ترجمة حفصة جودة
يفرض منحنى الطلب نفسه على كل تجارة، ارفع الأسعار وستجد أن مبيعاتك تتداعى، أو اخفضها وسيندفع إليك العملاء، هكذا عادة إما مبيعات عالية وإما ربح عالٍ، الكأس المقدسة لإستراتيجية التسعير تنطوي على إيجاد طرق لمراوغة هذا القانون الاقتصادي الصارم، لرفع الأسعار دون خسارة المبيعات.
أصبح الأمر أكثر أهمية في هذه الأيام، إذ ترتفع أسعار المدخلات سريعًا ليصبح رفع الأسعار ضروريًا حتى يستمر العمل.
لكننا نعيش في عصر يملك فيه العملاء عيونًا حادةً وأصواتًا عاليةً، فعندما ترفع شركة أسعارها بشكل مباشر يلاحظ أحد العملاء اليقظين الأمر ويشتكي على وسائل التواصل الاجتماعي، مهما كانت الزيادة صغيرة أو مبررة، تنتشر عدة شكاوى قليلة كالنار في الهشيم لتنقلب على أكثر زيادات الأسعار تنظيمًا.
الحل الوحيد أمام الشركات هو رفع الأسعار في الخفاء، تأمل الشركات في أن زيادة الأسعار بشكل يصعب تقييمه يجعلها تهرب من الملاحظة وتتجنب ردود فعل العملاء العنيفة، إليكم أشهر الطرق التي تستخدمها الشركات لترفع الأسعار في الخفاء.
تفكيك الخدمات وخفض جودة المنتج والحد من قيمة برامج المكافآت
من أفضل الأقوال المأثورة لديّ “ارفع الأسعار لكن ابقها كما هي”، يبدو الأمر كأنه لغز كوآن (ممارسة بوذية تراثية)، وهو يحمل مفتاح زيادة الأسعار بنجاح، بالنظر إلى تلك الإحصائية عن أسعار شركات الطيران: متوسط سعر تذكرة الطيران المحلية هو نفسه منذ 25 عامًا، 260 دولارًا مقابل 284 عام 1996، وذلك قبل التعديل نتيجة التضخم، كيف من الممكن أن لا ترفع صناعة الطيران أسعار تذاكرها خلال عقدين؟
الأمر ليس كذلك حقًا، فمعظمنا يدفع الكثير للطيران اليوم، بفضل مزيج من 3 زيادات خفية:
أولًا: فككت شركات الطيران خدماتها بحيث يدفع المسافرون رسومًا إضافيةً لفحص الأمتعة والصعود المبكر على سطح الطائرة واختيار المقعد والحصول على وجبة وهكذا، تكلفة هذه الخدمات لا تظهر في سعر التذكرة لكنها أساسية.
ثانيًا: انخفضت جودة مقاعد الطائرة وفقًا لاتساعها وخامتها وانحدارها وثقلها، ما يعني أن العملاء يحصلون على قيمة أقل مقابل سعر التذكرة.
ثالثًا: قللت شركات الطيران بشكل منتظم من قيمة برنامج أميال الطيران المتكررة، ما يرفع التكلفة على المسافرين بشكل متكرر مقارنة بعام 1996.
هذه الممارسات شائعة في الصناعات الأخرى سواء رسوم المنتجعات في الفنادق أم مواد خام أرخص في الملابس والأجهزة أم برامج مكافآت مطاعم وبطاقات ائتمان أكثر صرامة، لذا فمتوسط سعر التذكرة المحلية هو نفسه منذ 25 عامًا، لكن شركات الطيران وجدت طرقًا أخرى لزيادة أسعار الطيران.
الانكماش وتكلفة الكمية الإضافية
يعلم معظم الناس بشأن الانكماش، وهي ممارسة شائعة في صناعة البقالة بتقليل الوزن أو الكمية أو حجم العبوة مع الإبقاء على نفس السعر، هذه الطريقة فعالة في زيادة السعر سرًا لأن المستهلكين ينتبهون بشكل أكبر لزيادة السعر عن الوزن المكافئ أو نقص الكمية.
تستخدم الشركات حيلة نفسية صغيرة تُسمى “الأقل شهرة” مع العبوات الكبيرة، إذ يفترض المتسوقون أن العبوات المكتوب عليها “حجم حفلة” أو “جامبو” ستكون أرخص من الوحدات الصغيرة، لكن الأمر عادة لا يكون كذلك، تستغل الشركات هذا الاعتقاد الشائع لدى المستهلك بصنع عبوات أكبر لتربح هامش أكبر، وهو ما يطلق عليه الباحثون “تكلفة الكمية الإضافية”.
