قرابة العشرين يومًا تفصل ليبيا عن موعد الاستحقاق الانتخابي المنتظر، في ظل وضع غير مستقر، حيث يسيطر المرتزقة والميلشيات الأجنبية على مناطق واسعة من البلاد، والانقسام الداخلي أكثر حدة من ذي قبل، والسلطة المركزية عاجزة عن توحيد مؤسسات الدولة، وعلى ذلك يخشى العديد من الليبيين أن تكون عواقبها وخيمة على البلاد، خاصة في ظل إصرار قوى أجنبية عديدة على إنجازها مهما كلف الأمر.
مخاوف جدية
مع اقتراب موعد الانتخابات الليبية، تجددت المخاوف الجدية بشأنها، فقد شكك رئيس مجلس الأمن الدولي في توافر الشروط اللازمة لإجراء انتخابات ديمقراطية في هذا البلد العربي، وقال سفير النيجر لدى الأمم المتحدة عبده أباري الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لمجلس الأمن خلال الشهر الحالي: “شروط إجراء انتخابات حرة وذات مصداقية وديمقراطية وتوافقية وتكون مدماكًا أساسيًا لعودة السلام والاستقرار إلى ليبيا، لم تتحقق بعد”.
وأكد عبده أباري أن بلاده لا تؤيد الموقف القائل إنه يجب الذهاب إلى الانتخابات مهما كان الثمن وبغض النظر عن نوعيتها، وأضاف “هذه ليست وجهة نظر مجلس الأمن، بل تحليل نقوم به، الوضع ليس ناضجًا بما فيه الكفاية، هو لم ينضج بما يكفي للسماح بإجراء انتخابات يمكن أن تؤدي إلى استقرار وأمن دائمين في ليبيا”.
معضلة المرتزقة ليست المعضلة الوحيدة التي تقف حجر عثرة أمام الانتخابات المرتقبة، فيوجد ما أخطر منها وهو تواصل انقسام مؤسسات الدولة
حذر الدبلوماسي النيجري من أن الانتخابات يمكن أن تؤدي إلى تفاقم الأوضاع بدلًا من حلها، يحدث هذا غالبًا في الدول الإفريقية، لذا يجب أن نكون واضحين بشأن إجرائها والنتائج التي نسعى إليها، وشدد أباري على أن هذه ليست وجهة نظر مجلس الأمن، بل إنه يتحدث بصفته سفيرًا لدولة جارة لليبيا.
هذه المخاوف عبر عنها أيضًا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إذ قال هذا الأخير في مؤتمر صحفي: “نريد أن تكون هذه الانتخابات جزءًا من الحل لا من المشكلة في ليبيا”، وأضاف “بناءً عليه، سنبذل قصارى جهدنا لتسهيل إجراء حوار يتيح حل المسائل المتبقية.. التي يمكن أن تقسم ليبيا وإجراء الانتخابات بطريقة تساهم في حل المشكلة الليبية”.
ومن المقرر أن تُجرى الانتخابات الرئاسية على جولتين: الأولى تبدأ في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل، والثانية تنطلق مع الانتخابات البرلمانية بعد 52 يومًا من الجولة الأولى، وفق مفوضية الانتخابات.
المرتزقة على حالهم
تبدو هذه المخاوف جدية إذا نظرنا إلى وضع البلاد، فوضع المرتزقة على حاله، يقول سفير النيجر لدى الأمم المتحدة عبده أباري في هذا الصدد: “المقاتلون الأجانب ما زالوا في ليبيا، وخط التماس ما زال في مكانه، ولم تحصل إعادة توحيد حقيقية للقوات العسكرية”.
ووفقًا لأباري، فإنه من أصل أكثر من 20 ألف مقاتل أجنبي – بين مرتزقة وعسكريين أجانب أكدت الأمم المتحدة وجودهم في ليبيا – “هناك ما بين 11 ألف سوداني و12 ألفًا وبضعة آلاف من دول في الساحل”.
بالتزامن مع ذلك، ذكر تقرير أعده خبراء في الأمم المتحدة أن استمرار وجود مرتزقة تشاديين وسودانيين وسوريين وروس ما زال يمثل تهديدًا خطيرًا للوضع في ليبيا ويأسف التقرير المرحلي السري الذي تسلمه أعضاء مجلس الأمن الدولي الـ15 مؤخرًا، لأنه على الرغم من مطالبتهم العلنية بانسحاب المرتزقة من بلدهم فإن أطراف النزاع ما زالوا يحتفظون بمقاتلين أجانب في صفوف قواتهم، لا سيما برعايا من تشاد والسودان وسوريا وبأفراد شركات عسكرية روسية خاصة”.
سواء انتخبت او لم تنتخب
مثل انتخابات النواب لن تفتح الصناديق ابداعدم الموافقه ع الانتخابات من اساسها افضل من السقوط وضيع الثورة ودماء الشهداء#ليبيا#فريق_مجاهدون #حفتر_مجرم_حرب
— Omar Al-Mukhtar’s granddaughter???? (@OmarAlMakhtar86) December 1, 2021
شدد التقرير أيضًا على أن “اللجنة ليس لديها دليل على حدوث انسحابات واسعة النطاق حتى الآن لهؤلاء المرتزقة”، يذكر أن الخبراء الذين أعدوا هذا التقرير مكلفون من مجلس الأمن بمراقبة مدى احترام الدول لقراره المتعلق بمنع إرسال أسلحة إلى ليبيا.
