ترجمة وتحرير: نون بوست
في تشرين الأول/ أكتوبر، كتب مهندسو البرمجيات في غوغل وأمازون رسالة مفتوحة دون ذكر أسمائهم عبّروا فيها عن اعتراضهم على مشروع “نيمبوس” – وهو عقد بقيمة 1.2 مليار دولار توفر من خلاله الشركتان خدمات للحكومة الإسرائيلية – بسبب ما قد يطال الفلسطينيين من ضرر. ودعوا في هذه الرسالة إلى رفض “العقود المستقبلية التي من شأنها إلحاق الضرر بمستخدِمي الشركتين” بما في ذلك العقود مع “أي مؤسسة عسكرية في الولايات المتحدة وخارجها”.
لكن تواطؤ هاتين الشركتين – المتجذر في التزامها تجاه الولايات المتحدة – يتجاوز حدود العقود المباشرة مع هذا الكيان. تساهم شركات الحوسبة الأمريكية على غرار مايكروسوفت وأمازون وغوغل وفيسبوك في مشروع “إسرائيل” الاستعماري بعدة طرق. وقد عملت سابقا على تقرير سلط الضوء على التزامات مايكروسوف تجاه “إسرائيل“، وفي هذا التقرير تركيز على التزامات غوغل تجاهها.
إن غوغل تستثمر وتستحوذ على الشركات الناشئة الإسرائيلية التي يكون الهدف من إنشائها ترهيب الفلسطينيين. ولا تعتبر غوغل مجرد مزوّد خدمة لحكومة الاحتلال، بل تعمل بجد أيضًا على تعزيز أجندتها والترويج للدعاية الصهيونية.
تحتلّ غوغل أيضًا مساحة مادية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث يُسهّل وجود منشآتها هناك تدمير الأراضي. أما منتجات غوغل، التي تكون في بعض الأحيان منتجات إسرائيلية، تعكس وجهة نظر “إسرائيل” العنصرية والصهيونية.
أرباح غوغل من التحالف الإسرائيلي الأمريكي
لا يخفى على أحد أن غوغل في تحالف مع إمبراطورية الولايات المتحدة. فهذه الشركة تقدّم خدماتها للجيش الأمريكي وقوات الشرطة (بما في ذلك وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك)، وهي شريك لوكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، ومتواطئة في برنامج المراقبة الجماعية لوكالة الأمن القومي. كان إيريك شميت، الرئيس التنفيذي السابق لشركة غوغل، الرئيس المؤسس للمجلس الاستشاري للابتكار الدفاعي الذي يضم مجموعةً من الباحثين ونخبة الشركات والمسؤولون الحكوميون الذين يعملون على ضمان امتلاك البنتاغون لأحدث تقنيات الاضطهاد، والتي غالبا ما يتم تطويرها بالتعاون مع “إسرائيل”.
افتتحت شركة غوغل منشآتها الأولى في “إسرائيل” سنة 2016. وهي تمتلك حاليا مكاتبًا في كل من تل أبيب وحيفا يعمل بها أكثر من 1600 إسرائيلي، كما تخطط لبناء منشآت إضافية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي زيارة له رفقة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك بنيامين نتنياهو في سنة 2012، أعلن شميت أن “قرار الاستثمار في إسرائيل كان من أفضل القرارات التي اتخذتها غوغل على الإطلاق”. وأضاف نتنياهو بتملقه المعهود للإمبرياليين “هذه هي إسرائيل – العلم والشمس وغوغل”.
ذكر الرئيس التنفيذي لغوغل شيئًا واحدًا استفادت منه الشركة من التحالف: قوة عاملة مدربة. قال شميت متوجهًا بالحديث إلى نتنياهو، “شعبكَ يظهرون بشكل أكثر تنظيما في الحياة” بعد إنهاء الخدمة في الجيش الإسرائيلي، حيث يتعلمون “تحليل البيانات”. ومنذ ذلك الحين، كان دعم شميت واضحًا ل”إسرائيل”، فقد استثمر في سنة 2015 حوالي 18 مليون دولار في مبادرة “الأمن السيبراني” التي أنشأها الرئيس السابق للوحدة 8200 – وحدة مكافحة التمرد والمراقبة سيئة السمعة في جيش الاحتلال. وعندما زار شميت “إسرائيل” في العام التالي، تجمّعت قوات الإسرائيلية في قاعدتها لتشكيل كلمة “غوغل” تقديرًا له.
