يعاني الفلسطيني داهود الجهالين، الذي يقطن في تجمع أبو النوار البدوي شرق بلدة العيزرية بالقدس المحتلة، مع قرابة 130 أسرة فلسطينية (800) أخرى تعيش في هذا التجمع، من الممارسات الإسرائيلية الرامية لتهجيرهم قسرًا من مناطقهم الأصلية التي تصنَّف وفقًا لاتفاقية أوسلو على أنها ضمن مناطق “ج”.
ويوجد قرابة 154 تجمعًا فلسطينيًّا بدويًّا في الضفة والقدس المحتلة مهدَّدة بالتهجير كليًّا، ضمن إطار خطة الضمّ التي يحاول الاحتلال فرضها منذ أكثر من عامين، والتي تستهدف إفراغ الأراضي من البشر والحجر، عدا عن الاقتطاعات بذريعة التدريب العسكري، حيث يقتطع الاحتلال أكثر من 400 ألف دونم من مناطق “ج” ويمنع الأهالي من دخولها، وإلّا فإن عقوبة السجن وغرامات باهظة تنتظر من يُخالف منهم الأمر، فيما تشكّل “المحميات الطبيعية” و”الحدائق الوطنية” التي يسلبها الاحتلال 20% على الأقل من مساحة الأغوار.
يلجأ الاحتلال لمصادرة المنازل التي عادةً ما تكون بدائية بعض الشيء أو من الخيام، ويقوم بقطع المياه عن التجمعات ضمن محاولاته لإفراغها من أهلها وسكانها الأصليين.
يقول الجهالين لـ”نون بوست” إن الاحتلال يضيّق الخناق على جميع التجمعات البدوية، ويمنع عملية أي بناء سواء كانت لمنازل سكنية أو منشآت زراعية، وفي حال البناء يتمُّ هدم المنشأة خلال مدة أقل من شهرين، حيث تجري عمليات الهدم بشكل تعسفي وخارج إطار المعاملات الرسمية، إذ عادةً لا يتم إخطار صاحبها ويتم هدمها في مدة وجيزة، عدا عن منع توفير البنية التحتية من طرق وكهرباء ومياه.
ولا تتوقف عمليات الاستهداف على ذلك، بل يلجأ الاحتلال لمصادرة المنازل التي عادةً ما تكون بدائية بعض الشيء أو من الخيام، ويقوم بقطع المياه عن التجمعات ضمن محاولاته لإفراغها من أهلها وسكانها الأصليين.
ويشير الجهالين إلى أن منزل أحد الأهالي المقيمين معه في تجمع أبو النوار هُدِم قبل فترة قصيرة، بعد أن قامَ صاحبه بإعادة ترميمه فقط وتأهيله، فيما لم يتمَّ إبلاغه بأي إخطار رسمي من قبل الاحتلال.
خطة بعيدة المدى
بدأ الاحتلال بتهجير التجمعات البدوية منذ عام 1997، تلا ذلك البدء بإنشاء مشروع بناء الجدار العازل عام 2002 الذي سلبَ آلاف الدونمات الفلسطينية وحاصر الأخرى وبدأ في استهداف التجمعات البدوية، بزعم أنها تجمعات عشوائية وغير شرعية وتقيم على أرض تتبع للاحتلال تنفيذًا لمشروع E1 الاستيطاني الهادف لسلب الأراضي الفلسطينية.
تشير الأرقام والخرائط إلى أن تهجير القرى والتجمعات البدوية سيجعل الضفة الغربية تحت نفوذ الاحتلال الإسرائيلي، الذي سيسيطر على الطرق وتجمعات المياه الجوفية وشبكات الصرف الصحي، وسيضرب 80% من قطاع الثروة الحيوانية في الضفة.
تصنيفات استيطانية
في السياق، يقول رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، وليد عساف، إن هناك 154 تجمعًا بدويًّا على امتداد الأغوار والقدس وشرق رام الله مهددة بالتهجير، منها تجمعات سوسية والمصقرة والخان الأحمر ووادي أبو هندي وجبل البابا وأبو نوار.
