ترجمة وتحرير: نون بوست
اتهم تقرير صدر يوم الخميس، جيش الاحتلال الإسرائيلي بمحاولة التضليل وطمس الحقائق خلال التحقيق في سياساته وممارساته ردا على مسيرة العودة الكبرى، والتي أسفرت عن مقتل مئات الفلسطينيين خلال المظاهرات الأسبوعية على الحدود بين القطاع و”إسرائيل”.
وتدعو المسيرات الاحتجاجية التي انطلقت في آذار/ مارس 2018 إلى إنهاء الحصار الإسرائيلي والمصري المفروض على قطاع غزة منذ سنة 2007، وتطالب بحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى الأراضي التي احتلتها “إسرائيل” سنة 1948.
لكن “إسرائيل” ردت على هذه المسيرات بالذخيرة الحية في عدة مناسبات، مما أسفر عن مقتل أكثر من 250 فلسطينيا وسقوط عشرات الآلاف من الجرحى، وفقا للأمم المتحدة.
أعدّ التقرير الحقوقي الذي يحمل عنوان “لا تُريد ولا تَقدر: طمس “إسرائيل” لحقائق التحقيق في مظاهرات العودة”، كل من المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزة ومنظمة بتسيلم الإسرائيلية.
ويوضح التقرير تفاصيل السياسة غير القانونية التي نفذها الجيش الإسرائيلي باستخدام الذخيرة الحية وعمليات القنص ضد المتظاهرين العزل. وقال أطباء في خطوط المواجهة الأمامية لموقع “ميدل إيست آي” في فترة سابقة إن القناصين كانوا يتعمدون استهداف المتظاهرين وخلقوا جيلا من الشباب حاملي الإعاقة.
وقال التقرير الحقوقي إن المسؤولين الإسرائيليين تعهدوا بالتحقيق في إطلاق النار على الفلسطينيين استجابة للضغوط الدولية، ولكنهم لم يستجوبوا أي شخص شارك في صناعة هذه القرارات أو تنفيذها.
وقال مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، راجي الصوراني، خلال مؤتمر صحفي يوم الخميس، إن الباحثين عملوا على إعداد التقرير منذ أكثر من سنة، وأجروا مقابلات مع الشهود وجمعوا الكثير من المعطيات حول تأثير سياسة إطلاق النار. وأضاف الصوراني أن “الإسرائيليين أطلقوا النار على حاملي الإعاقة، وعلى الأطفال والكبار، بهدف القتل أو بتر جزء من الجسد”. وكان المسعفون والصحفيون من بين مئات الفلسطينيين الذين لقوا حتفهم خلال الاحتجاجات.
جرائم دون محاسبة
حسب التقرير، لم يركز المحققون الإسرائيليون على عمليات إطلاق النار، بل اعتبروها حالات “استثنائية”، وبرروا ذلك باستهداف أهداف “إرهابية” دون تقديم أي تفسيرات إضافية. ويؤكد التقرير أنه حتى في الحالات القليلة التي يحقق فيها الجيش بعمليات القتل، لا يتم اتخاذ القرارات المناسبة.
وخلال مؤتمر صحفي، سلطت مديرة قسم الأبحاث في منظمة بتسيلم، يائيل شتاين، الضوء على مقتل الشاب الهيثم محمد خليل الجمل (15 سنة) في شهر حزيران/ يونيو سنة 2018
وقد أدان جيش الاحتلال الجندي الذي قتل الشاب الفلسطيني بعد أن اعترف بإطلاق النار دون أوامر من رؤسائه، وقد حُكم على الجندي بالأشغال العسكرية لمدة شهر. وقالت شتاين إن القضية كانت مؤشرا على أن “إسرائيل” “لا تنوي محاسبة أحد”.
دراج بساق واحدة
كان الدراج علاء الدالي يبلغ من العمر 21 سنة عندما انضم إلى مسيرة العودة الكبرى في 30 آذار/ مارس 2018، وهو أول يوم خرج فيه الفلسطينيون للاحتجاج.
أصيب الدالي، الذي أكد لموقع “ميدل إيست آي” أنه حضر المسيرة مرتديا زيه الرياضي الذي يمثل فلسطين، برصاص قناص إسرائيلي في ساقه. بُترت ساقه بعد ذلك الحادث وفقد فرصة في المنافسة في المسابقات الدولية. وتؤكد شتاين أن 150 شخصا بُترت أطرافهم في غزة بالنيران الإسرائيلية خلال الاحتجاجات.
