ترجمة وتحرير: نون بوست
يمتلك عماد أبو خديجة، وهو رجل أعمال فلسطيني من القدس، مطعمًا جميلًا وجذابا في البلدة القديمة. بسبب ارتفاع الضرائب واستمرار المضايقات من السلطات الإسرائيلية، يواجه المطعم حاليا خطر الإغلاق.
تعمل الناشطة الفلسطينية لانا ادكيدك على لفت الأنظار إلى قضية أبو خديجة وحشد الدعم المادي والمعنوي، وتقول في هذا السياق: “عندما زرت أنا وصديقتي مطعم أبو خديجة وسمعنا عن معاناته، قررنا تنظيم فعاليات صغيرة هناك لرفع درجة الوعي. نظمنا أمسيات موسيقية ومسابقات في المطعم ودعونا الشباب من القدس لزيارة البلدة القديمة”. تضيف ادكيدك أنها تسعى مع أصدقائها إلى حشد الدعم لأصحاب المحلات الصغيرة في البلدة القديمة، والذين يواجهون بدورهم تهديدات ومضايقات من السلطات الإسرائيلية.
يروي جلال عقل، وهو مقدسي كان يدرس في الولايات المتحدة، قصة مماثلة عن الوضع في القدس. بعد زيارته الأخيرة إلى المدينة، اكتشف أن مطعم البيتزا المفضل لديه لم يعد موجودًا. كان المطعم الذي يقع بالقرب من كنيسة القيامة -ذات الأهمية البالغة للمسيحيين- ملكا لأحد أصدقائه.
يقول عقل الذي يشعر كأنه غريب في وطنه: “لقد أصبحت صديقًا لصاحب المطعم، كنت أجلس هناك وأتناول البيتزا وأشرب القهوة”. ويضيف أنه في يوم من أيام يوليو/ تموز الماضي، ذهب إلى المطعم في البلدة القديمة فوجده مغلقا.
يتابع جلال عقل:” أتذكر شكواه عن قلة الزبائن، ونقص السياح، وتراجع النشاط التجاري، وأنه كان يضيع وقته في المتجر 12 ساعة في اليوم، مع عشرة زبائن فقط”. من المكلف جدا أن يكون لديك متجر في المدينة القديمة.
ويشير عقل إلى أنه زار البلدة القديمة مؤخرا ورأى العديد من المتاجر الفلسطينية التي كان يتردد عليها بانتظام، قد أغلقت أبوابها.
يقول عقل: “لماذا تم إغلاقه؟ يقولون بسبب فيروس كورونا. حسنًا، جميع المتاجر الإسرائيلية في القدس مفتوحة”. لا يبدو أن كوفيد-19 يؤثر على الجميع بالطريقة ذاتها.
سنة 2019، أكدت تقارير أن السلطات الإسرائيلية أغلقت 430 محلًا تجاريًا فلسطينيًا على مدى عقدين من الزمن. كما ذكر تقرير صادر عن الأونكتاد أن سياسة الفصل قد اكتسبت المزيد من الزخم خلال العقد الماضي من خلال تدابير غيرت الحقائق المادية والديمغرافية لمدينة القدس التي يشكل الفلسطينيون والعرب غالبية سكانها.
وأشار التقرير إلى أن القدس الشرقية “انفصلت تدريجيًا عن بقية الاقتصاد الفلسطيني رغم المكانة التاريخية للمدينة باعتبارها المركز التجاري والسياحي والثقافي والروحي للفلسطينيين في جميع أنحاء الأراضي المحتلة”.
التضييق على الفلسطينيين
يقول نبيل راز، وهو رجل أعمال فلسطيني يصنع منتجات خشب الزيتون، بأن النشاط التجاري في القدس انهار بشكل كامل على مدى السنتين الماضيتين، وقد تفاقمت الأزمة بسبب كوفيد-19. يؤكد نبيل أنه اضطر إلى الانتقال إلى أوروبا بسبب الوضع الصعب في القدس، التي كانت ذات يوم سوقا رئيسيا لمنتجاته.
