شهد عام 2021 في اليمن زخمًا في الأحداث السياسية والاقتصادية والعسكرية، وكان من أصعب السنوات منذ إعلان التحالف العربي عن عاصفة الحزم عام 2015 لاستعادة الشرعية، أبرز ذلك كان تصنيف الحوثي جماعة إرهابية وإزالتها من القائمة، وتعيين مبعوث أمريكي ودولي إلى البلاد بهدف إيجاد التسوية السياسية، تخلل ذلك تقديم مبادرتَين سعودية وحوثية لوقف إطلاق النار، وسيطرة الحوثيين على أجزاء واسعة من البلاد، وخروج سفير إيران لدى الحوثيين من صنعاء عبر طائرة إخلاء طبية، قبل إعلان وفاته.
العلامة الأبرز في هذا العام هي مضاعفة المجتمع الدولي لضغوطه الكبيرة على التحالف العربي والحكومة اليمنية، من أجل وقف الحرب في اليمن، حيث انتزعَ تنازلات كبيرة، وأجبرَ القوات الحكومية على عدم التحرك عسكريًّا والاكتفاء بالدفاع، وهو ما انعكسَ سلبيًّا على اليمنيين وحكومتهم الشرعية، واستفاد من ذلك الحوثيون وحقّقوا مكاسب كبيرة على الأرض، واقتربوا كثيرًا من اكتمال غزوهم لمأرب.
لم يكن للحوثي أن يحصل على تلك المكاسب التي تحققت له عام 2021، لولا عوامل دولية ومحلية ساعدته على ذلك، وفرضت واقعًا مغايرًا شُبِّه للعالم باستحالة هزيمته، رغم هشاشته التي تأكّدت جرّاء عدة تحركات عسكرية في الساحل الغربي، أو محافظة البيضاء اليمنية.
تصنيف الحوثي جماعة إرهابية
دخل العام 2021 بزخم كبير تخلّله ضغط أمريكي على إيران والحوثيين في اليمن، وتمخّض ذلك بتلميح حوثي بالقبول للذهاب إلى طاولة الحوار برعاية المبعوث الأممي السابق إلى اليمن، مارتن غريفيث، لا سيما بعد أن صنّفتهم إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في 19 يناير/ كانون الثاني 2021 ضمن الكيانات الإرهابية الدولية الخطيرة، وهو ما زاد الضغوط عليهم، وأرادوا الخروج من هذا المأزق، كون إدراج الحوثي بتلك القائمة هو دفن لكيانهم ومستقبلهم السياسي.
لكن ذلك لم يدم طويلًا بسبب إدارة الرئيس الحالي جو بايدن، الذي جاء وأزال في 16 فبراير/ شباط 2021 جماعة الحوثي في اليمن من قائمة الإرهاب، وهو ما فُهم لهم أنه ضوء أخضر أمريكي للتحرك العسكري، واستغلال الضغوط الدولية على التحالف والخلافات الداخلية للحكومة الشرعية، لحسم الأمر عسكريًّا.
جاءت التحركات الحوثية بالتزامن مع تعيين الولايات المتحدة الأمريكية في 4 فبراير/ شباط تيموثي ليندر كينغ مبعوثًا لها في اليمن، بهدف دفع التسوية السياسية إلى جانب المبعوث الدولي السابق إلى اليمن، لكن الحوثيين أدركوا أن خطابات السلام التي تتحدث بها الإدارة الأمريكية الجديدة، هي عائق حديدي للتحالف العربي والحكومة اليمنية من التحركات العسكرية، وفي الوقت نفسه ضوء أخضر لها.
شنَّ الحوثيون في الشهر ذاته (فبراير/ شباط 2021) الذي أعلنت فيه الولايات المتحدة الأمريكية عزمها إزالة الحوثيين من قائمة الإرهاب، هجومًا عنيفًا على محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز، رافضة الضغط الأممي، ومستغلة التوقف الحكومي عن الهجوم، وسيطرت على مديريات كبيرة، لكنها لم تستطع التقدم ما بعد جبهة صرواح نتيجة المقاومة الكبيرة من قبائل المحافظة والقوات الحكومية.
مبادرة سعودية لوقف إطلاق النار
الاثنين 22 مارس/ آذار 2021، أعلنَ وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، عن مبادرة سعودية جديدة لوقف إطلاق نار شامل في اليمن، داعيًا الحوثيين لقبولها والانخراط في العملية السياسية.
