أحدث فوز الأرجنتيني ليونيل ميسي، لاعب فريق باريس سان جيرمان، بالكرة الذهبية للمرة السابعة في تاريخه، حالة من الجدل داخل الوسط الرياضي، بين من يرى أحقيته في ذلك استنادًا إلى تاريخه خلال السنوات الماضية، وآخرين يرون عكس ذلك في ضوء الأرقام الخاصة باللاعب موسم 2020/2021.
منح الجائزة لميسي هذا العام فتح الباب مجددًا للحديث عن ملف “تسييس” اللعبة وجوائزها، وهو الملف الذي يفرض نفسه بين الحين والآخر في ظل سيطرة بعض الحسابات والاعتبارات السياسية والأيديولوجية، – البعيدة تمامًا عن التقييم الفني والكروي – على أجواء تلك المناسبات، إذ يزخر التاريخ بعشرات التجارب والنماذج السابقة.
جدير بالذكر أنه منذ عام 2008 سيطر ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو على حصد جائزة الكرة الذهبية (7 مرات لميسي و5 لرونالدو)، فلم تخرج عن أي منهما طيلة السنوات الـ12 الماضية إلا عام 2018 فقط حين نجح الكرواتي لاعب ريال مدريد لوكا مودريتش، في كسر هذا الاحتكار.
حالة من الغضب والتعجب فرضت نفسها على الأجواء الكروية عقب إعلان مجلة “فرانس فوتبول” هوية الفائز بالكرة الذهبية هذا العام، وسط حزمة من علامات الاستفهام الباحثة عن إجابة: هل يستحق ميسي فعلًا الفوز بالجائزة هذا العام؟ وما الدوافع وراء ذلك؟ ولما يستبعد غيره من المجتهدين أصحاب الأرقام التي ربما تفوق الأرجنيتني بمراحل؟
هل يستحق ميسي الجائزة؟
بالعودة إلى لغة الأرقام التي حققها ميسي خلال العام الكروي الحاليّ، التي من المفترض أن تكون أداة التقييم الوحيدة لتحديد اسم الفائز، يلاحظ أن الأرجنتيني فاز بلقب كأس الملك مع ناديه السابق برشلونة قبل أن ينتقل إلى باريس سان جيرمان، وهي بطولة درجة ثانية مقارنة ببطولة الدوري الإسباني “الليغا”.
كما فاز بلقب كوبا أمريكا مع منتخب بلاده، وهي البطولة القارية الأولى له مع الأرجنتين، وفيها حقق لقب الهداف بأربعة أهداف، بجانب أفضل لاعب في البطولة، والهداف التاريخي في قارة أمريكا الجنوبية، وخلال جميع البطولات التي خاضها اللاعب هذا الموسم سجل 40 هدفًا، وصنع 14 خلال 49 مباراة.
وبمقارنة تلك الأرقام مع منافسه البولندي روبرت ليفاندوفسكي، مهاجم بايرن ميونيخ، نجد أن الأخير حقق إنجازات تفوق ميسي خلال العام الكروي الحاليّ، فقد فاز بلقب الحذاء الذهبي الأوروبي مع فريقه خلال الدوري الأوروبي، كذلك فاز بلقب هداف الدوري الألماني برصيد 41 هدفًا، كما سجل 5 أهداف في مباريات دوري أبطال أوروبا وسجل هدفين في كأس العالم للأندية التي توج بها الفريق.
العديد من خبراء الكرة والمهتمين بالشأن الرياضي حذروا من منح الجائزة لغير مستحقيها
أما فيما يتعلق بحصاد الأهداف فأحرز الألماني 48 هدفًا وصنع 9 أهداف في 40 مباراة فقط، ما يمنحه التفوق النسبي على منافسه الأرجنتيني الذي أحرز 40 وصنع 14 في 49 مباراة، هذا في الوقت الذي كانت تذهب فيه معظم الترشيحات إلى ليفاندوفسكي لحصد الجائزة هذا العام للدور الذي أداه مع فريقه في مختلف البطولات.
