لم تكن العلاقات التركية الخليجية في أحسن حالاتها خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد أن أصبحت الرؤى متباينة على أكثر من صعيد، لا سيما بعد انحياز أنقرة صوب قطر فترة الحصار الرباعي.
تعتبر تركيا من أكبر الشركاء التجاريين لدول الخليج بالعموم، وحملت سنوات ما بعد 2000 تعاونًا كبيرًا في المجال الاقتصادي وسط هدوء سياسي نسبي، وفي الأصل فإن العلاقات التجارية بدأت نموها بداية ثمانينيات القرن الماضي، فكانت شركات المقاولات التركية دشنت العمل في الخليج وتنوعت الاستثمارات بين الجانبين شيئًا فشيئًا، لتصبح أنقرة الشريك الاقتصادي الأبرز لمنطقة الخليج.
شهد التبادل التجاري التركي الخليجي بعد عام 2002 نموًا مستمرًا، إذ شهد عام 2007 ارتفاعًا بحجم الصادرات التركية لتبلغ قيمة الصادرات إلى الإمارات أكثر من 3 مليارات دولار و240 مليونًا، وهو ما يمثل 3% من إجمالي الصادرات التركية، أما السعودية فقد بلغت الواردات التركية إليها نحو مليار و486 مليون دولار، كما ارتفعت في الوقت ذاته الصادرات إلى الكويت 177%، وإلى قطر 203%، وإلى الإمارات بنسبة 210%، حتى إن الإمارات في عام 2008 أزاحت ألمانيا من صدارة المستوردين من تركيا.
في ذات العام (2008) وقعت 3 مؤسسات مالية خليجية اتفاقية مع أنقرة لاستثمار 6 مليارات دولار في قطاعي الزراعة والبنية التحتية التركية، والمؤسسات المالية الخليجية هي: بنك بي إس سي وصندوق أبوظبي للاستثمار وصندوق التمويل الخليجي.
الجدير بالذكر أن تركيا وقفت ضد العراق في حرب الخليج الثانية في 1990 – 1991، وخلال تلك الحرب، رمى الرئيس أوزال بثقل بلاده بالكامل خلف الحملة العسكرية الدولية، وسارع بقطع تدفق صادرات العراق النفطية من خلال خطوط الأنابيب المتجهة للأراضي التركية، كما أمر بنشر 100 ألف جندي على الحدود العراقية، وسمح للقوات الأمريكية بشن غارات انطلاقًا من قواعدها في تركيا، فقد كان يرى في الحرب فرصةً لإيضاح أهمية تركيا الإستراتيجية.
الربيع العربي
نجح الأتراك بعد سنوات من مرور حرب الخليج بالحضور عربيًا في الجوانب السياسية والاقتصادية والأمنية، إذ وقعت دول مجلس التعاون الخليجي مذكرة تفاهم مع تركيا للحوار الإستراتيجي عام 2008، وحينها قال وزير الخارجية التركي السابق علي باباجان: “هناك حزام أزمة في الشرق الأوسط، يقع في منطقة بين تركيا في الشمال والخليج في الجنوب”، وعرّف باباجان تركيا ومجلس التعاون الخليجي بأنهما “النجمتان الاقتصاديتان في الشرق الأوسط”.
إلى ذلك يبرز في سياق العلاقة التركية الخليجية التعاون في قضايا التصنيع العسكري، فتركيا مهتمة بتطوير صناعاتها العسكرية والترويج لها وتصديرها، في المقابل فإن دول الخليج من أكثر الدول استهلاكًا في سوق الأسلحة العالمية، وكانت الإمارات الثالثة في قائمة مستوردي الأسلحة من تركيا لعام 2021.
أخذت العلاقات بين تركيا ودول الخليج منحى آخر بعد عام 2013 خاصة بعد انطلاقة الربيع العربي، فقد خالفت وجهة تركيا الإمارات والسعودية وتحالفت مع قطر في حين أنها كسبت ود الكويت وعمان دون أي منغصات في العلاقة على جميع الأصعدة، وكانت البداية عندما رفضت تركيا بشكل قاطع دعم الانقلاب الذي قام به عبد الفتاح السيسي على الرئيس المصري الراحل محمد مرسي.