وقال بن فرحان في مؤتمر صحفي عقده في الرياض، إن مبادرة إنهاء الحرب في اليمن تتضمّن وقفًا شاملًا لإطلاق النار، وإعادة فتح مطار صنعاء الدولي إلى عدة وجهات إقليمية ودولية.
هذه المبادرة كان الحوثيون قد طرحوها في منتصف عام 2020، ما اعتبرتها حينها الحكومة الشرعية أنها محاولة لمنح الحوثيين حرية التنقل والاستفادة من الموانئ اليمنية، لكن الحوثيين رفضوها بعد أن طرحتها السعودية بضغط من الولايات المتحدة الأمريكية.
رفضَ الحوثيون هذه المبادرة التي أوصلها لهم وفد عُماني وصل صنعاء في يونيو/ حزيران 2021، وقدّموا له مبادرة أطلقوا عليها “مبادرة مأرب” ردًّا على المبادرة السعودية، تضعُ شروطًا لكي يقبل الحوثيون وقف الهجوم المتواصل على محافظة مأرب اليمنية التي تأوي أكثر من مليونَي نازح، وهي إشارة في مجملها إن الحوثيين مصرّين على تعقيد مساعي السلام، وعرقلة مهمة المبعوث الأممي الجديد، وهو ما أُكّد لاحقًا من خلال فشل المجتمع الدولي بإقناع الحوثي بالجنح إلى السلام.
عقاب اقتصادي
التحركات الحوثية وإصرارهم على إطالة الحرب، ليس لها مبرر إلا ضعف الحكومة الشرعية التي لا تزال تستجدي من الحوثي السلام، دون أن يكون هناك موقف واضح وحاسم أمام المماطلة الحوثية المستمرة الرافضة للمطالبات الدولية ومن قبلهم الشعب لوقف الحرب في اليمن.
تزامنت تلك التحركات الحوثية مع عملية اقتصادية، إذ أصدروا قرارات عقابية بحقّ الشعب اليمني، ومُنعوا من تداول العملة اليمنية ذات الطبعة الجديد، ومنع التحويلات المصرفية من المناطق المحررة إلى المناطق التي يسيطرون عليها إلا وفق اشتراطات معقدة، ما تسبّب في إنشاء اقتصادَين موازيَين، وخلقوا حالة من الإرباك الاقتصادي، ومن ثم انهيار العملة اليمنية التي وصلت إلى أرقام قياسية.
لم يكتفِ الحوثيون بتلك الإجراءات التي وصفها مراقبون اقتصاديون أنها عملية انفصالية، بل منعوا المنظمات الإغاثية من العمل في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، واشترطوا عليها العمل من المناطق الخاضعة لسيطرتهم، ما مكّنهم من الاستفادة من التحويلات المالية التي تصل إلى تلك المنظمات، ومن ثم سرقة المساعدات من أفواه الجائعين.
محافظة البيضاء
في خضمّ الأزمة الاقتصادية التي تعصف في اليمن، ومحاولة المجتمع الدولي بإيجاد تسوية سياسية، كان الحوثيون يحاولون السيطرة على محافظة مأرب، إلا أن الجبهة الغربية للمحافظة كانت عصية عليهم، لكن الجماعة غيّرت الخطة، بعد أن وجدت أن السيطرة على محافظة البيضاء الاستراتيجية ستفتح لهم الكثير من خطوط العمليات العسكرية، مستغلين تراخي التحالف العربي والمجتمع الدولي والحكومة الشرعية.
سيطرَ الحوثيون على محافظة البيضاء في سبتمبر/ أيلول 2021، بعد معارك كبيرة خاضها أبناء المحافظة، ورُجِّحت لهم كفة الحرب في البداية، لكن توقُّف الجبهات في مأرب سمحت للحوثي برمي كل ثقله العسكري على المحافظة الاستراتيجية والسيطرة عليها، دون أن تتحرك الحكومة اليمنية أو المجتمع الدولي، كما هي العادة، خشية على السكان.
سيطر الحوثي على المحافظة، وارتكب مجازر كبيرة بحقّ أبنائها، وفجّر العديد من المنازل في ظل صمت دولي وحكومي والتحالف العربي، وهو ما شجّع الحوثي على ارتكاب المزيد منها والتقدُّم نحو محافظة شبوة الغنية بالنفط والغاز والقريبة أيضًا من محافظة مأرب (آخر معاقل الحكومة في شمال اليمن)، ومن هناك تقدم إلى مأرب وحقق مكاسب كبيرة.
