شهدت السياسة الخارجية العراقية خلال عام 2021، تحولات مهمة على الصعيدَين الإقليمي والدولي، هذه التحولات جاءت كنتيجة واضحة لتمكُّن صانع القرار السياسي في العراق من إعادة إنتاج قراءة سياسية مغايرة للوضع الجيوسياسي للعراق، وذلك عبر التحول من سرديات الصراع إلى سرديات السلام.
فحكومة مصطفى الكاظمي، ورغم إخفاقها في تحقيق نجاحات مهمة على الصعيد الداخلي، إلا أنها من جهة أخرى حققت نجاحات مهمة على الصعيد الخارجي، سواء عبر تحويل الساحة العراقية إلى منطلق للمشاريع الإقليمية، أو حتى في اعتماد دبلوماسية المسار الثاني، المتمثلة في خلق حالة توازن إقليمي/ عربي مع الدور الإيراني في العراق.
أضف إلى أن المسارات التي اتّخذتها حكومة الكاظمي تمّت ترجمتها لعديد من الخطوات على أرض الواقع، وهو ما شهدته الساحة العراقية خلال عام 2021، عبر لقاءات واجتماعات ومؤتمرات وزيارات عديدة شهدتها العاصمة بغداد.
يبقى التساؤل المهم هنا فيما إذا كانت الخطوات الفاعلة التي اتخذتها حكومة الكاظمي على الصعيد الخارجي ستستمرُّ العام القادم أم سيتم التراجع عنها، ويمكن القول إن الإجابة عن هذا التساؤل قد تكون واضحة، كون الاستمرار على هذه الخطوات من عدمها سيتوقف على نهج الحكومة القادمة ورئيسها من جهة، والمتغيرات الإقليمية والدولية من جهة أخرى، وهو ما يضع بدوره السياسة الخارجية العراقية أمام تحديات كبيرة.
أولًا: البُعد الإقليمي في السياسة الخارجية العراقية عام 2021
بدأت ملامح التحول الجديد في السياسة الخارجية العراقية على الصعيد الإقليمي تتّضح شيئًا فشيئًا مع مطلع العام الجاري، فرغم أن الكاظمي قد تولّى الحكومة العراقية منذ النصف الثاني لعام 2020، إلا إنه نظرًا إلى التحديات الداخلية والخارجية التي ترافقت مع قدومه في تلك الفترة، لم تُتِح له التمتُّع بهامش جيد على الصعيد الخارجي، وتحديدًا الإقليمي منه، لما كان يعانيه العراق من استقطاب إقليمي حادّ بعد اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني.
إلا أنه مع بدء هذا العام، بدأ العراق يسير بخطى واضحة على الصعيد الإقليمي، عبر اعتماد العديد من المبادرات الإقليمية، التي تهدف إلى وضع العراق بمكانه الطبيعي في معادلة القوة والتوازن.
موازن إقليمي كمقدِّمة للاستقرار الداخلي
كانت رؤية حكومة الكاظمي واضحة منذ البداية، وتدرك جيدًا أن تحقيق التوازن في علاقات العراق الإقليمية، سيشكّل فرصة مهمة للحكومة في تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي، وتحديدًا على مستوى العلاقات مع قطبَي المعادلة الإقليمية في العراق، إيران والسعودية، فضلًا عن استثمار البيئة الإقليمية الداعمة التي وفّرتها المصالحة الخليجية، في تحقيق مزيد من التفاعل مع باقي دول الإقليم.
وفي هذا السياق جاءت زيارة الكاظمي إلى المملكة العربية السعودية في 13 مارس/ آذار 2021، وكذلك زيارته إلى إيران في 13 سبتمبر/ أيلول 2021، وكان الهدف من هاتين الزيارتين تحويل العلاقة بين الطرفَين من حالة التنافس إلى حالة التعاون، وهو ما تمَّ ترجمته عبر 4 جولات من الحوار السعودي الإيراني على الأراضي العراقية.
وليس هذا فحسب، بل تمكّنت السياسة الخارجية العراقية من تحقيق العديد من الاختراقات الإقليمية هذا العام، وذلك عبر التواصل مع العديد من العواصم العربية كالقاهرة وعمّان والدوحة وأبوظبي والكويت وغيرها، من أجل تحقيق مزيد من التقارب مع العمق العربي، كما دخلت العلاقة مع أنقرة في تحول مهم، وزيادة التنسيق الاستخباراتي والأمني.
