ترجمة وتحرير: نون بوست
يقول مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة “ميتا” المعروفة سابقاً باسم “فيسبوك”، إن “ميتافيرس” هو المكان الذي سنتمكن فيه من التواصل مع العائلة والأصدقاء، والتعبير عن أنفسنا “بطرق جديدة ومبهجة وافتراضية تماما”.
على مدار أسبوعين، غامرت بدخول منصته الافتراضية، وقمت باستعارة “أوكولوس كويست تو” من “ميتا”، فوجدت نفسي مع أشخاص في مجموعة من المواقع الافتراضية، بما في ذلك حفلة موسيقية وكنيسة ومؤتمر وفعالية للمواعدة السريعة.
وجدت أن رؤيته لم تكن سوى جزء من الحقيقة، فلا شك أن التواصل مع الآخرين في الواقع الافتراضي أمر ممتع ومثير، لكنه في الآن ذاته مرهق ومربك في كثير من الأحيان. كما كان دخولي كامرأة مزعجًا للغاية في بعض الأحيان.
قد قمت بزيارة تطبيقات الواقع الافتراضي الاجتماعي التي تستضيف مئات الأشخاص، وأحيانًا آلافا كل يوم. ويوم الخميس الماضي، سمحت “ميتا” بالوصول إلى منصتها الاجتماعية للواقع الافتراضي “هورايزن وورلدز” لأي شخص في الولايات المتحدة أو كندا يزيد عمره عن 18 سنة. لكن عندما زرت المنصة، وجدتها تعج بالأطفال. كان استنتاجي أن العديد من التحديات التي واجهها زوكربيرغ على صعيد وسائل التواصل الاجتماعي، مثل منع الأطفال ومراقبة المضايقات، قد تطارده في “ميتافيرس” أيضا.
كيف يبدو الواقع الافتراضي الاجتماعي؟
تخيل ألعاب الانترنت في غرف الدردشة التقليدية: فوضوية وغالبا ما يهيمن عليها الرجال، هذا هو حال “ميتافيرس”. هناك المتصيدون والأطفال المزعجون، وعلى الرغم من أن معظم الأشخاص يتسمون بحسن التصرف بشكل عام ومتحمسون للتجربة الجديدة، إلا أنه يبدو أن التدابير المعمول بها لمنع السلوك السيء غير كافية، عدا عن بعض الإرشادات السريعة عند الدخول، والإعدادات التي تتيح لك حظر المستخدمين المزعجين.
في أول زيارة لي إلى “هورايزن فينيوس” لخوض التجربة، اخترت صورة رمزية مشابهة لمظهري الحقيقي: شعر بني أملس وسترة وجينز، وبعد ذلك تم نقلي إلى منطقة الردهة الرئيسية، وهي غرفة واسعة بها شجرة في المنتصف، لكنني وجدت نفسي المرأة الوحيدة بين عشرات الرجال. كنا جميعا شخصيات رمزية ذات مظهر كارتوني بلا أرجل، وكان البعض يرتدي سترات من الجلد.
في غضون لحظات، فوجئت بصوت عميق في أذني، كما لو كان شخص ما يهمس قائلا: “مهلا، كيف حالك؟” تم تكبير أحد الصور الرمزية إلى مسافة قريبة مني، ثم طاف بعيدا، وكنت مذهولة تماما. بدأت مجموعة صغيرة من الرجال الرمزيين الالتفاف حولي، والتزموا الصمت.
بينما كنت أتحدث مع رجل من “إسرائيل” يُدعى إيران كان يُريني كيفية القفز، بدأ العديد من الأشخاص بمد أصبع الإبهام والسبابة، وشكلوا إطارا. ظهرت صور رقمية من “الأفاتار” الخاص بي بين أيديهم، وبدؤوا بتسليم الصور إليّ واحدا تلو الآخر. كانت التجربة محرجة وشعرت بالتوتر.