سارت العلاقات التركية الخليجية خلال 10 سنوات بطريق متعثرة، ولم تهدأ التصريحات ذات الطابع العدائي بين تركيا والإمارات والسعودية، خاصة بعد وقوف تركيا إلى جانب قطر في الحصار الذي فرضته تلك الدول عليها، كما أن نوعًا من المناكفة السياسية أصبحت تمارسه أبو ظبي والرياض ضد التحركات التركية، فكان كل عمل تركي مدانًا، وكذا كانت أنقرة تتبع خطواتهما وتصرح بشأنها، لكن في الوقت ذاته لم تقف لغة المال والاقتصاد وإن كانت تأثرت قليلًا.
اليوم بدأت انفراجة كبيرة للحل بين الإمارات والسعودية وتركيا في الوقت الذي تسير فيه علاقة أنقرة مع باقي دول الخليج بشكل جيد، فقد فتحت زيارة ولي عهد أبو ظبي إلى أنقرة منذ أيام الباب واسعًا لتطوير العلاقات وكذا كانت زيارة وزير التجارة السعودي ولقاؤه مع المسؤولين الأتراك في طريق عودة العلاقات، كما أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيزور الدوحة خلال الشهر القادم فيما سيتوجه وزير خارجيته إلى الإمارات.
العلاقات الإماراتية التركية
بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي على حكم الرئيس الراحل محمد مرسي عام 2013 بدأت الخلافات بين تركيا والإمارات، فقد كانت أبو ظبي داعمةً للإطاحة بمرسي كما أنها ساهمت بدعم حركة تمرد وحركات انقلابية أخرى في مصر، وقدمت الإمارات خلال تلك الفترة الدعم المالي للجيش المصري لتقويته ووصول السيسي إلى حكم البلاد كما أنها أعلنت جماعة الإخوان منظمة إرهابية.
في الطرف المقابل وقفت تركيا بحزم ضد الانقلاب العسكري في مصر وانتقدت بقوة ما جرى ووصفته بالانقلاب على الشرعية والرئيس الشرعي، كما استقبلت تركيا جماعة الإخوان المصرية وسهلت إجراءات فتح قنوات تليفزيونية تابعة للمعارضة المصرية، وقد شكلت تركيا وقطر جبهة معارضة للانقلاب في مصر.
بعد أن شهدت تركيا محاولة انقلاب فاشلة في يوليو/تموز ضد الرئيس أردوغان، اتهمت بعض الدول الغربية والعربية بالوقوف وراء هذه المحاولة، كما اتهمت المسؤول الفلسطيني السابق محمد دحلان بلعب دور في محاولة الانقلاب ضد أردوغان، وخصصت مكافأة مالية مقابل معلومات تؤدي إلى اعتقال محمد دحلان المقيم في الإمارات العربية المتحدة، وقال حينها وزير الداخلية التركي سليمان صويلو: “دحلان سيدرج في قائمة الإرهابيين المطلوبين”. الجدير بالذكر أن دحلان أحد أبرز المقربين من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد.
بدوره صرح وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو أن “دولة الإمارات تأوي إرهابيًا”، وصرح بأن دحلان فر إلى الإمارات “لأنه عميل لإسرائيل”، كما اتهم الإمارات بمحاولة استبدال دحلان بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، واتهم وزير الداخلية التركي سليمان صويلو الإمارات بأنها “تحاول النيل من تركيا وإثارة الفوضى والإضرابات فيها وتسعى لإثارة البلبلة وزرع الفتنة وإلحاق الضرر ببلاده”.
إحدى الأزمات الكبيرة بين تركيا والإمارات كانت بسبب الحصار الخليجي المصري على قطر عام 2017، حين قامت السعودية والإمارات والبحرين بإغلاق المنافذ البرية مع الدوحة ومنع الطائرات القطرية من التحليق عبر أجوائها والنقل البحري إلى قطر عبر موانئها.
بعد ذلك بيومين صادق البرلمان التركي على معاهدة للتعاون العسكري بين قطر وتركيا، كان من بين بنودها إقامة قاعدة عسكرية في قطر ونشر جنود أتراك في الدولة الخليجية، وحينها أرسلت تركيا شحنات من الأغذية والأدوية عبر الجو وافتتحت معبرًا بريًا عبر إيران.
إلى ذلك نقلت وكالة الأناضول الرسمية التركية أن “الإمارات قدمت خلال العامين والنصف الماضيين، دعمًا استخباراتيًا كبيرًا لقوات سوريا الديمقراطية وحزب العمال الكردستاني بي كي كي في شرقي سوريا”، كما أجرى “مسؤولون إماراتيون في نهاية عام 2017 لقاءات سرية مع قادة “قسد” و”بي كي كي” في سوريا وتعهدوا بتقديم الدعم لهم”.
