اختتم وزير خارجية دولة الاحتلال، يائير لبيد، أولى زياراته للقاهرة، الخميس 9 ديسمبر/كانون الأول الجاري، التقى خلالها الرئيس المصري ووزير خارجيته، بجانب رئيس المخابرات المصري وبعض كبار رجالات الدولة، حيث ناقش سبل تعزيز العلاقات بين البلدين في شتى المجالات.
الزيارة التي تأتي بعد نحو ثلاثة أشهر فقط من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، كانت الأولى من نوعها إلى مصر منذ عشر سنوات، تتزامن مع تصاعد الغضب الفلسطيني إزاء التلكؤ تجاه غزة والتزامات إعادة الإعمار المتفق عليها خلال اتفاق التهدئة قبل 6 أشهر والذي كان برعاية مصرية.
حزمة من الملفات كانت على جدول أعمال اللقاء الذي جمع بين لبيد والجانب المصري والذي لم يستغرق سوى ساعات عدة بحسب البيانات الصادرة عن القاهرة وتل أبيب، فيما تصدرت مباحثات تحول مسار العلاقات بين البلدين إلى صيغتها التطبيعية الكاملة على كافة المجالات، عنوان الزيارة، في ضوء حميمية العلاقة التي تجمع بين البلدين خلال السنوات الماضية.
يذكر أن حركة المقاومة الإسلامية “حماس” كانت قد اتهمت القاهرة على لسان بعض قادتها بالتلكؤ في تنفيذ استحقاقات التهدئة في القطاع المحاصر، بما يصب في صالح دولة الاحتلال التي تواصل مساعيها لخنق غزة وسكانها، وهو ما وضع الجانب المصري في مأزق سياسي كبير، ما دفعه للتحرك من أجل التأكيد على مصداقية وساطته التي باتت على المحك.
غضب مصري
التصعيد الإعلامي الحمساوي ضد القاهرة المتزامن مع استمرار الانتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني والتزام الحكومة العبرية بسياسة التسويف وتصدير الأزمات، تسبب في أزمة ثقة لدى الجانب الفلسطيني بشأن قدرة الوسيط المصري على الحلحلة والضغط على تل أبيب لتنفيذ التزاماتها بنفس الوتيرة التي يضغط بها على فصائل المقاومة الفلسطينية.
وكما أشرنا في تقرير سابق لـ”نون بوست” فإن الملف الفلسطيني وإن لم يعد بنفس ذات الأولوية لدى القاهرة مقارنة بما كان عليه مثلا قبل 6 أشهر حين كان ورقة ضغط مصرية في مواجهة ضغوط إدارة جو بايدن الحقوقية، إلا أن ذلك لا يعني التخلي بالكلية عن هذا الملف، كونه يمثل ضلعًا أساسيًا في منظومة الأمن القومي.
تأتي زيارة لبيد للقاهرة تحت عنوان “تهدئة الأجواء” مع الحليف المصري، ومحاولة امتصاص الغضب المتنامي مؤخرًا، وإزالة اللبس بشأن تأجيل زيارة رئيس المخابرات
ما أثار حفيظة القاهرة، أن دولة الاحتلال حققت العديد من المكاسب السياسية والأمنية من وراء تعميق علاقاتها بالدولة المصرية التي قدمت للمحتل حزمة من الخدمات غير المتوقعة، حيث تضييق الخناق على المقاومة، وتجفيف منابع الدعم، وتقليم أظافرها بشأن التصعيد مع دولة الاحتلال من خلال ضغوط المعابر وحرية الحركة، وهو ما لم تدفع تل أبيب مقابله على مسار القضية الفلسطينية، الأمر الذي من شأنه التشكيك بحيادية الوسيط المصري ونزاهته في القيام بهذا الدور.
ومن المسائل التي أثارت حفيظة القاهرة كذلك تأجيل زيارة رئيس جهاز المخابرات المصري عباس كامل إلى “إسرائيل”، والتي كان مقررًا لها الشهر الماضي، وهي الزيارة التي كان يفترض أن تنقل خلالها السلطات المصرية امتعاضها الشديد إزاء التلكؤ الإسرائيلي الذي وضع مصر في مرمى الانتقادات والاتهامات.
