في خضمّ أحداث الحرب المستمرة منذ 7 سنوات، يواجه اليمنيون أزمات متتالية بمختلف مجالات حياتهم المعيشية، أبرزها أزمة المحروقات، إذ تشكّل أزمة الغاز المنزلي واحدة من أكثر الأزمات التي انعكست سلبًا على حياة المواطنين وفاقمت من معاناتهم اليومية.
وخلال السنوات الماضية تحولت أزمة الغاز المنزلي إلى حالة مزمنة أثقلت كاهل المواطنين، وتسبّبت في معاناة مضاعفة للكثير من اليمنيين في ظلّ أزمات أخرى في المشتقات النفطية تشهدها بعض المحافظات اليمنية بين الفينة والأخرى، خصوصًا في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، ضاعفت أزمة غاز الطهي معاناة المواطنين في صنعاء ومدينة إب الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، ووفقًا لتصريحات سكّان محليين لـ”نون بوست” فإن سعر الأسطوانة في السوق السوداء وصل إلى نحو 14 ألف ريال يمني، أي ما يعادل نحو 25 دولارًا أمريكيًّا بحسب سعر صرف الدولار في صنعاء.
معاناة مضاعفة
في ظل انعدام مادة الغاز المنزلي، وارتفاع أسعارها في السوق السوداء، أصبح الكثير من المواطنين غير قادرين على شرائها، نظرًا إلى الظروف المعيشية القاسية التي يعيشونها نتيجة انقطاع الرواتب الحكومية في مناطق سيطرة الحوثيين، وانعدام فرص العمل، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية بشكل غير مسبوق.
لم يتمكّن محمد نصر (40 عامًا)، موظف حكومي في محافظة إب، من الحصول على أسطوانة الغاز المنزلي منذ أشهر نتيجة انقطاع راتبه الحكومي، على غرار مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين المنقطعة رواتبهم في مناطق سيطرة الحوثيين منذ عام 2016.
يحكي نصر تفاصيل مأساوية حول حياته اليومية مع أفراد أسرته، حيث يقول لـ”نون بوست”: “منذ 5 أشهر ونحن بلا غاز، لجأت زوجتي إلى الاحتطاب لإعداد الطعام للأطفال، إننا في أسوأ أيام حياتنا وسط أزمات أثقلت كاهلنا وفاقمت من معاناتنا”.
لم تقتصر أزمة الغاز المنزلي على مناطق سيطرة الحوثيين فحسب، ففي مدنية تعز الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها فاقمت أزمة غاز الطهي معاناة المواطنين.
ويلفت نصر إلى أن “أزمة الغاز المنزلي تأتي في ظل ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية بشكل غير مسبوق، وانعدام فرص العمل واستمرار انقطاع الرواتب”، لافتًا إلى أن حياته أصبحت شبه مخنوقة، حسب وصفه.
ولم تقتصر أزمة الغاز المنزلي على مناطق سيطرة الحوثيين فحسب، ففي مدنية تعز الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها، فاقمت أزمة غاز الطهي معاناة المواطنين وأثقلت كواهلهم، خصوصًا في ظلّ انهيار الريال اليمني حيث وصل سعر صرف الدولار الأمريكي خلال الأيام الماضية إلى نحو 1400 ريال للدولار الواحد، وذلك أدّى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية، وانعكس سلبًا على حياة المواطنين وفاقمت من معاناتهم اليومية.
ويرى الباحث في الشؤون الاقتصادية عبد الواحد العوبلي أن “أزمة الغاز المنزلي تنعكس سلبًا على حياة المواطنين بمختلف مجالات حياتهم اليومية، خصوصًا في ظلّ تدهور الأوضاع المعيشية نتيجة استمرار الحرب التي تعصف بالبلاد منذ 7 سنوات”.
ويكمل العوبلي لـ”نون بوست”: “انعدام مادة الغاز المنزلي يؤثر على الأنشطة التجارية وعلى حركة المواصلات، خصوصًا أن الكثير من حافلات النقل داخل المدن، وسيارات الأجرة، تستخدم مادة الغاز كونه مناسب اقتصاديًّا ويستهلك بشكل أقل، وكل من يعتمد على وسيلة نقل في الحصول على مصدر رزقه سوف يتأثر بشكل سلبي”.
