جاء اللقاء الذي جمع زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بقيادات الإطار التنسيقي الشيعي في منزل زعيم تحالف الفتح هادي العامري يوم الخميس الماضي، من أجل وضع خطوط عامة للتفاهم السياسي بشأن المرحلة المقبلة، خصوصًا فيما يتعلق باختيار رئيس الحكومة الجديدة بعد إعلان نتائج الانتخابات، باعتباره استحقاقًا انتخابيًا للمكون الشيعي، وسط خلاف كبير بين الصدر وباقي أطراف قوى الإطار بخصوص من يشكل الحكومة، إذ توجد رؤيتان سياسيتان تؤطران الموقف السياسي الشيعي المنقسم على نفسه اليوم، فهناك من يرى أن رئيس الحكومة المقبل ينبغي أن يكون استحقاقًا توافقيًا، ومن ينظر إليه على أنه استحقاق انتخابي.
كان واضحًا أن هناك تباينًا كبيرًا في وجهات النظر والمواقف السياسية بين المجتمعين، وهو ما ظهر في المواقف التي جاءت بعد انتهاء اللقاء، ففي الوقت الذي جاء فيه موقف التيار الصدري متمسكًا برؤية زعيمه عن ضرورة أن تكون الحكومة المقبلة قائمة على أساس الأغلبية الوطنية، جاءت مواقف قوى الإطار التنسيقي لتؤكد أيضًا موقفها السياسي الداعي لتبني التوافقية السياسية كأساس للحكومة المقبلة، مع ضرورة الأخذ بنظر الاعتبار الاستحقاق الانتخابي للتيار الصدري.
ورغم أنه كان من المتوقع أن لا يخرج اللقاء بمخرجات واضحة، لأن الهدف الأساسي منه كان جمع الخصوم على طاولة واضحة، فإن الاتفاق على تشكيل لجان فرعية تتولى معالجة الخلافات الموجودة، يعني أننا سنكون أمام جولات قادمة من الفعل ورد الفعل بين الصدر وقوى الإطار.
الصدر يتقدم والإطار يتراجع
في الوقت الذي انتهى به اللقاء إلى مجموعة من القرارات الأولية، طبقًا لما أعلنته مصادر متطابقة مقربة من أجواء اللقاء، ومنها أن “يكون رئيس الوزراء المقبل توافقيًا والوزراء طبقًا للاستحقاق الانتخابي”، فإن التغريدة التي نشرها الصدر بعد نهاية اللقاء وبخط اليد التي تنص على أنه “لا شرقية ولا غربية.. حكومة أغلبية وطنية” تعني عدم الاتفاق بين قادة الشيعة على أهم استحقاق لهم، أي منصب رئاسة الوزراء، وباستثناء هذه النقطة الجوهرية، فإن بقية النقاط مثل “الخروج برؤية موحدة لمعالجة الانسداد السياسي أو تشكيل لجان لمتابعة مخرجات الاجتماع” تكاد تكون إجرائية.
فضلًا عما تقدم، اتفق المجتمعون على عقد لقاء ثانٍ في النجف الأسبوع المقبل، سيجمع كل من العامري والصدر، إلا أنه ليس من المتوقع أن يخرج خارج السياق الذي حدده الصدر في تغريدته أعلاه، وعلى ما يبدو أن الصدر أراد أن يرسم سياق التفاوض في الجولة الثانية على هذا الأساس، فهو يدرك جيدًا أهمية الاحتفاظ باستحقاقه الانتخابي والابتعاد عن سيناريوهات سابقة تمكن من خلالها المعترضون على نتائج الانتخابات الانقلاب على اتفاقاتهم السابقة.
ويمكن الإشارة هنا إلى انتخابات 2010، عندما تجاوز رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي على الاستحقاق الانتخابي للقائمة العراقية، وانتخابات 2018، عندما عرقل تحالف الفتح جهود تحالف الصدر الذي كان يقوده الصدر لتشكيل الحكومة، فهو يبدو مدركًا بصورة جيدة عدم تكرار الأخطاء السابقة.
ما زال المشهد السياسي الحاليّ يعاني العديد من التحديات الأمنية والسياسية، وهي تحديات ستلقي بظلالها على سباق تشكيل الحكومة
الأكثر من ذلك، هناك خلافات معقدة بين الصدر وباقي قيادات قوى الإطار، وفي مقدمتهم المالكي، هي خلافات شخصية “عقدية” أكثر من كونها سياسيةً، فضلًا عن أنها تتداخل بمستوى علاقة كل منهما بإيران، ورؤية كل منهما أيضًا لمحيط العراق الإقليمي، ومن ثم فإن هذا ما يجعل بدوره الصدر غير قادر على إيجاد صيغة سياسية يمكن من خلالها التوافق مع هذه القوى، إلى جانب أن أي صيغة يمكن للصدر أن يتوافق بها معهم، ستكون مبنية على أرضية هشة، وخاضعة لمسار العلاقات بين الطرفين، التي استقرت لفترة طويلة على أن تكون غير مستقرة.
تدرك قوى الإطار أن الإصرار على أن يكون رئيس الوزراء المقبل توافقيًا أكثر من كونه انتخابيًا، من الأهمية بمكان، وهو ما يرفضه الصدر بشدة، فهي تعمل بشدة على أن تمسك بأحد أطراف القرار التنفيذي الذي يمثله رئيس الوزراء، ودون ذلك فليس هناك فائدة تذكر من الحديث عن عدد المناصب الحكومية التي يمكن أن تحصل عليها، فهي حققت منافع سياسية كبيرة عندما توافقت مع الصدر على اختيار رئيس الحكومة عام 2018، ونجحت في تمرير العديد من القرارات التنفيذية التي رسخت من خلالها نفوذها وتأثيرها، وهي نجاحات لا تعتقد بأنها يمكن أن تستمر مع وجود رئيس ورزاء “صدري قُح” كما يرغب الصدر.
إن البيئة السياسية العراقية تبدو مرشحة لسيناريوهات عديدة في الفترة المقبلة، فما بين الذهاب نحو خياري التوافقية والأغلبية، ما زال المشهد السياسي الحاليّ يعاني العديد من التحديات الأمنية والسياسية، وهي تحديات ستلقي بظلالها على سباق تشكيل الحكومة، فالسنة والأكراد هما الطرف الثاني في معادلة رسم ملامح الحكومة المقبلة، وسيكونان بالنهاية أحد الأطراف الداعمة والمعرقلة لأي شخصية يمكن أن يطرحها المكون الشيعي لترؤس الحكومة المقبلة، كما حصل في مناسبات سابقة.