ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما زار أجمل والي زادة حديقة في أحد الأحياء في منطقة زيتون بورنو بإسطنبول الشهر الماضي، وبدلا من قضاء فترة ما بعد الظهيرة في الاسترخاء مع أحبائه، تعرض الأفغاني البالغ من العمر 24 سنة للمضايقة حتى قرر هو وعائلته المغادرة.
يقول والي زادة، الذي يعيش في مكان قريب في شقة مشتركة بين عائلتين: “جاءت إلينا مجموعة من الرجال الأتراك وقالوا: عودوا إلى بلدكم، لقد ملأتم البلد بالأوساخ. في الشوارع، ينعتوننا بالأجانب ويرموقوننا بنظرات ساخطة. إنه أمر صعب للغاية. حتى أن أفغانيا تعرض للضرب على أيدي الأتراك في تلك الحديقة مؤخرا”.
ينتمي والي زادة، الذي وصل إلى اسطنبول خلال الصيف بعد فراره من حركة طالبان في كابول، إلى عدد كبير من اللاجئين الذين يأتون إلى تركيا. لكن في حين انتهجت الدولة التي يبلغ عدد سكانها 84 مليون نسمة – والتي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين في العالم، أي حوالي أربعة ملايين لاجئ – لسنوات عديدة سياسة “الباب المفتوح” تجاه طالبي اللجوء، فإن الاستياء تجاه اللاجئين يتزايد في خضم الاضطرابات السياسية والاقتصادية.
في الأشهر الأخيرة، تسلّح قادة المعارضة في تركيا بشكل متزايد بقضية اللاجئين، متعهدين بمنع “الاستيلاء” على الأحياء التركية من قبل السوريين، كما تعهدوا بإعادة اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية. ويعتقد والي زادا أن المشاكل التي يواجهها تعود إلى تصاعد الضغوط السياسية المعادية للأجانب.
في شهر يوليو/ تموز، قال كمال كليجدار أوغلو، رئيس حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، إنه إذا تم انتخاب حزبه، فإن تركيا “سوف تودع ضيوفها السوريين وترسلهم إلى منازلهم في غضون سنتين”.
على نحو مماثل، صرح نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، إنجين أوزكوك، أن “اللاجئين السوريين والأفغان يمثلون المشكلة الوطنية الأولى في تركيا”. كما وضع الحزب لافتات ضخمة على مبانيه كتب عليها “الحدود شرفنا“، في إشارة إلى مطالبهم بتأمين الحدود التركية لمنع دخول المزيد من اللاجئين.
اتخذ سياسيون آخرون إجراءات أكثر راديكالية ضد اللاجئين. اقترح تانجو أوزكان، رئيس بلدية مدينة بولو، زيادة فواتير المياه عشرة أضعاف بالنسبة “للأجانب”، ورفع رسوم الزواج. تم تمرير مشروع القانون في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر بموافقة تحالف الأمة، الذي يتكون من حزب الشعب الجمهوري وحزب الخير. وتفيد التقارير أن أوزكان يخضع للتحقيق بتهمتي “إساءة استخدام السلطة” و”الكراهية والتمييز”. لم يستجب حزب الشعب الجمهوري لطلب التعليق على القضية.
التطبيع مع العنصرية
حذر متين كوراباتير، رئيس مركز أبحاث اللجوء والهجرة في أنقرة، من أن الخطاب المناهض للاجئين الذي ينشره السياسيون قد يتحول إلى اعتداءات على الحرمة الجسدية في الشوارع.
وأوضح كوراباتير أن “الوضع بات مخيفا، حيث باتت الأحزاب اليمينية المتطرفة تستغل قضية اللاجئين. نحن نحارب خطاب الكراهية ونحاول التخفيف من حدته بحملات إعلامية مكثفة. كما أننا نسعى إلى احتواء الموقف بطريقة أكثر حيادية. لكن كل هذه الأحداث تتسارع وتخرج عن نطاق السيطرة”.
اندلع التوتر في العاصمة أنقرة في شهر آب/ أغسطس في أعقاب شجار بين لاجئين سوريين وعدد من الأتراك، أسفر عن مقتل شاب تركي يُدعى أميرهان يالتشين يبلغ من العمر 18 سنة. أثارت الأحداث موجة كراهية ضد الأجانب، وهاجمت عدد من الأتراك متاجر ومنازل تعود لسوريين. وتفيد تقارير أن البعض قاموا بـ”تحية الذئب”، في إشارة إلى حركة الذئاب الرمادية اليمينية في تركيا.
في الوقت نفسه، انتشرت منشورات معادية للأجانب عبر منصات التواصل الاجتماعي من قبيل “لا نريد أي سوريين” و”لا نريد أي أفغان” و”تركيا للأتراك”. وعلى حد تعبير اللاجئ السوري في اسطنبول، سمار، الذي تم تغيير اسمه حفاظا على سلامته، فقد تدهور الوضع خلال السنوات القليلة الماضية.
أوضح اللاجئ البالغ من العمر 40 سنة، والذي فر من سوريا سنة 2012، قائلا: “عندما أتيت لأول مرة إلى تركيا، بغض النظر عن الانقسام السياسي، لم تكن هناك بيئة معادية للسوريين. لكن سرعان ما تغيرت الأوضاع نحو الأسوأ”.
