ترجمة وتحرير: نون بوست
تمارس الإمارات العربية المتحدة ضغوطا قوية من أجل عودة النظام السوري إلى الساحة العربية. بعد أن قاطعت غالبية الدول العربية دمشق خلال الحرب، وصوتت على تعليق عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، تقود أبوظبي في الوقت الحالي الجهود لإلغاء هذا القرار. أعادت الإمارات فتح سفارتها في سوريا، وعرضت استثماراتها لإنعاش الاقتصاد السوري المنهار. وخلال الشهر الجاري، أرسلت وزير الخارجية الشيخ عبد الله بن زايد إلى دمشق للقاء بشار الأسد، وهو أول لقاء يجمع بين مسؤولي البلدين منذ عقد من الزمن.
في الآونة الأخيرة، أصبحت الإمارات من الدول الداعمة بشكل غير رسمي للنظام السوري. لكن لسائل أن يسأل، ما هو هدف الإمارات من هذا الدعم؟ ولماذا غيرت موقفها وأصبحت تقود جهود المصالحة رغم سلوك الأسد المتعنت؟
في الواقع، هناك الكثير من التفسيرات، ومنها إبعاد الأسد عن إيران، والالتفاف على تركيا، والاستفادة من الفرص الاقتصادية المتاحة هناك، وتمهيد الطريق لمحادثات سلام سورية إسرائيلية بوساطة إماراتية. لكن من غير المرجح أن تنجح الإمارات في تحقيق أي من هذه الأهداف.
حتى إن تمكن المستثمرون الإماراتيون من الالتفاف حول عقوبات قيصر الأمريكية، فإن سوريا تظل سوقًا غير جذابة في ظل عدم الاستقرار وانتشار الفساد
في الواقع، لم تكن الإمارات أبدًا من أشد منتقدي النظام السوري. ورغم انضمامها إلى المعسكر المناهض للأسد منذ سنة 2011 عبر إرسال المساعدات إلى الثوار، فإن مشاركتها لم تكن بقدر تورطها في صراعات أخرى، مثل الحرب في ليبيا واليمن، أو بقدر مشاركة المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا في الصراع السوري. وقد ظلت دبي ملاذًا آمنًا للعديد من الشخصيات المؤيدة للأسد وثرواتها خلال الحرب، بما في ذلك والدة الأسد وشقيقته. جعل ذلك طريق التقارب بين دمشق وأبوظبي، أقصر من طريق الرياض أو الدوحة أو أنقرة.
لكن ذلك لا يفسر بشكل كامل سلوك الإمارات المفاجئ تجاه نظام الأسد. في هذا السياق، يؤكد بعض المراقبين أن الدوافع الاقتصادية هي سبب تحول موقف الإمارات تجاه نظام دمشق، حيث تتطلع أبوظبي إلى لعب دور محوري في إعادة بناء الاقتصاد السوري الذي مزقته الحرب.
يبدو هذا الطرح مستبعدا، فحتى إن تمكن المستثمرون الإماراتيون من الالتفاف حول عقوبات قيصر الأمريكية، فإن سوريا تظل سوقًا غير جذابة في ظل عدم الاستقرار وانتشار الفساد. وحتى أبرز حلفاء الأسد، إيران وروسيا والصين، مترددون بشأن الاستثمار في البلاد. قد يساهم تقارب بعض الدول مع الأسد في جذب بعض الاستثمارات، لكن ذلك ليس العامل الأساسي.
علاقة الأسد مع إيران
يعد التفسير الأقرب للواقع، هو أن الحاكم الفعلي للإمارات، ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، يأمل في أن تقنع المصالحة نظام الأسد بقطع علاقاته مع إيران أو تقليصها. في ظل رغبة الأسد الملحة بالحصول على الأموال، هل سيكون على استعداد للنأي بنفسه بعيدا عن طهران مقابل الدعم المالي الإماراتي؟ يبدو هذا الاحتمال غير وارد تماما. ورغم أن الأسد قد يتحدث علنا عن تقليص الحضور الإيراني في سوريا، لا سيما أن طهران لا تحظى بالقبول بين عدد من الجهات الموالية له، فإنه من غير من المتوقع أن يتخلى عن أقرب حلفائه. بعد أن ساعدته طهران وموسكو على البقاء في السلطة طوال السنوات الماضية، لا يبدو أنه قد ينسى ذلك الدعم بسهولة، أو يضحي به على محراب الانتعاش الاقتصادي.
ومن غير الواقعي أيضا أن نتوقع مصالحة بين الأسد و”إسرائيل”، رغم أن البعض يرى أن الموقف الإماراتي الحالي تجاه دمشق مرتبط باتفاقيات إبراهام. في ظل التطور السريع للعلاقات بين “إسرائيل” والإمارات العربية دبلوماسيا واقتصاديا، هل يمكن لمحمد بن زايد أن يلعب دور الوسيط بين الجارتين المتنازعتين منذ فترة طويلة؟
يبدو هذا التحليل بدوره بعيدا عن الواقع. يظل “محور المقاومة” ضد “إسرائيل” والغرب ركيزة مهمة لما تبقى للأسد من شرعية على الصعيد المحلي، ولن يتم التخلي عنه بسهولة، خاصة أن إسرائيل سترفض بالتأكيد التخلي عن مرتفعات الجولان المحتلة في أي مفاوضات سلام، بالإضافة إلى أن الأسد لن يقطع علاقاته مع إيران، وهو الشرط الذي قد تفرضه إسرائيل خلال أي عملية سلام تقودها الإمارات العربية المتحدة.
