لم تكد تخفت أصوات الرصاص في درعا بعد معركة حامية الوطيس بين قوات نظام بشار الأسد والمعارضة، حتى عادت عمليات الاغتيال إلى ما كانت عليه بل بوتيرة أسرع وأعنف، حيث وثّقَ ناشطون عشرات عمليات الاغتيال بين الأطراف كافة في المدينة التي وقّعت تسوية استثنائية عام 2018، وتمَّ تجديد هذه التسوية في الشهور الماضية بعد حصار ومعارك عنيفة.
الوضع في جنوب سوريا يختلف عن باقي المناطق، حيث تتداخل الأطراف كافة بين نظام ومعارضة، بالإضافة إلى لجان المصالحة، وما يعقّد الأمور في مناطق حوران هو البُعد الجيوسياسي للمنطقة، إذ إنها قريبة من الأراضي الفلسطينية المحنلة التي تخشى من التواجد الإيراني على حدودها، وهنا تجدر الإشارة إلى أن إيران وعشرات الميليشيات الشيعية مع حزب الله يستقرّون في قواعد مختلطة مع قوات النظام السوري، أضف إلى ذلك التواجد الروسي المراقِب للتسوية هناك.
هذا التداخل أثّرَ على المنطقة بشكل كبير، ليس سياسيًّا أو عسكريًّا فحسب، وإنما حولها إلى ساحةً لتصفية الحسابات عن طريق الاغتيالات بمختلف طرائقها، وموجَّهة ضد أشخاص متعدِّدي التوجهات والانتماءات.
تصاعُد الاغتيالات
قال بيان لمكتب توثيق الشهداء في درعا: “شهدَ شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي استمرار الوتيرة المتصاعدة في عمليات ومحاولات الاغتيال في محافظة درعا رغم مرور شهرَين على اتفاقية التسوية الثانية، ومنذ سيطرة قوات النظام على محافظة درعا في شهر أغسطس/ آب 2018 بعد اتفاقية “التسوية” الأولى”.
ويكمل البيان: “وثّقَ قسم الجنايات والجرائم في مكتب توثيق الشهداء في درعا 48 عملية ومحاولة اغتيال فقط، أدّت إلى مقتل 30 شخصًا وإصابة 16 آخرين، بينما نجا 2 آخرين من محاولة اغتيالهم، علمًا أن هذه الإحصائية لا تتضمن الهجمات التي تعرّضت لها حواجز وأرتال قوات النظام”.
وذكر البيان أن القتلى الذين وثّقهم المكتب هم “9 مقاتلين في صفوف فصائل المعارضة سابقًا، بينهم 4 ممّن التحقوا بصفوف قوات النظام بعد سيطرته على محافظة درعا في شهر أغسطس/ آب 2018، وضمن القتلى الذين وثّقهم المكتب أيضًا تمّت 20 عملية من خلال إطلاق النار المباشر و2 من العمليات من الإعدام الميداني بعد اختطاف الضحية، و5 من العمليات باستخدام العبوات الناسفة و3 من العمليات باستخدام القنابل اليدوية”.
وشهدَ شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي عودة الارتفاع من جديد في عمليات ومحاولات الاغتيال في محافظة درعا، حيث شهد 33 عملية ومحاولة اغتيال فقط، أدّت إلى مقتل 22 شخصًا وإصابة 8 آخرين.
أعداد مقلقة
في العام المنصرم 2020، وبحسب مكتب توثيق شهداء درعا، فقد وقعت ما مجموعه: 409 عملية ومحاولة اغتيال، أدّت إلى مقتل 269 شخصًا وأصيب 102 آخرين، بينما نجا 38 شخصًا من محاولات اغتيالهم، وتوزّعت العمليات ومحاولات الاغتيال على ريف درعا الغربي بنسبة 53.3% من إجمالي الحوادث الموثَّقة، بينما بلغ العدد 107 في ريف درعا الشرقي ما نسبته 26.1%، وفي مدينة درعا 84 ما نسبته 20.6% من إجمالي العمليات.
