ترجمة حفصة جودة
تشعر المملكة المتحدة والدول الأوروبية الغنية بالفزع، فتخزين قدر كبير من اللقاح العالمي سمح بظهور أنواع جديدة خطيرة من كوفيد-19، ومرة أخرى تعاقب الدول الغنية ضحايا تحيز اللقاح العالمي بغلق حدودها أمام أي شخص قادم من دول جنوب إفريقيا.
بالطبع، لم يوجد متحور “أوميكرون” – كما أسمته منظمة الصحة العالمية – بشكل حصري في جنوب إفريقيا فقط، فقد اكتُشفت حالات في آسيا وأوروبا من بينها المملكة المتحدة، لكن جنوب العالم يُلام على ذلك رغم أن وسائل التعامل مع كوفيد-19 كانت ممنوعة عنه، يتناسب ذلك تمامًا مع طريقة تعامل الدول الغنية مع الجائحة.
في كل مرحلة من مراحل الاستجابة للجائحة تلاشت أي آمال للتعاون، فقد خزّنت الدول الغربية اللقاح – وحتى تخلصت منه – بدلًا من التبرع به على نطاق واسع في الوقت المناسب، لأكثر من عام، عارضت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي اقتراحًا من جنوب إفريقيا والهند بتعليق الملكية الفكرية لتقنيات كوفيد-19 ومن بينها اللقاحات.
اعترفت معظم دول العالم بأهمية ذلك للتوسع في إنتاج اللقاح بما يكفي لإنهاء تلك الجائحة، لكن قادة مثل رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون يرون أن الاحتكارات الدوائية أكثر أهمية.
كان أسترازينكا واحدًا من أول اللقاحات التي وصلت إفريقيا، لكن المعلومات المضللة من عضو مجلس إدارة فايزر سكوت جوتليب عن فاعلية اللقاح وأمانه وإثارة الأمر بين القادة الأوروبيين تسبب في فقدان الثقة باللقاح
أظهرت البيانات أن 7% فقط من سكان إفريقيا محصنون بالكامل وأن واحدًا من كل 4 عاملين في مجال الصحة محصن تمامًا، هذا الأمر ليس سيئًا من الناحية الأخلاقية فقط، لكنه خطير أيضًا، فهو يخلق أرضية خصبة للمتحورات الجديدة.
يبدو عامل الوقت مهمًا جدًا فيما يتعلق بالجائحة، وقد حذرت من ذلك البروفيسور سارا جلبرت من جامعة أوكسفورد، فقالت إن إيقاف انتقال العدوى في كل مكان في العالم ضروري جدًا لوقف تطور الفيروس وتحوله بشكل خطير.
وكما هو الحال في كل أنحاء العالم، وقعت الحكومات الإفريقية في أخطاء خلال الجائحة، في الحقيقة، كانت منظمة “Health Justice Initiative” (مبادرة العدالة الصحية) واضحة بشأن أخطاء الحكومة ومن بينها شفافية عقود اللقاح.
كان على جنوب إفريقيا أن تواجه أيضًا عنفًا سياسيًا خطيرًا في منتصف 2021 كما بدلت الحكومة وزير الصحة مرتين خلال 12 شهرًا، تعقد الأمر مع فقدان الوظائف المدمر وأزمة الجوع وتفاقم بحظر السفر غير المنطقي في معظم الأوقات.
لكن نظام الصحة المستمر من عصر الفصل العنصري وتحمل مستويات الفقر وعدم القدرة طوال عام على توفير كمية مناسبة من اللقاحات يعني أن الحكومة تواجه مهمة مستحيلة، بالنسبة للجزء الأفضل من عام 2021 – مع توافر إمدادات عالمية محدودة استنفدها شمال العالم – تمكنت جنوب إفريقا من الحصول على إمدادات اللقاح بالتنقيط.
خلال الموجة الثالثة المدمرة في جنوب إفريقيا، صدّرت شركة جونسون آند جونسون ملايين اللقاحات التي عُبئت وجُهزت في جنوب إفريقيا إلى الدول الأوروبية والأمريكية عالية التحصين
كان أسترازينكا واحدًا من أول اللقاحات التي وصلت إفريقيا، لكن المعلومات المضللة من عضو مجلس إدارة فايزر سكوت جوتليب عن فاعلية اللقاح وأمانه وإثارة الأمر بين القادة الأوروبيين تسبب في فقدان الثقة باللقاح، حتى إن استخدامه توقف مؤقتًا في عدد من الدول الإفريقية كما توقف في جنوب إفريقيا مع ظهور متحور بيتا وقيود التصدير الهندية.