في الوقت نفسه، في بعض الفئات مثل الكولا والكعك تظل تكلفة العبوات الأصغر حجمًا أعلى من العبوات ذات الحجم القياسي تمامًا كما يتوقع المستهلك، الفكرة المهمة هنا هو أن كل منتج في العلامة التجارية له هامش ربح مختلف ليس بديهيًا دائمًا لدى المستهلكين.
لذا لرفع الأسعار سرًا تبيع العلامة التجارية المزيد من المواد ذات هامش الربح الأكبر بزيادة توافرهم ووضوحهم في المتاجر أو سحب المواد الشائعة ذات هامش الربح المنخفض عن التداول فترة، وعليه فالسعر لم يتغير لكن المستهلك يدفع أكثر.
اختفاء العروض والقسائم
تنتشر حوافز مثل القسائم أو عروض “اشتر واحدة واحصل على أخرى مجانية” أو الشحن المجاني في العديد من الصناعات، يعمل كل عرض على تخفيض السعر الفعلي الذي يدفعه العملاء، لذا من المنطقي أن تتمكن الشركات من رفع أسعارها بشكل روتيني سرًا من خلال الحد من الحوافز التي تقدمها.
حتى زيادة سعر عرض الحصول على الشحن المجاني من 49 دولارًا إلى 99 دولارًا يعد زيادة في الأسعار، قد يتذمر بعض العملاء بسبب اختفاء عرضهم المفضل، لكن القليل منهم يغيرون سلوكهم تبعًا لذلك.
التكلفة المنخفضة للعضوية
انظر إلى هذه المقارنة: أيهما أرخص؟ عبوة مايونيز حجمها 64 أوقية في نادي المستودعات بتكلفة 7.99 دولار، أم عبوة لنفس الشركة حجمها 48 أوقية في المتاجر بسعر 5.94 دولار؟
سيخمن معظم الناس أنه المستودع لانخفاض سعر العبوة، لكن عند القيام بحسابات رياضية ستجد أن سعر كل أوقية هو نفسه، لكن عندما تضع في اعتبارك أن نادي المستودع يتطلب تكاليف إجبارية منفصلة للحصول على عضويته ستجد أن المستهلك يدفع أكثر عند الشراء من المستودع.
ومع ذلك فرغم أنهم يستمرون في دفعها، فإن عملاء المستودعات يتجاهلون الرسوم الأولية حتى لو كانت متكررة ويعتبرونها تكلفة منخفضة ولا يحسبونها ضمن السعر الفعلي للمنتجات، يُعرف ذلك باسم التسعيرة ذات الجزئين – تموّه رسوم العضوية على السعر الفعلي الذي يدفعه العملاء – وهي السر في نجاح كوستكو وأمازون وربما صالة الألعاب الرياضية في حيّك (رسوم الجيم الأولية، الرسوم الإدارية، طلبات التقدم للمالك، ورسوم معالجة بائع التذاكر الإلكترونية لكل صفقة، كل هذه الرسوم تخدم نفس الغرض)، وهكذا لا يحتسب معظم عملاء أندية المستودعات رسوم العضوية من تكلفة مشترياتهم.
من الجيد إلى الأفضل، ومن الأفضل إلى الممتاز
هناك طريقة أخرى لرفع السعر سرًا، وهي تقديم منتج جديد، إصدار بجودة أعلى وسعر أعلى، يُسمى ذلك تسعير “الجيد – الأفضل – الممتاز”، يفضل المستهلكون هذه الطريقة لأنها تمنحهم المزيد من الخيارات، لكن آثارها الجانبية زيادة الأسعار في الخفاء.
استخدمت العديد من الشركات تلك الطريقة للاستفادة من زيادة طلب المستهلكين وكسب أسعار أعلى في أثناء الجائحة، فعلى سبيل المثال، خفضت “بيلوتون” من أسعار معظم دراجاتها الأساسية الشائعة بمقدار 350 دولارًا أو 16% أي من 2245 دولارًا إلى 1895 دولارًا، وفي الوقت نفسه قدمت دراجة جديدة أعلى سعرًا وربحًا بثمن 2395 دولارًا.
أعتقد أن كلتا الخطوتين رفعت كفاءة متوسط الأسعار التي يدفعها عملاء “بيلوتون” رغم أن الشركة لن تؤكد ذلك بالطبع.
أما الشركات الأكثر ذكاءً فلا ترفع أسعارها بضجة كبيرة، لأن رفع السعر بشكل مباشر يقابله مقاومة من المستهلك، ما يفعلونه بدلًا من ذلك استخدام إستراتيجيات تسعير دقيقة لزيادة السعر سرًا، عادةً بإبقاء السعر الظاهر دون تغيير، لن يلاحظ معظم المستهلكين الأمر بل سيستفيد بعض العملاء بدفع أسعار أقل، لكن في النهاية تتمتع الشركة بمبيعات أعلى وهامش ربح أكبر من ذي قبل.
المصدر: وول ستريت جورنال