وصلَ رئيس وزراء “إسرائيل”، نفتالي بينيت، إلى الإمارات، في زيارة هي الأولى والأرفع لمسؤول عبري لأي من الدول الأربع (الإمارات – البحرين – المغرب – السودان) الموقِّعة اتفاقات سلام مع دولة الاحتلال العام الماضي، فيما تعدّ تتويجًا لزيارة وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، أواخر يونيو/ حزيران الماضي، والتي شهدت تدشين أول سفارة للدولة العبرية في الخليج.
الزيارة التي وصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي بـ”التاريخية”، تهدف إلى تعميق التعاون بين البلدَين في كافة المجالات، حسبما غرّد بينيت قبيل استقلاله طائرته من مطار بن غوريون للتوجُّه إلى أبوظبي عبر الأجواء السعودية، واصفًا العلاقة بين بلاده والإمارات بالممتازة والشاملة، مضيفًا: “وعلينا مواصلة رعايتها وتعزيزها وبناء سلام دافئ بين الشعبَين”.
سياسيًّا، ربما لم تقدِّم الزيارة الجديد في مسار العلاقات الدافئة بين أبوظبي وتل أبيب، والتي تحيا حالة من الحميمية غير المسبوقة في أي مستوى علاقات ثنائية بين بُلدان المنطقة، غير أن تزامنها مع الحراك الدبلوماسي الذي تقوم به الدولة الخليجية إزاء بعض الملفات والقوى الإقليمية، وفي المقدمة منها إيران، منحها زخمًا وأهمية يضافان إلى بُعد تعزيز الشراكة وسبل التعاون الشامل.
بالفيديو وقائع وصول رئيس الوزراء نفتالي بينيت الى ابو ظبي في اول زيارة رسمية للإمارات تجسيدا لاتفاق السلام حيث كان في استقباله وزير خارجية الإمارات @ABZayed واستعرضا حرس الشرف. هذا وجه الشرق الاوسط الجديد pic.twitter.com/LxunfXS9wb
— إسرائيل بالعربية (@IsraelArabic) December 12, 2021
تعزيز الشراكة
تتطلع الإمارات و”إسرائيل” إلى جني ثمار التطبيع وتحقيق أرباح سريعة من خلال تلك الزيارة التي من الواضح أنها لن تكون الأخيرة، إذ كشفت قناة “كان” الإسرائيلية أن ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، قد دعا أيضًا رئيس دولة الاحتلال، إسحاق هرتسوغ، لزيارة بلاده، في توجُّه حميمي يبدو أنه سيفرض نفسه على الأجواء خلال المرحلة المقبلة.
وقد وقّع البلدان عشرات الاتفاقيات الثنائية منذ اتفاق التطبيع الموقّع في سبتمبر/ أيلول 2020، فيما يرى مراقبون أن الاقتصاد كان على رأس دوافع التقارُب بين الدولتَين، لا سيما أن التفاهمات الاقتصادية بينهما كانت تسير على قدم وساق من تحت الطاولة، قبيل إبرام اتفاق أبراهام الذي نقلَ التعاون من الخفاء إلى العلن.
وتعكس الأرقام الرسمية الخاصة بمنسوب وحجم التعاون الاقتصادي بين أبوظبي وتل أبيب، القفزات السريعة التي تخطوها حكومتا البلدَين لتعزيز الشراكة الشاملة في أقرب وقت ممكن، حيث ارتفعت قيمة الصادرات الإسرائيلية للإمارات إلى 500 مليون دولار بعد عام واحد فقط من التطبيع، مقارنة بـ 300 ألف دولار قبل 15 سبتمبر/ أيلول 2020.
تأتي زيارة اليوم الواحد التي قام بها بينيت للضغط على الجانب الإماراتي لإبطاء خطوات التقارب بين أبوظبي وطهران، في وقت يشهد فيه الملف النووي الإيراني تعقيدًا ملموسًا.
ويقدَّر حجم الاستثمارات الإماراتية التي من المفترض أن تُضَخّ مباشرة إلى السوق الإسرائيلية بنحو 350 مليون دولار سنويًّا، بحسب وزارة الاقتصاد الإسرائيلية التي أوضحت أن القطاعات الاقتصادية المباشرة التي ستستفيد من المال الإماراتي تشمل المجالات الإلكترونية والسيبرانية، والمعدات الطبية، والتكنولوجيا المالية (التقنيات المالية) والاتصالات.
وفي السياق ذاته، تشير التقديرات إلى بلوغ قيمة التبادُل التجاري بين البلدَين أكثر من 3.5 مليار درهم (نحو 950 مليون دولار) خلال عام منذ التوقيع على اتفاق التطبيع، ويتوقع أن ترتفع تلك القيمة بما يتجاوز مليار دولار للعام الجاري، و3 مليارات دولار في غضون 3 سنوات، حسب توقعات مجلس الأعمال الإماراتي الإسرائيلي الذي يضمُّ أكثر من 4000 رجل أعمال من البلدَين.