تصعيد عسكري متبادل
وفي ظل استمرار الحوثي في تصعيده العسكري، وفشل المجتمع الدولي بإقناعه للحوار ووقف الحرب في اليمن، واقترابه أكثر من مركز محافظة مأرب، عاد التحالف العربي بعد ما يقارب العام من وقف الغارات الجوية على الحوثيين، إلى قصف صنعاء والتعزيزات الحوثية.
وصعّد التحالف العربي في الأيام الأخيرة قصفه لمواقع الحوثيين في محافظات صنعاء ومأرب والجوف، وترافقت عملياته مع تحول لافت في الخطاب الإعلامي السعودي الذي اتّسمَ خلال الفترة الماضية بنوع من التهدئة والدعوة إلى الحوار السياسي، قبل أن يصبح أكثر صرامة وتهديدًا للحوثيين بتلقّي المزيد من الضربات.
ورغم تصعيد التحالف، إلا أن ذلك يندرج في سياق محاولات الضغط على الحوثيين للقبول بمبادرة السلام، كما يبدو، نتيجة إصرار الجماعة على الحسم العسكري، وما يؤكد ذلك تزامنها مع تناغم في المواقف الدولية تجاه الحوثيين بحالة من الجدّية بعد سنوات من اللامبالاة أكثر منها تراخيًا تجاه ما يقوم به الحوثيون، سواء في تهديدهم للملاحة الدولية أو إصرارهم على استمرار الحرب.
إعادة تموضع
قبل أن يُختتم العام الأسوأ على اليمنيين، أعادت القوات المشتركة (قوات عسكرية يمنية مدعومة من التحالف العربي) تموضعها وانسحبت من المناطق التي حددها اتفاق ستوكهولم، الموقّع بين الحكومة اليمنية والميليشيا الحوثية برعاية الأمم المتحدة في 13 ديسمبر/ أيلول 2018.
جاء ذلك في توقيت حسّاس يُشهَد فيه حراك عسكري من قبل الحوثيين، الذين أوصلوا المحادثات السياسية أو محاولات الأمم المتحدة لإنهاء الحرب في اليمن بالطرق السلمية إلى طريق مسدود، وحقّقوا مكاسب كبيرة على الأرض.
حققت تلك القوات مكاسب كبيرة بعد إعادة تموضعها وتقدمت نحو 3 محافظات، بدأت في محافظة الحديدة (مناطق غير مشمولة في اتفاق ستوكهولم) وتعز وإب، وتوغّلت في مناطق كبيرة، قبل أن تتوقف لمهمة تأمين المناطق التي تمّت السيطرة عليها.
ليُختتم العام بطلب الحوثي من التحالف العربي بالسماح بمغادرة السفير الإيراني صنعاء، بحجّة إصابته بفيروس كورونا، متعهّدين بعدم إدخال سفير آخر وفقًا لما تحدّث به مسؤول سعودي لصحيفة “وول ستريت“، والتي أثارت العديد من التكهُّنات.
لكن الحقيقة في ذلك تبدو خطة إيرانية، وهي تسعى لإرسال رسالة أن هناك خلافات بينها وبين ذراعها في اليمن، حتى لا تُحرَج بعد توقيعها على اتفاق بشأن برنامجها النووي، حيث حينها ستجد نفسها مضطرة بفعل الضغط الدولي بأمر الحوثي بوقف النار، وهي لا تريد ذلك إلا بعد استكمال أهدافها، وفقًا لمخطط الهلال الشيعي.
لكن بعد هذه العملية، عندما تجد إيران نفسها مضطرة للضغط على الحوثي لوقف إطلاق النار، ستتحجّج أن لا علاقة لها وليس لها سيادة عليهم وهناك خلافات كاملة، وفي الوقت نفسه ستواصل دعمها للحوثي سرًّا إلى حين أن يتمكن من اليمن، ومن ثم الانتقال إلى السعودية.
وقد سرّبَ الحوثيون معلومات عن وجود خلافات، لأهداف مستقبلية متعلقة بالدور الذي سيوكل لهم من قبل إيران خلال الفترة المقبلة، ويُعتقد أنه سيكون تهديد المملكة العربية السعودية.
الحل عسكري في اليمن
يتحدث العالم أن الحل العسكري في اليمن لن يؤدّي إلى نهاية الحرب، وهذا منظور أثبتته الأحداث أنه خاطئ، حتى الحوثيين أنفسهم عندما حسموا أمرهم حققوا انتصارات كبيرة، وهو ما يجعلنا نجزم أن في اليمن الحل عسكري بامتياز مهمّا تحدث الساسة الدوليين غير ذلك، وشواهد التحركات العسكرية السابقة التي وصلت إلى أسوار صنعاء وبالقرب من ميناء الحديدة، وكذلك وصول الحوثي إلى أسوار مدينة مأرب، كفيلة بإثبات هذه النظرية.