هذا الحراك الإقليمي للعراق تمّت ترجمته على أرض الواقع، عندما نجحت بغداد بعقد مؤتمر “قمة بغداد للتعاون والشراكة” في 28 أغسطس/ آب 2021، شاركت فيها 9 دول معظمها من الجوار الإقليمي للعراق، إضافة إلى منظمات عربية ودولية، حيث نجحت بغداد في فتح مجال للعمل المشترَك في المحيط الإقليمي عبر الحوار بدلًا من الصراعات، على اعتبار أن استقرار العراق يعني استقرار المحيط الإقليمي والمنطقة بأكملها.
وفضلًا عمّا تقدم، نجحت السياسة الخارجية العراقية في ترسيخ قيمة العراق الإقليمية، وتحديدًا على الصعيد الخليجي، وذلك عبر إقناع دول الخليج بأن العراق من أهم ساحات التجاذب بين القوى المتناحرة إقليميًّا ودوليًّا، ومن ثم إن أي علاقات خليجية أوسع مع العراق قد تنجح في إزاحة النفوذ الإيراني عنه.
ولعلّ هذا ما دلّلت عليه مخرجات اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي الذي عُقد في الرياض في 16 سبتمبر/ أيلول 2021، حيث برز فيه حضور وزير خارجية العراق فؤاد حسين، وهي حالة سياسية تحدث للمرة الأولى، وتعطي دفعة قوية للعلاقات العراقية الخليجية مستقبلًا.
التحول إلى جسر إقليمي عبر الابتعاد عن سياسة المحاور
تماشيًا مع سياسة التوازن التي اعتمدتها حكومة الكاظمي على الصعيد الإقليمي، كان لا بدَّ من سياسة أخرى داعمة لها، وتحقِّقُ مزيدًا من التفاعل والتكامل والمنافع الخارجية، ومن هنا جاءت فكرة طرح المبادرات الإقليمية لتحقّق تحولًا مهمًّا في نهج السياسة الخارجية العراقية على الصعيد الإقليمي خلال العام الجاري، مع الإشارة هنا أيضًا إلى وجود مبادرات إقليمية طرحتها قوى إقليمية للتفاعل والتكامل مع المبادرات العراقية، ونشير إلى أهمها:
– مبادرة مشروع خط سكة حديد أسطنبول – البصرة ومن ثم الخليج العربي، تمَّ طرحها في يناير/ كانون الثاني 2021.
– مبادرة مشروع الربط السككي الإيراني مع العراق، تمَّ إعادة طرحها في فبراير/ شباط 2021.
– مبادرة مشروع الشام الجديدة مع الأردن ومصر، تمَّ طرحها في مايو/ أيار 2021.
– مبادرات اقتصادية ومشاريع استثمارية تمَّ طرحها على هامش مؤتمر قمة بغداد للتعاون والشراكة في أغسطس/ آب 2021.
– مشروع الربط الكهربائي بين العراق ودول الخليج العربية، أعيد طرحه في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.
وبالتماهي مع هذه المشاريع، لا بدَّ من القول إن الكاظمي لم يكن أول رئيس وزراء عراقي يدعو إلى النأي بالعراق عن المحاور الإقليمية، ولكن ما أضفى المصداقية على سياسته بالنسبة إلى معظم دول المنطقة، هو ما عُرف عنه من اعتدال وبراغماتية وعدم ميل إلى الأيديولوجيات الطائفية، فضلًا عن كونه أقل خضوعًا للتأثير الإيراني من أسلافه.
وفي غضون ذلك، بنى سياسته الإقليمية على حقائق صعبة للغاية عبر هذه المشاريع، فالعراق اليوم دولة هشّة تقع بين 3 دول إقليمية متخاصمة، وهي إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية، ويعتقد الكاظمي أن العراق يستطيع، من خلال السعي استباقيًّا إلى تخفيف حدّة الخلافات بين هذه القوى، أن يضطلع بدور أكثر إيجابية في المنطقة، بدلًا من أن يكون مجرد ساحة لمعارك الدول المجاورة.
