ترجمة وتحرير: نون بوست
انقلبت حياة الناس خلال السنتين الماضيتين رأسًا على عقب بسبب تفشي جائحة كورونا، ولا تزال حياتنا تمر بأحد أكثر التحولات الجذرية التي شهدناها منذ أجيال. حتى أن الطريقة التي نرتدي بها ملابسنا – وكيف يعكس لباسنا قيمنا ويؤثر على الاقتصاد – بدأت تتغير أيضًا، حيث مازلنا نرتدي الأقنعة ونتبنى أسلوب حياة يوفر لنا حماية أكبر.
من المثير للاهتمام أن هذا التحول الناجم عن الوباء مستوحى من نمط الحياة اليومية للمجتمع الإسلامي، الذي يشار إليه أحيانا باسم “أسلوب الحياة المحتشم”. بعبارة أخرى، ينشأ المسلمون، الذين تبلغ قدرة إنفاقهم الجماعية حوالي تريليوني دولار، على قيم التواضع والرقي كشكل من أشكال العيش الكريم.
والآن، بعد أن أصبح ارتداء الأقنعة ممارسة معتادة لكثير من الناس، أعتقد أنها تسلط الضوء على الفوائد التي قدمتها الأزياء الإسلامية على الدوام، كما تساعد في إلغاء الأحكام المسبقة التي يتعرض لها المسلمون بسبب طريقة لباسهم. وأعتقد أيضًا أن هذا التداخل سيعزز مكانة الأزياء الإسلامية في مجال الموضة العالمي بحيث ستصبح لاعبًا مؤثرا في تحديد الموضة لسنوات قادمة.
ينبع التزام المسلمين الراسخ بأسلوب الحياة المحتشم من الآية القرآنية التي دعا فيها الله آدم وحواء إلى التستر. كما تخدم الأزياء الإسلامية غرضًا عمليًا للمسلمين لأنها تمثل “الفطرة” أو حالة النقاء الأصلية. مع ذلك، لطالما كانت الأزياء الإسلامية عُرضة لهجوم متواصل.
وصف العالم الغربي النساء المسلمات بالمستضعفات والمضطهدات بسبب ارتدائهن الحجاب. وقد نُظّمت حركات لحظر الحجاب، بصرف النظر عن عدد المهن التي يكون فيها الأشخاص مطالبين بغطية رؤوسهم أو وجوههم بفخر وعن طيب خاطر على غرار الجراحين والممرضات والخبازين الذين يفعلون ذلك لحماية صحة الناس، أو حتى معتنقوا الديانات الأخرى مثل اليهود والكاثوليك والسيخ والهندوس والبوذيين. تخيلوا مثلا أن تُجبر الأم تيريزا على خلع غطاء رأسها.
بعد عقود من الانتقادات، من الغريب أن أرى العالم يحتضن ما هو بالنسبة لي مجرد وجه آخر من جوانب الأزياء الإسلامية. أعتقد أن هذا التحول ليس سوى مؤشر على أن الأزياء الإسلامية ستلعب دورا أكبر في تشكيل معايير الموضة والاقتصاد في السنوات القادمة.
تتميز الموضة الإسلامية أيضا بفوائد عملية ومؤكدة علميًا. فالنقاب، مثلا، ليس منتشرا على نطاق واسع، لكن بعض الأقليات الصغيرة من النساء المسلمات اللواتي يرتدينه قلن إنه يجعلهن يشعرن بأمان أكبر ويسمح لهن بالتخفي. كما أنه يقوم بتصفية الأوساخ والغبار، وهو أكثر حماية مقارنة بأي شيء آخر على الإطلاق في مواقف مثل استخدام وسائل النقل العامة. كما أنه مصنوع من القماش لذلك من غير المرجح أن يكون خانقا مثل قناع “إن95”.