تلك المعادلة غير المتوازنة والصور المشوهة الناجمة عنها أثارت بالطبع غضب الجانب المصري، وهو ما تسعى الحكومة العبرية الجديدة تجنبه في الوقت الحاضر، ومن ثم كان الحراك الدبلوماسي بين البلدين خلال الأشهر القليلة الماضية، حيث زيارة بينيت أعقبها وزير خارجيته في فترة لا تتجاوز 3 أشهر.
تهدئة الأجواء عبر تعزيز الشراكة
وعليه تأتي زيارة لبيد للقاهرة تحت عنوان “تهدئة الأجواء” مع الحليف المصري، ومحاولة امتصاص الغضب المتنامي مؤخرًا، وإزالة اللبس بشأن تأجيل زيارة رئيس المخابرات، هذا بجانب بحث العديد من الملفات التي تصب في النهاية إلى تعزيز الشراكة بين البلدين نحو آفاق رحبة غير مسبوقة.
حاول الوفد الإسرائيلي مغازلة نظيره المصري عبر تسليمه عدد من القطع الأثرية المصرية (95 قطعة) التي صودرت عقب إحباط محاولة تهريبها إلى داخل “إسرائيل” في مارس/آذار 2013، وبحسب وسائل إعلام عبرية تضم تلك القطع أجزاءً من نقوش هيروغليفية، وجزءًا من تابوت خشبي به نقوش مصرية، ونقوش على ورق البردي، فضلًا عن تماثيل لآلهة المصريين القدماء.
وزير الخارجية العبري وفي بيان له تحدث عن رغبة بلاده في تعميق السلام مع القاهرة في صورة التعاون في عدة مجالات مدنية تتعلق بالاقتصاد، والطاقة، والزراعة والتجارة”، معلقا على لقاءه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالقول، إن “مصر شريكة إستراتيجية ذات أهمية خاصةً لـ”إسرائيل”. وهدفي هو تعزيز علاقاتنا مع مصر في المواضيع الأمنية، السياسية والاقتصادية”، معتبرًا أن “ثمة أهمية لمواصلة السعي من أجل السلام بين الشعبين”.
وكان لبيد قد كتب على صفحته على “تويتر” قبيل وصوله إلى مصر، “وصلت إلى القاهرة في زيارة رسمية ألتقي خلالها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ووزير الخارجية سامح شكري”، مضيفًا أن “تقوية العلاقات الإسرائيلية – المصرية وتعميقها في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، مصلحة حيوية لدولة إسرائيل”. وتابع: “سنواصل العمل معًا لدفع المصالح المشتركة في الاستقرار الإقليمي”.
Today, I traveled to Cairo and met with Egyptian President @AlsisiOfficial and Foreign Minister Sameh Shoukry to discuss a number of important regional issues. Egypt is an especially important strategic partner for Israel, and I look forward to continuing the dialogue between us. pic.twitter.com/2jBDZYRCrR
— יאיר לפיד – Yair Lapid? (@yairlapid) December 9, 2021
فلسطين وقضايا المنطقة
الصفحة الرسمية للمتحدث باسم رئاسة الجمهورية المصرية على فيس بوك، أشارت إلى أن اللقاء الذي جمع السيسي ولبيد بحضور وزير الخارجية ورئيس المخابرات المصري إلى جانب عدد من الدبلوماسيين الإسرائيليين وسفيرة تل أبيب بالقاهرة، تناول أوجه التعاون الثنائي بين البلدين في مختلف المجالات، بالإضافة إلى الموضوعات ذات الاهتمام المشترك على الساحتين الإقليمية والدولية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
وأكد السيسي – بحسب المتحدث باسم الرئاسة- على مواصلة بلاده لجهودها لتحقيق السلام في الشرق الأوسط على أساس مرجعيات الشرعية الدولية وحل الدولتين، بما يحقق الاستقرار والأمن في المنطقة، ويفتح مجالات أكثر رحابة للتعاون بين شعوب المنطقة، مشيرًا إلى “جهود مصر لإعادة الإعمار في قطاع غزة، فضلًا عن مواصلتها لجهودها ذات الصلة بمنع نشوب حالة التوتر بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي”.
