ترجمة وتحرير: نون بوست
استخدمت المملكة العربية السعودية “الحوافز والتهديدات” كجزء من حملة ضغط لإغلاق تحقيق فتحته الأمم المتحدة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها جميع الأطراف المتورطة في حرب اليمن، وذلك وفقا لمصادر مطلعة على الموضوع.
كانت الجهود السعودية مثمرة في نهاية المطاف بعد أن صوّت مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في شهر تشرين الأول/ أكتوبر ضد تمديد التحقيق المستقل في جرائم الحرب في اليمن. ومثلت نتيجة هذا التصويت أول هزيمة في تاريخ قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي أنشئ منذ 15 سنة ويقع مقره في جنيف.
في مقابلة لهم مع صحيفة “الغارديان”، تحدث مسؤولون سياسيون ودبلوماسيون وناشطون، مطلعون على الضغط المسلط على الدوائر الداخلية، عن حملة خفية قام خلالها مسؤولون سعوديون بالتأثير على المسؤولين الأميين من أجل ضمان إغلاق التحقيق.
وفي إحدى الحالات، يُزعم أن الرياض حذّرت إندونيسيا – أكبر دولة في العالم ذات أغلبية مسلمة – من وضع عقبات أمام مواطنيها الراغبين في الحج إذا لم يصوت مسؤولوها الأمميون ضد قرار السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. وفي حالة أخرى، أعلنت دولة توغو الأفريقية تزامنا مع التصويت أنها ستفتح سفارة جديدة في الرياض وستحصل على دعم مالي من المملكة لتمويل أنشطة مكافحة الإرهاب. ونتيجة لذلك، صوّتت كل من إندونيسيا وتوغو – اللتان امتنعتا عن التصويت في سنة 2020 – ضد قرار اليمن هذه السنة.
تم تمرير القرار بأغلبية 21 صوتًا مقابل 18 بينما امتنعت سبع دول عن التصويت. وفي سنة 2020، تم تمرير القرار بأغلبية 22 بلدًا مقابل 12 بلدًا مع امتناع 12 عضوا عن التصويت. وقال أحد المسؤولين إن “هذا النوع من التذبذب – من 12 معارضًا لتمديد التحقيق إلى 21 معارض – لم يأت من فراغ”.
حسب جون فيشر، مدير مكتب منظمة “هيومن رايتس ووتش” في جنيف، فإن “التصويت كان متقاربًا للغاية. نحن نعلم أن المملكة العربية السعودية وشركاءها في التحالف واليمن يعملون منذ مدة وعلى مستويات عالية على إقناع عواصم هذه الدول بدعم إنهاء آلية الرصد الدولية، وذلك بمزيج من التهديدات والحوافز”.
وأضاف فيشر “كانت خسارة التفويض ضربة قوية لمساعي محاسبة الجناة في اليمن ومصداقية مجلس حقوق الإنسان ككل. كما أن خسارة التفويض أمام أحد أطراف النزاع دون أي سبب سوى التهرب من المساءلة حول الجرائم الدولية هو مهزلة”.
وتجدر الإشارة إلى أن ممثلي السفارتين الإندونيسية والسعودية في واشنطن ووزارة الخارجية في توغو لم يجيبوا على طلب التعليق.
في سنة 2017، صوّت مجلس حقوق الإنسان لأول مرة على تشكيل لجنة من الخبراء للتحقيق في الانتهاكات المحتملة للقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان في اليمن.
تصاعدت الحرب الأهلية في اليمن سنة 2015 بعد أن تدخل تحالف تقوده السعودية، يستخدم أسلحة أمريكية وبريطانية الصنع، نيابةً عن الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا لردع المتمردين الحوثيين. وتقول جماعات ناشطة إن الصراع أسفر عن مقتل 100 ألف شخص ونزوح أربع ملايين يمني.
دعمت المملكة العربية السعودية، التي لم تكن عضوا في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، هذه الجهود في البداية.
قال أحد المتابعين عن كثب لهذا الملف إن تقارير لجنة الخبراء – المعروفة باسم فريق الخبراء البارزين الدوليين والإقليميين المعني باليمن – أصبحت بمرور السنوات أكثر “إدانة” لما يحدث في اليمن من انتهاكات.