وأوضحت الأناضول أن “الإمارات أرسلت منذ مطلع 2018 العشرات من ضباط وعناصر استخباراتها وخبراء تقنيين توزعوا على مقار “ي ب ك – بي كي كي” في مدينة القامشلي ومحافظتي الحسكة ودير الزور، وقام ضباط الاستخبارات الإماراتية بتقديم تدريبات لعناصر التنظيم في مجال العمل الاستخباراتي وتقنياته، حيث أجروا دورات تدريبية في مجالات التجسس وأمن المعلومات وجمع البيانات وشبكات الاتصال والتشويش وفك الشيفرات وعمليات الاغتيال والتهريب”.
في ظل العلاقات المتوترة الإماراتية التركية بدأت الإمارات تحركًا في أكثر المناطق حساسية بالنسبة للأتراك في ديسمبر/ كانون الأول 2020، إذ أعلنت الإمارات مشاركتها في مناورات “ميدوزا-10” المشتركة بين القبارصة واليونانيين والمصريين، قبالة ساحل الإسكندرية.
ووفقًا لما جاء في موقع مونيتور الأمريكي، فإن “المشاركة الإماراتية في تلك المناورات، جاءت بعد أقل من أسبوعين من عقد اتفاقية شراكة إستراتيجية مع اليونان، وبالتأكيد أقدمت على مثل هذه الاتفاقية بسبب أزماتها مع تركيا، وبالتالي فإن أي وجود للإمارات في تلك الاتفاقية يهدف إلى احتواء تركيا وإضفاء المصداقية على الإستراتيجيات الرادعة لكلا البلدين”.
كل المشاكل السابقة وغيرها الكثير أسدلت عليها زيارة ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد إلى تركيا ولقائه بالرئيس التركي أردوغان مؤخرًا، فقد وقع الطرفان عشر اتفاقيات اقتصادية، وتعهدت الإمارات بتأسيس صندوق إماراتي بقيمة 10 مليارات دولار لدعم الاستثمارات في تركيا.
شهد عام 2017 طفرة في قيمة التبادل التجاري بين الإمارات وتركيا، إذ وصل إلى 14.6 مليار دولار، والجدير بالذكر أن هذا الرقم أتى في العام التالي لمحاولة الانقلاب وفي عام 2018 شهد التبادل التجاري بين البلدين تراجعًا بمعدل ملحوظ عن السنة الفائتة إلا أنه عاد للمعدل الطبيعي الذي كان عليه بين عامي 2014 و2015.
في السنوات الأربعة توسعت العلاقات الاقتصادية بين أبو ظبي وأنقرة لتشمل جوانب واتجاهات جديدة، الأمر الذي انعكس على حجم الصادرات التركية إلى الإمارات لتصل إلى نحو 295 مليون دولار في يونيو/حزيران مقارنة بمايو/أيار الذي بلغت قيمة صادراته نحو 243.5 مليون دولار.
وتحتل الإمارات المرتبة 12 كأكبر مستورد للسلع التركية على مستوى العالم والثانية عربيًّا بعد العراق، كما تعتبر أكبر مصدر للسوق التركية عربيًا والتاسعة عالميًا، وبلغت قيمة الصادرات التركية إلى الإمارات 3.5 مليارات دولار عام 2019، فيما وصلت قيمة واردات تركيا من الإمارات في العام نفسه إلى 4.33 مليارات دولار.
العلاقات السعودية التركية
بعد سقوط الدولة العثمانية وتأسيس الجمهورية التركية ونشوء المملكة السعودية كانت أنقرة من أوائل من اعترف بالمملكة، ونشأت علاقات دبلوماسية بين الطرفين منذ 1926، وعقدت معاهدة صداقة بين الطرفين في مكة عام 1929.
لكن اعتراف تركيا بـ”إسرائيل” تسبب بجمود العلاقات بين البلدين في تلك الأعوام، وفي عام 1964 شهدت العلاقات بين أنقرة والرياض تقاربًا بعد وصول الملك فيصل بن عبد العزيز إلى الحكم، إذ وقفت السعودية إلى جانب تركيا في الأزمة القبرصية الأولى عام 1964، وكان من نتائج هذا الموقف رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين الطرفين إلى مستوى سفارة عام 1966.
