ترجمة وتحرير نون بوست
من الصعب تفهم إعجاب الشباب العربي والمسلم بتنظيم الدولة بشكل عام، فكثير من الناس يفترض أنه لأسباب دينية أو بسبب شبكات التواصل الاجتماعي، إلا أن هذه ليست بالأسباب الكاملة لإعجاب وانضمام مئات الشباب تاركين حياتهم للانضمام لقوات التنظيم في سوريا والعراق.
خمسة نزعات – ليس أي منها ديني أو تكنولوجي – تفسر الانجذاب الخطير لداعش، وفهم هذه النزعات محوري لكسب الحرب ضد التنظيم.
أولاً: أنظمة التعليم العربية الفاشلة .. فعوضًا عن تعليم النقد والمهارات التحليلية الأساسية، تدعم المدارس التعليم الروتيني وتقبل السلطة بدون نقد، ومناهج التاريخ والتربية الدينية تدعم وترسخ لعقلية (نحن وليس الآخرون) بالتوازي مع التفرقة العنصرية والفكرية بل والطبقية، كل هذا أدى لجعل الشباب عرضة للتأثيرات الخارجية؛ مما سهل انتشار التوجهات المتشددة والتلقين المبكر للشباب.
ثانيًا: نقص الفرص الاقتصادية وضعف نظم الرفاهة .. فبينما اتجهت الدول العربية لتحرير اقتصاداتها؛ تسبب هذا في إضعاف نظم الرفاهة الاجتماعية السابقة وإلغاء الضمانات السابقة بالتعيين بالوظائف الحكومية من دون طرح بديل، وفي نفس الوقت لم تدعم الحكومات العربية إنشاء استثمارات جديدة في المجالات الإنتاجية مما يسمح بتوفير عدد كاف من فرص العمل، بل وأصبحت أكبر نسب البطالة موجودة حاليًا في قطاع حملة الشهادات العليا.
وعلى الناحية الأخرى استمرت الاقتصادات غير الرسمية في النمو نتيجة لما سبق بشكل متزايد، فعلى سبيل المثال فاقت نسبة الاقتصاد غير الرسمي من الناتج القومي الثلاثة وثلاثين بالمائة في المغرب والأربعين بالمائة في مصر؛ مما يترك الكثير من الناس من دون تأمين اجتماعي حقيقي.
كل ما سبق يمثل خطرًا حقيقيًا على منطقة عمر فرد من كل خمسة من سكانها يقع بين الخامسة عشرة والرابعة والعشرين، وصلت نسبة البطالة لدى الشباب العربي إلى تسعة وعشرين بالمائة مؤخرًا؛ وأغلب هؤلاء من حملة الشهادات العليا، ووفقًا للتوقعات سيحتاج سوق العمل العربي إلى 105 مليون وظيفة بحلول عام 2020 لاستيعاب الشباب.
هذه الحقيقة القاسية دفعت المواطنين العرب للتوجه نحو كيانات أخرى (إسلامية في الغالب) للبقاء والوصول إلى معنى أسمى للوجود، بل وقد شجعت الحكومات الجماعات الإسلامية المحافظة على التقدم وتقديم المساعدات الاجتماعية لما ظنت بها من كونها مساعدات غير سياسية لا تهدد حكمها، والآن أصبحت مثل هذه الجماعات من أهم منصات تجنيد الشباب العربي للقتال في تنظيم الدولة.
ثالثًا: نظم الحكم الفاشلة التي أدت لتفاقم مشاعر الظلم .. فالإساءة المنهجية للمواطنين العرب على أيدي حكوماتهم لم تقم سوى بتأجيج مشاعر الغضب وتسهيل حركة الشباب تجاه تنظيم الدولة، فعلى مدار عقود عاملت الحكومات العربية مواطنيها كتهديد لأمنها القومي؛ معرضة إياهم لمستويات فريدة من العنف.
فوفقًا لاستطلاع رأي حديث فإن خمسة وخمسين بالمائة من المواطنين العرب لا يثقون بحكوماتهم ونخبهم السياسية، ويرى أكثر من تسعين بالمائة أن الفساد المالي والحكومي منتشر بالأجهزة الحكومية، بينما يرى أقل من واحد وعشرين بالمائة أن القانون يعامل كل المواطنين بالمثل.
رابعًا: رد الحكومات العنيف على الصحوة العربية الأخيرة .. فقد كان التصدي القاسي للتظاهرات بناءً على نزعة أيديولوجية وطائفية كافيًا لتأجيج التضارب المجتمعي أكثر وأكثر؛ مفاقمًا من الاحتقان والقطبية الاجتماعية والطائفية.
فالعنف المنهجي من قبل الدولة ضد المواطنين باستعمال البراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية في سوريا أوضح مثال على هذا، ولهذه الأفعال القدرة على خلق شقوق عميقة في النسيج الاجتماعي مسببة الاغتراب للشباب الذي شعر بإمكانية تغيير المستقبل نتيجة للتظاهرات؛ باحثًا عن أسباب جديدة وأكبر للحياة والانتماء.
لطالما استخدمت الحكومات العربية الطائفية كوسيلة للتحكم في السلطة عن طريق تهميش كيانات وجماعات ذات انتماءات عرقية ودينية مختلفة من الحياة السياسية، وأصبحت كلاً من المملكة السعودية وإيران تعتمدان على الحساسية الطائفية في التحكم في سياساتهم الإقليمية.
يظهر هذا واضحًا للعيان في كل من سوريا والعراق واليمن، فالتدخل الإيراني العسكري المتزايد بشكل غير مباشر في الدول العربية ما هو إلا تمظهر للخلاف بين الطائفتين السنية والشيعية الذي يعود لأكثر من ألف وأربعمائة عام، وهذه الرسالة لا تترجم عند ملايين السنة في العالم العربي إلا بالشكل التالي: “لقد أتى الشيعة للانتقام”.
وبالنسبة للشباب السني الساخط فإن الانضمام لميليشيا ذات قوة مبهرة على أرض الواقع هو نصرة للعقيدة والأمة، وتنظيم الدولة لا يفوت مثل هذه الفرصة في استخدام النزعات الطائفية والتأكيد على مشاعر الظلم لدى الشباب السني.
خامسًا وأخيرًا: انعدام الثقة في الغرب .. قام الغرب وجيوشه بالتدخل في العراق وليبيا واليمن، وفشل في دعم التظاهرات المدنية في سوريا والديموقراطية في مصر وبناء الدولة في ليبيا؛ وكل هذا من الممكن فهمه كأدلة على عدم إخلاص الغرب فيما يخص المنطقة، تاركًا الخلافة الإسلامية كبديل ذي قوة ووجاهة لاستعادة كرامة وحقوق العرب والمسلمين.
وفي نهاية الأمر فمن الواجب أن نعرف أن احتواء المشاعر الإيجابية تجاه تنظيم الدولة وتفكيك أيديولوجيته الخطيرة كهدف نهائي سيتطلب حركة على المدى الطويل لإصلاح الأسباب المذكورة أعلاه، وسيتطلب أكثر بكثير من التبرأ الذي قام به عدد من العلماء والشيوخ من التنظيم؛، ومن العملية العسكرية الجارية، فالحكومات العربية جزء لا يتجزء من المشكلة.
والانتصار على هذه النزعة للانضمام للتنظيم يكمن في أكثر من معركة واحدة، بل يعتمد على تغيير الطريقة التي يفكر فيها الشباب في البدائل المطروحة لتغيير حياتهم بطرح بدائل حقيقية جديدة للتغيير والتقدم.
المصدر: ناشيونال إنترست