إن جهود “إسرائيل” لترهيب الفلسطينيين ومراقبتهم وتهجيرهم تُنتج تقنياتٍ تقتات عليها غوغل. فقد استحوذت غوغل على العديد من الشركات الإسرائيلية الناشئة، بما في ذلك شركة “وايز” مقابل 1.1 مليار دولار (في 2013)، و”سليك لوغن” مقابل مبلغ لم يتم الكشف عنه، و”إيلاستيفايل” مقابل 200 مليون دولار، و”ألوما” مقابل 150 مليون دولار (في 2019)، وشركات أخرى. يضخ جناح الاستثمار في غوغل “غرادينت فينتشرز”، ملايين الدولارات في الشركات الإسرائيلية، التي تستفيد جميعها من أدوات حكومة الاحتلال للمراقبة والسيطرة، وتبيعها الآن للعالم على أنها أدوات “أمن إلكتروني”.
تستفيد غوغل أيضًا من تواصل نهب الأراضي الفلسطينية. وقد وافقت الشركة مؤخرًا على دمج “غوغل باي” في بنك “لئومي” المشهور بتمويل المستوطنات اليهودية فقط، مثل مستوطنة “بسغات زئيف” المبنية على الأراضي المصادرة من بيت حنينا وشعفاط وأحياء فلسطينية أخرى في القدس الشرقية. عرض بنك لئومي أيضًا قروضًا عقارية على مستوطنين يهود. وبما أن عملاء البنك الإسرائيلي باتوا أكثر طلبا للخدمات “الرقمية”، فإن شركة غوغل ستستفيد من ذلك. في المقابل، تستخدم شركة غوغل مواردها لدفع الأجندة الإسرائيلية والترويج للدعاية الصهيونية – بينما يتواصل الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.
الصهيونية، على أسلوب غوغل
في سنة 2008، زار المؤسس المشارك لشركة غوغل سيرجي برين المستعمرة الصهيونية المعروفة ب”إسرائيل” للمرة الثالثة. وفي مقابلة مع صحيفة “هاآرتس” الإسرائيلية، تحدث برين بحماس عن إنجازات “إسرائيل”، قائلًا: “إنه أمر مذهل. إنني أعرف تاريخ إسرائيل بشكل عام، وفي الواقع أرى حقًا ما تم إنجازه من لا شيء”. بالنسبة لبرين لا وجود لفلسطين، وكل ما كان موجودًا قبل الاحتلال الصهيوني مجرد قذارة، أو بالأحرى كما تقول الأسطورة الصهيونية جعل المستوطنون الأوربيون الصحراء تزدهر.
تنعكس هذه الرواية العنصرية في مواقع بناء غوغل لمنشآتها. لقد صُمم كل جزء من مقر غوغل في تل أبيب في ناطحة سحاب “إلكترا” “بناءً على مشهد طبيعي من مكان ما في إسرائيل”، أحدها مستوحى من مشهد صحراوي، والآخر فيه أشجار برتقال اصطناعية وصناديق خشبية. وفي هذا الركن، تجدد غوغل الأسطورة الصهيونية بشأن برتقال يافا بوصفه منتجًا “إسرائيليًا”. قام الفلسطينيون لأجيال بزراعة البرتقال وتصديره، أحيانا بالشراكة مع مزارعين يهود، قبل حتى وجود “إسرائيل”. من جهتها، استحوذت “إسرائيل” على برتقال يافا واستخدمت الأراضي المنهوبة في النكبة لزراعة هذه الفاكهة والاستفادة من محصولها. وعلى هذا النحو، فإن تصميم المقر الرئيسي لشركة غوغل في تل أبيب ينادي باسم الصهيونية.
لكن هذا التوافق مع الصهيونية يمتد أيضًا إلى دعم مادي، حيث أن غوغل خصصت أحد طوابق ناطحة السحاب التابعة لها لشركة “كامبيس تي إل في”، وهي مبادرة أطلقها رئيس الوزراء الأسبق نتنياهو تساعد من خلالها الشركة على ازدهار الشركات الإسرائيلية الناشئة.
