من أهم قواعد المواجهة أن تؤمن بقضيتك، وأن القوي في الصراع هو من يواجه عن معرفة عميقة وعقيدة راسخة، وفي قضيتنا الفلسطينية لا بدّ من تدعيم الوعي الفلسطيني وتعزيز الإنتاج المعرفي، وأن يكون الإنتاج المعرفي العلمي بشكل يوازي الخط الثوري المقاوم، بما يشمله من الفكرة والمصطلحات والرؤية النضالية البحتة، بعيدًا عمّا يحاول التاريخ تزييفه.
في حواريتنا المستمرة من سلسلة “حرّاس الرواية الفلسطينية”، يحاور “نون بوست” موقع “باب الواد” التطوعي، أحد امتدادات مشروع سليمان الحلبي للدراسات الاستعمارية والتحرُّر المعرفي.
ولسبر أغوار الموقع والوقوف على حراسته للرواية الفلسطينية، نناقش خالد عودة الله، المقدسي والباحث في العلوم الاجتماعية، وخاصة دراسة المنظومات الاستعمارية، والمحاضر في جامعة بيرزيت، والمؤسِّس لدائرة سليمان الحلبي للدراسات الاستعمارية والتحرُّر المعرفي.
بداية، كيف انبثقت فكرة “باب الواد”؟
“باب الواد” هو امتداد لمشروع سليمان الحلبي للدراسات الاستعمارية والتحرر المعرفي، وهو مشروع تعليمي تثقيفي منذ 10 سنوات موجود في فلسطين المحتلة، تتنقل نشاطاته لتغطّي كل جغرافيتها، ومشروع الدائرة هو دراسة الاستعمار وبالوقت نفسه بناء الثقافة الوطنية الفلسطينية كعمليتَين مكمّلتَين، إذ لا يمكن فهم حالة الاستعمار التي نعيشها دون أن نفهم الاستعمار ذاته، وفي الوقت ذاته تاريخنا الطويل ووعينا لمقاومته.
هذان هما العنصران المهمان اللذان انبثقت منهما فكرة الدائرة، ولاحقًا جاء “باب الواد” كامتداد للنشاط التعليمي والتثقيفي، إذ كنا بحاجة إلى منصة أو موقع ننشر من خلاله مساهماتنا المعرفية المكتوبة، وكذلك اهتمامات الكثيرين من المنخرطين أو المستفيدين من نشاطات الدائرة، أو من الناس الذين كانوا يرون الدائرة من فلسطين المحتلة وخارجها، لتعبِّر عن وعيهم وقناعاتهم كحالة معرفية منهجية.
وثانيًا كخطٍّ سياسي واضح من ناحية انتمائه للخطّ السياسي المقاوم، وبالتحديد لرؤيته لفلسطين المحتلة ومركزية قضيتها في المسألة العربية، ومن المهم الإشارة إلى أن كل نشاطات الدائرة التعليمية والبحثية و”باب الواد” وغيره هي نشاطات تطوعية، نقوم بها تطوعًا دون أي مقابل، ونحن لا نعمل في هذا المشروع بل نحمله كواجب وكقضية.
– القارئ لإنتاج “باب الواد” يلاحظ خطًّا تحريريًّا خاصًّا، من خلال استخدام مصطلحات معيّنة كالجيش الصهيوني والاستعمار و”عابرون”.. ما أهمية الحفاظ على هذه الكلمات في تدعيم الرواية الفلسطينية وحفظ مسيرة النضال؟
الكلمات والمصطلحات أمرٌ مهم جدًّا، لأنها أولًا تعبِّر عن الوعي، فالكلمات والمصطلحات التي نستخدمها في حديثنا، وفي كتابتنا، وفي أي من إنتاجنا هي تعبير عن الوعي، وبالتالي دلالة مهمة عن طبيعة هذا الوعي، أي وعينا بطبيعة المشروع الصهيوني وأنه مشروع استيطاني استعماري، وأن هذا المشروع مهما تغيّر شكله، سواء كان شكله الاستيطاني كما كان قبل ما يُسمّى بدولة “إسرائيل” أو ما بعده، لا يمكن أن يخرج عن الطبيعة الاستيطانية الاستعمارية، وبالتالي المشروع الصهيوني هو ذاته الذي عرفناه منذ أكثر من 100 عام، وإن تغيّر شكله السياسي أو مؤسساته.
ولا يمكن أن نقول في أي مرحلة من المراحل “إن المشروع الاستعماري قد تغيّرت طبيعته، وبالتالي علينا أن نغيّر المصطلحات وطبيعتها بما يتلاءم مع هذا التغيُّر”، بل هو مشروع مستمر في استعماريته، وأي خلل في الجهاز المفاهيمي الذي نستخدمه لتوصيفه أو التعامل معه هو بالضرورة خضوع لهذا المشروع وتطبيع معرفي معه.
