وقّع الأردن و”إسرائيل” برعاية إماراتية أمريكية، اتفاقًا أوليًا، للتعاون في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وتحلية المياه، أمس الإثنين 22 نوفمبر/تشرين الثاني الحاليّ، على هامش معرض “إكسبو 2020 دبي” وسط صمت رسمي وتعتيم إعلامي من الطرفين، بعد عدة أشهر من المفاوضات السرية.
وقّع على الاتفاق المزمع أن تبدأ دراسات جدوى مشروعاته العام المقبل، كل من وزير المياه الأردني محمد النجار ووزيرة الطاقة في الحكومة العبرية كارين الحرار، بمشاركة وزيرة التغير المناخي والبيئة الإماراتية مريم بنت محمد المهيري، وحضور المبعوث الرئاسي الأمريكي الخاص لشؤون المناخ جون كيري، وينص على توليد الأردن للكهرباء لصالح “إسرائيل” من الطاقة الشمسية لديه، وفي المقابل تعمل دولة الاحتلال على تحلية مياه البحر لصالح المملكة.
غضب شعبي وانقسام بيّن لدى الشارع الأردني إزاء هذه الخطوة التي تهدد سيادة المملكة وتضع مستقبل قطاعي الماء والطاقة بها بأيدي دولة الاحتلال، فيما تؤكد دور الإمارات الجديد كراعية لمصالح الدولة العبرية في منطقة الشرق الأوسط، وهو التوجه الذي قادته الدولة الخليجية خلال العامين الماضيين في إطار برغماتيتها المتطرفة لتعزيز نفوذها الإقليمي دون أي اعتبارات أو ثوابت وطنية أو عروبية.
سرية مثيرة للريبة
الحديث عن هذا الاتفاق وتفاصيله ليس وليد اليوم، بل يمتد إلى أكثر من 6 أشهر، مفاوضات مستمرة واتصالات هنا وهناك، ومشاورات بشأن بعض البنود، لكنه أحيط بنطاق من السرية المطلقة، وهو الأمر المثير للريبة والشك لدى كثيرين ممن فوجئوا بالإعلان عن توقيعه بالأمس.
كان يفترض توقيع الاتفاقية خلال قمة المناخ في غلاسكو الإسكتلندية، التي عقدت قبل أيام، غير أن الجانب الإسرائيلي طلب التأجيل لحين استكمال بعض البنود التي تعزز مصالحه بصورة كاملة حسبما نقلت “الجزيرة” عن وسائل إعلام عبرية، أو ربما لأن يكون التوقيع في دبي وما لذلك من دلالة ورمزية.
المتحدث الرسمي لوزارة المياه والري الأردنية عمر سلامة، الذي يفترض أن يكون على اطلاع تام بهذه الخطوة كون وزارته المخولة بها، قال في تصريحات له إنه لا علم لديه بالاتفاق أو أي تفاصيل بشأنه، الأمر كذلك مع وزارة الطاقة والثروة المعدنية التي نفت علمها بأي تفاصيل، هذا في الوقت الذي ذكر فيه مصدر مسؤول أن الاتفاق أحيط بسرية تامة ولا يعلم تفاصيله سوى شخصين فقط، منهما وزير الري الأردني محمد النجار.
اختراق إسرائيلي للعرب
الاتفاقية حال إقرارها عمليًا من المتوقع أن تزود الأردن بقرابة 100 مليون متر مكعب كمرحلة أولى قابلة للزيادة، وهو ما يمكن أن يحل جزئيًا أزمة ندرة المياه التي تعاني منها البلاد في الآونة الأخيرة، هذا في مقابل تزويد دولة الاحتلال بـ1.2 غيغاوات من الكهرباء المتولدة عبر المحطات الشمسية المزمع إقامتها جنوب وشرق المملكة.
وبعد توقيع الاتفاقية رسميًا يصبح مشروع “الكهرباء مقابل الماء” هو المشروع الإستراتيجي الثاني الذي تبرمه دولة الاحتلال مع الدول العربية في مجال الطاقة، وذلك بعد اتفاقية شراء الغاز الطبيعي، الموقعة مع القاهرة وعمّان، التي نجحت من خلالها في اخترق سوق الطاقة في كلا البلدين.