ولفت الخبراء إلى أن “سيطرة بعض الدول الأعضاء على سلاسل التوريد تتواصل، ما يعيق بشكل كبير اكتشاف أو تعطيل أو حظر عمليات إرسال الأسلحة إلى ليبيا، من دون أن يحددوا هذه الدول، كما نبه أنه “بالاستناد إلى عمليات النقل التي تمت في 2020، تظل مخزونات الأسلحة مرتفعة وكافية لإذكاء أي نزاع في المستقبل”، مشيرًا إلى أن القسم الأكبر من ليبيا لا يزال “تحت سيطرة جماعات مسلحة ليبية تستفيد من نهج تصالحي تسلكه معها السلطات المؤقتة”.
يذكر أنه قبل شهر من الآن، أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، الاتفاق على إنشاء آلية اتصال وتنسيق فعالة لإخراج المقاتلين والمرتزقة والقوات الأجنبية، لكن ذلك لم يحصل فالمرتزقة ما زالوا موجودين في أماكنهم، ولا بوادر لانسحابهم.
ويتساءل العديد من الليبيين عن كيفية إجراء انتخابات حرة ونزيهة في ظل مواصلة المرتزقة والمقاتلين الأجانب تحدي الدولة والقرارات الانتخابية، وكل ما تقوله المؤسسات الرسمية بشكل علني.
مؤسسات منقسمة
معضلة المرتزقة ليست المعضلة الوحيدة التي تقف حجر عثرة أمام الانتخابات المرتقبة، فيوجد ما أخطر منها وهو تواصل انقسام مؤسسات الدولة، فكل مؤسسة في ليبيا توجد في طرابلس لها رديف في الشرق الليبي.
ليس هذا فحسب، فمنذ سنة 2014 تشهد المؤسسات المختلفة في ليبيا في القطاع المالي والصحي والتعليمي والأمني وغيرها من القطاعات الأخرى انقسامًا بسبب الخلافات السياسية والعسكرية الحاصلة في البلاد.
المعضلة الأخرى تتمثل في أسماء المرشحين، التي يصعب أن يقبل العديد منها بالهزيمة في هذه الانتخابات المرتقبة
قبل سنوات، ظهرت إدارة موازية في الشرق بمصرف مركزي خاص بها ورئيس لشركة نفط منافسة وغيرهما من المؤسسات الحكومية الأخرى تستند في ادعاء الشرعية إلى البرلمان الذي انتخب سنة 2014 ومقره طبرق، وهو ما أثر على استقرار البلاد.
حتى المؤسسة العسكرية والأمنية منقسمة، فالجماعات الموجودة في الشرق تدين بالولاء للواء المتقاعد خليفة حفتر، أما الجماعات المسلحة في الغرب فولاء أغلبها لحكومة الوحدة الوطنية، فيما ولاء جماعات الجنوب المسلحة يختلف من حين إلى آخر.
أسماء المرشحين
المعضلة الأخرى تتمثل في أسماء المرشحين، التي يصعب أن يقبل العديد منها بالهزيمة في هذه الانتخابات المرتقبة، فخليفة حفتر الذي قضت المحكمة الابتدائية بمدينة الزاوية الليبية، مساء أول أمس الثلاثاء، باستبعاده من قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية من المستحيل أن يسكت.
حفتر الذي قاد عملية عسكرية ضد العاصمة طرابلس وحكومة الوحدة الوطنية، دامت أشهر عدة للسيطرة على الغرب الليبي، وأسفرت عن مقتل المئات من الليبيين وتشريد الآلاف وتدمير العشرات من المدارس والمستشفيات والمؤسسات العمومية والخاصة، يدخل هذه الانتخابات وعينه على كرسي الرئاسة دون غيره.
في انتخابات #ليبيا مثلث الشر ينطلق من قاعدة واحدة. pic.twitter.com/T4iN7hLFTE
— د. محمد الصغير (@drassagheer) November 24, 2021
أيضًا نجل القذافي سيف الإسلام، ورغم استبعاده هو الآخر من السباق الانتخابي فها هو يجهز نفسه للطعن في القرار والعودة للسباق معولًا على أنصار أبيه والميلشيات المتمركزة في الجنوب والداعمة له، فضلًا عن دعم بعض الدول الأجنبية له.
سيف الإسلام القذافي، رغم حظوظه البسيطة في الفوز، فإنه يرى نفسه القادر على حكم البلاد ومن الصعب جدًا تسليمه بنتائج الانتخابات في حال خسر الرهان لفائدة مرشح آخر، ويظهر ذلك من خلال المظاهرات التي شهدت مدينة سبها جنوب ليبيا مؤخرًا.
المرشح عقيلة صالح الذي يشغل حاليًّا منصب رئيس البرلمان، يدخل غمار الانتخابات الرئاسية وورائه قوى أجنبية ومحلية تدفعه دفعًا نحو الرئاسة، نفس الأمر بالنسبة للمرشح عبد الحميد الدبيبة الذي يشغل منصب رئيس حكومة الوحدة الوطنية.
صحيح أن الليبيين ينتظرون الانتخابات بفارغ الصبر ويأملون أن تساهم في إنهاء الصراع المسلح الذي تعاني منه بلدهم منذ سنوات، لكن تنظيم انتخابات في الوضع الحاليّ وبمثل هذه الشاكلة سيزيد الوضع تعقيدًا وسيدخل البلاد في متاهات كبرى.