على غرار الدول الكبرى، تحتضن إسطنبول قمة تركية أفريقية لبحث سُبل فتح صفحة جديدة بالعلاقات القائمة على الشراكة الاستراتيجية بين تركيا والاتحاد الأفريقي ودول القارة الأفريقية، فماذا يمكن أن تقدم تركيا للأفارقة؟
اهتمام تركي
يشارك في القمة الثالثة للشراكة التركية-الأفريقية، المقامة في إسطنبول على مدار يومين، 16 رئيس دولة وحكومة بجانب 102 وزيرًا أفريقيًّا بينهم 26 وزيرًا للخارجية، وكانت القمة الأولى قد عُقدت في إسطنبول أيضًا عام 2008، فيما عُقدت الثانية في غينيا الاستوائية عام 2014.
وتُعتبر القارة الأفريقية محورًا رئيسيًّا لاستراتيجية مدّ النفوذ التركي، منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم عام 2002، إذ لا يكاد يمرُّ عام إلا ويقوم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة واحدة على الأقل لدول القارة الأفريقية.
آخر زيارات أردوغان إلى أفريقيا كانت نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وشملت جولته كلًّا من أنغولا ونيجيريا وتوغو، بذلك يكون الرئيس التركي قد زار 30 بلدًا أفريقيًّا منذ اعتلائه سدّة الحكم في بلاده، وهو مؤشر جلي على الاهتمام الشامل الذي يوليه لهذه القارة.
غياب الاستقرار الأمني والتهديدات التي يمثلها الإرهاب في دول الساحل وجنوب الصحراء، تشكِّل فرصة لتركيا لإقامة شراكات استراتيجية مع هذه البلدان.
يعود الاهتمام التركي بالقارة الأفريقية إلى بدايات الألفية الثالثة، مباشرة إثر إغلاق الاتحاد الأوروبي أبوابه في وجه أنقرة، فالأتراك يبحثون عن فرص جديدة، نتيجة ذلك زاد عدد السفارات التركية في القارة 3 مرات، إذ أصبحت أنقرة بممثلياتها البالغ عددها 43 سفارة، تمتلك واحدة من أكثر الشبكات الدبلوماسية تركيزًا في دول القارة السمراء.
وتمتلك الخطوط الجوية التركية 61 وجهة في القارة الأفريقية، فيما يمتلك وقف المعارف التركي 175 مؤسسة تعليمية و18 سكنًا في 26 دولة، وتمتلك “تيكا” 22 مكتبًا، أما معهد “يونس أمره” فيمتلك 10 مراكز، ويوجد للأتراك ملحقَين عسكريَّين في 19 دولة.
من أوجُه تطور العلاقات بين الطرفين، ارتفاع حجم التبادل التجاري بين دول القارة الأفريقية وتركيا إلى خمسة أمثاله، حيث تضاعف من 5.4 مليار دولار في عام 2003 حين وصل أردوغان الى السلطة وصولًا الى 25.4 مليار دولار عام 2020، كما تستقبل تركيا الآلاف من الطلبة الأفارقة سنويًّا.
أمن غذائي
تعاني أفريقيا منذ فترة طويلة من انعدام الأمن الغذائي الناجم عن عوامل كثيرة كالصراعات، وانعدام الأمن، وانتشار الجراد، ونقص الأمطار، والعوامل المناخية، وعدم استقرار السوق، والكوارث التي تسهم في انخفاض إنتاج الأطعمة المغذّية وإمكانية الوصول إليها، لذلك يبحث الأفارقة عن شريك موثوق له يحقق لهم أمنهم الغذائي.
يمكن لتركيا أن تكون هذا الشريك، وقد بدأت بالفعل في استثمار هذا الأمر، فبوصفها قوة زراعية كبيرة وأحد أبرز منتجي الدقيق في العالم، أضحت تركيا شريكًا تجاريًّا لا غنى عنه لدول القارة التي يمثل الأمن الغذائي لسكّانها رهانًا عظيم الشأن.
يُذكر أن تركيا نجحت على مدى السنوات العشر الأخيرة بالوصول بصادراتها من دقيق القمح إلى 160 دولة في أنحاء العالم، لتصل صادراتها إلى ما يقارب الـ 92% من سكان العالم، و30% من إجمالي الصادرات العالمية.
#تركيا تطلق القمر الصناعي “توركسات 5B” في 19 ديسمبر الجاري باذن الله، ليزيد من قدرتها على إيصال البيانات 15 ضعفاً وسيخدم منطقة جغرافية واسعة تشمل تركيا والشرق الأوسط والخليج والبحر الأحمر والمتوسط وشمال وشرق أفريقيا ونيجيريا وجنوب أفريقيا ومناطق مجاورة لها.
— Muhammet Erdoğan ??- محمد أردوغان (@Muhamed_Erdogan) December 10, 2021
تصدِّر تركيا الدقيق للعديد من الدول الأفريقية على غرار السودان وجمهورية أنغولا والصومال والسنغال، كما تصل منتوجاتها إلى الولايات المتحدة الأمريكية والصين واليابان وروسيا والعراق وليبيا وسوريا.