علاوة على ذلك، لا يبدو أن إسرائيل تتوقع أو تريد أن تتوسط الإمارات في إبرام أي اتفاق سلام، حيث أن بقاء الأسد في السلطة بنفوذه المتضائل على البلاد، وحالة العزلة التي تعيشها سوريا، من شأنها أن تخدم مصالح إسرائيل وتُجنبها أي ضغوط دولية لتسليم مرتفعات الجولان. قد يعزز الدعم الاقتصادي والدبلوماسي الإماراتي نفوذ الأسد، لكنه لن يؤدي على الأرجح إلى استعادة السيطرة على سوريا بشكل كامل أو تلميع صورة النظام، وكلاهما من العوامل التي تخدم مصالح “إسرائيل”.
التنافس مع تركيا
التفسير الأخير المحتمل لهذا التقارب السوري الإماراتي هو التنافس الإقليمي بين أبوظبي وأنقرة، وعداء الإمارات لجماعة الإخوان المسلمين. دعمت الإمارات العناصر المناهضة للإخوان المسلمين في مصر وليبيا، ويمكن لسوريا أن تشكل جبهة جديدة لمحمد بن زايد في هذه المعركة. يخوض نظام الأسد صراعا منذ عقود مع جماعة الإخوان المسلمين، فيما قدمت تركيا الدعم للثوار المناهضين للأسد في شمال سوريا، لذلك من السهل على دمشق أن تقدم نفسها كحليف لمحمد بن زايد في صراعه الإقليمي.
لكن هذا الأمر يبدو نتيجة للتقارب وليس دافعًا له. فشل الإخوان المسلمون الذين لعبوا دورا محوريا في الثورة على الأسد، بتحقيق مبتغاهم، ومن غير المرجح أن يتمكنوا من العودة مجددا إلى الساحة بغض النظر عن الدعم الإماراتي للأسد. في الوقت ذاته، تراجعت حدة الخلافات بين الإمارات وتركيا، ويبذل الجانبان جهودًا حثيثة لإصلاح العلاقات. لكن رغم الدفء الحالي في العلاقات بين أنقرة وأبوظبي، تتواصل جهود الإمارات في تحقيق المصالحة مع الأسد، مما يشير إلى أن تطويق أنقرة ليس الهدف الذي يرنو محمد بن زايد لتحقيقه.
إذن، ما هو السبب الحقيقي وراء رغبة الإمارات العربية المتحدة في التقارب مع الأسد؟ هل هو مجرد قرار ساذج؟ أم أنها تعلم جيدا أنها لن تجني مكاسب حقيقية، وترضى فقط بأن هذه التكهنات حول دوافعها تقدم مبررا أخلاقيا كافيا لرغبتها في تطبيع العلاقات مع نظام وحشي؟ إذا كان الأمر كذلك، ماذا ستجني في المقابل؟
إذا تمكنت الإمارات من إخراج الأسد من عزلته الإقليمية، فإن ذلك من شأنه أن يمنح محمد بن زايد منطقة نفوذ جديدة، ويجعل الإمارات القوة الخارجية الثالثة الأكثر تأثيرا في البلاد، بعد موسكو وطهران
قد تكون الإجابة أبسط من كل التفسيرات السابقة. في السنوات الأخيرة، أصبحت الإمارات العربية المتحدة أكثر نشاطا على المستوى الإقليمي، وتدخلت في عدة مناطق بعيدة عن نطاق نفوذها التقليدي، سواء في ليبيا أو مصر أو اليمن أو شرق البحر الأبيض المتوسط. يعود ذلك إلى طموحات محمد بن زايد الكبيرة، والتحولات التي تشهدها المنطقة. تراجع حليف الإمارات التقليدي، الولايات المتحدة، وصعدت قوى إقليمية مثل المملكة العربية السعودية وإيران وتركيا، بالإضافة إلى روسيا والصين.
لكي تصبح لاعبا رئيسيا على الساحة الإقليمية، وليس مجرد قوة صغيرة تابعة للرياض، عملت الإمارات على توسيع نفوذها في جميع أنحاء المنطقة من خلال تقديم الدعم لعديد الأطراف.
من هذا المنظور، يعد تقارب أبوظبي مع دمشق هدفا في حد ذاته، دون أي دوافع خفية أخرى. إذا تمكنت الإمارات من إخراج الأسد من عزلته الإقليمية، فإن ذلك من شأنه أن يمنح محمد بن زايد منطقة نفوذ جديدة، ويجعل الإمارات القوة الخارجية الثالثة الأكثر تأثيرا في البلاد، بعد موسكو وطهران. سيمنحها ذلك مكسبا إضافيا على خصومها الإقليميين، مثل تركيا والمملكة العربية السعودية، ويدعم المسار التصاعدي لاستراتيجتها الدبلوماسية الإقليمية المتنامية في السنوات الأخيرة.
الموقع: ميدل إيست آي