الدعوات الدولية بوقف الحرب الفوري، يعتبره الحوثي مجرد حديث عابر، ولذلك يرمي كل ذلك عرض الحائط ويستمر في التقدم، لأنه مدرك أن المجتمع الدولي سيخضع وسيحترم في الأخير من يسيطر على الأرض.. فعام 2021 هو عام نكسة دبلوماسية عسكرية يمنية بامتياز.
فشل المجتمع الدولي
لم ينجح المجتمع الدولي ولا الولايات المتحدة الأمريكية، رغم أن الأخيرة رمت كل ثقلها الدبلوماسي، في إقناع الحوثي بأهمية الحوار، ونشارف على نهاية عام فشلَ فيه المجتمع الدولي بتحريك المياه الراكدة، أو تحقيق خرق بسيط في جدار الأزمة السياسية في اليمن، ورغم ذلك ما زال يدعو إلى السلام.
إن استمرار هذا النهج من قبل الأطراف الداعمة للشعب اليمني وحكومته، ستكون نتائجه عكسية، ولصالح إيران وأذرعها في المنطقة، وحينها ستجد السعودية أنها مضطرة للدفاع عن نفسها مع خروج الأمر عن سيطرتها رويدًا رويدًا.
تبنى استراتيجية التصعيد
فيديو | التحالف يعرض أدلة على تورط حزب الله الإرهابي في #اليمن#الإخبارية#نشرة_النهار pic.twitter.com/EEt1MCoxD7
— قناة الإخبارية (@alekhbariyatv) December 26, 2021
وعمد التحالف على نشر مثل تلك الأدلة، كرسالة إلى الأمم المتحدة، أنها من ساهمت في تأجيل الحسم وإنهاء الحرب في اليمن، حينما تدخلت وأوقفت تحرير الحديدة، الذي قال إنه ذلك حق أصيل للحكومة اليمنية الشرعية، وهو ما يعني أن ذلك سيتبعه عمليات عسكرية كبيرة خلال المرحلة القادمة، على اعتبار أنه تم منح الفرصة للسلام منذ 2019 دون عمليات عسكرية غير أن ذلك مكّن الحوثيين للسيطرة على محافظة الجوف والاقتراب من مركز محافظة مأرب.
العمليات العسكرية المتوقعة ستكون في محافظة شبوة، ومن ثم الانطلاق نحو محافظة البيضاء، بهدف الضغط على الحوثيين سياسيًا بالقبول بتسوية سياسية كاملة وفقًا للمرجعيات الدولية الثلاث، وكان المؤتمر الصحفي والأدلة التي عرضها الأحد 26 ديسمبر 2021، رسائل للأمم المتحدة والمجتمع الدولي بعدم التدخل ووقف إنهاء الحرب عبر الحسم العسكري.
2022
بالمحصلة.. سيتسبب إسقاط مأرب في انهيار العملية السياسية، بالنسبة إلى التحالف العربي، لكن المجتمع الدولي سيسعى إلى إقناع التحالف وخصوصًا المملكة العربية السعودية بالقبول بالأمر الواقع، وهو يعمل على ذلك منذ بداية عام 2021.
لكن ذلك سيقابَل بموقف سعودي حاسم، وستعاد الأمور السياسية والعسكرية في اليمن إلى مربع البداية، وتندلع معارك شرسة في وسط اليمن وشرقها وغربها لتضييق الخناق على الحوثيين، وإجبارهم على السلام، بالتزامن مع تحركات دولية لمحاولة الدفع بالعملية السياسية، وهذا لن يكون في بداية العام، وقد يصل إلى منتصف عام 2022.
سيشهد عام 2022 بروز قوة جديدة، وإيكال مسرح العمليات العسكرية لها، وذلك لن يكون قبل أن يتمَّ تصحيح مسار الشرعية اليمنية، وإشراك كافة القوة السياسية الفاعلة على الأرض وتوحيد جهودها بهدف إجبار الحوثي عسكريًّا لوقف الحرب في اليمن.
قد يشهد عام 2022 عودة الإمارات العربية المتحدة إلى التحالف العربي ومسرح العمليات على الأرض، بهدف تغيير موازين القوى العسكرية، لتمكين القوات الحكومية (الجديدة) على الأرض، وإجبار الحوثيين على السلام، وبدء عملية سياسية شاملة.