لو نقف قليلًا على قسم “الجامعة الشعبية” في “باب الواد”، ماذا تعني هذه الجامعة؟
الجامعة الشعبية هي أحد مشاريع دائرة سليمان الحلبي، والفكرة بكلّ بساطة خلق حيّز تعليمي شعبي متاح للجميع، والذي يجمع ما بين قضيتَين أساسيتَين، ما بين معرفة رصينة منهجية وليس مجرد كلام خطابي أو تعبئة أو رأي، وفكرة ضخّ معرفة مرتبطة بأسئلة المجتمع وهمومه وقضية التحرر من الاستعمار.
وطبيعة هذه المعرفة بأن تكون منهجية مبنية على أُسُس وعلى دراسة، بحيث أن هذا المشروع يعالج النقص والتقصير والقصور المعرفي في الجامعة الرسمية، التي بها عدة اشتراطات لا تمكّنها من القيام بدورها الاجتماعي، ففكرة الجامعة الشعبية هي القيام بهذا الدور التعليمي التثقيفي في جوّ تعليمي تحرُّري لا يوجد فيه علامات أو التزامات، والالتزام الوحيد هو الالتزام الداخلي.
ما المصاعب التي تحيط بالمحتوى المعرفي الفلسطيني؟
هناك نوعان لهذه المصاعب، الأول له علاقة بالإنتاج الفلسطيني ذاته، وقصوره المعرفي وإشكالاته ورهاناته السياسية، وعدم وضوح رؤيته، وعدم اعتماده على المنهج الدراسي العلمي في كثير من الأحيان، ويطلق فقط مقولات وشعارات، وهذه الإشكالية إشكالية ذاتية.
أما الإشكالية الموضوعية التي تواجه المحتوى المعرفي الفلسطيني، هي ما يواجه أي رسالة مقاومة ورسالة تحررية، بأن اليوم كل القوى المسيطرة بامتداداتها، سواء منصات التواصل الاجتماعي وغيرها، هي تابعة لهذا النظام العالمي الظالم، والذي طبعًا من أهم مكوناته “إسرائيل” أو المشروع الصهيوني.
وبالتالي التناقض قادم من هنا، هذه ليست صعوبات، ولا يجب التعامل معها كصعوبات تكبّلنا، بل هي تحديات وظروف موضوعية يجب العمل من خلالها ومواجهتها، وليس كمصاعب نتأثر طوال الوقت بها.
وسط هذه التحديات والظروف الموضوعية، أين تكمن مهمة “باب الواد”؟
باعتقادي أن مهمتنا هي التعبير عن روح ووعي الشعب الفلسطيني الذي قاومَ المشروع الصهيوني منذ أكثر من 100 عام وحتى اليوم، سواء كانت هذه الروح هي الروح المقاومة عبر النضال الطويل ومسيرة مئات الآلاف من الشهداء والأسرى والجرحى، فهذه هي المهمة الأولى.
والمهمة الثانية هي تحويل هذه التجربة التاريخية الطويلة لشعبنا من وعي ومن مقاومة إلى مادة معرفية، ونسعى طوال الوقت إلى بناء معرفي متكامل للوعي بالمشروع الصهيوني، وأيضًا لوعينا بذاتنا وتشكيل هويتنا بالاستناد إلى الأدوات المعرفية والبحثية.
هل توجد أي مصاعب أو مخاطر أو تضييقات تحيط بـ”باب الواد”؟
أكيد، فأي مشروع تحرُّري، خاصة مشروع تحرُّري مستقل انتمائه الأول والأخير لمقولته السياسية، وانتمائه لفلسطين المحتلة كقضية وهوية ووعي، ليس محلي فقط بل عالمي وغير مموَّل، من الأكيد ستواجهه مجموعة من المصاعب، وهذه كانت جزء من مبررات انطلاق “باب الواد”، وبالتالي لا نتعامل معها كمصاعب بل نتعامل معها كظروف نعمل من خلالها لمقاومتها وإنشاء روح جديدة لتقاطع المعرفة المستقلة والخط السياسي الواضح.
– أين ترى “باب الواد” مستقبلًا؟
المسألة الأساسية هي الحفاظ على هذا المشروع، ورفده بروح جديدة، ومن المهم أيضًا النقد الذاتي وأن نسائل أنفسنا ما أنجزنا وأين قصّرنا، على أمل أن يتطور هذا المشروع من ناحية انفتاحه على أكبر عدد ممكن من المشاركين، وأن نتجاوز مرحلة الجمهور إلى المشاركة، بمعنى فتح الباب لأكبر عدد ممكن من الناس الذين يرون “باب الواد” منصتهم التي يمكنهم المساهمة بها عبر الكتابة أو عبر التطوع.