يضيف العوبلي: “ارتفاع سعر مادة الغاز المنزلي يتسبّب في ارتفاع أسعار الكثير من السلع والخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين ويفاقم من معاناتهم”.
ووفقًا للأمم المتحدة، فإن اليمن يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم، ومع دخول الحرب في البلاد عامها السابع تشير أحدث التقديرات إلى أن نحو 50 ألف شخص يعيشون حاليًّا في ظروف تشبه المجاعة، ويشتدّ الجوع في المناطق المتضرِّرة من الصراع، ويحتاج ما يقارب 21 مليون شخص، أي أكثر من 66% من إجمالي عدد السكان، إلى مساعدات إنسانية وحماية.
إجراءات معقّدة
يسكن أحمد قاسم (50 عامًا) مع عائلته في ريف مدينة إب وسط اليمن، يشكو من صعوبة كبيرة في الحصول على أسطوانة الغاز المنزلي، نتيجة الإجراءات التي اتخذتها سلطات الحوثي غير المعترف بها في بيع الغاز للمواطنين عن طريق “عقّال الحارات” في المدن، وكذلك في القرى، ومنع التجار من بيعها بطريقة مباشرة.
يروي أحمد قاسم تفاصيل مأسوية في الحصول على أسطوانة الغاز المنزلي، حيث يقول لـ”نون بوست”: “ما نتعرض له من إهانة وتعذيب وإذلال من قبل المسؤولين خلال توزيع غاز الطهي يكدّر صفو حياتنا، لكن ارتفاع سعر أسطوانة الغاز في السوق السوداء يجعلنا نتحمل كل ذلك الإذلال”.
يضيف: “عند كل شهرَين نحصل على أسطوانة واحدة وهي لا تكفي حتى لشهر واحد، ومع ذلك الحوثيون يحتالون علينا في خفض التعبئة، بالإضافة إلى أن “عقّال الحارات” يفرضون علينا مبالغ مالية فوق سعر كل أسطوانة”.
تمامًا مثل أحمد قاسم، يشكو أمين ناجي، وهو أحد سكان العاصمة صنعاء، من صعوبة الحصول على أسطوانة الغاز المنزلي بفعل تعنُّت عاقل الحارة التي يسكن فيها، بالإضافة إلى عجزه عن شرائه بأسعار مضاعفة من السوق السوداء.
رغم إخفاق وفشل ذلك الإجراء الذي يصفه المواطنون بأنه تعسُّفي، إلا أن الحوثيين مستمرّون بتطبيقه حتى اللحظة.
يقول أمين ناجي (45 عامًا): “إن أسوأ يوم في حياتي ذلك اليوم الذي أنتظر فيه الحصول على أسطوانة الغاز أمام منزل عاقل الحارة تحت أشعة الشمس الحارقة”.
ويضيف ناجي لـ”نون بوست”: “لا يكترث مسؤولو توزيع مادة الغاز المنزلي التابعون للحوثيين ببيعها في السوق السوداء وحرمان المواطنين”، لافتًا إلى “أن عاقل الحارة التي يسكن فيها بحي الصافية في العاصمة صنعاء يتعمّد حرمانهم أحيانًا من حصتهم الشهرية من غاز الطهي وبيعها في السوق السوداء”.
وخلال السنوات الماضية، فرضت سلطات الحوثيين غير المعترف بها دوليًّا في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرتها، إجراءات معقّدة من خلال اعتماد خطة جديدة لبيع الغاز المنزلي عن طريق “عقّال الحارات” في المدن، ومنع التجّار من بيعها للمواطنين بطريقة مباشرة، ما يجعل من الصعوبة الحصول عليها بشكل فوري وذلك ينعكس سلبًا على المواطنين.
ورغم إخفاق ذلك الإجراء الذي يصفه المواطنون بأنه تعسفي، إلا أن الحوثيين مستمرّون بتطبيقه حتى اللحظة، وذلك لأنه، بحسب اقتصاديين، يعود بمنافع مادية يجنيها الحوثيون جرّائه رغم حالة البؤس والقتامة التي يعيش فيها المواطنون في مناطق سيطرة الحوثيين.