في 1973 منعت تركيا الولايات المتحدة من التزود بالوقود واستخدام التسهيلات في أثناء الجسر الجوي الذي أقامته واشنطن لمساندة “إسرائيل” خلال حرب تشرين، كما سهلت أنقرة الإمدادات السوفيتية للعرب منذ عام 1972، إذ فتحت مضيق البوسفور أمام السفن السوفيتية المحملة بالإمدادات العسكرية إلى الموانئ العربية، كما أمدت الرياض تركيا بالنفط وجددت دعمها لتركيا في أزمة قبرص الثانية عام 1974، فمثلت سنوات السبعينيات تعاونًا تركيًا سعوديًا كبيرًا على عدة مستويات.
مع وصول رجب طيب أردوغان إلى الحكم أواخر عام 2002، شهدت العلاقات السعودية التركية تقدمًا، ما أدى إلى تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين وتوقيع عدد من الاتفاقيات والشراكات الإستراتيجية.
خلال السنوات الأخيرة تراكمت الخلافات بين البلدين لتصل العلاقات إلى الجمود، ففي أعقاب الانقلاب الذي حصل في مصر ضد الرئيس المصري محمد مرسي عام 2013 كان هناك تباين واضح في الموقف من الانقلاب وكذا التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين والدعم السعودي للتنظيمات الكردية التي تحاربها تركيا.
كان اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول عام 2018 حدثًا مفصليًا في تاريخ العلاقات بين البلدين، فقد اتهمت أنقرة السلطات السعودية بتدبير هذه الجريمة، وتحرك الادعاء العام التركي لفتح ملف القضية وتوجيه اتهامات طالت بعض المسؤولين السعوديين، أما السلطات السعودية فكان رد فعلها على هذا الحادث هو إحالة ثمانية مسؤولين حكوميين إلى التحقيق، إلا أن هذه الخطوة لم تكن متناسبة مع الهزة الكبيرة التي أثارتها الحادثة، دوليًا وإقليميًا، التي أحرجت السلطات السعودية بشكل كبير.
اقتصاديًا: بدأت في الأعوام الماضية حملة في السعودية لمقاطعة المنتجات التركية وكانت هذه الحملة بدفع رسمي، فقد دعا رئيس الغرف التجارية السعودي عجلان العجلان لمقاطعة المنتجات والبضائع التركية، بذريعة وجود خلافات سياسية بين أنقرة والرياض بشأن عدد من المسائل الإقليمية.
ورأى العجلان، أن مقاطعة المنتجات التركية “واجب على كل مواطن يحمل الجنسية السعودية، لأن مواقف تركيا تتبع سياسة عدائية ضد بلاده، وتعمل على إلحاق الضرر بمصالح الرياض في المنطقة”.
مؤخرًا بدا أن السعودية تحاول إذابة الجليد عن علاقاتها مع تركيا خصوصًا بعد المصالحة الخليجية مع قطر وتحسن العلاقات، وفي آخر تطور بين البلدين التقى نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي، وزير التجارة السعودي ماجد القصبي، وبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين.
إلى ذلك وبحسب وزارة الخارجية التركية “شهد حجم التبادل التجاري بين البلدين هبوطًا منذ عام 2015، لكنه ارتفع بشكل خفيف في نهاية عام 2018، وبلغ حجم الاستثمارات التركية في المملكة العربية السعودية 660 مليون دولار تقريبًا وهناك أكثر من 200 شركة تركية تعمل في المملكة العربية السعودية، كما تعد المملكة العربية السعودية الدولة الخليجية الثانية بعد قطر والدولة السابعة في العالم على صعيد حجم الأعمال التي ينفذها المقاولون الأتراك فيها”.
وفقًا للوزارة فإن شركات المقاولات التركية تولت تنفيذ ما يزيد على 100 مشروع في المملكة العربية السعودية، ومن جهة أخرى، تقدر الاستثمارات السعودية في تركيا بحدود ملياري دولار.
قطر وتركيا
تمكنت تركيا وقطر من أن يصبحا أكثر تأثيرًا في الشرق الأوسط، ويبدو أن التحالف بين الدولتين أثر بشكل كبير على الكثير من المجريات في المنطقة خاصة القضايا المتعلقة بالربيع العربي، فلم تشهد العلاقة بين البلدين أي خلاف خلال 10 سنوات على أقل تقدير.
أصبحت أنقرة والدوحة من المؤيدين الرئيسيين للرئيس المعزول محمد مرسي بعد فوزه بالانتخابات إثر الثورة التي أطاحت بحسني مبارك، كذا كانت الدولتان في نفس ردة الفعل ضد الانقلاب في مصر في وسط مليء بالمؤيدين للانقلاب وهو ما سيجر لاحقًا حصارًا كبيرًا على قطر.
