لا يزال ملف الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة الدولية (5+1) يراوح مكانه، بعد أن تعثّرت جولة المفاوضات السابعة في الأيام الماضية، والتي من المقرَّر أن تُستأنف الخميس 9 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
ورغم أن الملف النووي الإيراني كان قد شهد انفراجة كبيرة عام 2015، من خلال الاتفاق بين طهران والمجموعة الدولية بما تمخّض عنه من رفع العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على إيران، إلّا أن انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق عام 2018 أعاد فرض العقوبات على إيران وبصورة أكثر قساوة.
الأسطر التالية لـ”نون بوست” تقرأ في التأثيرات السياسية والأمنية على العراق، في حال عادت إيران للاتفاق النووي أم لم تعد، وذلك انطلاقًا من التأثير الإيراني الواسع في العراق والذي يقابله نفوذ أمريكي وتواجُد عسكري لا يُستهان به.
الوضع العراقي
على مدى السنوات الماضية، ومنذ عام 2017 عندما استطاعت القوات العراقية بدعم التحالف الدولي من تحرير الأراضي العراقية من سيطرة تنظيم “داعش”، ارتبطَ الملف العراقي أمنيًّا وسياسيًّا بالتطورات الإقليمية والإيرانية على وجه الدقة، وبشكل يفوق التأثير الإيراني في العراق الذي ظلَّ حاضرًا منذ الغزو الأمريكي عام 2003.
يقول الباحث السياسي العراقي محمد عزيز إن إيران تسعى وبشكل جدّي للعودة إلى الاتفاق النووي مع المجموعة الدولية، إلا أنها تشترط العودة للاتفاق ذاته عام 2015، الذي يضمن رفع العقوبات الاقتصادية عن طهران، وتعهُّد الولايات المتحدة بعدم انسحابها من الاتفاق مجددًا.
ويتابع عزيز أن ما يقف عائقًا حتى الآن في توصُّل الجانبَين لحلول تضمن العودة للاتفاق النووي، هو ما أقدمت عليه طهران في رفع قدرات تخصيبها لليورانيوم إلى 60%، فضلًا عن مطالبات أمريكية بأن يتضمّن الاتفاق النووي الجديد فقرات جديدة لها علاقة بملف التسلُّح الصاروخي الإيراني والتأثير الإيراني في مختلف الدول الإقليمية من العراق إلى سوريا ولبنان واليمن، وهو ما ترفض إيران مناقشته حتى الآن.
الغطاء والنفوذ السياسي الإيراني في العراق هو الذي مكّنها من التمدد العسكري والأمني، والذي لا يزال حاضرًا حتى اللحظة رغم بعض التراجُع.
وعن مدى تأثر الوضع العراقي بالملف الإيراني، يؤكّد عزيز لـ”نون بوست” أن التأثير الإيراني في هذا الشأن ينبع من وجود قوات أمريكية يناهز عددها 2500 جندي في العراق، فضلًا عن قاعدتَي عين الأسد في محافظة الأنبار (غربًا) وقاعدة حرير في محافظة أربيل (شمالًا)، مع وجود أكبر سفارة أمريكية في العالم بالعاصمة العراقية بغداد.
وكانت القواعد الأمريكية ومقرّ سفارة واشنطن ببغداد قد تعرّضت لعشرات الاستهدافات بالصواريخ والطائرات المسيَّرة، فضلًا عن استمرار استهداف أرتال الدعم اللوجستي في مدن وسط وجنوب العراق، والتي دائمًا ما تتّهمُ الولايات المتحدة الفصائل المسلحة الموالية لطهران بالمسؤولية عنها.
ليس هذا فحسب، إذ رغم أن التأثير الأمني الإيراني في العراق يبدو كبيرًا للغاية، إلا أن التأثير السياسي لا يقلّ أهمية عن الأمني، وذلك بحسب ما يؤكده الباحث في الشأن السياسي العراقي منذر صباح، الذي يرى أن الغطاء والنفوذ السياسي الإيراني في العراق هما اللذين مكّناها من التمدُّد العسكري والأمني، والذي لا يزال حاضرًا حتى اللحظة رغم بعض التراجع الذي حصل بعد تظاهرات تشرين الأول/ أكتوبر 2019، والتي أطاحت برئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي من السلطة.
تأثير فشل الاتفاق أو نجاحه
ويضيف صباح في حديثه لـ”نون بوست”، أنه وفي حال توصُّل طهران والدول الكبرى ومن بينهم الولايات المتحدة لتوافقات تمهِّد العودة للاتفاق النووي -يبدو مستبعدًا حتى اللحظة-، فإن ارتدادات ذلك ستكون واضحة في العراق على مستوى نفوذ الفصائل المسلحة والميليشيات الموالية لإيران، والتي ستجدُ نفسها دون غطاء سياسي إيراني، لا سيما مع قرب موعد انسحاب القوات الأمريكية الذي أعلنت واشنطن مؤخرًا من خلال بعض مسؤوليها أنه قد يؤجَّل.