تفاوض الاتحاد الإفريقي على صفقة جديدة مع جونسون آند جونسون عبر شركة أدوية “أسبين” في جنوب إفريقيا، لكن غالبية اللقاحات المقدر عددها بين 220 إلى 400 مليون لقاح لم تصل بعد.
الأسوأ من ذلك، أنه في ذروة الأزمة خلال الموجة الثالثة المدمرة في جنوب إفريقيا، صدّرت شركة جونسون آند جونسون ملايين اللقاحات التي عُبئت وجُهزت في جنوب إفريقيا إلى الدول الأوروبية والأمريكية عالية التحصين.
في أغسطس/آب، بدأت منظمة الصحة العالمية في بناء أول مركز تصنيع عالمي بالتعاون مع حكومة جنوب إفريقيا وشركة التقنية الحيوية “Afrigen” في كيب تاون، لإنتاج لقاحات بتقنية “mRNA” ومشاركتهم مع بقية العالم، ما يمحو الفكرة العنصرية التي تقول إن إفريقيا غير قادرة على تصنيع اللقاحات بأمان.
لكن بشكل مخجل، رفضت شركتا موديرنا وفايزر مشاركة معلوماتهما مع المركز، لذا كان على علماء إفريقيا إجراء عملية الهندسة العكسية بأنفسهم، ما يستغرق وقتًا طويلًا، حاولت هذه الشركات تجاوز المركز بالحصول على صفقات ترخيص جزئية موازية لاستشعارها أزمة علاقات عامة، لكن هذه الصفقات – البعيدة كل البعد عن عمل الخير – تبدو مصممة لتقويض جهود منظمة الصحة العالمية.
كانت جنوب إفريقيا شريكًا عالميًا بنّاءً في الجائحة، فقد تطوع المئات من أجل تجارب اللقاح، كما أن أنظمة المراقبة العلمية المتطورة لديها ساعدت في اكتشاف متحورات كوفيد-19 الجديدة سريعًا
طوال الطريق، غذّت مجموعة من التأخيرات والمعلومات المضللة وسرية عقود اللقاح مع تعويضات واسعة ضد شروط المسؤولية، من عدم الثقة في شركات اللقاح، وساعد في ذلك الحملة المناهضة للقاح والسياسييين الذين يسعون لإحراز نقاط.
إننا بحاجة لطريقة مختلفة للقيام بذلك، ضغطت أكثر من 100 دولة لمدة عام على الأقل لتعليق حقوق الملكية الفكرية الخاصة بالتقنيات المهمة لإنهاء الأزمة بشكل عاجل، هذا التنازل من شأنه تسهيل إنتاج اللقاحات في جنوب إفريقيا وغيرها من الدول خاصة من أجل توفير الإمدادات للجميع وإنقاذ الأرواح، لكن المملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي عارضوا الأمر مرارًا وتكرارًا دون سبب وجيه.
على النقيض من ذلك، كانت جنوب إفريقيا شريكًا عالميًا بنّاءً في الجائحة، فقد تطوع المئات من أجل تجارب اللقاح، كما أن أنظمة المراقبة العلمية المتطورة لديها ساعدت في اكتشاف متحورات كوفيد-19 الجديدة سريعًا.
إذا كنا لا نرغب في مواصلة النظام العالمي الاستعماري العنصري مع كوفيد-19 فإننا بحاجة للتغيير، وصدقوا أو لا، هذا الأمر مفيد للمملكة المتحدة وأوروبا كذلك، لأنه ليس بإمكانك فرض سياسات صارمة أو بناء جدارن عالية بما فيه الكفاية لتجنب عواقب ظلم اللقاح.
إننا بحاجة إلى سحب جميع الاعتراضات، وإزالة أي حواجز لإنتاج اللقاح، وأولها حقوق الملكية الفكرية، نحن بحاجة للتضامن والتعاون بدلًا من رد الفعل العُصابي بحظر السفر.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية