ما إن تذكر أحد الشعوب المضيفة للشعب السوري “النازح” اليوم حتى تسمع سيلاً من الشتائم والمسبات التي تهاجم مسمعيك؛ مما يضطرك طأطأة رأسك خجلاً مما تسمع .. كثيرون سيصفونهم بالعنصريين والاستغلاليين، وقد يزيد أحدهم على ذلك بدعوة خالصة عليهم بالفناء من الوجود، علّ الكون يغدوا أكثر أمنًا وسلامًا ومحبة وتعايشًا بعد رحيلهم!!
الشعب السوري كغيره من الشعوب الأخرى فيه خليط سلوكي وفكري وحضاري، وتفاوت في مسويات الثقافة والوعي، بل وحتى في “الأخلاق والأدب”؛ وهذا ما يجعل هناك ردات فعل متفاوتة من قبل الشعوب المضيفة تجاه وجود السوريين بينهم.
تركيا – التي تعتبر من أكثر الشعوب المضيافة والمحتوية للوجود السوري في أراضيها – يكيل لها الكثيرون الحقد الدفين في أنفسهم جراء سوء الضيافة، حسب تعبيراتهم.
قبل فترة سمعت أحدهم يسب أحد الأتراك في الشارع ويقول له “الله ياخذكم واحد واحد” ثم يردف محدثًا زميله السوري بجواره “والله لو مانهم مستفيدين منا ما يسكتوا وما يخلونا عندهم لحظة، لك حتى بدهم يجبرونا ناخذ بطاقات لجوء (الآفاد)، لحتى يشحدوا علينا، كل واحد ياخذوا عليه كذا ألف دولار بالسنة .. لك يلعن أبو هالعيشة والله الواحد أحسن شي يروح تهريب على أوروبا”.
منذ عدة أسابيع كنت أتجول في منطقة الميناء في إسطنبول “أمينونو” وإذا بطفل سوري من “الغجر” يقضي حاجته في منتصف الطريق أمام المارة وعلى مرأى من الجميع، ثم يلتفت حوله مستغربًا من دهشة الناس، ويرفع بنطاله حتى بدون أن يستبرأ مما فعل!!!
حين تتجول بإسطنبول تنصدم بالأعداد المهولة للمتسولين السوريين في الشوارع، وحين تخاطب أحدهم بسوء ما يفعل وتوجهه لأن يذهب إلى إحدى الجمعيات الخيرية المعنية بشئون السوريين، يصيح بأعلى صوته “ما إلك دخل .. ما بدك تعطيني وكمان بدك تحكي”!!
مع كل أسى وأسف خسر السوريون كثيرًا من رصيد التعاطف الإنساني الذي أعطته لهم الحاضنات الاجتماعية بداية أزمتهم الإنسانية، وباتوا في نظر الكثيرين عبأً وعالة لا يرتجى منها الخير، بل وتقابل الإحسان بالإساءة.
ليست الشعوب المستضيفة هي التي تحمل بذور الكراهية والحقد حتى بات من الصعوبة بمكان أن يجد السوري مسكنًا يأوي إليه، وإن وجد فلن يجد ذلك الجار الذي يتعامل معه بإنسانية ويغفر له زلاته وأخطائه، إن “مجتمعات الكراهية” الناشئة تجاه السوريين لا يمكن تجاوزها إلا بمبادرات مجتمعية واعية يشترك بها أبناء الجالية الموجودين ليعطوا الصورة الحقيقية عن أخلاقيات السوريين ووفائهم لذوي الفضل عليهم.
الأفكار كثيرة، ومعاول هدم “مجتمعات الكراهية” متاحة، وتحتاج من يعلق الجرس ويبادر.