إن العراق بوصفه أحد أكثر الدول التي تتأثر بالتحولات الاستراتيجية التي تشهدها المنطقة، لعوامل سياسية واقتصادية وأمنية عديدة، وجدَ نفسه أمام وضع إقليمي صعب للغاية منذ بداية العام الحالي، والسبب في ذلك هو حالة الاستقطاب الجيوسياسي الإقليمي والدولي التي يعيشها العراق منذ عام 2003، حيث بدا متفاعلًا استراتيجيًّا مع أي تطورات سياسية تحيط به، ما دفعه إلى تبنّي خيارات إقليمية عديدة يطمح من خلالها إلى النأي بنفسه عن التحولات الحادة التي تشهدها البيئة الإقليمية.
فقد فضّل العراق عدم التدخل في الشأن الداخلي الخليجي، كما حاول جمع دول الإقليم حول مبادرات ومشاريع إقليمية عديدة، لإدراكه أن ذلك قد ينعكس إيجابًا على الداخل العراقي، حيث إن ثنائية التوازن والجسر الإقليمي من شأنها أن تؤسِّس لفاعلية عراقية في العام المقبل، فيما لو نجح الكاظمي بالعودة إلى رئاسة الوزراء مجددًا.
ثانيًا: البُعد الدولي في السياسة الخارجية العراقية عام 2021
شكّلت البيئة الدولية إحدى أبرز الدوائر التي سعت حكومة الكاظمي إلى استثمارها، من أجل تحقيق مزيد من المنافع الاقتصادية والدعم الدولي لتجاوز التحديات التي واجهها العراق مطلع العام الجاري، والتي جاءت مترافقة مع جائحة كورونا وتداعياتها، فضلًا عن استثمار الرغبة الدولية في دعم جهود الحكومة العراقية حيال ترسيخ سلطة الدولة، وإسناد العملية الانتخابية، وتوفير الدعم اللوجستي للقوات الأمنية العراقية.
ومن ثم إن هذه الرغبة الدولية وفّرت فرصة كبيرة لحكومة الكاظمي بالتحرُّك السياسي الدولي على أكثر من صعيد، سواءً نحو منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، أو البنك الدولي، أو حتى حلف الشمال الأطلسي.
التفاعل النشيط مع البيئة الدولية
أتاحت عملية استمرار حكومة الكاظمي في مواجهة تهديدات تنظيم “داعش” المتصاعدة خلال العام الجاري، تحقيق مزيد من الاهتمام الدولي بالعراق من أجل إنهاء تهديدات هذا التنظيم، وهو ما اتّضح بالتعاون الاستخباراتي بين عدة وكالات استخباراتية دولية مع جهاز المخابرات الوطني العراقي، من خلال استدراج أمير ديوان المال في التنظيم، المدعو بـ”سامي جاسم الجبوري” والملقَّب بـ”حجي حامد”، عبر عدة دول، قبل أن يقع في قبضة الأجهزة الأمنية العراقية عبر عملية استخباراتية خارج الحدود في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
هذا بالإضافة إلى تسليم الحكومة العراقية العديد من المطلوبين الدوليين إلى الدول التي ينتمون إليها، وهو ما يشير إلى مدى العلاقات الوثيقة التي تتمتع بها الحكومة العراقية مع الدول الأخرى، وخصوصًا في المجالات الأمنية.
أما على الصعيد الاقتصادي، فإنه إلى جانب العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية التي وقّعتها حكومة الكاظمي مع العديد من الدول العام الجاري، وتحديدًا مع الصين وفرنسا والولايات المتحدة وألمانيا، فإن حكومة الكاظمي حققت تطورًا مهمًّا في العلاقة مع البنك الدولي هذا العام أيضًا.
ففي 21 سبتمبر/ أيلول 2021، قامت مجموعة البنك الدولي بتقديم خبراتها واستشاراتها الفنية للحكومة العراقية لوضع العديد من الخطط الاقتصادية، وتشتمل الركائز الرئيسية لهذه الخطة على تنمية القدرات اللازمة لإعداد موازنة مستجيبة للنوع الاجتماعي، وتنمية القدرات في مجال البيانات المتعلقة بالمرأة في القطاعَين الخاص وغير الرسمي، فضلًا عن تعزيز المعارف والقدرات التي تخصُّ تحسين الحصول على خدمات رعاية الطفل.
