ترجمة وتحرير: نون بوست
في الأشهر الأربعة التي أعقبت استيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان، تدهور وضع عائلة زهرة (46 سنة) سريعا بعد أن خسر زوجها وظيفته، وأصبحت العائلة تعاني الفقر المدقع، وينام الأطفال جِياعا بسبب عدم توفر المال لشراء الطعام.
تضطر العائلة إلى الوقوف في طابور طويل من أجل الحصول على الطعام عند توزيع المواد الغذائية في العاصمة الأفغانية، وهي من بين ملايين العائلات التي تدهورت أوضاعها بعد سيطرة طالبان على البلاد ورحيل المانحين الأجانب.
تقول زهرة لصحيفة “التلغراف” إن “الحياة أصبحت لا تُطاق حاليا، لديّ خمسة أطفال وليس لديهم ما يأكلونه أو يلبسونه”. خسر زوجها وظيفته عندما غادرت القوات الأجنبية البلاد وأصبح عاطلا عن العمل. تضيف زهرة: “لقد نمنا معظم الليالي جياعا. نحن نمر بأسوأ الظروف هذه الأيام”.
ويقدر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة أن أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 40 مليون نسمة غير قادرين على تأمين حاجياتهم اليومية من الغذاء. ويعتبر الأطفال الفئة الأكثر تضررا، حيث يعاني أكثر من ثلاثة ملايين طفل من سوء التغذية، وأكثر من مليون طفل معرضون لخطر الموت بسبب الجوع.
في الواقع، ساهم الجفاف والإغلاق الناجم عن تفشي وباء كوفيد-19 والصراع في تفاقم الأزمة، لكن الوضع تدهور بشكل كبير في الأشهر الأخيرة مع انسحاب الدعم الأجنبي إثر سقوط حكومة أشرف غني.
خسرت أفغانستان التي كانت تعتمد على المساعدات الخارجية على امتداد العقدين الماضيين، دعم المانحين الذين أعربوا عن عدم رغبتهم في منح أموالهم في ظل نظام طالبان الجديد.
أدى النصر المفاجئ الذي حققته حركة طالبان في شهر آب/ أغسطس إلى إنهاء حرب طويلة الأمد، لكنه تسبب في أزمة اقتصادية خانقة. أصبحت العائلات الأفغانية التي كانت تخشى سابقا في مثل هذه الفترة السنة الهجمات والمعارك بين الحكومة وطالبان، تخاف حاليا من الجوع والمجاعة. يقول أفغاني فضّل عدم الكشف عن اسمه: “كنا نمتلك وظائف، ولكن الأمن لم يكن مستتبا. أما الآن فإننا نعيش في أمن، لكننا عاطلون عن العمل”.
يقول مسؤولون دوليون إن الوضع الحالي لا ينطبق عليه التعريف العالمي للمجاعة، لكنه يسير بهذا الاتجاه. استنزفت العائلات مدخراتها الشحيحة واضطرت إلى بيع ممتلكاتها أو الاقتراض لتوفير احتياجاتها من الغذاء، وبمجرد أن تنفذ هذه الموارد، لن يتبقى لهم شيء لتوفير الطعام.
خيارات صعبة
يتعين على العائلات اتخاذ قرارات صعبة. في وقت سابق من هذا الأسبوع، قالت منظمة “أنقذوا الأطفال” الخيرية في المملكة المتحدة، إن زوجين أفغانيين قررا التخلي عن طفلهما حتى يتمكنا من إطعام توأمه. تقول الأم: “لا نملك شيئا، كيف يمكنني الاعتناء بهما معا؟ لقد عانيت الأمريّن. وقد كان قرار الفصل بينهما صعبا للغاية، أكثر مما تتخيل”.
يعتبر الأطفال الفئة الأكثر ضعفا في المجتمع وأول من يتأثر بالأزمات. يقول الأطباء إن عدد الرضع والأطفال المصابين بسوء التغذية يتزايد في مستشفى قرية شاريكار التي تبعد ساعة بالسيارة شمال كابول.
ويؤكد المدير الطبي للمستشفى، خليل حيدري، أنه منذ سيطرة حركة طالبان على البلاد، لم يعد الأطباء والممرضون يتعاملون مع ضحايا الطلقات النارية والإصابات الناتجة عن الانفجارات، بل أصبحوا يتعاملون مع حالات سوء التغذية المنتشرة بين الأطفال، التي ارتفعت بنسبة تتراوح بين 30 إلى 40 بالمئة.
ويتوقع حيدري أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه حاليا، فإن التحسن في معدلات وفيات الرضع الذي شهدته البلاد على مدار العشرين سنة الماضية سوف يأخذ مسارا معاكسا، ويوضح قائلا: “إذا استمرت الأمور على هذا النحو، أعتقد أن الأوضاع ستسوء للغاية. إذا لم يتغير أداء الحكومة فإن مستقبل البلاد لن يكون مشرقا”.
في الواقع، لا تزال المنتجات الغذائية متوفرة في المحلات التجارية والأسواق، لكن التدهور الاقتصادي والشلل الذي أصاب القطاع المصرفي أضعف القدرة الشرائية للأفغان وجعلهم غير قادرين على تحمل تكاليف شراء احتياجاتهم من الطعام.