خلال تفشي الجائحة، أصبح قناع الوجه الواقي إيماءة العالم للحجاب. وقد أصبحت أغطية الوجه حاليا بادرة مجاملة سامية تجاه الأشخاص من حولنا، تعني أننا نكترث لسلامتهم. وبعد ارتداء الأقنعة لأكثر من سنة، تشارك بعض النساء اليوم وجهة نظر المسلمين في الشعور بالأمان خلف الحجاب، خاصة من نظرات الذكور غير المرغوب فيها.
لكن لا يزال ارتداء النقاب محظورا في فرنسا. وفي شهر نيسان/ أبريل، أقر مجلس الشيوخ الفرنسي تعديلا يمنع الفتيات دون سن 18 سنة من ارتداء الحجاب. وحتى البوركيني، وهو قطعة متعددة الاستخدامات من الملابس الرياضية المريحة والأنيقة والحمائية، يعتبر تهديدًا، لأن النساء المسلمات يرتدينه في المقام الأول.
لم تتعامل البلاد مطلقا باحتراز شديد مع بدلات السباحة المشابهة المعدة للغوص أو الغطس. وعندما فُرضت غرامة قدرها 135 يورو على أي شخص لا يرتدي قناع الوجه أثناء الوباء، شاهدت معايير مزدوجة واضحة، وذلك بالنظر إلى الغرامة المالية التي تفرضها الدولة على من ترتدي الحجاب وقدرها 150 يورو.
بعد عقود من الانتقادات، من الغريب أن أرى العالم يحتضن ما هو بالنسبة لي مجرد وجه آخر من جوانب الأزياء الإسلامية. أعتقد أن هذا التحول ليس سوى مؤشر على أن الأزياء الإسلامية ستلعب دورا أكبر في تشكيل معايير الموضة والاقتصاد في السنوات القادمة.
لقد ساعدني عملي في الموضة وتصميم الملابس الإسلامية على فهم أن أفضل شكل للتطور يأتي من أساس مبني على حكمة قديمة، فنادرا ما تكون الأفكار الجيدة جديدة. لقد جربت كيف يمكن أن تكون صناعات الموضة والتصميم مصدرًا رائعًا لبناء العلاقات وتبديد الانطباعات الخاطئة.
تاريخيًا، تبنت الثقافات الغربية إلى حد كبير أشكالًا محتشمة جدا من الملابس، إلى أن أتاح الإنتاج الضخم نظامًا جديدًا يتسم بارتفاع الاستهلاك، مما دفع المستهلكين من الطبقة الوسطى إلى تغيير طريقة لباسهم بشكل متكرر كدليل على “التقدم”. ونظرًا لأن ثقافة التقليد والمتابعة أفسحت المجال لدورة مربحة في صناعة الأزياء، فإن العرض التنافسي الذي حفزته جزئيًا التغييرات الاجتماعية مثل الموجات النسوية الجديدة تجاوز مبدأ الاحتشام والتواضع.
على الرغم من عدم تأثرها بهذه التغييرات، إلا أن الأزياء الإسلامية متجذرة في شيء أكثر واقعية: إيمان المسلمين بأن قيمهم راسخة. ستستمر الأزياء الإسلامية في النمو لأنها جزء من رحلة قيمة بالنسبة لنا وليست مجرد صيحة موضة. وأولئك الذين يتبنونها يفعلون ذلك بسبب المبادئ التي يتبعونها في نمط الحياة التي تم تناقلتها الأجيال. وبالنسبة لي، هذا يعني التزامًا مدى الحياة بهذه الملابس التي يرتديها أسرع السكان نموًا في العالم.
لا يمكن إنكار أن الملابس الإسلامية أنيقة وعصرية. إن مظهر وشاح الرأس الأيقوني في هوليوود، الذي اشتهر من قبل معاصرات مثل جينيفر لوبيز ويعود إلى أودري هيبورن وغريس كيلي، يعرض حجابنا النموذجي. كما أن فستان السهرة الأنيق بأكمام كاملة وطول كامل وفتحة رقبة عالية وظهر مرتفع وغير ضيق وملابس نهارية أنيقة أصبح الآن يجذب مصوري الأزياء.