غالبًا ما يوزِّع الهلال الأحمر التركي الدقيق على الشعوب المستحقة، ويواجه أكثر من 100 مليون شخص في أفريقيا مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي، خاصة في شمال شرق الصومال وجنوب السودان وإثيوبيا والمناطق الحدودية الثلاث بين النيجر وبوركينا فاسو ومالي، ونيجيريا.
شراكة أمنية
إلى جانب ذلك، يمكن أن تكون تركيا شريكًا أمنيًّا مهمًّا لدول القارة الأفريقية، خاصة أن أنقرة حققت في الآونة الأخيرة نجاحًا كبيرًا عبر طائراتها المسيَّرة التجارية والعسكرية، كما حصل في ليبيا وسوريا والعراق وأذربيجان.
وتقدِّم صناعات الدفاع فرصًا جديدة للتعاون بين الأتراك والأفارقة، فغياب الاستقرار الأمني والتهديدات التي يمثلها الإرهاب في دول الساحل وجنوب الصحراء، تشّكل فرصة لتركيا لإقامة شراكات استراتيجية مع هذه البلدان.
تنتج تركيا الكثير من المعدّات العسكرية، من الفرقاطات والمصفحات والصواريخ وصولًا إلى المسيّرات التي تعدُّ لؤلؤة عقد الصناعات العسكرية التركية، والتي أثبتت قدراتها على أرض المعركة في العديد من الدول التي تعاونت معها أنقرة لمجابهة الإرهاب.
تطورت العلاقات التركية الأفريقية في السنوات الأخيرة، وأصبحت أنقرة رقمًا صعبًا في القارة السمراء تنافس العديد من القوى.
تُعتبَر الطائرات المسيَّرة التركية أرخص بكثير من الطائرات المقاتلة، ولا يتطلّب استخدامها إنشاء بنية تحتية معقّدة، ومع ذلك تؤدي نفس مهمتها أو أكثر، لذلك أعربت كلٌّ من المغرب وتونس وإثيوبيا عن رغبتها شراء هذه المسيَّرات التركية.
كما يضع الجيش الرواندي الطائرات التركية المسيرة نصب عينيه لأجل عملياته العسكرية في موزمبيق، فضلًا عن إثيوبيا التي تقاتل جماعات متمردة في إقليم تيغراي، كما عبَرت نيجيريا عن اهتمامها بالطائرات التركية دون طيار، التي من شأنها مساعدة الجيش النيجيري في محاربة الجريمة المنظَّمة.
مصالح متبادلة
ما يُشجِّع الأفارقة على التعاون والعمل مع الأتراك، وجود شراكة رابحة للطرفَين، ففي الوقت الذي تبحث فيه القوى الدولية والإقليمية التقليدية عن مصالحها فقط عند التعامل مع دول القارة الأفريقية، تبحث تركيا عن مصلحة الطرفَين، وهو ما ساهم في مدّ نفوذها هناك.
وتُعتبَر تركيا شريكًا موثوقًا لغالبية الدول الأفريقية، ذلك أن أنقرة لا تبحث عن مصلحتها فقط، وإنما المصلحة المشتركة، كما أنها لا تتدخل في اختيارات شعوب القارة ولا تبتز القادة ولا تساوم الأنظمة، فالمهمّ عند الأتراك المصلحة المشتركة.
مجلة “كابيتال” الفرنسية : تركيا زادت من نفوذها في أفريقيا مع اردوغان، وتبيع طائراتها المسيرة المسلحة بسرعة وسهولة مثل “الخبز الطازج”، حيث تعززت سمعتها بفاعليتها في سوريا وأذربيجان وليبيا ، وتضيف أن تونس والمغرب واثيوبيا وأنجولا وتوغو اشتروها ، اسطنبول تشهد اليوم قمة تركية افريقية
— جمال سلطان (@GamalSultan1) December 17, 2021
كثيرًا ما يعبِّر القادة الأفارقة عن رغبة دولهم في اهتمام تركيا ببعض المجالات في أفريقيا كالزراعة والمقاولات والطاقة، لما تتمتّع به من خبرات كبيرة في هذه المجالات، يُمكن أن تستفيد منه الدول الأفريقية ويعود بالفائدة لشعوبها.
تُظهر عدة تفاصيل أن تركيا أدارت علاقاتها مع أفريقيا بشكل أفضل بكثير ممّا فعلت عدة قوى تقليدية، على غرار فرنسا والصين وروسيا، وهو ما أثار مخاوف هذه الدول، فهي تخشى أن تزاحمها تركيا في نفوذها في القارة الأفريقية.
تطورت العلاقات التركية الأفريقية في السنوات الأخيرة، وأصبحت أنقرة رقمًا صعبًا في القارة السمراء تنافس العديد من القوى، بفضل الخطة المتكاملة التي تمتلكها تركيا لتطوير علاقاتها وترسيخ نفوذها الاقتصادي والسياسي في عدة بلدان أفريقية، في ظلّ ابتعادها عن الاتحاد الأوروبي.