لطالما وقفت قطر وتركيا موقفًا واحدًا من قضايا الربيع العربي، فقطر كانت أول من هنأ الشعب التونسي بعد مغادرة بن علي للبلاد، وعبرت عن “احترامها لإرادة واختيار الشعب”، وعن الشأن السوري، دعمت تركيا وقطر والسعودية مجموعة من المعارضة والفصائل المسلحة، لكن الرياض غيرت سياستها تجاه سوريا مرة أخرى، وفي المقابل بقي موقف تركيا وقطر من الأزمة السورية كما هو.
كانت الأزمة التي ضربت قطر بعد فرض الحصار عليها من الإمارات والسعودية والبحرين فرصةً للتقارب العسكري التركي القطري، فقد صوّت البرلمان التركي على قرارين، يتعلق الأول بتدريب وتأهيل قوات الدرك القطرية، والثاني بتطوير اتفاقية التعاون العسكري المبرمة مسبقًا بين البلدين.
كما تبنى البرلمان التركي اتفاقيتين تسمحان بنشر قوات عسكرية في قاعدة تركية في قطر تطبيقًا لاتفاقية الدفاع المشترك التي وقّعها البلدان عام 2014 جاء ذلك بعد الحصار الخليجي للدوحة والحديث عن اجتياح عسكري.
شهدت العلاقات الاقتصادية بين تركيا وقطر تطورًا ملحوظًا، فقد قفز التبادل التجاري إلى 1.1 مليار دولار في 2017، وتعد دولة قطر ثاني أكبر الدول المستثمرة في تركيا، ووفقًا للتقارير بلغت الاستثمارات المباشرة 22 مليار دولار عام 2019، وتتوزع الاستثمارات على قطاعات السياحة والعقار والزراعة، كما توجد نحو 200 شركة قطرية في تركيا.
إلى ذلك تعمل 553 شركة تركية في مختلف المجالات بقطر، ونجحت شركات مقاولات تركية في تنفيذ مشاريع في قطر بقيمة إجمالية بلغت نحو 18.5 مليار دولار، وتشمل الصادرات التركية إلى قطر الحديد والصلب والآلات والمعدات الكهربائية والإلكترونية وخدمات البناء، فيما تتضمن الصادرات القطرية إلى تركيا، الغاز الطبيعي المسال والزيوت البترولية ومنتجاتها والألومنيوم الخام، وتتطلع تركيا إلى قطر باعتبارها أفضل بديل لها في تقليل الاعتماد على واردات الغاز من روسيا.
العلاقات العمانية التركية
بعد أن نالت عُمان استقلالها عام 1650، اهتم السلاطين العُمانيون بإقامة علاقات طيبة مع الدولة العثمانية، من خلال دعم أحدهما للآخر، خصوصًا أن الدولتين كانتا تواجهان العدو نفسه في المنطقة، وهو بلاد فارس.
ظلت العلاقات العمانية العثمانية طيبة وبعد ذلك استمرت مع تأسيس الجمهورية التركية، واتسمت العلاقات التركية العُمانية في القرن الماضي بالدفء.
حرصت حكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان على توسيع دائرة العلاقات الثنائية مع سلطنة عُمان، فقام رجب طيب أردوغان بزيارة إلى السلطنة عام 2005 عندما كان رئيسًا للوزراء من أجل تعزيز أوجه التعاون فى المجالات الاقتصادية والعلاقات التجارية والاستثمار المشترك، وفي عام 2010، قام الرئيس التركي السابق عبد الله غل بزيارة إلى مسقط والتقى السلطان الراحل قابوس، عقب تشكيل اللجنة العمانية التركية المشتركة لدعم العلاقات بين البلدين، كما دعا السلطان الرئيس أردوغان إلى زيارة بلاده عام 2017.
العلاقات بين البلدين والزيارات المتبادلة والمستمرة أسفرت عن اتفاقيات مهمة في الجوانب العسكرية والاقتصادية بين البلدين، فبدأت العلاقات العسكرية والدفاعية تشهد تطورًا ملحوظًا، مع توقيع مذكرة تفاهم للتعاون العسكري عام 2011، وبعدها بعام بدأت مسقط تبدي اهتمامًا متزايدًا بشراء معدات عسكرية من صناعة محلية تركية.