يقول سمار إن حوادث جرائم الكراهية والعنصرية ضد اللاجئين السوريين أصبحت شائعة في الوقت الراهن. عندما كان يسير مع صديقته المحجبة في اسطنبول مؤخرا، تعرضت للاعتداء العنصري وطُلب منها مغادرة البلاد. يضيف سمار: “تركيا تمر بمرحلة تطبيع مع العنصرية ضد السوريين”.
خلال زيارة إلى تركيا في أيلول/ سبتمبر الماضي، أقرّ المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي، بالتوترات الاجتماعية المتزايدة بسبب ارتفاع عدد اللاجئين الذين تستضيفهم البلاد، ودعا المجتمع الدولي إلى مزيد من الدعم. وحيال هذا الشأن، قال: “يجب أن تقدم الدول المانحة المساعدات للاجئين السوريين وكذلك للأتراك الذين أحسنوا استضافتهم”.
مناورة انتخابية
يعتقد كورابيتير من مركز أبحاث اللجوء والهجرة أن المناورات الأخيرة ضد اللاجئين من قبل السياسيين المعارضين في تركيا تأتي قبيل الانتخابات البرلمانية القادمة في البلاد. وقد أوضح أن “خطاب الكراهية الذي أثارته قوى المعارضة في انتخابات فرعية كان ممنهجًا بهدف الحصول على المزيد من الأصوات”، في الوقت الذي يرى فيه محللون سياسيون أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه الحالي العدالة والتنمية قد يخسرون انتخابات حزيران/ يونيو 2023، في ظل انعدام الأمن الذي بدوره أدى إلى ظهور انقسامات حول قضية اللاجئين.
ترى أصلي آيدينتاسباس، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن “أردوغان يمر بأضعف فترة في حياته السياسية، لا سيما مع تراجع شعبيته والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد”. وهي تضيف أن “التغير الجذري في المناخ السياسي والتراجع الحاد في استطلاعات الرأي عوامل دفعت أردوغان للتخلي عن سياسة الباب المفتوح تجاه اللاجئين السوريين، واتخاذ إجراءات أكثر صرامة”.
وتظهر نتائج استطلاعات الرأي أن شعبية أردوغان تراجعت من 68 بالمئة في عام 2016 إلى 38 بالمئة في تشرين ثاني/ نوفمبر الماضي، وهو أدنى مستوى له على الإطلاق. وقد حصل حزب العدالة والتنمية وشريكه في الائتلاف، حزب الحركة القومية اليميني، على أقل من 40 في المئة، في الوقت الذي تتزايد فيه شعبية حزب الشعب الجمهوري، وحزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، وحزب الخير، والمعارضة المتحالفة، التي بات لها ما يكفي من دعم للسيطرة على البرلمان.
وبينما دافع أردوغان عن قبول ملايين اللاجئين، عاد في آب/ أغسطس الماضي ليصرح بلهجة حادة أن “تركيا لا يمكنها استيعاب المزيد من المهاجرين الفارين من سوريا وأفغانستان”، وكان ذلك تزامناً مع تراجع شعبيته. كما حذّر أردوغان قادة الاتحاد الأوروبي من أن تركيا لن تكون “وحدة تخزين للمهاجرين” الأفغان الفارين من طالبان الذين يحاولون دخول الاتحاد الأوروبي.
العامل الاقتصادي
وفقًا للخبير في الهجرة والأستاذ المساعد في جامعة أوزيجين بإسطنبول، دينيز سينول سيرت، فإن هناك عاملًا رئيسيًا آخر في هذا التحول، وهو الانكماش الاقتصادي السريع في تركيا.
بلغ معدل التضخم في تركيا الآن مستوى قياسيًا بلغ 20 في المئة، ما تسبب غي ارتفاع أسعار السلع الأساسية بشكل كبير. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، هوت الليرة إلى مستوى قياسي بلغ 13.44 مقابل الدولار الواحد، مقارنة بـ 5.6 ليرة مقابل الدولار في 2019. وقد أدى ذلك إلى تدني عمالة الشباب، وتدهور الظروف المعيشية، واتهامات بأن اللاجئين يفتكون منهم الوظائف.
وقال سرت “هناك تصور لدى بعض المواطنين بأن السوريين والأفغان يتلقون معاملة أفضل منهم، بغض النظر عن أن تركيا استقبلتهم عندما رفضت دول أخرى ذلك”، وأضاف أن “هذا الاعتقاد غير صحيح، لكنه يلقى شعبية بين الناخبين، الذين باتت ظروفهم المعيشية أكثر صعوبة”.
اللاجئ الأفغاني والي زادا وأفراد عائلته غير قادرين على العمل بشكل قانوني، ولا يستطيع أطفالهم الذهاب إلى المدرسة، كما يرفض المستشفى المحلي علاج والدته التي أصيبت في ركبتها خلال رحلة العائلة التي استغرقت شهرًا من كابول، لأنه ليس لديها بطاقة هوية قانونية. يتقاضى والي زادة 80 ليرة (6 دولارات) مقابل العمل لمدة 12 ساعة بشكل غير قانوني، في حين يتقاضى الأتراك 250 ليرة في اليوم (18 دولارًا).
وفي حديثه عن وضعه، قال زادا: “نحن فئة مهمشة ومضطهدة ومحرومة من الحصول على حقوق، نحن نعيش كأننا في سجن لأنه لا يمكننا التنقل بحرية. هذا ليس إنسانيًا، لأن الإنسان وُلِد حرًا، ومن حقه أيضاً العيش بحرية”.
المصدر: ميدل إيست آي