أما المصري محمد صلاح لاعب فريق ليفربول الإنجليزي، فسجل 32 هدفًا وصنع 8 أهداف أخرى، فيما لم يتوج فريقه بأي بطولات العام الكروي الحاليّ، بينما شارك النجم الفرنسي، جزائري الأصل، كريم بنزيمة في 33 لقاءً بالدوري الإسباني سجل خلالها 23 هدفًا وقدم 9 تمريرات حاسمة، وفي دوري أبطال أوروبا لعب 9 لقاءات، سجل خلالها 6 أهداف.
ضرب لمصداقية الجائزة
العديد من خبراء الكرة والمهتمين بالشأن الرياضي حذروا من منح الجائزة لغير مستحقيها، لافتين إلى أن ذلك سيكون له ارتدادت عكسية على صورتها ومصداقيتها ونزاهة الجهة المنظمة لها “فرانس فوتبول”، هذا بخلاف التأثيرات المحتملة على فكرة المنافسة في حد ذاتها لدى اللاعبين، خاصة من أجادوا على مدار الموسم ويعتبرون أنفسهم الأحق بها.
اللاعب الفرنسي السابق جون بيار، لاعب مارسيليا والمتوج بجائزة الكرة الذهبية عام 1991، تعجب من منح ميسي جائزة هذا العام، مضيفًا في تصريحاته لصحيفة “لوباريزيان” (Le Parisien) الفرنسية أنه لم يلعب لفترة طويلة بعد تتويجه مع منتخب بلاده بلقب كوبا أمريكا، وتابع “أنا لا أفهم، ويمكن أن نضيف كريستيانو رونالدو أيضًا في هذه الحالة، منذ فوزه بكوبا أميركا، ماذا فعل ميسي في باريس؟ سجل هدفًا واحدًا في الدوري و3 في دوري الأبطال، ليس لدي أي شيء ضد ميسي، إنه أحد أعظم اللاعبين في التاريخ، لكنه لا يستحق الحصول على الجائزة في هذا العام”.
الإصرار على منح ميسي جائزة هذا العام رغم عدم أحقيته وفق الأرقام المشار إليها وآراء خبراء الكرة، فتح الباب على مصراعيه للحديث عن وجود دوافع ومعايير أخرى غير المستوى الفني
ويعتبر بيار أن فوز ميسي سيكون له تبعاته العكسية على سمعة ومصداقة الجائزة، وقال: “اختيار ميسي في عام 2021 من شأنه أن يقلل من قيمة الكرة الذهبية لأن ذلك سيعني أننا لم نعد نعطي الفرصة للاعبين المتميزين للفوز بالجائزة”، لافتًا إلى أن الأداء الجيد على مدار موسم كامل هو السبب المباشر والوحيد لمنح الجائزة، ومن ثم فإنه في حال الإخلال بهذا الشرط ستفقد قيمتها وتقديرها، سواء لدى الجماهير أم اللاعبين، كذلك الإعلام الرياضي بصفة عامة.
الرأي ذاته أكده لاعب وسط ريال مدريد توني كروس، في تصريحات بالبرنامج الإذاعي الألماني “Einfach Mal Luppen” الذي قال: “هذه جائزة غير مستحقة على الإطلاق”، وتابع: “ليس هناك شك في أن ميسي ورونالدو كانا أفضل لاعبين في العقد الماضي، لكن هذا العام كان ينبغي أن يفوز بها لاعب جديد”، مختتمًا حديثه بأن “أفضل ثلاثة لاعبين من وجهة نظري هم كريم بنزيمة وروبرت ليفاندوفسكي وجورجينيو”.
