حين وقّعت السعودية ودول الحصار اتفاقية المصالحة مع قطر على هامش قمة العلا في يناير/ كانون الثاني الماضي، توقّع البعض أن مسألة الإفراج عن معتقلي الرأي من علماء المملكة وأكاديميها، ممّن زُجَّ بهم في السجون على خلفية تغريدات لهم عن حصار دولة عربية شقيقة، باتت مسألة وقت.
ثم جاءت زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، للدوحة، في الثامن من الشهر الجاري، ليسدل الستار بصورة لا تقبل التأويل على الأزمة الخليجية التي اندلعت عام 2017، ليرتفع معها منسوب التفاؤل لدى أهالي وذوي المعتقلين، إذ انتفت أسباب الاعتقال بالمصالحة التي تمّت، وتعززت بزيارة ولي العهد، غير أن الوضع لم يتغير بعد.
حملة إلكترونية دشّنها حقوقيون وأهالي المعتقلين للإفراج عن ذويهم، بعد سقوط وبُطلان الحجّة التي اعتقلوا على إثرها وإتمام المصالحة وتبادل الزيارات بين قادة البلدَين، فيما فرضت العديد من علامات الاستفهام نفسها أمام هذا الإصرار غير المفهوم على بقائهم داخل المعتقلات رغم انتهاء الأزمة برمّتها، وهو ما يشير إلى أن هناك أسبابًا أخرى -غير حصار قطر- وراء اعتقالهم.
آمين#سلمان_العودة https://t.co/t6eVn4DeHW pic.twitter.com/1raqbD16B6
— د. عبدالله العودة (@aalodah) December 8, 2021
أطلقوا منتقدي حصار قطر
منذ إنهاء الأزمة مطلع العام الجاري، لم يترك الناشطون على منصات التواصل الاجتماعي فرصة إلا واغتنموها من أجل المطالبة بالإفراج عن المعتقلين على خلفية الحصار الخليجي لقطر، وكانت زيارة ولي العهد الأخيرة للدوحة واحدة من الفرص التي اعتبرها البعض ملائمة لمزيد من الإلحاح والضغط الإعلامي والسياسي على السلطات السعودية في هذا الملف.
وتحت عنوان #أطلقوا_منتقدي_حصار_قطر، أطلق النشطاء وسمًا تزامنًا مع تلك الزيارة، مذكّرين من خلاله بكواليس وخلفيات أسباب الاعتقال وانتفائها في الوقت ذاته، مشددين على أن بقاءهم في السجون جريمة إنسانية تفتقد لأبجديات العدالة، لا سيما أن المحاكمات جاءت مخالفة شكلًا ومضمونًا للقوانين الدولية التي تحترم حرية الرأي والتعبير.
وكان من أبرز الأسماء التي فرضت نفسها على قائمة التغريدات والمطالب بإطلاق سراحها الداعية سلمان العودة، صاحب الدعوة الشهيرة إبّان فرض الحصار على قطر: “اللهم ألف بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم”، والتي اعتقل على إثرها، بجانب آخرين أبرزهم رئيس قسم الرصد سابقًا بصحيفة “تواصل” الإلكترونية سامي الثبيتي، والكاتب الصحفي خالد العلكمي، والمغرد أبو محمد البناخي، والمنشد ربيع حافظ والداعية عبد العزيز الفوزان.
بدوره، طالب حزب التجمع الوطني السعودي “المعارض”، سلطات المملكة بحلّ ملف كل من نالته آثار الأزمة والحصار على قطر، مؤكدًا في بيان له الخميس 9 ديسمبر/ كانون الأول الجاري على ضرورة البدء برموز الإصلاح والفكر بالسعودية، وعلى رأسهم سلمان العودة وزملائه والمغردين والمغردات الذين أخذوا بجريرة مطالبات الإصلاح.
وأوضح الحزب في بيانه المنشور على حسابه على تويتر، أن أزمة حصار قطر ساهمت في تشريد عوائل وأسر لمفكرين وأساتذة وأكاديميين وعلماء وناشطين ومغرّدين، “لمجرد موقف تصالحي وإنساني من الأزمة الخليجية التي قرر من بدأها أن ينهيها بسبب الضغط الدولي والحرج السياسي”، مذكرًا في الوقت ذاته بتبعات تلك الحملة التي وصفها بـ”غير الأخلاقية”، والتي راح ضحيتها الشعوب في الخليج بسبب “مغامرات سياسية سعت إلى تدمير العلاقات بين الشعوب”.
ويرى الحزب أن “الخطوة الأولى للإصلاح الحقيقي تبدأ بتفريغ السجون من جميع معتقلي الرأي والمعتقلين تعسفيًّا، بالإضافة إلى إلغاء أوامر منع السفر الجائرة وإنهاء الممارسات الانتقامية من أبناء الشعب واستهداف الأسر”، مضيفًا أن “اعتقال أو تقييد أي إنسان لمجرد رأيه انتهاك لحقوقه الأساسية وتهديد لأمن الشعب وقمع لخياراته، كما أنه دليل على عدم قبول السلطة لرأي الشعب كشريك في الوطن من حقه أن يمارس دوره دون خوف من السلطات وأجهزتها القمعية”.