أزمات متتالية وأسواق سوداء
منذ اندلاع الحرب في اليمن لا يكاد يمرّ شهر في حياة اليمنيين من دون أزمات، سواء في الغاز المنزلي أو المشتقات النفطية وغيرها من الأزمات التي يدفع ثمنها المواطن اليمني المغلوب على أمره، خصوصًا في ظل عجز الحكومة المعترف بها عن القيام بواجبها تجاه المواطنين.
وخلال الفترة الماضية شهدت بعض المحافظات اليمنية أزمة خانقة في المشتقات النفطية بالتزامن مع وجود أزمة خانقة في الغاز المنزلي، حيث وصل سعر 20 لترًا من البنزين في السوق السوداء إلى نحو 17 ألف ريال، أي ما يعادل 30 دولارًا أمريكيًّا، بينما وصل سعر أسطوانة الغاز 14 ريالًا أي ما يعادل نحو 25 دولارًا أمريكيًّا.
وتحولت شوارع وأحياء المدن اليمنية، خصوصًا في مناطق سيطرة الحوثيين، خلال الفترة الأخيرة إلى أسواق سوداء لبيع المشتقات النفطية، في حين بدت محطات الوقود الرسمية خاوية، وبعضها يصطفّ فيها طوابير طويلة لمئات السيارات لكنها بنفس أسعار السوق السوداء التي تبيع للمواطنين بأسعار مضاعفة.
وينتشر العشرات من بائعي المشتقات النفطية على أرصفة الطرق وشوارع المدن، وتتفاوت الأسعار من منطقة إلى أخرى، بينما تُملأ أحواش المسؤولين و”عقّال الحارات” بالغاز المنزلي بهدف بيعها في السوق السوداء بأسعار مضاعفة، وذلك بحسب مراقبين يؤكّدون أن الأزمات في اليمن مفتعلة.
أزمة مفتعلة؟
يرى الباحث في الشؤون الاقتصادية، عبد الواحد العوبلي، أن “حدوث أي أزمة في الغاز المنزلي في اليمن هي أزمة مفتعلة بهدف رفع الأسعار على المواطنين، خصوصًا في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين”.
أزمة الغاز المنزلي وكذلك المشتقات النفطية تسبّبت في مفاقمة معاناة المواطنين المثقلة أصلًا بمعاناة وأزمات اقتصادية أخرى.
وأضاف العوبلي في تصريح لـ”نون بوست”: “بإمكان شركة صافر (قطاع 18) في محافظة مأرب، إنتاج ما يكفي من استهلاك الغاز المنزلي لكافة المحافظات اليمنية”، مضيفًا “أنه في كل يوم يغادر محطة الغاز المنزلي في صافر ما يقارب نحو 85 إلى 90 ناقلة، وهي كافية لتغطية استهلاك الجمهورية بشكل كامل”.
من جانبه يرى الصحفي اليمني محمد الحربيي أنه “من المؤسف الحديث عن أزمة غاز منزلي في بلد منتجة للغاز، لكن الأشياء التي يؤسف لها في اليمن تجاوزت الاستغراب وأصبح معها الأسف سائدًا”.
وأضاف الحربيي في تصريح لـ”نون بوست”: “في حين تزدحم الأسواق السوداء بمادة الغاز المنزلي، ينعدم في الوكالات الرسمية المخصَّصة لبيعها دون وجود أسباب منطقية أو أي مبررات، لافتًا إلى أن النافذين المتحكمين بسوق الغاز يريدون أن تستمرَّ أرباحهم بالتصاعد، دون اكتراث لواقع الحالة الإنسانية للسكان في اليمن”.
ويلفت الحربيي إلى أن “معاناة السكان بمختلف المحافظات اليمنية من أزمة الغاز المفتعلة انعكست سلبًا على واقعهم المعيشي المتأثر أصلًا بظروف الحرب التي تعصف بالبلاد منذ 7 سنوات”.
بالمحصلة، إن أزمة الغاز المنزلي وكذلك المشتقات النفطية تسبّبت في مفاقمة معاناة المواطنين المثقلة أصلًا بمعاناة وأزمات اقتصادية أخرى نتيجة الحرب المستمرة التي تعصف بالبلاد منذ عام 2014.