تقدم غوغل أيضا خدمات استشارية لدولة الإحتلال. وقد اتضح ذلك في مشروع “إينوفايت إسرائيل” الذي أطلقته غوغل – وهو الذي مهد لمشروع “نيمبوس”.
اُطلق مشروع “إينوفايت” في “إسرائيل” في سنة 2013، وكانت أهدافه المعلنة مساعدة “إسرائيل” على زيادة ناتجها المحلي الإجمالي و”تزويد الحكومة الإسرائيلية بنموذج منهجي لتطبيق تقنيات المعلومات والاتصالات”. وفي الفيديو الترويجي للمشروع، تعهدٌ بإدماج “أدوات وتكنولوجيات الإنترنت” في كل جناح حكومي، بما في ذلك “الدفاع” و”دفاع الجبهة الداخلية”، و”البناء والإسكان”. وكان الحدث اللافت في انطلاقة هذا المشروع هو الخطاب الذي ألقاه نفتالي بينيت – رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي ووزير الاقتصاد آنذاك – المعروف بافتخاره بقتل “الكثير من العرب”، الذي قال حينها: “إذا احتضنت دولة إسرائيل حتى بعض المبادئ المبتكرة [لغوغل] التي أثبتت نجاحها في القطاع الخاص، سيكون أمامنا مستقبل باهر”.
يروي غوغل مستقبل “إسرائيل” من منظور صهيوني، حيث لا يظهر “إسرائيل” على أنها كيان احتلال استيطاني وإنما يصوّرها على أنها مصنع “ابتكار” سيفيد الجميع (“دولة ناشئة”). وحسب “غوغل إينوفايت” فإن “إسرائيل أمة من المفكرين المستقلين الذين يشكل ابتكارهم وإبداعهم وقيادتهم جزءًا من حمضنا النووي وروحنا الجماعية.” يكرر هذا المشروع قصة نجاح النظام الصهيوني مع القوارص، موضحًا أنها “تحولت من تصدير البرتقال إلى تصدير التقنيات”.
في الدعاية الصهيونية التي تروج لها شركة غوغل، فإن “الأصل الرئيسي” ل”إسرائيل” ليس الأرض أو العمل أو المعرفة التي سرقتها من الفلسطينيين وإنما “الشعب الإسرائيلي، الذي لديه قدرة خارقة على التفكير بشكل خلاق وابتكار الأفكار باستمرار “. وهذه الأفكار “المبتكرة” جعلت من “إسرائيل” أكبر مصدر عالمي للطائرات دون طيار وموردًا للأسلحة وتكتيكات مكافحة التمرد التي تستخدمها الأنظمة القمعية في جميع أنحاء العالم.
قمع المقاومة
تلجأ “إسرائيل” إلى التخلص من البدائل لترسيخ الرواية الصهيونية. فعلى مرّ السنين، قلل غوغل بدرجات متفاوتة من ظهور المواقع المعادية للإمبريالية والصهيونية في نتائج البحث، على غرار “كاونتر بانش”، “موقع الويب الاشتراكي العالمي”، و”تقرير الأجندة السوداء”.
تم استهداف الفلسطينيين بانتظام عن طريق التجريم والرقابة على منصات التواصل الاجتماعي المعادية. اعتُقلت الشاعرة الفلسطينية دارين طاطور في سنة 2015 وسجنتها “إسرائيل” لاحقًا لنشرها قصيدة بعنوان “قاوم يا شعبي، قاومهم” على فيسبوك ويوتيوب، بينما حُظر عدد لا يحصى من الحسابات الفلسطينية من هذه المنصات الفاشية.
مؤخرًا، قالت الكاتبة الفلسطينية مريم البرغوثي إن هذه المنصات لا تقوم بإسكات أصواتنا فقط، بل “تمحونا نحن الفلسطينيين بالكامل وتنظف وتحجب الأعمال الإجرامية، التي تلجأ إليها إسرائيل لاستبدالنا بمستوطناتها ومستوطنيها. هذه المنصات تطمس تاريخنا وتلغي وجودنا كأننا سكان من الأشباح”.
وبالعودة إلى مقر غوغل، فإن الشركة تتعامل مع الفلسطينيين بالفعل كنهم أشباح تطارد المناظر الطبيعية وهي بذلك تساهم في ترسيخ وجهة نظر المستوطنين.