بيان #حزب_التجمع_الوطني ( #ناس ) : أطلقوا ضحايا الأزمة الخليجية#من_أجل_وطن_ديمقراطي pic.twitter.com/RHefWwLVdk
— حزب التجمع الوطني (@The_NAAS) December 9, 2021
لماذا الإصرار على اعتقالهم؟
الإصرار على الإبقاء على المعتقلين في السجون، رغم انتفاء الأسباب المعلنة لاعتقالهم قبل أكثر من 3 سنوات، يثير الشكوك حول دوافع الاعتقال وأهدافها الحقيقية بعيدًا عن مسألة التعبير عن الرأي بخصوص أزمة عابرة، انتهت مسبّباتها وطويت صفحتها باتفاق تمَّ توقيعه وتبادل للزيارات بين قادة أطرافها.
بات من الواضح أن المسألة انتقامية أكثر منها سياسية، ورسالة يودّ ولي العهد توصيلها للجميع أن مجرد التغريد خارج السرب، ولو بتغريدة، حتى إن عاود هذا التغريد أوتار السرب مرة أخرى فإن ذلك بمثابة جريمة لا تغتفر، إذ إن الأمير هو صاحب الرأي الأصوب الذي لا بد من السير خلفه، يمينًا كان أو يسارًا.
الغرور الذي تملّك الأمير الشاب الطامع في خلافة والده على عرش المملكة، جعل من مجرد التحفظ على رأي ما له، حتى لو ثبت خطأه مستقبلًا، مسارًا لا يجب أن يسلكه أحد، حتى لا يكون طريقًا يرتاده أخرون لاحقًا، فالجريمة هنا ليست في الرأي المعبَّر عنه لكنها في فكرة التعبير عن الرأي في حد ذاتها.
الإفراج عن معتقلي حصار قطر ربما يفتح النار على السلطات السعودية، التي ستكون بذلك اعترفت ضمنيًّا بخطأها في اعتقال أناس ثبت صدق حدسهم ورجاحة رأيهم بعد 3 سنوات ونصف من اعتقالهم، هذا بخلاف القلق من فضح الانتهاكات التي كان يتعرض لها المعتقلون في الداخل عبر شهاداتهم بعد خروجهم، خاصة أنه من المتوقع أن يكون الرحيل عن البلاد أول خطوة عقب إطلاق سراحهم، ومن ثم تكون هناك مساحة أكبر من الحرية للتعبير عمّا كانوا يواجهونه في الداخل، ما يزيد من حالة الاحتقان الحقوقي الدولي إزاء المملكة وسجلّها المشين.
ما دام النظام السعودي والقطري قد تصالحوا بل وحصل تبادل زيارات واستقبالات رفيعة المستوى لماذا لا يزال منتقدين الحصار والحرب الاعلامية والمتضامنين مع قطر ودعاة الحوار في السجن ؟ كانت المصالحة والحوار مطلبهم ولا مبرر لاستمرار اعتقالهم .#اطلقوا_منتقدي_حصار_قطر
— Abdullah Omar #JusticeForJamal (@abdallahOmarsa) December 9, 2021
عودة للقرون الوسطى
تفاعلَ مع الحملة المئات من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، ممّن وجّهوا سهام نقدهم إلى سياسات ولي العهد التي وصفوها بأنها تسعى لمغازلة الخارج على حساب الداخل، وأنه -ابن سلمان- يفكّر في إرضاء الجميع إلا شعبه الذي يدفع ثمن توجُّهاته الخاطئة على كافة المستويات.
بعض النشطاء ذكروا أن عدد المعتقلين في السجون السعودية تجاوز 64 ألف معتقل (لا يوجد إحصاء رسمي لعددهم الحقيقي)، وأن ظروف حبسهم تتنافى ومبادئ الإنسانية، في خطوات انتقامية تمارسها السلطات السعودية بحقّ معارضيها، أيًّا كانت طبيعة المعارضة، حتى لو بالصمت عن العزف المنفرد على أوتار سياسات الأمير الشاب النهضوية التي تقود المملكة إلى آفاق رحبة من التنمية والرخاء.
آخرون شبّهوا ظروف سجن بعض المعتقلين داخل السجون السعودية بعصور أوروبا المظلمة في القرون الوسطى، حيث التفرقة العنصرية بين فريقَين، الأول وهو الموالي للنظام حيث النعيم والامتيازات التي لا حدود لها، والآخر المعارض الذي يدفع الثمن غاليًا من كرامته وحياته بل أسرته إن لزم الأمر.
تصالح مع شعبك أيها الدب الداشر خذ الشرعيه من الشعب قبل الدول الاخرى لو تلف العالم تبي شرعيه وانت لم تتصالح مع الشعب مستحيل تاخذ شرعيه شوف الملك عبدالله اول مااخذ الحكم تصالح مع الشعب خاصه العلماء الي كانوا بالسجن بعهد الملك فهد اطلق سراحهم#اطلقوا_منتقدي_حصار_قطر
— ،?S (@Salm66926738) December 9, 2021
فيما غرّد أحد النشطاء موجّهًا رسالته لولي العهد السعودي، قائلًا: “تصالح مع شعبك.. خذ الشرعية من الشعب قبل الدول الأخرى، لو تلف العالم تبي شرعية وأنت لم تتصالح مع الشعب مستحيل تأخذ شرعية، شوف الملك عبدالله أول ما أخذ الحكم تصالح مع الشعب خاصة العلماء بالسجون في عهد الملك فهد وأطلق سراحهم”، وفق تعبيره.
أنّات لم تقلق مسامع الجلادين، وحناجر بُحّت من الصراخ لم توقظ الضمائر الميتة، وبكاء أطفال ودمعات أرامل لم تحرك ساكنًا لدى سلطة لم ترَ سوى بعين واحدة، ولم تسمع سوى بأذن واحدة، لتمارس في القرن الحادي والعشرين انتهاكات القرون الظلامية المقيتة، التي طوتها مئات السنين.