في حين جاءت التدافعات الاجتماعية والثقافية لتشكِّل الأوجه الأبرز لجهود حكومة الكاظمي في استعادة ثقة المجتمع الدولي بالعراق، وهو ما تحقّق في زيارة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، للعراق في 5 مارس/ آذار الجاري، وربما تكون الرسالة الأهم لتلك الزيارة هي رسالة التطمين لمسيحيي العراق، الذين نزحَ عدد هائل منهم خارج البلاد بفعل مخاوفهم المتزايدة، في ظل الهجمات الإرهابية التي يتعرضون لها على مدار السنوات الماضية، والتي استهدفت ضمن من استهدفت المكوّن المسيحي للمجتمع العراقي.
وعلى الجانب الآخر، حققت الزيارة أهدافًا مهمة للعراق في الظرف الراهن، إذ إنها أظهرت أن شأنه لم يغب تمامًا عن اهتمام العالم، كما أظهرت نجاح حكومة الكاظمي في توظيف الدبلوماسية الدينية لتحقيق مزيد من التفاعل مع البيئة الدولية، عبر توظيف العمق الديني والحضاري للعراق.
أما الصعيد السياسي فقد شكّل الوجه الأبرز للدعم الدولي في ترسيخ شرعية الإجراءات الانتخابية التي اعتمدتها حكومة الكاظمي، إذ رحّب أعضاء مجلس الأمن الدولي بتقرير الأمين العام للأمم المتحدة عن العملية الانتخابية في العراق، كما رحّبت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) بهذه العملية، مؤكدين ضرورة نبذ العنف في الاعتراض على النتائج.
وأثنى أعضاء مجلس الأمن على نتائج هذه الانتخابات، وعلى التقييم الإيجابي لمراقبي الانتخابات الدوليين في بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق، وهنّأوا حكومة العراق والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، على انتخابات تمّت إدارتها بشكل جيد تقنيًّا، وأُجريت في ظروف سلمية بشكل عام في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.
الالتزام الدولي بدعم العراق
يدرك المجتمع الدولي أهمية الحفاظ على الاستقرار السياسي والأمني في العراق، هذه الأهمية متولِّدة من مسارات جيوسياسية وجيواقتصادية عديدة توصّلَ إليها المجتمع الدولي، بعد العديد من الانهيارات التي أصابت الأنظمة السياسية في الجغرافيا المحيطة بالعراق، إلى جانب تداعيات صعود حركة طالبان في أفغانستان.
وهذه الأهمية بدت واضحة في تحقيق انسحاب أمريكي مسؤول من العراق، من خلال إصرار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الإبقاء على 2500 جندي أمريكي تحت عنوان “المستشارين الدوليين” في العراق مع انتهاء العام الجاري، الذي سيترافق مع انسحاب باقي القوات الأمريكية من العراق.
هذه الجدّية الأمريكية جاءت واضحة بعد زيارة الكاظمي لواشنطن في 26 يوليو/ تموز 2021، بعد يوم من اختتام اجتماعات الجولة الرابعة من الحوار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة، وتمخّضت هذه الزيارة عن تحديد الأطر الاستراتيجية العامة للعلاقات العراقية الأمريكية، وإعلان الاتفاق مع واشنطن على تحويل مهمة قوات التحالف الدولي من قتالية إلى تدريبية واستشارية بنهاية العام الجاري.
وليس هذا فحسب، بل إن حلف الشمال الأطلسي هو الآخر طرحَ نفسه كبديل استراتيجي في حالة الانسحاب الأمريكي الكامل من العراق، وهذا الإدراك الأطلسي جاء بعد تصاعُد التهديدات الاستراتيجية التي تمثّلها عودة تهديدات تنظيم “داعش”، واحتمالية الهجرة المعاكسة من مناطق الصراع في سوريا وليبيا إلى الداخل الأوروبي.
ومن ثم إن هذا الواقع الاستراتيجي يعكس مدى الالتزام الدولي بدعم العراق سياسيًّا وأمنيًّا، وبالشكل الذي يجعله قادرًا على كبح جماح التهديدات الأمنية العابرة للحدود، ولعلّ هذا هو أبرز أوجه الخلاف الحالي بين حكومة الكاظمي من جهة، والفصائل المسلحة القريبة من إيران من جهة أخرى.