نظرة غوغل الصهيونية للمكان
الاستحواذ على الأرض هدف رئيسي للمجتمعات الاستيطانية، لهذا السبب تستثمر “إسرائيل” موارد هائلة في تقنيات رسم الخرائط والملاحة – وهي الأدوات التي تجذب أيضًا شركات مثل غوغل. قال المهندس إيال وايزمان إن “إسرائيل” أنشأت نماذج حاسوبية مفصلة ثلاثية الأبعاد للمناطق الفلسطينية لتسهيل احتلالها والسيطرة عليها. وقد تبنت العقول المفكرة للحرب الإسرائيلية استعارات مكانية مزعجة مثل فكرة “المشي عبر الجدران“، وهو تعبير ملطف مقتبس من نظرية تهدف لهدم منازل الفلسطينيين في المناطق الحضرية التي طبقتها “إسرائيل” في الضفة الغربية في سنة 2002، خلال الانتفاضة الثانية.
قالت امرأة فلسطينية نجت من الهجمات الإسرائيلية، أطلقت على نفسها اسم عائشة: “ليس لديك أدنى فكرة عما إذا كانوا يلاحقونك أو ما إذا كانوا قد أتوا لمصادرة منزلك أو إذا كان منزلك فقط في طريقهم. هل من الممكن حتى تخيل الرعب الذي يعيشه طفل يبلغ من العمر خمس سنوات عند مشاهدته لأربعة وستة وثمانية و12 جنديًا، وجوههم مطلية باللون الأسود حاملين بين يديهم مدافع رشاشة موجهة في كل مكان، وهوائيات بارزة من حقائبهم، مما يجعلهم يبدون مثل حشرات فضائية عملاقة، تشق طريقها عبر هذا الجدار؟”. وأضافت عائشة أن قوات الاحتلال “فجّرت جدار منزلها حتى تصل إلى منزل جارها”.
تشارك غوغل “إسرائيل” طموحها في مراقبة الأراضي، أو بالأحرى الأرض كلها، وتوجيه جميع الحركات من منظور عسكري.
في سنة 2001، استحوذت غوغل على شركة كيهول التي ترعاها وكالة المخابرات المركزية، واستخدمت برنامج الشركة لرسم الخرائط ثلاثية الأبعاد كأساس لبرنامج غوغل إيرث. استخدمت وكالة المخابرات المركزية برنامج “كيهول” أثناء احتلال العراق في 2003 لمراقبة تحركات العراقيين وتحديد الأهداف ومعالجة معلومات المراقبة (مثل الاتصالات المعترضة) ومدى تطابقها مع البيانات الجغرافية المكانية. ونظرًا لأن الولايات المتحدة و”إسرائيل” تمارسان نوعًا مشابهًا من الإرهاب على الشعوب التي تحتل أراضيها، فإن مهمة غوغل تتمثل في توفير بعض الأدوات لها.
وسّعت غوغل قدراتها المكانية من خلال الاستحواذ على شركة وايز الإسرائيلية، التي انبثقت عن الوحدة 8200 التابعة للجيش الإسرائيلي، مقابل 1.1 مليار دولار في سنة 2013. لم تستفد غوغل من برنامج الملاحة الخاص بشركة ويز فحسب، بل تبنت أيضًا منظور المستوطن الإسرائيلي الراسخ في التكنولوجيا.
وايز تطبيق مصمم لإسقاط وجهة نظر “إسرائيل” العسكرية للمكان والفضاء. فعلى سبيل المثال، لا يعطي البرنامج توجيهات في الضفة الغربية. وبعد التشاور مع “قسم يهودا والسامرة” في الجيش الإسرائيلي، برمجت وايز برنامجها “لإرسال تحذيرات إلى السائقين الإسرائيليين” عند دخولهم مناطق يسكنها فلسطينيون في الغالب (ما يسمى “المنطقة أ” في الضفة الغربية) التي تصورها إسرائيل على أنها مناطق إرهاب.