أما فيما يتعلق بالعام الحاليّ 2021، فقد شهد شهر يناير/ كانون الأول، مقتل 22 شخصًا وإصابة 12 آخرين، بينما نجا 3 آخرين من محاولات اغتيالهم. أما عن انتماءات المتعرّضين للاغتيال، فهم 16 مقاتلًا في صفوف فصائل المعارضة سابقًا، بينهم 9 ممّن التحقَ بصفوف قوات النظام بعد سيطرته على محافظة درعا، وتمّت جميع العمليات من خلال إطلاق النار المباشر.
ووفقًا لمكتب التوثيق، شهدَ شهر فبراير/ شباط استمرار التصعيد في عمليات ومحاولات الاغتيال في المحافظة، حيث حصلت 36 عملية ومحاولة اغتيال، أدّت إلى مقتل 20 شخصًا وإصابة 12 آخرين، بينما نجا 4.
وفي التفاصيل، استهدفت الاغتيالات 9 من المقاتلين في صفوف فصائل المعارضة سابقًا، بينهم 5 ممّن التحق بصفوف قوات النظام بعد سيطرته على محافظة درعا، وتمّت 17 عملية من خلال إطلاق النار المباشر، وعملية واحدة عن طريق الاستهداف بعبوة ناسفة، وعمليتَين جرَتا عن طريق الإعدام الميداني بعد الاختطاف.
لم يكن شهر مارس/ آذار أفضل حالًا من سابقه، حيث شهد المزيد من عمليات ومحاولات الاغتيال، ووثّقَ ناشطون حصول 36 عملية ومحاولة اغتيال أدّت إلى مقتل 27 شخصًا وإصابة 5 أشخاص بينما نجا 4 آخرين، ويذكر مكتب التوثيق أن 17 مقاتلًا في صفوف فصائل المعارضة سابقًا قُتلوا في هذه العمليات، وجرَت هذه العمليات من خلال إطلاق النار المباشر أو الإعدام الميداني بعد الاختطاف، وبالطبع العمليات متوزِّعة على مناطق مختلفة في المحافظة.
إلى ذلك، ازدادت عمليات الاغتيال بصورة غير مسبوقة خلال شهرَي أبريل/ نيسان ومايو/ أيار، حيث شهدَ شهر أبريل/ نيسان 67 عملية ومحاولة اغتيال، أدّت إلى مقتل 41 شخصًا وإصابة 22 شخصًا، بينما نجا 4 آخرين من محاولات اغتيالهم، وتمّت 35 عملية من خلال إطلاق النار المباشر، وعمليتَين باستخدام العبوات الناسفة، و4 من العمليات من خلال الإعدام الميداني بعد الاختطاف، استهدفت شخصيات مختلفة من قوات المعارضة سابقًا وقوات النظام.
أما في شهر مايو/ أيار، فقد جرت 66 محاولة اغتيال، أدّت إلى مقتل 41 شخصًا وإصابة 13 شخصًا، بينما نجا 12 آخرين، وقد لقيَ 17 مقاتلًا في صفوف فصائل المعارضة سابقًا حتفهم في هذه العمليات، وكما العادة جرت العمليات إما عن طريق إطلاق النار وإما بالعبوات الناسفة وإما بالإعدام الميداني.
1000 محاولة
أما في يونيو/ حزيران فقد انخفضت وتيرة الاغتيالات إلى 36 عملية ومحاولة اغتيال، أدّت إلى مقتل 22 شخصًا وإصابة 10 أشخاص، إلى هنا أصدرَ مكتب توثيق الشهداء في درعا تقريره نصف السنوي في الأول من يوليو/ تموز الماضي، حيث وثّقَ ما لا يقلُّ عن 1000 محاولة اغتيال خلال أقل من 3 أعوام على سيطرة قوات النظام على كامل المحافظة، منذ أغسطس/ آب 2018 لغاية يونيو/ حزيران 2021.