ويضيف: “لم يعد بإمكاني العمل هناك لأن السياح وغيرهم من الناس لا يشترون منتجاتي. كنت مضطرا للبحث عن أسواق أخرى وبيع منتجاتي في الخارج”. يتابع نبيل أن معظم العمل الذي يقوم به الآن يلبي احتياجات السوق الدولية، بما في ذلك طلبات الفلسطينيين في الخارج، ويعمل حاليا في جمهورية التشيك.
ويقول مجدي جوزيف، من منظمة “هاند ميد فلسطين”، وهي منظمة تدعم الحرفيين الفلسطينيين، إنه كان بإمكان النساء الفلسطينيات في السابق الوصول إلى السوق في القدس، غير أنه فقدوا سبل العيش بعد بناء الجدار الفاصل.
ويضيف: “تمنع نقاط التفتيش الفلسطينيين من الوصول إلى مدينة القدس. اعتادت النساء اعتدن على بيع منتجاتهن من الألبان في القدس، ولكنهن فقدن القدرة على الوصول إلى قاعدة المستهلكين”. تعد منظمته التي تعمل مع ثلاث منظمات نسائية في القدس، من بين 25 تعاونية تقودها النساء من جميع أنحاء فلسطين. تستضيف المنظمة أيضًا “بازارات” نصف سنوية لربط الحرفيين المحليين بالمجتمع من أجل تعزيز بيئة التعلم ودعم المشاريع.
سياسات ممنهجة
تقول فيروز شرقاوي مديرة مؤسسة “الجذور الشعبية المقدسية”، وهي منظمة تسعى إلى تعزيز التواصل الفلسطيني في القدس، إنه منذ سنة 1967، يواجه الفلسطينيون داخل المدينة سياسات تهجير ممنهجة صممتها ونفذتها سلطات الاحتلال.
معدل الفقر مرتفع ويقترب من 80 بالمئة في القدس
وتضيف شرقاوي أن هذه السياسات تؤثر على جميع جوانب الحياة وتشمل مصادرة الأراضي والتضييق على السكان ومشاريعهم الاقتصادية والعمل على تهجيرهم.
وتقول: “الأداة الكلاسيكية للاحتلال هي التحكم في الاقتصاد. إن قمع اقتصادنا في القدس هو وسيلة يستخدمها الاحتلال الإسرائيلي للسيطرة على الفلسطينيين وإضعاف إرادتهم وتهجيرهم في نهاية المطاف من المدينة”.
وأكدت جمعية الحقوق المدنية في “إسرائيل”، وهي منظمة غير حكومية، أن هناك فجوة آخذة في الاتساع في معدلات الفقر بين الإسرائيليين والفلسطينيين، مضيفة أن حوالي 75 بالمئة من العائلات الفلسطينية في القدس تعيش تحت خط الفقر، مقارنة بـ 22 بالمئة من العائلات اليهودية.
وذكرت المنظمة أنه “في أعقاب أزمة فيروس كورونا، يُفترض أن هذه المعدلات زادت عن السابق. الوضع بين الأطفال أكثر سوءا – بلغت نسبة الأطفال الفلسطينيين في القدس تحت خط الفقر 86 بالمئة سنة 2017، مقارنة بـ 33 بالمئة من الأطفال اليهود”.
تؤكد الشرقاوي أن معدل الفقر مرتفع ويقترب من 80 بالمئة في القدس. وفقًا للمنظمة الإسرائيلية، فإن هناك أيضا تمييزًا اقتصاديًا في قطاع التخطيط والبناء، حيث أن “15 بالمئة فقط من القدس الشرقية – التي تمثل 8.5 في المئة من مساحة القدس – مخصصة للاستخدام السكني من قبل الفلسطينيين. نتيجة لذلك، فإن الكثافة السكانية في الأحياء الفلسطينية في القدس الشرقية تبلغ في المتوسط 1.8 شخص للغرفة – أي حوالي ضعف الكثافة في الأحياء اليهودية في غرب المدينة”.
