ترجمة حفصة جودة
لم يتضح بعد إذا ما كان إلغاء حدث استقبال الرمز اليميني المتطرف الفرنسي إريك زمور في المعهد الملكي بلندن مؤخرًا سيوجه ضربة لحملته الرئاسية المفترضة، وبينما كان من المفترض الترحيب بإلغائه، فيجب أيضًا على مناهضي العنصرية عدم المبالغة في أهميته.
كان من المقرر أن يظهر زمور في هذا المعهد المرموق يوم الجمعة، لكن المعهد الملكي ألغى الحدث، وقال في بيانه: “بعد اتخاذ إجراءات العناية الواجبة، قرر المعهد الملكي إلغاء استئجار مكان الحدث وبالتالي لن يتحدث السيد زمور في المعهد الملكي”.
قد يبدو الأمر انتصارًا بالنسبة لهؤلاء الذي يعتقدون أنه من المفترض عدم منح زمور منصة لبث آرائه المعادية للمهاجرين والمسلمين والعنصرية بشكل عام، لكن فريق حملة زمور يراه انتصارًا ودليلًا على أهمية ترشحه للانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2022، بهذه الطريقة يعمل الحدث كتمرين لإضافة الشرعية على الشخصية الموصوفة بـ”ترامب فرنسا”.
في داخل فرنسا، أصبح من الضروري للكثيرين في المؤسسة تمييز الشخصيتين عن بعضهما البعض في الوقت الذي تتحدث فيه التعليقات الدولية عن أوجه الشبه بينهما، قد يشير ذلك إلى أن قطاعًا مهمًا من النخبة الفرنسية يتعاطف مع – وربما يؤيد بشكل مباشر – آمال زمور الرئاسية.
الإعجاب بترامب
على سبيل المثال، قال جيرارد أرود – سفير فرنسا في واشنطن – في أثناء رئاسية ترامب، لوكالة فرانس برس: “إنني أؤمن بمقارنته بترامب وبوريس جونسون، فبشكل أساسي، يريد الأمريكان ميليارديرًا، ويريد البريطانيون شخصًا من إيتون وإكسفورد، أما الفرنسيون فيريدون شخصية مثقفة”.
آراء إريك زمور العنصرية والمعادية للأجانب كثيرة لدرجة أنه واجه عدة إدانات بإثارة العنصرية والكراهية الدينية
ومع ذلك، فآراء زمور السياسية وسجله الحافل يضعه مباشرة في نفس المعسكر السياسي مع ترامب وجايير بولسونارو البرازيلي وماتيو سالفيني الإيطالي والعديد من شعبويّي اليمين المتطرف الذين يشغلون مناصب في السلطة حول العالم حاليًّا.
في الحقيقة، إعجاب زمور بترامب أمر معروف للجميع، فقد عبر عنه مباشرة في أثناء لقاء تليفزيوني أول الشهر عندما قال: “لقد نجح في جمع الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية الوطنية معًا، هذا ما كنت أحلم به لمدة 20 عامًا”.
كمؤيد لنظرية الاستبدال العظيم، قضى زمور حياته كمعلق ومؤلف ينشر المفهوم الوطني العرقي الخاطئ الذي يقول إن السكان الأصليين البيض في الأراضي الغربية استُبدلوا بفيضان لا ينتهي من المهاجرين الملونين.
لقد وصف البلدة الباريسية سين سانت دينيس المتنوعة عرقيًا بأنها “لم تعد فرنسية” وأنها أصبحت قارة أخرى بسبب السكان العرب والأفارقة الذين يعيشون هناك، وقال إنه في حال اختياره رئيسًا سيفرض حظرًا على استخدام اسم محمد كاسم أول لأنه ليس اسمًا فرنسيًا.
إضافة إلى ذلك، فإن آراءه العنصرية والمعادية للأجانب كثيرة لدرجة أنه واجه عدة إدانات بإثارة العنصرية والكراهية الدينية، بما في ذلك تصريحه التليفزيوني بأن “جميع المسلمين يعتبرون الجهاديين مسلمين صالحين”.
لصوص وقتلة ومغتصبون
حتى الآن في تلك اللحظة التي يحاول فيها الحصول على دعم المغتربين الفرنسيين في المملكة المتحدة، فهو يُحاكم مرة أخرى في باريس بتهم تتعلق بالتحريض على العنف والكراهية تجاه مجموعة من الناس بسبب عرقهم أو دينهم أو جنسيتهم.
