رغم كل المجريات الحاصلة في المنطقة التي أثّرت على العلاقات الإماراتية التركية، إلا أن لغة المال لم تتوقف وإن توقفت بعض مفرداتها بسبب تصدُّر مفرادت السياسة، حيث لا أحد ينكر حجم الخلاف الجيوسياسي المرتبط بالمصالح الإقليمية والدولية بين البلدَين، إضافة إلى ذلك الخلاف الأيديولوجي المتعلق بالإخوان المسلمين وموقف أبو ظبي وأنقرة المتباين من الجماعة، والأمر لا يتوقف عند جماعة الإخوان بل يتعدّاه إلى كافة جماعات الإسلام السياسي.
بحسب التصريحات والمواقف التي جرت بين البلدَين، لم يكن يظن أحد أن يلتقي مسؤولو البلدَين في اجتماع قمة على أعلى المستويات وكأن شيئًا لم يحصل، إذ تكلّلَ الاجتماع بالمال الإماراتي الوفير الذي سيُضَخّ في سوق الاستثمار التركي بعدّة مجالات، علمًا أن الإمارات تُعتبَر الشريك التجاري الأكبر لتركيا من بين البلدان العربية.
استقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان في أنقرة، وانتهت الزيارة بالإعلان عن تأسيس صندوق إماراتي بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في تركيا، كما وقّع البلدان 10 اتفاقيات للتعاون الاقتصادي في مجالات مختلفة بحضور أردوغان وضيفه، وتضمّنت الاتفاقيات الموقعة شراكات بين بورصات الدولتَين وصناديق الثروة السيادية ومجالات الصحة والطاقة.
ومن جملة ما جرى التوقيع عليه مذكرة تفاهم بين شركة أبو ظبي التنموية القابضة والصندوق السيادي التركي، إضافة إلى الإمضاء على مذكرة تفاهم للتعاون بين شركة أبوظبي التنموية القابضة وصندوق السيادة التركي، وكذلك مذكرة تفاهم للتعاون بين شركة أبوظبي التنموية القابضة وهيئة الاستثمار الرئاسية التركية.
ووقّعت الوفود أيضًا على مذكرة تفاهم للتعاون بين بورصة أبو ظبي وبورصة إسطنبول، بالإضافة إلى التوقيع على مذكرة تفاهم بين البنك المركزي التركي ونظيره الإماراتي، أما جمركيًّا فقد وقعا على اتفاقية تعاون إداري.
كما وقّع البلدان في مجال الطاقة مذكرة تفاهم، إضافة إلى توقيع مذكرة تفاهم حول التعاون في مجال البيئة بين البلدَين، يُضاف إلى ذلك مذكرة تفاهم حول تبادل المعلومات المالية في سياق مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.
أما عن صندوق الاستثمارات الإماراتي الذي أعلنت عنه الإمارات بعد انتهاء زيارة ابن زايد، فإنه سيركّز على “الاستثمارات الاستراتيجية وعلى رأسها القطاعات اللوجستية في الطاقة والصحة والغذاء”، وكشفت وكالة “بلومبيرغ” سابقًا عن اهتمام صناديق الثروة في إمارة أبوظبي بالاستثمار في تركيا، حيث كانت تدرس مشاريع بتكلفة مليارات الدولارات.
وسبق الإعلان عن صندوق الاستثمار محادثات بين الصناديق في الإمارة والشركات في تركيا استمرّت لشهور، ويبدو أن جهاز أبو ظبي للاستثمار هو من كان يقود المباحثات، ووفقًا لـ”بلومبيرغ” فإن الشركة القابضة في أبو ظبي ستنفق قرابة مليار دولار على مشاريع تتعلق بالرعاية الصحية والتكنولوجيا المالية.
الاستثمارات الإماراتية في تركيا
بدأت الاستثمارات الإماراتية في الآونة الأخيرة تظهر في عدّة مجالات، منها قطاع التمويل والبنوك والمراكز التجارية والسياحة والقطاع اللوجستي، إضافة إلى الاستثمار بشركات البيع بالتجزئة.
ومن الأمثلة على الاستثمار ما حصل في شركتَي “غيتير” و”ترينديول”، كما استحوذت شركة “فينيكس” الإماراتية للسكوتر على شركة “بالم” التركية الرائدة في مجال التنقل الخفيف، إضافة إلى إعلان “أبو ظبي العالمية القابضة” أنها تبحث عن فرص استثمار في تركيا في قطاعات تشمل الرعاية الصحية والصناعة وتصنيع الأغذية.