تعكس خرائط غوغل النظرة الصهيونية إلى الأرض. بالنسبة لتلك الخرائط، فإن القدس هي عاصمة “إسرائيل”، وقد تم استبدال عبارات مثل “الضفة الغربية” و”غزة” في الماضي بـ “إسرائيل”. كما عرضت خرائط غوغل مساحات شاسعة من الضفة الغربية على أنها فراغات، مما يذكرنا بقول أحد مؤسسي غوغل بأن ما ليس “إسرائيل” هو “قذارة لا غير”.
أوضحت منظمة حملة الفلسطينية (المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي) أن خرائط غوغل تستثني “المناطق الفلسطينية غير المعترف بها من قبل “إسرائيل” بينما لا تعرض سوى المستوطنات اليهودية وتتجاهل “جميع القيود التي تعيق حركة الفلسطينيين مثل نقاط التفتيش والطرق المقيدة التي تحد من حرية تنقل الفلسطينيين أو تعرضهم لخطر جسيم”. وبصفة عامة، لا يعطي التطبيق توجيهات من وإلى غزة.
تتجنب خرائط غوغل عرض جدار الفصل العنصري الإسرائيلي، الذي يبلغ طوله أكثر من 700 كيلومتر، والذي بُني بهدف الاستيلاء على المزيد من الأراضي وتقسيم البلدات والقرى الفلسطينية. دفعت هذه الخرائط المنحازة للجانب الصهيوني الفلسطينيين إلى إنشاء خرائط بديلة مثل “خرائط بال” و”خرائط فلسطين المفتوحة“.
رغم ذلك، مازالت غوغل متمسكة بنهجها المتحيز للاحتلال. في شهر تشرين الأول/ أكتوبر، عندما تم إدراج “جدار الفصل العنصري” بطريقة ما على خرائط غوغل، وجهت “نقابة أخبار اليهود”، وهي منظمة ذات توجهات صهيونية، تنبيها إلى شركة غوغل، والتي أزالت تسمية جدار الفصل من خرائطها على الفور. وقد نقلت تقارير أن متحدثا باسم الشركة أكد لـ”نقابة أخبار اليهود” أن غوغل “اتخذت إجراء سريعا لتصحيح هذا الخطأ”.
مشروع نيمبوس
يُظهر مشروع “نيمبوس” مرة أخرى أن شركة “غوغل” ملتزمة بأجندة الاحتلال.
بدأت “إسرائيل” ببناء المنشأة التي سوف تضم خوادم “غوغل” السحابية الإلكترونية، إلى جانب البنية التحتية اللازمة. وحسب مصدر إخباري إسرائيلي، ستحتاج المنشأة إلى أربعة خزانات وقود في الموقع تتجاوز سعتها 200 ألف لتر.
تقع المنشأة في مستوطنة “بني زيون” وسط فلسطين، وقد أُنشأت سنة 1947 بمساعدة الوكالة اليهودية، التي تعدّ على حد تعبير المفكر الفلسطيني جوزيف مسعد “الجهاز الصهيوني الرئيسي المسؤول عن تغلغل الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين”. بالإضافة إلى إنشاء المستوطنات اليهودية وطرد الفلسطينيين، هاجمت الوكالة اليهودية حركات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات بتهمة “معاداة السامية”.
حاول المستوطنون في “بني زيون” منع قيام منشأة “غوغل” من خلال اللجوء إلى المحاكم الإسرائيلية، ليس بدافع القلق على حياة الفلسطينيين، بل خشية أن يؤدي ارتباط هذه الخوادم الحاسوبية بالبيانات الحكومية إلى تحويل المنشأة إلى هدف للهجمات اللبنانية والفلسطينية. كما يساور المستوطنين القلق إزاء الآثار المدمرة بيئيا، والإجراءات البيروقراطية الغامضة التي تعطي الضوء الأخضر لهذه المشاريع دون الحصول على موافقة السكان.
في الواقع، أُقيمت دولة “إسرائيل” على هذه البيروقراطية التي ترتكز على مصادرة الأراضي لبناء المستوطنات اليهودية ومنع مشاريع التنمية الفلسطينية. يستمر بناء المنشأة بغض النظر عن آثارها البيئية المدمرة، ومن شأنها أن تعزز نفوذ إسرائيل، وشركة “غوغل”، والشركات الحليفة مثل “أمازون”.