واستهدفت العمليات مقاتلي فصائل المعارضة السابقين الذين انضمّوا إلى اتفاقية “التسوية” ورفضوا الالتحاق بقوات النظام بعدها، وكذا استهدفت المقاتلين الذين انضمّوا إلى قوات النظام.
طالت عمليات الاغتيال كذلك، بحسب المكتب، مدنيين وناشطين سابقين في المعارضة، منهم أطباء عملوا ضمن المشافي الميدانية أو كانوا ناشطين في الحراك المدني والإعلامي، وقال إنه “وثّقَ 301 عملية ومحاولة اغتيال ضدهم، أدّت إلى مقتل 159 شخصًا وإصابة 102 آخرين، بينما نجا 40 من محاولة اغتيالهم”.
بين هذه العمليات 30 عملية طالت رؤساء وأعضاء في المجالس المحلية الحالية أو السابقة، كذلك وثّقَ المكتب اغتيال 3 ناشطين إعلاميين مدنيين سابقين وطبيبَين كانا قد عملا في المشافي الميدانية سابقًا.
عاودت وتيرة الاغتيالات إلى الارتفاع خلال شهر يوليو/ تموز، حيث وثقَ الناشطون حصول 65 عملية ومحاولة اغتيال، أدّت إلى مقتل 40 شخصًا وإصابة 22 شخصًا، بينما نجا 3 آخرين من محاولات اغتيالهم.
مستفيدون
يقول أحد قادة الفصائل في المعارضة السورية سابقًا، في حديثه لـ”نون بوست”، إن “هذه العمليات باتت مؤرقة لسكان المنطقة، فلم يعد الإنسان اليوم يأمن على روحه”، وأشار إلى أن “الاغتيالات تستهدف الفئة الشابة التي كانت منخرطة في الثورة السورية أو مقاتلين سابقين”، مضيفًا أن المسؤول الأكبر عن هذه الاغتيالات هو النظام والأذرع الإيرانية المتواجدة في المنطقة.
ويشير الناشط محمد أبو الهدى، المقيم حاليًّا في درعا ويرفض ذكر اسمه الحقيقي، في حديثه لـ”نون بوست”، إلى أن “الاغتيالات التي تنتشر حاليًّا بكثرة تدفع بالقسم المتبقّي من الشباب في المنطقة إلى الرحيل عن سوريا، حيث لم يعد أحد يأتمن روحه اليوم”.
ويشير إلى أن أغلب المستهدَفين كانوا قد عملوا في الشأن العام قبل سيطرة النظام على درعا، ولا ينفي أبو الهدى وجود حالات اغتيال في صفوف النظام، لكن ليس مثل نسبة الضحايا بصفوف شباب وأهالي درعا.
وعن انخراط “داعش” في عمليات الاغتيال، يقول الناشط أبو الهدى: “غير مستبعد أن يكون تنظيم الدولة منفِّذًا لبعض الاغتيالات، ولا يزال يوجد خلايا للتنظيم في أراضي حوران، ويعملون على إحداث بلبلة بشكل دوري في المدن والبلدات التي يكونون قريبين منها”.
ويشير إلى أن “المستفيد الأكبر من حملة الاغتيالات هذه هي إيران والميليشيات الشيعية التي تريد السيطرة الكاملة على المدينة، والاغتيالات تعطي رسائل بأن لا مناص من سيطرة الدولة ونشر الحواجز الكاملة من أجل فرض الأمن”.
نهايةً، تختتم درعا العام الحالي بأرصدة مثقلة بالدماء، خاصة بعد الهجوم الذي شنّه نظام الأسد وإيران وروسيا عليها، لكن وبالرغم من الهدوء الحالي إلا أن صوت الرصاص في الظلام ما زال حاضرًا بين كل الأطراف.