ونظرا لأن الأزياء الإسلامية أضحت تضطلع بمكانة في الثقافة الأوسع، فمن المشجع أن نراها تحظى بقبول وتقدير متزايد، ويرجع ذلك جزئيًا إلى السوق المحتملة الهائلة التي تراها العلامات التجارية لدى الزبائن المسلمين. لقد دخلت الأزياء الإسلامية في الأساس إلى التيار السائد، حيث يسعى عالم الموضة لتقديم نهج أنيق للحجاب.
في الوقت الراهن، أصبحت جميع أشكال الحجاب لبقة وتحظى بالاحترام والتقدير الذي تستحقه. وعلى الرغم من أن هذا التقدير تطلب ظهور وباء، إلا أنني أعتقد أن الفرصة التي يقدمها لجميع الأشخاص والشركات – العامة والمسلمة – مهمة.
كما أن العديد من التعديلات والمجموعات المتواضعة التي أطلقتها كُبرى العلامات التجارية – على غرار مجموعة “نايك برو حجاب” أو مجموعة “دولتشي أند غابانا” للحجاب والعباءات – تدعو إلى فهمنا كمسلمين ونمط حياتنا باعتباره عنصرا فريدًا بدلا من اعتباره مجرد تهديد.
لا تستهدفنا جميع التعديلات، على الرغم من أنه يتعين على العلامات التجارية السائدة أن تتعلم كيف تحدد معتقدات المسلمين اختياراتهم للأزياء المحتشمة. فلنأخذ على سبيل المثال إطلالة كيم كارداشيان في حفل ميت غالا 2021، إذ ارتدت فستانا قصيرا باللون الأسود، وارتدت أسفله تيشرت بأكمام سوداء، وبنطلون بنفس اللون، ووضعت قناعا يغطي وجهها بالكامل.
قارن بعض الناس زيها ببرقع المرأة المسلمة، ولكني لم أفهم كيف يقارن اللباس الضيق الذي يحدد قوام الجسم بالزي الإسلامي. وقد تغاضى المعلقون عن مقارنة أفضل – إطلالة ريانا بردائها الذي يشبه الحجاب والعباية، والذي بدا وكأنه محاكاة حقيقية للأزياء الإسلامية.
مع ذلك، أكد الحفل رسالة رئيسية: لا إكراه وراء فعل التغطية. وبقدر ما يُحزِن المسلمين ألا يروا أي رد فعل عنيف ضد وجه كارداشيان المغطى بالكامل، أو إطلالة ريانا أو حتى مظهر كيندل جينر شبه العاري، بقدر ما نتعرض له من انتقادات بسبب أزيائنا، فإن السيناريو بأكمله ليس سوى تذكير بأن اختيارات الملابس ليست دعوة لتقديم الأحكام من قبل أي شخص. وهذا يدعو إلى مستوى جديد من الاحترام والأمل في عدم التعرض للهجوم بسبب قيمنا الدينية.
إن مجموعة المستهلكين المسلمين العالميين المستهدفين ليسوا مهتمين بالمصممين الذين يعتقدون أنهم بحاجة لتحريرنا. ومن المحتمل أن يُنظر إلى التصاميم العارية التي يمنحوننا إياها مع الإبقاء على وشاح الرأس باعتبارها تصرفا مسيئا وتتركنا نشعر بالاستغلال. وسوف يفهم المصممون الناجحون سبب تقديرنا للأزياء الإسلامية كثيرا، وسيعرفون كيف يؤثرون على الأزياء الإسلامية بجعلها أكثر أناقة – عوضا عن إهانتها.
في الوقت الراهن، أصبحت جميع أشكال الحجاب لبقة وتحظى بالاحترام والتقدير الذي تستحقه. وعلى الرغم من أن هذا التقدير تطلب ظهور وباء، إلا أنني أعتقد أن الفرصة التي يقدمها لجميع الأشخاص والشركات – العامة والمسلمة – مهمة.
المصدر: نيويورك تايمز