هناك مجموعة كبيرة من الشركات التي تعتمد على المشاريع الاستيطانية مثل مشروع نيمبوس. عندما أبرمت “أمازون” و”غوغل” عقد خدمات الحوسبة مع “إسرائيل”، كانت “مايكروسوفت” و”آي بي إم” و”أوراكل” تنافسها على الصفقة. (تمتلك “أوراكل” منشأة تحت الأرض في القدس وتخطط لافتتاح منشأة أخرى، ومن المتوقع أيضا أن تبني شركة “فيسبوك” و”آبل” منشآت إضافية في إسرائيل).
كما حصلت الشركات الاستشارية على فرصة للمشاركة في هذا المشروع، حيث ستساعد الشركة البريطانية الهولندية “كيه بي إم جي الدولية المحدودة” في الإشراف على المشروع الإسرائيلي، بعد منافسة مع شركات “ديلويت” و”إرنست ويونغ” و“هيوليت باكارد” و”ماكينزي“.
تفكيك الاحتلال وجذوره المؤسسية
بالإضافة إلى مساهمتها في جرائم الاحتلال، تشارك شركة “غوغل” ونظيراتها في جهود مكافحة التمرد لحماية مصالح الأمريكية. خلقت هذه الشركات مفهوما كاذبا يسمى “التكنولوجيا الأخلاقية”: وهي الفكرة القائلة بأنه يمكن لهذه الشركات وشركائها من الحكومات العمل من أجل “المصلحة العامة”، في ظل معايير “أخلاقية” و”شراكات” سليمة.
قامت “غوغل” و”مايكروسوفت” وشركات أخرى برعاية أكاديميين ومحللين سياسيين ومستشارين حكوميين وصحفيين بهدف الترويج لمفهوم “الأخلاقيات”، واستخدام دعاية تقدمية لحماية استثماراتها في دولة الاحتلال.
عندما بدأ مفهوم “الأخلاقيات” يفقد زخمه، شرعت نفس القوى في تمويل الأكاديميين وغيرهم من المؤثرين لإعادة الترويج لصناعة التكنولوجيا باعتبارها مناهضة للعنصرية والاحتلال ومناصرة للحركات النسوية وغيرها من الشعارات البراقة، بهدف الحفاظ على مصالحها. لكن النتيجة كانت صداما بين “كُبرى شركات التكنولوجيا” والخبراء الذين كانت تمولهم، وهما في الحقيقة وجهان لعملة واحدة.
وفي مواجهة هذا المشهد الذي تسيّره الولايات المتحدة، هناك رؤى بديلة وأشكال تنظيمية مناوئة لشركات التكنولوجيا العملاقة، تعمل على زعزعة سيطرتها. على سبيل المثال، تصف منظمات حقوقية فلسطينية مثل “الحملة الشّعبية لمقاومة الجدار والإستيطان” شركات مثل “غوغل” و”أمازون” و”مايكروسوفت” و”فيسبوك” بأنها جزء من منظومة الاحتلال الإسرائيلي، وترى أن تفكيك تلك المنظومة يتطلب رحيل هذه الشركات.
هناك فرق شاسع بين العمل على طرد هذه الشركات، وبين دعوتها إلى أن تلتزم بالمعايير “الأخلاقية”، وهو ما لا يتوافق مع ما يروج له البيت الأبيض، حيث تعهد بإنشاء أنظمة حوسبة “غير متحيزة” لمواطنيه (ترى الولايات المتحدة أن التحيز “غير متعمد”، على عكس ما يحدث في “الأنظمة الاستبدادية” مثل الصين).
تختلف تلك الجهود أيضا عن المواقف التي تطالب بتبني المنطق الرأسمالي القائم على “المنافسة في السوق الحرة” و”مكافحة الاحتكار” ومطالبة الحكومات الليبرالية الجديدة بـ “تنظيم” تلك الشركات بدلا من التواطؤ معها.
لن تأتي المبادرات المؤيدة للإلغاء من الشركات الكبرى والحكومات والمفكرين في المنظمات غير الربحية -فهذه النخب تعمل على قمع الانتفاضات الاجتماعية- بل ستأتي من الجماعات المناهضة للإمبريالية التي ترغب في خلق فكر تقدمي مناهض للنظام المهيمن الذي تضطلع فيه شركة “غوغل” وشركاؤها بأدوار رئيسية.
المصدر: موندويس