قال رجل يرتدي حلة زرقاء زاهية اللون بلهجة لندنية: “اطرديهم بعيدا”. رغم المحاولات العديدة للتخلص من الصور، ظلت ملتصقة بيدي الرقمية كالتصاق الذباب بالمصيدة.
تحذر “ميتا” جميع زوار “هورايزن فينيوز” من أن “مسؤولي السلامة” يقومون بتسجيل أي حادث، وأنه يمكن للمستخدمين تنشيط المنطقة الآمنة من حولهم عن طريق الضغط على زر على معصمهم الافتراضي، وإسكات الأشخاص من حولهم. رغم أنني لم أشعر بعدم الأمان، لكني كنت منزعجة، لا سيما أنه لم تكن هناك قواعد واضحة حول آداب السلوك والمساحة الشخصية.
سأل عدد من الرجال من حولي “هل عدد الرجال هنا يفوق عدد النساء؟ هل لاحظتم ذلك؟”. ردّ إيران “ربما”. أشاد هو وآخرون بتجربة الواقع الافتراضي الاجتماعي، حيث قال رجل من بلغاريا: “هذا هو المكان الوحيد الذي يمكنك أن تلتقي فيه وتسمع أشخاصا آخرين من أجزاء أخرى من العالم”، كان شخص آخر من اسكتلندا معزولا في المنزل بسبب كوفيد-19، وكانت هذه المنصة فرصته الوحيدة للاختلاط بالآخرين.
قال إيران: “لنقفز”، فبدأنا بالقفز في ميتافيرس. كان هذا ممتعا، لكن تكرر الإزعاج جعل استمرار المحادثات أمرا صعبا. إلى يساري، كان هناك رجل بالغ، استمر في الصراخ بصوت طفل دون سن العاشرة، وبدا مستفزا جدا، واستمر شخص يتحدث اللغة الإسبانية بالتحليق بسرعة حول مجموعتنا قائلا “آسف! أنا مصاب بكورونا”، ثم طار بعيدا مُصدرا أصوات قهقهات، فيما أصدر رجل أشقر عملاق يدعى “بيبي فيس” أصوات حيوانات.
هناك في عالم الألعاب فئة من الأشخاص الذين يزعجون الآخرين لمجرد إزعاجهم. قال العديد من المستخدمين الذين تحدثت إليهم في “ميتافيرس” إن ذوي النية السيئة يشكلون معضلة مستمرة على منصات التواصل الاجتماعي.
على فيسبوك، يعمل الآلاف من المشرفين على المحتوى على مدار الساعة لرصد المنشورات التي تحتوي على كلام يحض على الكراهية أو معلومات مضللة وغيرها، عن طريق الاستعانة ببرمجيات لقراءة النصوص. لكن تعديل السلوك في الواقع الافتراضي أصعب بكثير من الناحية البشرية والتقنية. بدلاً من مجرد حذف المنشور، عليك معالجة اللغة المنطوقة والإيماءات المرئية وكيف يتنقل الأشخاص بين بعضهم البعض وأشياء كثيرة أخرى.
من جانب آخر، هناك النظرية الاتصالية التي تقول إن الناس يكونون أكثر تسامحًا عندما يجتمعون وجهًا لوجه ويمكنهم إجراء اتصال بالعين أو سماع صوت شخص ما. لكن هل من الممكن أن يكون الناس أكثر لطفًا مع بعضهم البعض في “ميتافيرس”؟
يدرس جيريمي بيلنسون، أستاذ الاتصالات بجامعة ستانفورد، كيف تتغير مستويات راحة الناس في الواقع الافتراضي اعتمادًا على مكان وجودهم. بعد أن درس الواقع الافتراضي لمدة 20 سنة، يشرح قواعد الإتيكيت التي يجب اتباعها في هذا العالم: عندما نلتقي لأول مرة في غرفة اجتماعات افتراضية، نحتفظ بمسافة محترمة قبل المضي قدمًا “لمصافحة” اليد الرقمية.