أبدت مسقط تعاطفها مع الحكومة التركية، عقب محاولة الانقلاب الأخير في تركيا في يوليو/حزيران عام 2016، فقد أرسل السفير العماني في أنقرة قاسم بن محمد الصالحي، برقية تضامن إلى الحكومة التركية، تضمنت أيضًا إدانة لمحاولة الانقلاب ضد الحكومة الشرعية في تركيا.
الكويت وتركيا
مرت العلاقات بين الكويت وتركيا بعدة مراحل منذ أيام الحكم العثماني، لكن التحول الأبرز في تاريخ العلاقة كان عندما رفضت تركيا الغزو العراقي للكويت، وفتحت أنقرة حينها قواعدها أمام التحالف الدولي من أجل استعادة الكويت، بعد ذلك توجه أمير الكويت الراحل جابر الصباح بزيارة لأنقرة، تلتها زيارة الرئيس التركي سليمان ديميريل للكويت في عام 1997 وخلال هذه الفترة تم توقيع العديد من الاتفاقيات التجارية والاقتصادية.
عندما استلم حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا تغيرت السياسة الخارجية وبدأت بتمتين العلاقة مع الدول العربية بما فيها الكويت، وكثرت الزيارات على المستوى الرفيع بين الطرفين، وأسفرت عن عدة اتفاقيات أسهمت في رفع حجم التبادل التجاري بين البلدين، الذي تخطى حاجز 700 مليون دولار مع نهاية عام 2014، ونمت التجارة التبادلية بين الجانبين إلى 1.3 مليار دولار عام 2017، حيث كانت في 2015 ما يقرب من 600 مليون دولار.
كما أظهرت الإحصاءات عام 2020 أن الكويتيين حلوا في المرتبة السادسة بشراء العقارات في تركيا من حيث شراء الأجانب للعقارات بتركيا خلال العام 2019، وكانوا في المرتبة الخامسة عام 2018، وتأتي الكويت في المرتبة الأولى في مجال الاستثمارات بالعقارات في تركيا على مستوى دول الخليج، إذ يتملّك الكويتيون أكثر من 6 آلاف عقار.
ووفقًا لوكالة الأنباء الكويتية “وصلت قيمة المشروعات التي نفّذتها شركات المقاولات التركية في الكويت إلى 6.5 مليار دولار، وحجم الاستثمارات الكويتية المباشرة في تركيا وصل إلى نحو 1.7 مليار دولار”، وبلغ عدد الشركات الاستثمارية برأس مال كويتي في تركيا 300 شركة، إضافة إلى 388 فرعًا لبنك “كويت ترك” الذي يمتلك بيت التمويل الكويتي نسبة 62.24% من أسهمه.
البحرين وتركيا
أقحمت البحرين نفسها في خلافات مع تركيا على غرار الإمارات والسعودية بعد إعلان الحصار على قطر، وبعد سنوات ساد فيها التوتر والجفاف العلاقات بين البلدين، كان اتصال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بملك البحرين أواخر عام 2020 مبادرة أولى في طريق تلطيف الأجواء بين البلدين، كما أن ملك البحرين قال في سبتمبر/أيلول الماضي إن “العلاقات مع تركيا بلغت مستوى متقدمًا، والتعاون يشهد نموًا وتطورًا”، في إطار الهدوء الذي بدأ يخيم على العلاقات بين الدول الخليجية والتركية، وكانت آخر زيارة بين البلدين تلك التي أجراها وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف بن راشد الزياني إلى تركيا ولقاءه بنظيره التركي مولود تشاووش أوغلو، الشهر الحاليّ.
أما على الصعيد الاقتصادي فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين تركيا والبحرين 500 مليون دولار وذلك عام 2019، وعلى الرغم من أزمة الخليج فقد ناقشت جمعية الصناعة والأعمال التركية مع البحرين رفع حجم الاستثمار المتبادل بين تركيا والبحرين إلى مليار دولار عام 2018، وبلغ عدد السياح البحرينيين في تركيا في العام ذاته أكثر من 77 ألفًا مقارنة بـ55 ألفًا في العام الذي سبقه (2017).
أخيرًا.. مما سبق في هذا العرض السريع لمسيرة العلاقات التركية الخليجية، يبدو أن العلاقات الاقتصادية لم تتوقف على الرغم من التحديات السياسية التي واجهت الطرفين، وفي الوقت الذي تبحث فيه دول الخليج عن حليف قوي في المنطقة لمواجهة الأخطار الإيرانية في ظل الانسحاب الأمريكي، تأتي تركيا لتقدم نفسها كحليف قوي وفاعل.