ويوضح عساف لـ”نون بوست” أن هذه التجمعات المهددة بالإخلاء الكامل، يقطنها أكثر من 20 ألف مواطن فلسطيني، وفي طبيعتها تجمعات سكنية صغيرة لكن ذات أهمية جغرافية واسعة لما تشكّله من مساحة الضفة.
وذكر المسؤول الفلسطيني أن المناطق البدوية الواقعة في مناطق الضفة تعادل ما نسبته 28% من إجمالي مساحتها، وجميع هذه المناطق أعلن رئيس وزراء الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو ضمّها ضمن خطة الضم.
يقدَّر عدد المدارس والتجمعات التعليمية الموجودة في هذه المناطق البدوية بقرابة 48 مدرسة، جميعها مهددة بالهدم من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي في أي لحظة.
وبحسب عساف فإن الأخطر في القرارات الإسرائيلية في مواجهة هذه التجمعات هو تطبيق 3 تصنيفات عليها، إما اعتبارها مناطق عسكرية وإما محميات طبيعة وإما أراضي دولة، فيما تبقى بعض المساحات البسيطة المحدودة غير الخاضعة للتصنيف.
ويشير رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان إلى أن الإجراءات الإسرائيلية في هذه المناطق هي عمليات الهدم المتواصلة ومنع إصدار رخص بناء أو توفير أية خدمات في هذه التجمعات، سواء على صعيد الكهرباء أو المياه أو حتى التعليم والمستشفيات، حيث يقدَّر عدد المدارس والتجمعات التعليمية الموجودة في هذه المناطق البدوية بقرابة 48 مدرسة.
منذ بداية العام الجاري أصدر الاحتلال 500 إخطار هدم للتجمعات، إلا أن أبرزها كان للخان الأحمر الذي أصدرت محكمة الاحتلال قرارًا بتأجيل إخلائه وهدمه لمدة 6 أشهر، فيما يضغط الاحتلال على السكان للانسحاب منها مقابل منحهم مناطق جديدة أو القيام بذلك عبر القوة، وهو ما لوّح به رئيس الإدارة المدنية خلال زيارة قامَ بها مؤخرًا للتجمع.
تقصير السلطة
تلتزم السلطة الفلسطينية في هذه التجمعات بتقديم الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة إلى جانب بعض الإعانات الأخرى، عدا عن الخدمات القانونية لمساعدة السكان في وقف بعض أوامر الهدم أو تأخير تنفيذها في بعض المرات، غير أن هناك قصورًا فيما يتعلّق بتدويل القضية وتوفير بدائل أو حلول للسكان للصمود أكثر في هذه التجمعات ومنع مصادرتها.
تعقد السلطة عبر مسؤوليها ووزرائها لقاءات على مستويات أمنية ومدنية بالاحتلال، فيما تغيب هذه الملفات عن الطاولة مع الاكتفاء بملفات التسهيلات الاقتصادية، إضافة إلى ذلك فإن السلطة لم تعمد إلى تدويل القضية ورفع قضايا حقيقية في المحاكم الدولية تسهم في وقف الممارسات الحاصلة.
قدّمت السلطة في بعض الحالات التي تمَّ تهجير البدو من أراضيهم بعض الأراضي كتعويض قبل أن تقوم بسحبها منهم، وتحت ضغط الرأي العام تمَّ إعادة هذه الأراضي لهم من جديد مع خشية من تكرار الأمر في حالات أخرى.
ورغم كل ما يعانيه البدو في فلسطين المحتلة، وتحديدًا المناطق المهجَّرة، إلا أنهم مصرّون على الصمود والمواجهة ورفض إخلاء أراضيهم التي عاشوا فيها وورثها عن آبائهم وأجدادهم، تحت الضغط الإسرائيلي وعربدة المستوطنين الرامية لتحويل هذه المناطق إلى أراضٍ إسرائيلية.
ويعتبر الفلسطينيون البدو جزءًا لا يتجزّأ من حالة المواجهة في فلسطين المحتلة، سواء داخل الأراضي المحتلة عام 1967 أو حتى في الأراضي المحتلة عام 1948، مثل قرية العراقيب في النقب المحتل والتي هُدمت لقرابة 200 مرة بشكل متتالٍ، ويعمل سكانها على إعادة بنائها في كل مرة تُهدم فيه.