يتابع بيلنسون: “إذا نظرت في عينيك واقتربت قليلاً، فمن الصعب جدًا أن أقول شيئا مؤذيا”. لكنه يعترف بأن بعض تطبيقات الواقع الافتراضي الاجتماعية اليوم مثل “الغابة”. يقدم بيلنسون دروسا عن طريق تقنية الواقع الافتراضي، لكنه لا يأخذ طلابه إلى منصة “في آر تشات”، المعروفة بكثرة اللاعبين ذوي النية السيئة.
وفقا لمتحدث باسم المنصة، يزور نحو 50 ألف مستخدم النوادي والمساحات الافتراضية التابعة لـ”في آر تشات” بشكل يومي، ويضيف: “لدينا فريق متخصص يركز فقط على سلامة المستخدم وأمنه”، ويمكن للزوار كتم صوت الآخرين أو حظرهم لحماية أنفسهم من اللاعبين ذوي النية السيئة.
لم أقابل أي لاعب سيء النية في “في آر تشات”، لكنني وجدت المكان فوضويا ومليئا بالخداع. بدلاً من الصور الرمزية البشرية، كانت هناك طيور البطريق الصغيرة والجنيات والهياكل العظمية التي تتمايل وتتسكع.
في مقهى افتراضي، قدمت لي قطة عملاقة ترتدي فستانًا بعض الفطائر، في حين كان فارس من العصور الوسطى يتحدث عن قدرة محرك سيارة تسلا رودستر، وكانت هناك شجرة صبار تومئ مؤيدة ما يقوله الفارس.
كانت منصة “آلت سبيس في آر” الاجتماعية التي تديرها شركة مايكروسوفت، أكثر تنظيما، حيث تدخل أحد المضيفين بشكل سريع عندما بدأ رجل افتراضي يحوم حولي أنا وامرأة أخرى، لكن المنصة لها سلبياتها أيضا. في غضون دقائق من الدخول إلى مساحة خارجية والدردشة مع امرأة التقيت بها هناك، بدأ رجل افتراضي يتابعنا ويقول إننا جميلتان ويطلب منا أن نصبح أصدقاءه. وضعناه في وضع صامت ثم قمنا بحظره.
يبدو أن شركة مايكروسوفت تتخذ إجراءات صارمة في هذه الحالات، فمن بين العشرات من الأشخاص الذين حضروا تلك الجلسة، كان أربعة من المضيفين يراقبون سرا سلوك المستخدمين.
في هذا الإطار، أوضح المتحدث باسم مايكروسوفت أن عدد المضيفين الذين يراقبون الأحداث يختلف من حدث لآخر. يمكن للمستخدمين أيضًا منع الجهات السيئة وتفعيل “فقاعة” حول شخصياتهم الافتراضية. لكنه لم يذكر عدد الزوار الذين يستخدمون المنصة يوميا. من جانبه، صرح شخص كان ينظم الأحداث في المنصة أن هناك المئات من المستخدمين.
يوضح بيلنسون أنه عندما يتعلق الأمر بالسلوك السي، فإن الميزة الكبيرة للواقع الافتراضي مقارنة بمواقع التواصل الاجتماعي هي أن المحتوى الضار لا يمكن أن ينتشر بسرعة.
شخصيا لست متأكدة من أن هذا الأمر صحيح بالضرورة، حيث يمكن تسجيل أي تجربة في الواقع الافتراضي ومشاركتها مع الآخرين. التحديات الاجتماعية في ميتافيرس ستكون على الأرجح امتدادًا لما مررت به، وماتحدث عنه الآخرون، وتشمل انتهاكات لقواعد السلوك الاجتماعي، والتي قد تتحول في النهاية إلى مضايقات أو تنمر. ربما سيؤثر ذلك على الأفراد بدلاً من المجموعات، لكن هذا لن يجعل منها أقل ضررًا أو أمرا لا يستحق المراقبة.
المصدر: بلومبيرغ