ترجمة حفصة جودة
كتب: لبنى مصارروة وأندريه بوبوفيسيو
يوم الثلاثاء الماضي؛ افتُتتح الجدار والسياج الذي وصفته “إسرائيل” بأنه الوحيد من نوعه في العالم -بتكلفة 1.1 مليار دولار-، والذي يقع على طول الحدود بين قطاع غزة و”إسرائيل”.
بالنسبة إلى “إسرائيل” فهو حصاد 3 سنوات ونصف من العمل، وهو الأحدث في سلسلة التحصينات والإجراءات الأمنية التي تعزل غزة عن الضفة الغربية وتخنق آمال حلّ الدولتَين.
بالنسبة إلى 2 مليون فلسطيني يعيشون في غزة، نصفهم من الأطفال، فهذا الجدار عالي التقنية يمثّل أكثر من ابتكار أمني وتكنولوجي: إنه تأكيد على أنهم يعيشون في أكبر سجن مفتوح في العالم.
تقول رويدة أمير -معلمة وصحفية-: “ترك الجدار أثرًا نفسيًّا على المواطنين في غزة، خاصة الشباب، إننا نشعر الآن حقًّا كأننا في سجن بهذا الجدار الفولاذي المحيط بنا”.
إليكم ما تحتاجون معرفته عن جدار الإسرائيلي الجديد حول غزة.
تكنولوجيا أمنية ظالمة
يقع الجدار بداية من الحدود المصرية ويحيط بقطاع غزة حتى يبرز في البحر الأبيض المتوسط بطول 65 كيلومترًا، هذا الحاجز الإسرائيلي مزوَّد بأدوات مراقبة، فعشرات الهوائيات ومئات الكاميرات والردارات تقع على هذا الحصن المبني من 140 ألف طن من الحديد والفولاذ.
فوق الأرض، يبرز الحاجز كسياج بارتفاع أكثر من 6 أمتار، يمتدُّ الجدار الفولاذي تحت الأرض أيضًا كما أنه مزوَّد بأجهزة استشعار، وقد رفض المسؤولون الإسرائيليون التعليق على عمق الجدار، لكن يبدو أنه يمتدّ لعدة أمتار تحت الأرض.
يحتوي الجدار على نظام أسلحة يمكن التحكُّم بها عن بُعد، وحاجز بحري بأدوات مراقبة يمكنها أن تكتشف أي توغُّلات في الطريق البحري، حيث قال الجنرال العميد عيران عوفير الذي كُلِّف بقيادة البناء: “إنه واحد من أعقد المشاريع التي بنتها مؤسسة الدفاع على الإطلاق”.
التحصينات المصرية والإسرائيلية
منذ عام 2016، عندما أُعلن عن المشروع لأول مرة، قالت “إسرائيل” إن الأنفاق بين “إسرائيل” وغزة هي السبب الرئيسي وراء بناء هذا الحاجز الجديد، وكان هناك بالفعل تحصينات من سياج وساتر ترابي يحيطان بقطاع غزة، بالإضافة إلى القوات الإسرائيلية على طول الحدود.
الآن مع وجود جدار معدني تحت الأرض، سيكون من الصعب حفر أنفاق لخارج غزة، حيث كانت الأنفاق دائمًا مصدر حياة للفلسطينيين المختنقين من الحصار، ولحركة حماس التي تستخدمه للتهريب وشنّ الهجمات.
قال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس: “هذا الحاجز كمشروع تكنولوجي مبتكر ومتطوِّر يحرم حماس من أحد القدرات التي تحاول تطويرها”.
لم تكن “إسرائيل” الدولة الوحيدة التي فرضت الحصار على غزة منذ عام 2007، بعد أن تولت حماس السلطة في القطاع، فمصر أيضًا فرضت حصارًا ونادرًا ما تسمح بفتح معبر رفح، وفي عام 2020 أنهت مصر سياجًا يمتدُّ 14 كيلومترًا بطول حدودها مع القطاع.