وتسعى دولة الاحتلال خلال العقدين الأخيرين إلى تعزيز شراكتها مع دول الجوار العربي تحديدًا في مجال المشروعات الإستراتيجية، مستغلة الأزمات التي تعاني منها تلك البلدان، لا سيما في مجالات المياه والطاقة والزراعة والبنى التحتية والمشروعات اللوجستية، ساعدها على ذلك الدعم الأمريكي المتواصل والضغوط الممارسة على العديد من الحكومات العربية لتفعيل أوجه التعاون مع الكيان العبري.
المعارضة وصفت الاتفاق بأنه اعتداء صارخ على السيادة الأردنية، ورهن “قطاعات الدولة الحيوية وفي مقدمتها قطاعات الطاقة والمياه والكهرباء بيد العدو الذي لن يتوانى عن استخدام هذه القطاعات للضغط على الأردن لتمرير مخططات الاحتلال”
تهديد للسيادة والأمن القومي
الخبير في مجال الطاقة عامر الشوبكي حذر من المشروعات التي تضمنتها تلك الاتفاقية، لافتًا إلى أنه في حال إقامتها بالطريقة المعلنة فإن ذلك سيمثل خطرًا وجوديًا على المملكة، حيث إخراج أمن قطاعي الطاقة والماء من يد الأردن لصالح الكيان الإسرائيلي، منوهًا أنه بتلك الاتفاقية ستكون دولة الاحتلال مركزًا محوريًا للطاقة والمياه والتجارة في الشرق الأوسط.
ويكشف الشوبكي أنه كان قد تقدم بدراسة تفصيلية لحكومة بلاده الأردنية بشأن إقامة بعض المشروعات من هذا النوع، منها إقامة محطة تحلية مياه على خليج العقبة (350 كليلومترًا جنوب الأردن)، مع إقامة محطة للطاقة الشمسية في جنوب المملكة توفر الطاقة النظيفة وبنسبة صفر انبعاثات كربونية للمشروع، وبتكلفة تصل إلى 600 مليون دولار.
وعن تمويل هذا المشروع أوضح أن ذلك ممكنًا من خلال الطرح العام في سوق الأوراق المالية ويكتتب بها الشعب الأردني والبنوك والصناديق الوطنية، بالإضافة إلى المنح والتمويل الدولي كمشروع صديق للبيئة ويواجه التغيرات المناخية، متوقعًا أن يدر على المملكة أموالًا طائلةً، بجانب أنه مشروع وطني بامتياز ويجنب البلاد أي ابتزازات أو تهديدات مستقبلية.. إلا أن الحكومة الأردنية لم ترد على المشروع المقدم.
المعارضة الأردنية تعتبر المشروع انتهاكًا للسيادة الوطنية للبلاد، وهو ما ذهب إليه حزب “جبهة العمل الإسلامي” (أكبر أحزاب المعارضة في الأردن) الذي وصف الاتفاق بأنه اعتداء صارخ على السيادة الأردنية، ورهن “قطاعات الدولة الحيوية وفي مقدمتها قطاعات الطاقة والمياه والكهرباء بيد العدو الذي لن يتوانى عن استخدام هذه القطاعات للضغط على الأردن لتمرير مخططات الاحتلال، وهو ما تحقق في محطات سابقة عبر الضغط في ملف المياه”، هذا بجانب أنه ترجمة عملية لصفقة القرن ودعمًا لاقتصاد الدولة العبرية من جيوب الأردنيين.
في تلك الظرفية قدمت الإمارات نفسها، كوكيل أعمال لتل أبيب، وبدلًا من دعم حكومة الأردن بالتمويل اللازم لبناء تلك المشروعات بصفة وطنية، عرضت تمويلها لكن تحت إطار اتفاق مع دولة الاحتلال
الحزب في بيان له رأى أنه “كان الأولى لأصحاب القرار لتعزيز أدوات الاستقلال، وفي مقدمة ذلك استقلال قطاعات الطاقة والمياه، اللجوء لإتمام المشاريع المقترحة ضمن هذه المجالات وفي مقدمتها مشروع تحلية مياه البحر في العقبة، أو ما يسمى بالناقل الوطني وربطه بمشروع ناقل مياه الديسي”، موضحًا أن “الاتفاق يكرس سياسة الاستيطان في الضفة ويعزز مخططات التهويد عبر تزويد إسرائيل بالكهرباء”.
