في أواخر أكتوبر الماضي اقترح المبعوث الأممي إلى سوريا “ستافان دي ميستورا” إقامة ما أسماه “مناطق مجمدة” في سوريا يتم فيها تعليق النزاع والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية.
هذه الخطة لم يطلق عليها ميستورا خطة للسلام بقدر ما أنها “خطة تحرك” لتخفيف معاناة السكان بعد أكثر من ثلاث سنوات من الحرب، على حد قول المبعوث، معتبرًا أن مدينة حلب المقسمة قد تكون “مرشحة جيدة” لتجميد النزاع فيها، من دون مزيد من التفاصيل.
في ذلك الوقت، السفير السوري لدى الأمم المتحدة “بشار الجعفري” أكد أن حكومته مستعدة “للنظر” في اقتراح دي ميستورا، لكنها تنتظر تفاصيل إضافية.
هذا الملف كان الأبرز حضورًا في زيارة المبعوث الأممي لسوريا هذه الأيام، حيث قال إنه وفريقه الخاص يعتزمون المضي قدمًا على وجه السرعة في تنفيذ مقترحه بتجميد القتال في حلب شمال سوريا وإخلائها من الصراع، يأتي ذلك “من خلال إجراء مزيد من المناقشات مع السلطات السورية، وتكثيف المشاورات مع جميع الأطراف المعنية”، على حد قول بيان صادر عن المبعوث.
وأشار دي مستورا إلى أنه عقد “مباحثات بنّاءة مع الرئيس بشار الأسد ومسؤولين في الحكومة السورية بشأن المقترحات التي طرحها على مجلس الأمن الدولي في 30 أكتوبر الماضي، بخصوص إقامة مناطق خالية من الصراع في سوريا”.
وبحسب البيان، أكد دي ميستورا أنه “أحيط علمًا بعزم السلطات السورية علي العمل مع الأمم المتحدة لإيجاد أرضية مشتركة لتنفيذ اقتراحه المقدم إلى مجلس الأمن حول تجميد الصراع بشكل تدريجي، بدءًا من مدينة حلب”.
وفي ثاني زيارة له لدمشق منذ تعيين الأمين العام “بان كي مون” له سفيرًا خاصًا في شهر يوليو الماضي خلفًا للجزائري الأخضر الإبراهيمي، بدأ “دي ميستورا” السبت الماضي زيارة لسوريا مستمرة حتى اليوم، التقى فيها الرئيس بشار الأسد الذي قال إن “مبادرة المبعوث بتجميد القتال في حلب جديرة بالدراسة”، بحسب وكالة أنباء النظام السوري “سانا”.
وبحسب الوكالة فقد “تناول اللقاء مناقشة العرض الذي قدمه دي ميستورا في مجلس الأمن عن الوضع في سوريا، كما أطلع دي ميستورا الأسد على النقاط الأساسية وأهداف مبادرته بتجميد القتال في حلب المدينة”، من دون التطرق إلى أي تفاصيل بشأن تلك المبادرة وبنودها.
وكان دي مستورا الذي وصل السبت إلى دمشق، أجرى محادثات مع وزير الخارجية “وليد المعلم” تناولت مبادرته حول “التجميد المحلي في مدينة حلب”، وتستمر زيارة المبعوث الدولي إلى سوريا حتى اليوم الثلاثاء، حيث التقى عددًا من ممثلي الأحزاب المعارضة الموجودة في دمشق لعرض مبادرته، كما أنه يتوجه للقاء وفد من المعارضة المسلحة بحي الوعر في محافظة حمص.
على الطرف الآخر، أعلن العميد “زاهر الساكت” قائد المجلس العسكري التابع للجيش الحر بحلب شمالي سوريا اليوم، الثلاثاء، رفضه الاستماع لخطة المبعوث الأممي بتجميد القتال في عدد من المناطق وفي مقدمتها حلب إلا بعد تحقيق 4 شروط.
وأوضح الساكت على صفحته الرسمية على “فيسبوك” قائلاً: “رفضنا التفاوض مع النظام ورفضنا الاستماع لمبعوث الأمم المتحدة لتجميد القتال في حلب إلا ضمن الشروط الأربعة: تسليم مجرمي الحرب الذين استخدموا الكيماوي على السكان المدنيين، خروج المليشيات الإرهابية الطائفية من سورية، إيقاف براميل الموت والطائرات، والإفراج عن المعتقلين من سجون الإرهابي بشار الأسد وخاصة النساء”.