يُذكر أن البلدَين كانا قد تعرّضا لهزّة اقتصادية كبيرة خلال العامَين الماضيَين، جرّاء وباء كورونا المستجد الذي ألقى بظلاله القاتمة على الاقتصاد العالمي برمّته، ومن ثم تسعى تلك الزيارة لترميم ما يمكن من الشروخات التي أحدثتها الجائحة على جدران البلدَين الاقتصادية، وذلك عبر تعزيز الشراكة وتوسيع مجالات التعاون.
حدث تاريخي في أبوظبي: رئيس الوزراء نفتالي بينيت هبط في مطار أبوظبي للقيام بزيارة رسمية أولى لزعيم إسرائيلي إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. وتم استقباله من قبل وزير الخارجية الإماراتي سمو الشيخ عبدالله بن زايد بحضور حرس شرف وأعلام إسرائيل والإمارات. pic.twitter.com/5LTtvREwGC
— رئيس وزراء دولة إسرائيل (@Israelipm_ar) December 12, 2021
محور أساسي
كان التقارب الإماراتي الإيراني الملحوظ في الآونة الأخيرة حاضرًا وبقوة على قائمة محفّزات الزيارة ودوافعها الرئيسية، حيث شهدت الأيام الماضية حراكًا دبلوماسيًّا كبيرًا بين أبوظبي وطهران، من اتصالات على مستوى كبار القادة، وتبادل الزيارات الرسمية، كان آخرها زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي، طحنون بن زايد، لإيران، ودعوة الرئيس إبراهيم رئيسي لزيارة الإمارات.
هذا التقارب أثار قلق وحفيظة الجانب الإسرائيلي، حتى إن لم يتمَّ الإعلان عن ذلك رسميًّا، غير أن بعض وسائل الإعلام العبرية تطرّقت إلى هذه المسألة بشيء من الترقُّب، فتحْت عنوان “هل ينبغي لـ”إسرائيل” أن تقلق من دفء العلاقات الإماراتية-الإيرانية؟”، تساءلت صحيفة “جيروزاليم بوست” تعليقًا على لقاء مستشار الأمن القومي الإماراتي وسكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، في العاصمة طهران، وهو الأول منذ عام 2016.
وردًّا من الجانب الإسرائيلي على هذا الحراك الدبلوماسي بين الإمارات وإيران، كشفت صحيفة “إسرائيل اليوم” عن رفض تل أبيب بيع دفاعات صاروخية للإمارات بسبب صلاتها بإيران، غير أنها أشارت إلى أنه من الممكن الآن مراجعة هذا القرار وإعادة النظر في مسألة تزويد الجانب الإماراتي بالأسلحة المطلوبة، كأحد المغريات لإبعاد الدولة الخليجية عن التقارب مع طهران.
وكانت الصحيفة قد أوضحت أن “رغبة الإمارات في بطاريات دفاع جوي متقدمة طوّرتها “إسرائيل”، ولا سيما “القبة الحديدية” و”العصا السحرية”، بدأت قبل اتفاقات التطبيع”، لافتة إلى أن “دول أخرى لا توجد لها اتفاقات مع “إسرائيل”، مثل السعودية، أعربت أيضًا عن اهتمامها الشديد بصفقة أمنية كهذه، انطلاقًا من الفهم بأن التهديد الإيراني يتعلق بكل الأطراف”.
وألمحت إلى ضغوط قوية تمارسها الإمارات على “إسرائيل” منذ توقيع اتفاق التطبيع، غير أن الرفض كان جواب الحكومة الإسرائيلية على هذا الطلب، وقد أرجعت الصحيفة العبرية هذا الرفض إلى البُعد الأمني، إذ إن التقارب الواضح بين أبوظبي وطهران وتبادل الزيارات بينهما قد يمكّن الجانب الإيراني من الاستفادة من تلك الأسلحة، الأمر الذي يفقد تل أبيب تفوُّقها العسكري على إيران في هذا الشأن.
وعليه تأتي زيارة اليوم الواحد التي قامَ بها بينيت للضغط على الجانب الإماراتي لإبطاء خطوات هذا التقارب، في وقت يشهد فيه الملف النووي الإيراني تعقيدًا ملموسًا في ظل تمسُّك الجانب الإيراني بمطالبه الخاصة بإلغاء العقوبات كشرط أولي قبيل الانخراط في اتفاق جديد، على هامش مؤتمر فيينا الحالي.
القراءة الأولية للعام الأول من اتفاق أبراهام تذهب إلى أن “إسرائيل” هي المستفيد الأول -وربما الوحيد- من هذا التطور، وأن خطوة التطبيع كانت مجّانية وعلى طبق من ذهب لتنفيذ المخطط الإسرائيلي الرامي إلى التغلغُل داخل مفاصل الاقتصاد والمجتمع العربي، لا سيما الخليجي صاحب الإغراءات الاقتصادية الواعدة، هذا في الوقت الذي لم تُلقِ فيه تل أبيب بالًا لمصالح الدول المطبِّعة معها.
فبينما فتحَت أبوظبي خزائنها أمام “إسرائيل”، إذ بالأخيرة تعرقل أحلام الدولة الخليجية في تعزيز ترسانتها التسليحية، في معادلة تكشف الكثير عن موقف “إسرائيل” من هذا الاتفاق بعيدًا عن تصريحات الشراكة والتنمية المستدامة التي ترفعها حكومتا البلدَين لتخدير الرأي العام.