وبعيدًا عن المخاطر المحتملة للمشروع، يرى قانونيون أنه مخالف دستوريًا، كونه لم يعرض بعد على مجلس الأمة (البرلمان)، الأمر الذي يفقده قانونيته، كما جاء في المادة (33) من الدستور الأردني التي تنص على أن “المعاهدات والاتفاقات التي يترتب عليها تحميل خزانة الدولة شيئًا من النفقات أو مساسًا بحقوق الأردنيين العامة أو الخاصة، لا تكون نافذة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة، ولا يجوز في أي حال أن تكون الشروط السرية في معاهدة أو اتفاق ما مناقضة للشروط العلنية”، وهو ما دفع بعض أعضاء البرلمان لوصفها بأنها لا قيمة لها.
الإمارات.. وكيل أعمال “إسرائيل” في المنطقة
تتعامل أبو ظبي منذ توقيع اتفاق “أبراهام” العام الماضي، بصفتها وكيل أعمال الدولة العبرية في الشرق الأوسط، إذ لا يوجد نشاط أو تحرك إسرائيلي على أي مسار عربي دون أن تكون الإمارات حاضرة بقوة، سواء بصفتها شريكًا أم طرفًا ضليعًا أم حتى راعية له، مسخرة كل ما لديها من إمكانات لتعزيز الحضور الإسرائيلي عربيًا.
ومن أبو ظبي إلى الرياض مرورًا بالمنامة، ومنها إلى الرباط وتونس عبر القاهرة، وصولًا إلى الخرطوم جنوبًا كبوابة نحو القرن الإفريقي، كانت الإمارة الخليجية الصغيرة شريكًا لدولة الاحتلال في تحركاتها كافة، حتى تلك التي ربما تحمل ضمنيًا تهديدًا للأمن القومي لبعض الحلفاء العرب.
الحكومة الأردنية خلال السنوات الماضية أرجأت تنفيذ مشروعات تحلية المياه، رغم ما تمتلكه من دراسات جدوى على أعلى مستوى، لكن التمويل كان العقبة الأساسية وراء هذا الإرجاء رغم ما تعانيه من فقر مائي يضع مستقبلها على المحك، مستعيضة على ذلك بسياسات التقشف المائي وترشيد الاستهلاك وبعض الإستراتيجيات الزراعية التي تقلل من استخدام هذا المورد الذي بات نادرًا.
وفي تلك الظرفية قدمت الإمارات نفسها، كوكيل أعمال لتل أبيب، وبدلًا من دعم حكومة الأردن بالتمويل اللازم لبناء تلك المشروعات بصفة وطنية، عرضت تمويلها لكن تحت إطار اتفاق مع دولة الاحتلال بما يساعدها على علاج أزمة الكهرباء التي تعاني منها، مستغلة الأزمة التي تعاني منها المملكة.
وتعزز أبو ظبي علاقاتها الاقتصادية مع تل أبيب منذ اتفاق التطبيع بصورة غير مسبوقة، فخلال 2020 ومنتصف عام 2021 بلغ حجم الصفقات التجارية المبرمة بين “إسرائيل” والإمارات أكثر 570 مليون دولار، فيما توقع مجلس الأعمال الإماراتي الإسرائيلي أن تصل قيمة المبادلات التجارية بين البلدين إلى مليار دولار عام 2021 بأكمله، وأن تتجاوز 3 مليارات في غضون 3 أعوام، بحسب صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية.
وفي الأخير.. وبعد الكشف عن مخطط الإمارات لإخضاع مياه وطاقة المملكة للسيطرة الإسرائيلية، بدأت بعض الكيانات السياسية الأردنية الرافضة للتطبيع التحرك لإسقاط الاتفاقية عبر العودة للشارع مرة أخرى، فيما جدد نشطاء على منصات التواصل الاجتماعي حملاتهم ضد المؤامرات الإسرائيلية الإماراتية التي تحاك ضد بلادهم.