وفي سنة 2020، أوصى فريق الخبراء البارزين لأول مرة بضرورة تركيز المجتمع الدولي على محاسبة مرتكبي جرائم الحرب المحتملة، مقدمًا خمس توصيات تضمّنت تحويل الملف إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بقرار من مجلس الأمن الدولي.
أفاد شخص آخر مطلع على الملف: “أعتقد أن هذه هي اللحظة التي أيقن فيها التحالف السعودي أن التحقيق بلغ مرحلة متقدمة أبعد مما كان متوقعًا”. ويبدو أن الدول التي دعمت الإجراء، بقيادة هولندا، فوجئت بالأساليب العدوانية التي استخدمها السعوديون.
خلال المفاوضات، لم تُعرب أي دولة من الدول التي غيّرت موقفها لاحقًا – من الامتناع عن التصويت إلى التصويت بـ “لا” – عن اعتراضها على هذا القرار الذي لم يختلف في جوهره عن بيان سنة 2020 إلا من حيث طلب تمديد التفويض من سنة إلى سنتين.
ذكرت مصادر لصحيفة “الغارديان” أن مؤيدي هذا الإجراء لم ينتبهوا إلى “العلامات التحذيرية” إلا قبل أسبوع من التصويت، عندما أدركوا أن الحملة السعودية “كانت مختلفة تمامًا عن حملات السنوات السابقة” – ويرجع ذلك جزئيًا إلى سعي السعودية إلى إقامة علاقات مع صناع السياسات في مختلف عواصم العالم.
ووفقا لشخص مُطّلع على الملف كان “بالإمكان ملاحظة التحول الكبير في المواقف وكان هذا الأمر صادمًا”. عادة ما تكون مواقف التصويت واضحة قبل أيام من الموعد المحدد، ولكن الدول الأعضاء في المجلس رفضت في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الإفصاح عن ميولها النهائية، وهو ما اعتبره المؤيدون للقرار علامةً مقلقةً على تعرض بعض الدول لضغوط شديدة. مع ذلك، ارتأى مؤيدو القرار المضي قدمًا في التصويت على الرغم من أن نتيجته كانت غير مؤكدة.
وقال مصدر آخر إن “انتصار السعوديين في هذه المعركة على حساب الشعب اليمني يعتبر أمرًا فظيعًا، ومثال نموذجي يمكن لدول أخرى على غرار روسيا والصين النسج على منواله لإفشال أي تحقيق مستقبلي. وهو ما صدم الجميع حقًا. لا بد من تتبّع الدول الأعضاء بالمجلس التي لم تستطع تحمل الضغط”.
تمتد فترة ولاية أعضاء مجلس حقوق الإنسان لثلاث سنوات. ومن ضمن الدول التي خدمت بين سنتي 2020 و2021، غيرت أربعة منها مواقفها من الامتناع عن التصويت إلى التصويت بـ “لا” بشأن التحقيق في الفظائع التي تقع في اليمن: وهذه الدول هي إندونيسيا وبنغلاديش والسنغال وتوغو.
يأتي تصويت دولة توغو في أعقاب زيارة رسمية قام بها وزير خارجيتها إلى المملكة العربية السعودية، تزامنًا مع الإعلان عن فتح سفارة جديدة في الرياض. كما أعلنت توغو أنها ستتلقى دعما ماليا لمكافحة الإرهاب من “المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف” في السعودية.
بالنسبة لإندونيسيا، حذّرتها السعودية ضمنيًا من أن شهادات التطعيم الإندونيسية ضد فيروس كورونا قد لا يُعترف بها عند سفر مواطنيها إلى مكة، وذلك في حال لم تصوت الدولة ضد قرار تمديد التحقيق في اليمن. وقال أحد المراقبين إن هذا التهديد المزعوم أظهر أن السعودية مستعدة لاستغلال الأماكن المقدسة في سبيل الحصول على ما تريد.
بعد أسبوع من التصويت، دعت الإمارات – حليف المملكة في الصراع اليمني – السنغال لتوقيع اتفاقية تفاهم لإنشاء مجلس أعمال مشترك إماراتي سنغالي تقوم من خلاله غرفة التجارة الإماراتية بـ “تعزيز التعاون” بين “البلدين الصديقين”. ومن جهتها، لم ترد الإمارات على طلب التعليق.
المصدر: الغارديان