تسييس والتسويق كلمتا السر
الإصرار على منح ميسي جائزة هذا العام رغم عدم أحقيته وفق الأرقام المشار إليها وآراء خبراء الكرة، فتح الباب على مصراعيه للحديث عن وجود دوافع ومعايير أخرى غير المستوى الفني والقدرات الكروية، في إشارة إلى اعتبارات سياسية وأيديولوجية، وأخرى تسويقية دعائية، تجعل من اسم الشخص الفائز بالجائزة الأهمية الأكبر من مدى أحقية من يفوز بها.
المعلق الرياضي التونسي في قنوات “بين سبورت” عصام الشوالي، ألمح إلى وجود معايير أخرى لاختيار الفائز بالجائزة غير المعايير الفنية الكروية المتعارف عليها، لافتًا في منشور له على صفحته على فيسبوك إلى أن التسويق والسياسة كانا من أبرز المعايير التي تدخلت لتحديد هوية الفائز بالكرة الذهبية.
هناك تدخل قوي من الشركات الراعية في تحديد الفائز بالجائزة، وهو ما يعود بالنفع على تلك الشركات من خلال الحملات الدعائية لمنتجاتها
وأضاف أن ما حدث كان فيه ظلم واضح لبقية المنافسين “ظُلم ليفاندوفسكي وظُلم بنزيمة وظُلم صلاح ومبابي كان يستاهل أكثر.. ميسي على الرأس والعين لكن كوبا أمريكا لا تكفي، جورجينيو ثالث مجاملة لبطل أوروبا.. رونالدو قبل صلاح ظُلم آخر.. أنا ترتيبي ليفاندوفسكي.. بنزيمة.. صلاح”.
آخرون يرون أن مجلة “فرانس فوتبول” المنظمة لهذا الحدث تسوق نفسها عبر اختيار ميسي للجائزة، لما له من شعبية كبيرة، هذا بجانب محاولة لتجميل صورة الدوري الفرنسي وتسويقه عالميًا من خلال منح الكرة الذهبية لأحد اللاعبين به، وهو الحدث الذي ربما يزيد من قيمة الدوري الفرنسي.
في تصريحات سابقة لخبراء الكرة كشفوا عن تلاعب يجري داخل أروقة تلك الجوائز، وذلك من خلال التنسيق بين الشركات الراعية والاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” كما أشار رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الأسبق، ميشيل بلاتيني، وأسطورة الكرة البرازيلية بيليه، حيث شككا في نزاهة ومصداقية تلك الجوائز، وهو ما أكدته صحيفة “تايمز” الأمريكية في تقريرها الذي أفاد بوجود فساد كبير في جوائز الفيفا وفي مقدمتها الكرة الذهبية.
وفي تحقيق لصحيفة “صن” البريطانية، أشار إلى وجود تدخل قوي من الشركات الراعية في تحديد الفائز بالجائزة، وهو ما يعود بالنفع على تلك الشركات من خلال الحملات الدعائية لمنتجاتها، منوهة أن ميسي ورونالدوا تحديدًا، وهما الأكثر استحواذا على الكرة الذهبية، لديهما تعاقدات مع كبرى الشركات في العالم، الأمر لا يقتصر على الشركات الرياضية فحسب، بل هناك مجالات أخرى كالأزياء والعطور والسيارات، وهي التي تدخل في صراعات تسويقية مع الفيفا لكي يكون عميلها في المقدمة.
وإن كانت العدالة المطلقة في الحياة دربًا من الخيال، فإنها في المجالات المتخصصة نوع من الهذيان، وكما كان الوضع في الكرة الذهبية التي تخضع لمعايير وأبعاد سياسية فإن الحال ذاته في الكثير من الجوائز والتكريمات الأخرى، علمية كانت أو رياضية أو فنية، هذا بجانب إمكانية سحب ذلك على المناصب والوظائف الأممية ذات الحيثية الدولية التي تقع أسيرة سياج من الاعتبارات السياسية البعيدة تمامًا عن شروط ومتطلبات المهمة.