يتعلق ذلك تحديدًا بالتعليقات التي قالها في مناظرة تليفزيونية على القناة الفرنسية “CNews” في 2020 عندما أشار إلى الأطفال الذين يهاجرون لفرنسا دون والديهم أو الأوصياء عليهم وقال: “إنهم لصوص وقتلة ومغتصبون، هذه حقيقتهم ويجب أن نعيدهم إلى بلادهم”.
قال محاميه أوليفر باردو إن هذه الادعاءات الحاليّة ضده لا دليل عليها، حيث قال إنه مطلوب بتهمة الكراهية العنصرية، لكن حسب معلوماتي فإن القصرّ غير المصاحبين لأولياء أمورهم ليس لهم عرق أو وطن، لم يكن زمور حاضرًا في المحكمة عند بداية الجلسة الأسبوع الماضي.
الأكثر من ذلك، أن زمور شخصية مشهورة في “Fachosphere” (وهي كلمة تُستخدم لوصف شبكة مساحات إنترنت اليمين المتطرف في فرنسا)، تقول سيسيل سيمونز من معهد الحوار الإستراتيجي في لندن “مثل بقية السياسيين من اليمين المتطرف، فزمور يثير تفاعلًا على الإنترنت أكثر من أي مرشح آخر بإثارة الجدل وإطلاق ادعاءات صارخة، تبالغ فيها وسائل التواصل الاجتماعي”.
من الصعب أن نعلم مقدار الدعم الذي كان ليحظى به زمور في هذا الحدث بلندن، الذي كان من المفترض أن يكون تجمعًا لحملته الرئاسية (رغم أنه لم يؤكد رسميًا ترشحه للرئاسة)، تقول التقارير إن فريق زمور يرى أن قرار المعهد الملكي بإلغاء ظهور زمور أمر غامض، وأضافوا أن 300 شخص بالفعل سجلوا لحضوره، وأنهم يتطلعون لمقاضاة المكان قانونيًا بسبب تصرفه المشين.
لقد حددت الهجمات على المهاجرين والمسلمين والقصر وتراجع الحريات المدنية، هذه الانتخابات بالفعل، دون أي تحد يذكر من المركز السياسي
تساءل فريق زمور أيضًا إذا ما كان الأمر محاولةً لإفساد اللحظة تمامًا، وقال إن المكان المُستَأجر بشكل خاص لا يمكنه اتخاذ قرار إذا ما كان من حقه التحدث إلى الناس أم لا.
تنمية العلاقات الدولية
بالنظر إلى إلقاء الاتهامات بشأن تهديد حرية زمور في الحديث، فيبدو في الحقيقة أن الفوضى المحيطة بإلغاء الحدث والاهتمام المتزايد الذي يولده ذلك هي الدافع الظاهري لهذه الرحلة في المقام الأول، فبضعة مئات من الناخبين الفرنسيين خارج البلاد لا يستحقون كل هذا الوقت والجهد.
في ظل الوضع الحاليّ، يبدو أنه من غير المرجح أن يفوز زمور – حال ترشحه – في السباق الرئاسي العام المقبل ضد إيمانويل ماكرون.
في الحقيقة أظهر ماكرون بالفعل تطبيعًا والتزامًا بالعديد من الآراء السامة المعادية للمهاجرين والمسلمين مثل التي ينشرها أمثال زمور ومارين لوبان، فمن استهداف المسلمين عن طريق ما يُسمى بحملة القمع الانفصالية التي أغلقت العديد من المساجد والمنظمات الإسلامية إلى التخفيض الحاد في عدد التأشيرات التي ستُوَزع على مواطني شمال إفريقيا، يبدو أن فترة رئاسته تتجه نحو سياسات اليمين المتطرف.
في النهاية، يجب أن نشعر جميعًا بالقلق إزاء تأثير خطاب زمور على النقاشات السياسية في أثناء الحملة وفي المستقبل، فهذا هو المكان الذي يمثل فيه خطرًا حاليًّا على المجتمعات التي يهاجمها.
لقد دفع النقاش إلى ما أبعد من اليمين، رغم أن لوبان وحزب التجمع الوطني حققا إنجازات بارزة في تلك الجبهة، لقد حددت الهجمات على المهاجرين والمسلمين والقصر وتراجع الحريات المدنية، هذه الانتخابات بالفعل، دون أي تحد يذكر من المركز السياسي، هذه القضايا ستكون محور النقاش لسنوات قادمة.
في هذا السياق، قد يبدو إلغاء ظهور زمور الفعل الصائب، لكنه مجرد خطوة صغيرة لتحويل تيار رد الفعل الذي يهدد بابتلاعنا جميعًا.
المصدر: ميدل إيست آي