تكشف مشاريع الجدران عن اعتماد “إسرائيل” على الجدران عالية التقنية كجزء من استراتيجيتها الأمنية.
قال الدكتور باسم نعيم، وزير صحة غزة السابق، إن جدار “إسرائيل” الجديد يكشف عن طبيعة عنصرية، والتي تصرّ على تحويل الشعب الفلسطيني إلى مجموعة منفصلة تعيش في سجون مفتوحة ومعزولة عن بعضها.
بالطبع جدار غزة ليس أول جدار إسرائيلي، فالجدار العازل المثير للجدل الذي يمتدُّ بطول 700 كيلومتر بين “إسرائيل” والضفة الغربية، يجمع بين حوائط أسمنتية وأبراج مراقبة وسياج.
بدأ بناء الجدار عام 2002، حيث ادّعت “إسرائيل” أنه ضروري أمنيًّا، وهو يمتد في عمق الأراضي الفلسطينية، وكثيرًا ما يمنع الفلسطينيين من الوصول إلى أملاكهم ويمنعهم من دخول القدس.
قال أحمد أبو أرتيمة، مؤسِّس حركة مسيرة العودة الكبرى، التي نظمت احتجاجات ضخمة على طول حدود غزة عام 2018، يطالبون فيها بحقّ عودة اللاجئين الفلسطينيين وإنهاء الاحتلال؛ إن عنف القمع الإسرائيلي للمحتجّين قتل أكثر من 250 شخصًا وجرح الآلاف.
وأضاف: “تقدِّم الدولة المحتلة ادّعاءات أمنية لتبرير بناء الجدار تمامًا مثلما بررت بناء جدار الضفة الغربية عام 2002، لكن الخطأ الذي تصرّ “إسرائيل” على تكراره هو أنها تتعامل مع القضية الفلسطينية كقضية أمنية وتتجاهل جذور المشكلة”.
مكملًا: “هذا التجاهل لن يكون في صالحها أبدًا على المستوى الاستراتيجي، ما دامت جذور المشكلة كما هي وما دامت تنكر حق شعب كامل في الحرية والتحرر، شعب سيظل عازمًا على تحقيق الحرية”.
تخطِّط “إسرائيل” أيضًا لبدء بناء سياج على حدودها مع لبنان العام القادم، إضافة إلى سياج موجود بالفعل منذ عام 1970، وتكشف مشاريع الجدران عن اعتماد “إسرائيل” على الجدران عالية التقنية كجزء من استراتيجيتها الأمنية.
تحت الحصار
تنبّأت الأمم المتحدة عام 2012 بأن غزة ستكون غير قابلة للعيش فيها بحلول عام 2020، ويقول الفلسطينيون إن الحاجز الجديد يتسبّب فقط في زيادة الأوضاع سوءًا.
يعيش سكان غزة حياة غير مستقرة، مع قليل من الوصول إلى مياه الشرب النظيفة، ونقص حادّ في الكهرباء، كما أن الرعاية الصحية ونظام التعليم غير مناسبَين.
يشرب حوالي 97% من سكان غزة مياهًا ملوثة، ويضطر السكان إلى العيش مع انقطاع مستمر للتيار الكهربائي بسبب شبكة الكهرباء المتضررة بشدة، هذه الظروف المروعة خلقت وباءً في الصحة النفسية وأدت إلى ارتفاع معدلات الانتحار في قطاع غزة.
وفقًا للأونروا -وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين-، فإن سنوات الصراع والحصار تسبّبت في اعتماد 80% من سكان القطاع على المساعدات الدولية.
تقول أمير: “كنا نسمع أحيانًا عن الجهود المبذولة ليصبح وصولنا إلى العالم ممكنًا، لكن هذا الجدار يهدف إلى بقائنا في هذا السجن، الهدف منه قتل أي أمل في الحياة وعزلنا عن بقية العالم والضفة الغربية، بدلًا من العثور على حلول للحصار فقد أصبح حصارًا دائمًا، لكن “إسرائيل” لن تكون قادرة على دفن غزة خلف هذا الجدار”.
المصدر: ميدل إيست آي