يقول الدالي إن العديد من منظمات حقوق الإنسان تواصلت معه، واتصل به محامٍ ليخبره أن الجيش الإسرائيلي يدعي أن حماس هي التي أطلقت عليه النار وليس القناصة الإسرائيليون.
يضيف الدالي: “كان الأمر محزنا ومحبطا. لكن الحمد لله تعافيت بشكل جيد. تلقيت الدعم من عائلتي وأصدقائي، وشجعوني على النهوض والحركة. بدأت بركوب الدراجة بساق واحدة، وأفكر بإنشاء فريق لراكبي الدراجات الفلسطينيين حاملي الإعاقة والسعي للحصول على اعتراف دولي بهذا الفريق”. نجح الدالي في تشكيل فريق طيور غزة، وهم يتدربون حاليا للمشاركة في البطولات الدولية.
كذبة واضحة
قال الصوراني خلال مؤتمر صحفي يوم الخميس إن الجيش الإسرائيلي حاول إيقاف الاحتجاجات سريعا بعد انطلاقتها في شهر آذار/ مارس 2018، وأوضح أن “رد الفعل الأول من قبل الجيش الإسرائيلي كان واضحا وجليا للغاية. قالت “إسرائيل” بأنها لن تسمح بذلك، ونشرت قناصة في جميع أنحاء حدود قطاع غزة”.
وقالت المتحدثة باسم منظمة “بتسيلم”، درور سادوت، لموقع “ميدل إيست آي” إن التقرير قد تم إعداده من خلال جمع المعطيات الميدانية، وبيانات حول إطلاق النار من الجيش الإسرائيلي، وأسئلة محددة عن التحقيقات العسكرية، فضلا عن التحقق من التقارير التي سبق نشرها.
يوضح التقرير كيف دافع جيش الاحتلال الإسرائيلي عن ممارساته تجاه مسيرات العودة في محكمة العدل العليا الإسرائيلية بالقول إن حياة الإسرائيليين كانت في خطر، وهو ادعاء أكدت شتاين أنه “كذبة واضحة”.
في هذا السياق، صرح الاحتلال الإسرائيلي لقضاة المحكمة العليا سنة 2018: “تسمح لوائح إطلاق النار باستخدام الذخيرة الحية في حال مواجهة أعمال شغب عنيفة تشكل خطرا واضحا ومباشرا على قوات الجيش الإسرائيلي أو المدنيين الإسرائيليين”.
على مدار سنتين، أصيب جندي إسرائيلي وقتل آخر بعد شهرين من بدء الاحتجاجات. وجاء في التقرير الحقوقي: “واصلت قوات الأمن المدرعة استخدام الذخيرة الحية القاتلة ضد المتظاهرين على الجانب الآخر من السياج، رغم أنهم لم يشكلوا أي خطر حقيقي”.
المطالبة بتحقيق جدي
يشير عنوان التقرير الحقوقي الذي أعدته منظمة بتسيلم والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان – لا تُريد ولا تَقدر – إلى هدف محدد. تتدخل المحكمة الجنائية الدولية في مثل هذه القضايا عندما تكون الدول “غير راغبة أو غير قادرة” على القيام بذلك بنفسها، ويقدم التقرير تلك الحجة ضد الحكومة الإسرائيلية.
فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا رسميا بشأن الممارسات الإسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال شهر آذار/ مارس 2021، بعد ست سنوات من قيام المحكمة بجمع الأدلة حول جرائم الحرب المحتملة في المنطقة. بعد شهر، أعلن عدد من المسؤولين الإسرائيليين أنهم يرفضون التعاون لإجراء هذا التحقيق.
ويوضح المحامي الفلسطيني راجي الصوراني أن التحقيق نجا من عدة محاولات عرقلة من قبل إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ومسؤولين إسرائيليين، مشيرا إلى أنه يأمل أن يتم استكماله. وقالت شتاين خلال المؤتمر الصحفي: “الأمر الوحيد الذي فعلته “إسرائيل” ردًا على أعداد الضحايا الفلسطينيين والانتقادات الدولية هو التأكيد أنها ستفتح تحقيقًا بهذا الشأن”. وأضافت: “لا يكفي أن تقول إنها ستفتح تحقيقا، بل عليها إجراؤه بشكل فعلي وهي الخطوة التي لم تقدم “إسرائيل” على فعلها في أي مناسبة”.
وردًا على سؤال خلال المؤتمر عما إذا كانت بتسيلم والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان قد أرسلتا النتائج إلى الجيش الإسرائيلي، قالت شتاين إن “الجيش سيكون على علم بذلك من خلال السجلات العامة وسيرد من خلال قنوات الاتصال الخاصة به”.
المصدر: ميدل إيست آي