قطاع السياحة في خطر
نظرا لأن القدس هي واحدة من أفضل الوجهات السياحية في العالم، – ويرجع ذلك أساسًا إلى الأهمية التاريخية والدينية التي تتمتع بها – يعتمد الفلسطينيون في المدينة بشكل كبير على السياحة التي تشكل 40 بالمئة من اقتصادها.
ويقول نشطاء فلسطينيون إن السلطات الإسرائيلية تتعمد نشر معلومات زائفة عن خطورة زيارة بعض المناطق في المدينة، مما يؤدي إلى تراجع عدد الزوار في الأحياء الفلسطينية.
وتقول الشرقاوي: “أصواتنا غير مسموعة واقتصادنا غير مدعوم والناس لا يستثمرون أموالهم”. وفقًا لتقرير نُشر سنة 2020، تهيمن المجموعات الدينية على سوق السياحة في القدس الشرقية وبيت لحم، ولم يتم تطوير أي مرافق للسياح منذ سنة 1967 في هذا الجزء من المدينة بسبب القيود الإسرائيلية. حال ذلك دون تحول القدس الشرقية إلى مركز سياحي و”أوقف أي إمكانية لتطوير قطاعات سياحية جديدة”.
الإعلانات الإسرائيلية تدعوكم لزيارة الجانب الغربي من القدس المحتلة حيث لا توجد تجمعات فلسطينية
وتؤكد الشرقاوي أن السياسات الإسرائيلية والإعلانات السياحية غالبًا ما تتجاهل أو تخفي ذكر المحلات التجارية والفنادق الفلسطينية في المدينة، وهذا له تداعيات سياسية واقتصادية خطيرة على الفلسطينيين في القدس.
وتتابع: “الإعلانات الإسرائيلية تدعوكم لزيارة الجانب الغربي من القدس المحتلة حيث لا توجد تجمعات فلسطينية. إحدى الخرائط المستخدمة بكثرة هنا هي خريطة للقدس نشرها الاحتلال الإسرائيلي: بالنظر إلى هذه الخريطة، فإن مركز المدينة وجميع مناطق الجذب تقع في الجزء الغربي حيث توجد المتاجر الإسرائيلية”.
وبحسب الشرقاوي، فإن هذه “الدعاية” لا تسمح للسياح برؤية حقيقة الاحتلال وانعكاسات سياساته على الأحياء الفلسطينية في المدينة. وتضيف: “إنهم لا يرون القوات التي ترهب الفلسطينيين وتعتقلهم. إنهم لا يرون المنازل المهدمة والتهميش المتعمد والفقر في مناطقنا، وبالتالي لا يرون كيف يؤثر الاحتلال على حياتنا اليومية”.
تأثير كوفيد-19
يقول راز، الذي يعمل في قطاع السياحة منذ 10 سنوات، إن القطاع تضرر بشدة في الأراضي الفلسطينية بسبب تفشي فيروس كورونا.
ويضيف: “لقد أوقفت “إسرائيل” قدوم السياح تمامًا بدءا من آذار/ مارس 2020. تضررت الكثير من الفنادق والمطاعم والأشخاص الذين يعملون في السياحة بشكل كبير، لا سيما في القدس الشرقية حيث يعمل عدد كبير من الفلسطينيين”. ويتوقع راز أن التعافي من آثار الجائحة سيستغرق وقتًا طويلًا.
فتحت دولة الاحتلال أبوابها أمام السياح الحاصلين على اللقاح في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، بعد 20 شهرًا من الإغلاق. ويأمل الكثير من الفلسطينيين المعتمدين على السياحة بعودة الحياة الطبيعية والتعافي من الخسائر الاقتصادية، لكن لا يُسمح حاليًا للسياح بدخول “إسرائيل” إلا إذا تلقوا جرعة ثالثة أو إذا كانت جرعة اللقاح الثانية قبل أقل من ستة أشهر.
المصدر: تي آر تي وورلد