كما أن شركة الشحن “أرامكس” التي تتخذ من دبي مقرًّا لها تجري محادثات لشراء شركة MNG التركية للشحن، وستكون قيمة الصفقة المحتملة 500 مليون دولار.
شهد عام 2017 طفرة في قيمة التبادل التجاري بين الإمارات وتركيا، حيث وصل إلى 14.6 مليار دولار، والجدير بالذكر أن هذا الرقم أتى في العام التالي لمحاولة الانقلاب التي حصلت في تركيا حيث اتهمت أنقرة بعض الدول العربية والأوروبية بدعم هذه المحاولة الفاشلة، وفي عام 2018 شهد التبادل التجاري بين البلدَين تراجعًا بمعدّل ملحوظ عن السنة الفائتة إلا أنه عاد للمعدل الطبيعي الذي كان عليه بين عامَي 2014 و2015.
في السنوات الأربع توسعت العلاقات الاقتصادية بين أبوظبي وأنقرة لتشمل جوانب واتجاهات جديدة، الأمر الذي انعكس على حجم الصادرات التركية إلى الإمارات لتصل إلى نحو 295 مليون دولار في يونيو/ حزيران مقارنة بمايو/ أيار الذي بلغت قيمة صادراته نحو 243.5 مليون دولار.
حضور تركي في الإمارات
وبحسب وزارة الخارجية التركية، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدَين قرابة 7.4 مليارات دولار أمريكي عام 2019، ونحو 7.6 مليارات دولار عام 2018، وتحتل الإمارات المرتبة الـ 12 كأكبر مستورد للسلع التركية على مستوى العالم والثانية عربيًّا بعد العراق.
كما تُعتبَر أكبر مصدّر للسوق التركية عربيًّا والتاسعة عالميًّا، وبلغت قيمة الصادرات التركية إلى الإمارات 3.5 مليارات دولار عام 2019، فيما وصلت قيمة واردات تركيا من الإمارات في العام نفسه إلى 4.33 مليارات دولار.
يضاف إلى ذلك، انتشار الكثير من الشركات التركية في الإمارات بعدة قطاعات، أهمها مجال الإنشاءات، ومؤخّرًا قال توجاي تونشير، سفير تركيا لدى الإمارات، إن مشاركة بلاده في معرض “إكسبو 2020 دبي” “تجسِّد حقبة جديدة من التعاون وتعزيز العلاقات مع دولة الإمارات، وأن الحدث العالمي يمثل فرصة لعرض مقومات اقتصاد تركيا المتنوِّع والذي يشمل قطاعات عديدة منها السياحة والمجوهرات والتكنولوجيا والبناء”.
وأضاف السفير أن “حجم تجارة تركيا مع دولة الإمارات يبلغ 8.5 مليار دولار في ظل نمو حركة التجارة بين البلدَين”، مشيرًا إلى أن “الأشهر الستة الأولى من العام الجاري شهدت زيادة تقترب من 100%”، كما أشار إلى أن “”إكسبو 2020 دبي” يساهم في تعزيز النمو التجاري خاصة مع تصدير المزيد من المواد الغذائية والأطعمة الجاهزة، وكذلك الفواكه والخضراوات، وأيضًا مواد البناء التي تحتاجها المنطقة وتمتلكها تركيا”.
يُذكر أن الأرقام الرسمية أشارت إلى أنه في عام 2011 بلغ تعداد الشركات التركية في الإمارات 500 شركة، ومؤخرًا استضاف اتحاد غرف التجارة والصناعة بدولة الإمارات وفدًا من لجنة العلاقات الاقتصادية الخارجية في تركيا، للبحث في فرص الاستثمار المتاحة للقطاع الخاص، وتمَّ الاتفاق على أن تقوم “بتشجيع الشركات الإماراتية وأصحاب الأعمال الإماراتيين على الاستثمار في تركيا وعقد شراكات تجارية جديدة”.
إلى ذلك، تسير العجلة الاقتصادية بين البلدَين رغم التوترات السياسية، ويبدو أن الزيارة التي أجراها ابن زايد إلى تركيا لن تُهدئ من التوتر السياسي بقدر ما ستدفع بمسيرة الاقتصاد بين البلدَين للنمو والعمل والاستثمار.