وبالتالي، ووفقًا لما سبق، فإنه من غير المستبعَد أن تكون هذه الفصائل والميليشيات، ككتائب حزب الله وعصائب أهل الحق والنجباء والخرساني، قرابين لعودة إيران للاتفاق النووي، بحسب صباح.
وعن إمكانية تضحية إيران بالحشد الشعبي في العراق، أوضحَ صباح في ختام حديثه لـ”نون بوست” أن الحشد الشعبي مؤسسة رسمية عراقية، ومن المستبعد أن يُحلَّ في الفترة القادمة، إلا أنه وفي حال عودة الأطراف للاتفاق النووي وتخلّي إيران عن بعض أذرعها العسكرية بالعراق، فإن ذلك سيعني بطبيعة الحال تقنين وتأطير دور الحشد المستقبلي في العراق دون حلّه تمامًا، بحسب تعبيره.
الوضع الاقتصادي
لا يقتصر تأثير الاتفاق النووي الإيراني-الدولي على الوضع السياسي والأمني في العراق، إذ وبحسب الخبير الاقتصادي أنمار العبيدي، فإن إيران تصدِّر ما يقارب الـ 13 مليار دولار من البضائع إلى العراق سنويًّا، ومن ضمنها وقود الغاز المشغِّل لمحطات توليد الكهرباء بالعراق.
العبيدي، وفي حديثه لـ”نون بوست”، يرى أنه إذا ما عاد الطرفان للاتفاق النووي، فإن ذلك سيضمن لإيران استمرار مصالحها الاقتصادية بالعراق، وهو على عكس ما قد يحصل في حال أخفق الطرفان في العودة للاتفاق، إذ لا تزال الولايات المتحدة تستثني العراق من العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران فيما يتعلق بتصدير الغاز الإيراني لبغداد.
هذا يعني أن واشنطن، وفي حال عدم عودة إيران للاتفاق، قد تلغي الاستثناء وتحرم إيران من مليارات الدولارات سنويًّا، بالإضافة إلى احتمالية أخرى تتمثّل بتوسيع قائمة العقوبات الاقتصادية على إيران لمنعها من تصدير مختلف أنواع البضائع للعراق، وهو مكمن الخشية الإيرانية، بحسب العبيدي.
تشكيل الحكومة
بعد قرابة شهرَين على إجراء الانتخابات التشريعية المبكّرة بالعراق، التي أُجريت في 10 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لا تزال البلاد تعيش حالة من الانغلاق السياسي، حيث لم تصادق المحكمة الاتحادية على نتائج الانتخابات، وسط صراع يصفّه المراقبون بـ”المرير” داخل البيت الشيعي لأجل تشكيل الكتلة الأكبر، مع إصرار زعيم التيار الصدري الذي حازَ على 74 مقعدًا على تشكيل حكومة أغلبية سياسية، تستبعدُ أحزاب الإطار التنسيقي الرافضة لنتائج الانتخابات.
وعن تشكيل الحكومة العراقية القادمة وعلاقة ذلك بالملف النووي بين إيران والمجموعة الدولية (5+1)، يرى الباحث السياسي علي ياسر أن إيران لم تبدِ أي موقف واضح حتى الآن تجاه تشكيل الحكومة العراقية القادمة، وأن ضغوطها الحالية تتمحور في عدم التصعيد بين الفرقاء الشيعة وعدم الذهاب لاقتتال داخلي.
ويضيف ياسر في حديثه لـ”نون بوست” أن اختيار رئيس وزراء جديد للعراق سيخضع للتوافقات الداخلية والإقليمية، لا سيما أن جميع أحزاب الإطار التنسيقي موالون لإيران مع امتلاكهم لأذرع عسكرية قوية لديها القدرة على زعزعة الوضع الأمني بالبلاد في أي وقت تشاء.
وهذا يعني أنه في حال عدم توصُّل طهران والمجموعة الدولية لصيغة توافقية لتفعيل الاتفاق النووي، فإن إيران قد تلجأ لتحريك هذه الأحزاب والأذرع العسكرية من أجل عرقلة تشكيل حكومة عراقية قادمة واختيار رئيس وزراء عراقي مناوئ أو لا يدين لها، وهو ما سيضع العراق في مأزق سياسي تكون فيه جميع الاحتمالات واردة.
لا يزال التأثير الإيراني في العراق سياسيًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا واضحًا، وقد يكون وضع العراق في المستقبل رهينًا بما قد تفضي إليه مباحثات إيران مع المجموعة الدولية حول الملف النووي الإيراني، في انتظار ما ستؤول إليه قابل الأيام.