اكتفاء الزيارة بعبارات الود وتصريحات الاحتفاء والكرم وموجة الوعود التي لا تتوقف، دون وضع خطة مجدولة بسقف زمني لتنفيذ الالتزامات المتفق عليها، سيقود المسار إلى جولة جديدة من التسويف
أما المتحدث باسم الخارجية المصرية، أحمد حافظ، فأشار إلى أن اللقاء الذي جمع شكري ولبيد تناول مناقشة عدد من قضايا العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون في المجالات ذات الأولوية للبلدين، مجددًا التأكيد على” موقف مصر الثابت من دعم جهود السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وأهمية العمل على إحياء مسار المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني في أقرب فرصة، سعيًا نحو التوصل إلى تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين”.
وأوضح المتحدث أن القاهرة ستواصل مساعيها وحراكها الدبلوماسي مع كافة الأطراف، الفلسطينية والإسرائيلية وبعض القوى الإقليمية، من أجل التمهيد لتنفيذ الالتزامات السابقة، وخلق مناخ موات لإحياء المسار السياسي المنشود، بعيدًا عن أجواء التصعيد المتبادلة بين الحين والأخر والتي تضر الجميع وليس طرفا دون الأخر.
جولة جديدة من التسويف
تلويح حماس بالتصعيد ضد الاحتلال مرة أخرى، ضاربة بتفاهمات مايو/آيار الماضي عرض الحائط، دفع القاهرة إلى إبلاغ الجانب الإسرائيلي بتقديم تسهيلات سريعة من شأنها تجنيب الولوج في مستنقع الحرب مجددًا، لما تنطوي عليه من مخاطر وتهديدات لجميع الأطراف ومصالح القوى الدولية في المنطقة.
بعض المصادر الإعلامية كشفت عن اشتراطات مصرية قدمتها لاستمرار وساطتها في ملف التهدئة، آبرزها المرونة الإسرائيلية في حركة التجارة مع غزة، وتخفيف حدة الخناق المفروض على سكان القطاع، والتوقف عن سياسة الاستهداف، سواء بالاعتقال أو القتل، في محاولة لتحريك المياه الراكدة في هذا المسار منذ ستة أشهر.
وفي المقابل أبدى الجانب العبري تفهمه لحالة الغضب المصرية جراء التلكؤ في تنفيذ تفاهمات غزة، لكنه ألقى بالكرة مجددًا في ملعب فصائل المقاومة التي تصعد من عملياتها في بعض مناطق القطاع، وفق المصادر ذاتها التي أشارت إلى مهلة إسرائيلية لحين ترتيب البيت الداخلي في ظل التحديات والأزمات التي تواجه الحكومة في تشكيلها الجديد، ما يعني عدم اتخاذ خطوات جادة في ملف الإعمار في القريب العاجل.
ويتفق مع هذا الرأي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس بقطاع غزة، أيمن الرقب، الذي لفت إلى أن الزيارة كانت محددة سلفًا من الجانب الإسرائيلي لمناقشة ملف التهدئة وإعادة الإعمار، وأن القاهرة رحبت بها بهدف الدفع ببقاء الأوضاع في القطاع هادئة دون تسخين، بما يمهد الطريق نحو مناقشة ملفات أخرى مدرجة على ذات الملف الأكبر، مثل تبادل الأسرى وحرية حركة التجارة.
ويصف الخبير الفلسطيني زيارة لبيد بأنها “زيارة استكشافية بالدرجة الأولى” متوقعًا ألا توتي ثمارها على المدى القريب فيما يتعلق بالملف الفلسطيني، مقارنة بملفات تعزيز الشراكة مع القاهرة، مرجعًا ذلك للتعقيدات التي تعيشيها حكومة نفتالي بينيت، وفشل أي من أطرافها (نسبة كبيرة منهم من اليمين المتطرف) في تقديم ما ينبغي من أجل إحياء عملية السلام.
اكتفاء الزيارة بعبارات الود وتصريحات الاحتفاء والكرم وموجة الوعود التي لا تتوقف، دون وضع خطة مجدولة بسقف زمني لتنفيذ الالتزامات المتفق عليها، سيقود المسار إلى جولة جديدة من التسويف، لتوسيع رقعة المكاسب الإسرائيلية المحققة من التزام المقاومة بإطار التهدئة، فهل تعي القاهرة تلك السياسة العبرية التي عانت منها طيلة الأشهر الماضية والتي وضعت مصداقيتها على المحك؟