تحت وطأة والده شو (الممثل توني لونغ) الرجل الذي يحظى بالخلود بفضل قوة الحلقات العشرة، فيلجأ تشانج إلى الولايات المتحدة ليختفي عن الأنظار، ويترك أخته ورائه بعد موت والدته.

القصة تبدأ من الماضي، لتؤسس لأسطورة الحلقات العشرة، وتكشف قوة الشخصية الرئيسية التي جعلتها شركة مارفل مزجًا بين شخصية الطبيب فومانشي من روايات الكاتب الإنجليزي ساكس رومر، وشخصية الماندرن وهي شخصية شرير خارق من القصص المصورة لعالم مارفل.

ترصد لقطات الفلاش باك سعي شو للبحث عن البوابة الخفية لمدينة “تا لو” واصطدامه بحارسة البوابة القوية ينج لي، التي سيقع في حبها وستصبح زوجته لاحقًا.

ثم يقفز بنا السرد لمدينة سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة، حيث يعيش الابن، يعمل خادمًا في أحد الفنادق بصحبة صديقته كاتي (الممثلة أوكوافينا) في حياة تميل للعبث واللهو، الجميل في تلك الشخصيات أنها مكتوبة بنزعة كوميدية مناسبة تمامًا لما يقدمه الفيلم من محتوى، وهذا يسهل مهمة دمج عالمها مع بقية عوالم الأبطال الخارقين في مارفل التي تتميز بتلك النزعة الفكاهية عكس عالم DC القاتم.

تنقلب حياة الاثنين عندما يتلقى تشانج خطابًا يحمل عنونًا لأخته الذي لم يرها منذ سنوات في الصين، يسافر تشانج للبحث عن أخته في الصين، ومن هنا تبدأ الأمور بالتعقيد ويتسارع الإيقاع بشكل كبير، ليكتشف تشانج أن والده يحاول من خلالهما – هو وأخته – إيجاد طريقة لدخول مدينة “تا لو”، لينقذ زوجته، التي يخيل له أنها لم تمت بل سجنت خلف بوابة المدينة السحرية.

صورة

تميز الفيلم بإيقاع ديناميكي مملوء بالحركة، بيد أن الإيقاع السريع أثر على القصة في أغلب أركانها، سواء في اللحظات التي كان من المفترض أن تأخذ مساحة أكبر من وقت الفيلم أم الخط السردي للأب صاحب القوة الأسطورية، كل شيء حدث سريعًا، طبقًا لطبيعة الفيلم، لكن كان من المفترض أن نرى شخصيات مكثفة بشكل أفضل، ليستطيع المشاهد أن يتوحد معهم، فالفيلم نفسه لا يقدم جديدًا على مستوى البناء القصصي أو الحبكة، لكنه يقدم ظاهرة أو حالة مشرّبة بالثقافة الآسيوية، شيء جديد على عالم الأبطال الخارقين، بجانب تدعيمه للفيلم بممثل من أفضل الممثلين في العالم، الوجه الأكثر ألفة ووسامة بين أقرانه في آسيا، الممثل توني لونغ، وهذا ربما يكفي محبي السينما العالمية لكي يدخلوا السينما، فوجه توني المشع، والجذاب للجمهور بكل فئاته وأذواقه، سيحفز الجمهور لمشاهدة تلك التجربة الجديدة كليًا على الممثل المخضرم.

صورة

توني لونغ صاحب الوجه نصف طفولي نصف وسيم، سيظهر بدور شخصية شريرة ذات قدرات خاصة، الأمر مثير لفضول محبي توني في المقام الأول قبل جماهير الأبطال الخارقين، لأن أغلب أدوار توني المعروفة كانت مع مخرجي آسيا الكبار، مثل ونغ كار واي وهيساو-هايسن هو وتشانج يامو وغيرهم من الفنانين العظماء الذين طوروا السينما الآسيوية ورفعوها إلى مرتبة أعلى من الشاعرية والرمزية والتجريب، لذا عندما يوافق ممثل بهذا الحجم على دخول تجربة في عالم الخوارق، إذًا هناك شيء خارجي، يخص توني لونغ وحده، سيبقي المشاهد متحفزًا لرؤيته.

الثلث الأخير من الفيلم كان أشبه بحشد من القتالات والمؤثرات البصرية لكائنات ضخمة تتعارك، الذروة أدت إلى انفلات الإيقاع وفقدان فرصة تطوير العلاقة بين الأب والابن أكثر من ذلك، فحتى نهاية الفيلم بدت العلاقة بين تشانج ووالده علاقة سطحية ليس فيها إلا المنفعة والكراهية، كان من الممكن تطوير العاطفة بين الشخصيتين بما يفيد خلق دراما أكثر تعقيدًا مما هي عليه، خصوصًا أن ثيمة الأب والابن هي ثيمة معروفة ومعقدة ويمكن العمل عليها بشكل مكثف لبناء دوافع سردية.

لكن بدلًا من ذلك فضّل المخرج التركيز على المنطقة الفكاهية والقتالات والمؤثرات البصرية ودمجها مع الحكاية ليخلق إيقاعًا، لكن دون عمق حقيقي وكافٍ لملء الفراغ الدرامي، ليصبح الفيلم فيلم شخصيات، يعتمد على ما يعطيه الممثل من أداء وكاريزما على الشاشة لتجذب عين المشاهد، وتبقيه متحفزًا للنهاية، لكن على المستوى البناء القصصي فهو مجرد قفزات مقتطعة وإيقاع سريع.