في الوقت ذاته شككت الولايات المتحدة في تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد حول استعداده لدراسة مشروع للأمم المتحدة حول وقف إطلاق النار في بعض المناطق بدءًا بمدينة حلب لإفساح المجال أمام توزيع المساعدات الإنسانية.
جاء ذلك على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية “جنيفر بساكي” التي قالت إن واشنطن تدعم بالتأكيد وقف إطلاق النار من أجل تخفيف المعاناة عن المدنيين السوريين ووفقًا للمبادئ الإنسانية، مضيفة أن هدنة محلية أُعلنت مرات عديدة حتى الآن، ولكنها كانت أشبه باتفاقات استسلام أكثر منها وقف إطلاق نار حقيقيًا ودائمًا.
وأوضحت ساكي أن وجهة نظر الولايات المتحدة هي أن نظام الأسد مازال يتحمل مسؤولية كبيرة جدًا فيما وصفتها بهذه الكارثة الإنسانية والآلام اليومية للشعب السوري، مضيفة أنهم لم يصلوا بعد لنقطة عودة الطرفين المتحاربين في سوريا إلى طاولة المفاوضات من أجل التوصل إلى خطة سلام بعد فشل محادثات جنيف مطلع العام الحالي.
اتفاقيات وقف إطلاق النار الأفضل للسوريين
ونقلت وكالة رويترز عن باحثين من كلية الاقتصاد بجامعة لندن أن الاتفاقات الموضعية المبرمة محليًا لوقف إطلاق النار في سوريا ربما تكون الطريقة الفضلى لتخفيف معاناة المدنيين السوريين في غياب حل سياسي شامل للنزاع بعد ثلاث سنوات ونصف على بدئه.
وقال الباحثون – في التقرير الذي دقق في نحو 35 حالة من المفاوضات المحلية لوقف إطلاق النار أُبرمت في أنحاء مختلفة في سوريا منذ بداية الأزمة – إن المجتمع الدولي يجب أن يدعم مثل هذه الحلول الموضعية حتى لو كانت في بعض الأحيان إشكالية.
وفي الوقت الذي فشلت فيه جولتان من مباحثات السلام بين الحكومة والمعارضة المسلحة في وقف القتال هذا العام نجحت الاتفاقات المحلية في التخفيف من وطأة الأزمة إلى حد ما.
وقال مؤلفو تقرير “جوعى للسلام” إنه “من غير المقبول تأجيل الدعم الدولي لمبادرات السلام المحلية إلى أن يتم التوصل إلى اتفاق سياسي على أعلى مستوى”.
وعبر عدد من الدبلوماسيين الغربيين عن مخاوف من استغلال القوات الحكومية السورية لهذه الاتفاقات لتحقيق مكاسب عسكرية كما جرى في بعض الحالات في الماضي.
وقالت الأمم المتحدة إن الأزمة السورية أسفرت عن مقتل ما يقارب 200 ألف شخص في حين هرب أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ من البلاد.ونظر التقرير في اتفاقات وقف إطلاق النار التي سرت في حمص وريف دمشق ورأس العين في الشمال وتوفير الخدمات في درعا وحلب، مؤكدًا أن أحد العقبات الأساسية أمام إبرام مثل هذه الاتفاقات هي النفوذ والتدخل الإقليميين.
وأشار إلى أن القادة المحليين يجب أن يكون لهم دور أكبر في التوصل إلى اتفاقات سلام موضعية لأنهم قادرون على تفهم مواطنيهم وتوجيههم بشكل أفضل من القادة السوريين الموجودين في المنفى، وقال التقرير إن الاجتماعات غالبًا ما تضم أعضاء مدعومين مباشرة من لاعبين إقليمين مثل السعودية وقطر وتركيا وإيران كما يحضرها في بعض الحالات ضباط إيرانيين.
وأضاف التقرير أن الأطراف المتنازعة ربما تريد لأعمال العنف أن تستمر لأنهم يستفيدون منها ماليًا في قوله إن “اقتصاد الحرب بدأ يسيطر بقوة على العديد من جوانب الصراع ويقوض بشكل أكبر فرص السلام”.