كان مئات الآلاف من الأفغان يعتمدون على الوظائف الحكومية في ظل حكومة أشرف غني، فضلا عن الرواتب التي كان يدفعها المانحون الدوليون، لكن كل ذلك توقف فورا عندما استولت طالبان على الحكم.
فُرضت العقوبات على البلاد وتم تجميد 9 مليارات دولار من الاحتياطات الأجنبية، بالإضافة إلى تعطل المبادلات التجارية وتراجع قيمة العملة المحلية وارتفاع تكلفة المواد الغذائية الأساسية.
المجتمع الدولي مصمم على عدم استئناف المساعدات
يقول مسؤولون في كابول إن الولايات المتحدة تبدو مصممة على عدم استئناف المساعدات الموجهة للحكومة أو رفع العقوبات، لأنها بذلك ستدعم نظام طالبان الذي له صلات بتنظيم القاعدة ويمنع التحاق الفتيات بالمدارس الثانوية في العديد من المقاطعات.
يقول مسؤول كبير في إحدى وكالات الإغاثة إنهم “يطلبون من السكان دفع ثمن باهظ من أجل حماية حقوق الإنسان”. وقد وصف مسؤول آخر النهج الأمريكي بأنه “سياسة انتقام”، عمّا تعتبره إذلالا لها على يد طالبان.
دافعت المملكة المتحدة والعديد من الدول الأوروبية – دون جدوى – عمّا تقول إنه نهج أكثر براغماتية للتعامل مع حركة طالبان، مؤكدةً أن عزل حكام البلاد الجدد لن يؤدي إلا إلى مزيد من التطرف وتدهور الوضع الإنساني ونزوح اللاجئين.
في الأثناء، تقوم وكالات الإغاثة بتوزيع المواد الغذائية الأساسية على السكان، بينما تكافح لدفع بعض الرواتب الحكومية لتجنب أسوأ السيناريوهات. وحذّرت عدة وكالات إغاثة تعمل في البلاد في رسالة مفتوحة، خلال الأسبوع الماضي، إن العقوبات ستقتل الأفغان أكثر من الحرب.
وقد في ورد في الرسالة الآتي: “لا أحد يريد تمويل نظام طالبان، لكن الامتثال المفرط من البنوك للعقوبات يقتل المدنيين الأفغان بمعدل أعلى بكثير مما فعلته حركة طالبان، وتنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان، وأمراء الحرب، والحكومات السابقة، والقوات العسكرية الدولية في السنوات العشرين الماضية”.
ويبدو أن طالبان من جهتها لا ترغب في تقديم أي تنازلات قد تسمح بالتوصل إلى حلّ وسط، بينما يطالب قادة النظام ببساطة بإلغاء تجميد أصول أفغانستان ورفع العقوبات.
عندما أجرت صحيفة التلغراف مقابلات مع بعض الأشخاص من الحشود الذين حاولوا تدوين أسمائهم للحصول على المساعدات في شاريكار، زعم مقاتلو حفظ النظام أن المحنة التي ألمّت بالناس ليست ذنبهم. وأوضح أحد القادة: “إذا قدمت تقريرًا عن هذا الأمر فإنه سيترك انطباعًا سلبيًا. لكن هذا ليس ذنبنا. إن الفقر منتشر من قبل، حيث سرقت الحكومة كل الأموال والآن قام الأجانب بتجميد المساعدات”.
إن الانهيار على مستوى وطني. في مدينة هرات الغربية، بالقرب من الحدود مع إيران، أدى الجفاف الشديد خلال السنوات الثلاث الماضية والمعارك إلى تدمير العديد من سبل العيش، حتى قبل وصول طالبان إلى السلطة. كما أن الثلوج التي تساقطت على الجبال هذا الشتاء طبقتها رقيقة ومنسوب مياه الأنهار منخفض.
يكسب عبد الباري وإخوته الثلاثة 1.50 جنيهًا إسترلينيًا كل يوم من جمع القمامة بجوار المقبرة، حيث يتجمع مدمنو المخدرات. اضطرت عائلته إلى مغادرة منزلها الريفي في بادغيس قبل عامين للعثور على عمل في هرات. يقول عبد الباري إنه يبلغ من العمر 20 سنة، لكنه يبدو أصغر من ذلك بكثير، ويؤكد أن سوء التغذية جعله يعاني من التقزم: “عندما لا يكون لديك طعام تأكله، تبدو كطفل”. ويضيف عبد الباري أنه أصبح من الصعب العثور على عمل في الأشهر الثلاثة الماضية.
في منطقة غوريان، غربي هرات، تقول زرافشان، وهي تقف في طابور للحصول على الطحين والملح والبازلاء والزيت من برنامج الأغذية العالمي، إنها اعتمدت حتى الآن على اقتراض المال من أبناء عمومتها لإطعام عائلتها. كان زوجها يعمل في إيران، لكنه أصيب بكسر في قدمه في موقع بناء وأصبح عاطلاً عن العمل، لذلك اضطرت إلى إطعام أطفالها الشاي والخبز، مع إضافة الفجل إذا كان متوفرا. وتضيف: “نحن لا نعيش، نحاول فقط أن نضع شيئًا في بطوننا”.
المصدر: صحيفة التلغراف