وفي سياق الالتزام الدولي بدعم حكومة الكاظمي أيضًا، فقد جاءت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للعراق في أغسطس/ آب الماضي، على هامش انعقاد مؤتمر “قمة بغداد للتعاون والشراكة”، لتوضِّح طبيعة تبادُل الأدوار بين القوى الدولية داخل العراق، وأهمية المكانة التي يحظى بها العراق في الإدراك الدولي.
فقد قال ماكرون على هامش القمة: “نحن هنا لتعزيز سيادة العراق وأمنه المستدام”، وأضاف: “ملتزمون بالشراكة مع الحكومة العراقية لمحاربة الإرهاب”، و”أن بلاده عملت على تمويل مشاريع تنموية في العراق لإعادة بناء البنية التحتية”.
وفي خطوة أكثر أهمية على الصعيد الدولي، وجّه الرئيس بايدن دعوات إلى قادة نحو 110 دول للمشاركة في قمة افتراضية بشأن الديمقراطية في ديسمبر/ كانون الأول الجاري، وفق قائمة نشرتها وزارة الخارجية الأمريكية، وجاءت القائمة موافقةً لما نُشر سابقًا في وسائل إعلام أمريكية، حيث خلت من جميع الدول العربية باستثناء العراق.
وجاءت دعوة العراق دون غيره من الدول العربية، أو حتى الحليفة للولايات المتحدة، لتعكسَ إدراكًا أمريكيًّا بأهمية دعم الديمقراطية الناشئة بالعراق، ودعم جهود العراق على استعادة السيادة وسلطة الدولة والاستقلالية في السياسة الخارجية.
إن التفاعل الإيجابي بين العراق والبيئة الدولية، جاء بعد العديد من الرسائل الإيجابية التي تلقّاها المجتمع الدولي من حكومة الكاظمي، عبر وجود الرؤية والرغبة السياسيتَين لدى هذه الحكومة في إعادة العراق إلى وضعه السياسي الطبيعي، وبالشكل الذي يجعله قادرًا على الوفاء بالتزاماته الدولية، ويكون محطة للسلام وداعمًا للاستقرار على الصعيدَين الإقليمي والدولي.
وقد تمثّلَ هذا مؤخرًا في إعلان البنك المركزي العراقي في 22 ديسمبر/ كانون الأول 2021 عن دفع كامل التعويضات المالية التي أقرّتها الأمم المتحدة لصالح الكويت بسبب حرب الخليج، والبالغة 52.4 مليار دولار، حيث قال البنك في بيان رسمي له إنه تمَّ دفع الدفعة الأخيرة المتبقية من تعويضات دولة الكويت البالغة 44 مليون دولار، وأوضح البيان أن العراق أتمَّ سداد كامل مبلغ التعويضات التي أقرّتها لجنة الأمم المتحدة للتعويضات التابعة لمجلس الأمن الدولي، بموجب القرار 687 للعام 1991.
ختامًا..
ممّا لا شكّ فيه أن السياسة الخارجية العراقية خلال عام 2021، حققت قفزات مهمة على الصعيدَين الإقليمي والدولي مقارنة بالأعوام الماضية، هذه القفزات أوضحت بصورة جلية قدرة العراق على إنتاج سياسة خارجية واضحة ومتّزنة حيال مجمل القضايا والتحديات الخارجية.
ولكن من جهة أخرى أظهرت أيضًا أن حالة التوافق الإقليمي والدولي على دعم العراق سياسيًّا وأمنيًّا، يمكن أن تسهم في إعادة العراق إلى وضعه الطبيعي، وبالتالي إن هذا الواقع يشير إلى أن النجاحات المتحققة في عام 2021 ليست ذاتية فحسب، بل جاءت أيضًا بفعل توافقات خارجية أيضًا.
ما زال العراق خاضعًا للمؤثرات الخارجية، وبمتابعة الملف الخارجي للعراق يظهر أن هامش الاستقلالية التي تتمتع بها السياسة الخارجية العراقية ما زال ضيّقًا، فمجمل المشاريع الإقليمية والتفاعلات الدولية التي قامت بها حكومة الكاظمي عام 2021، كانت مبنية بالأساس على ردود الأفعال، وحتى في حالة ممارسة الفعل تواجه الحكومة ضغوطًا داخلية حادة من الكتل والتحالفات السياسية، وهو مؤشر مهم لفهم الطبيعة التي تُدار بها السياسة الخارجية العراقية بعد عام 2003، ومن ثم إن عام 2021 يمكن أن يؤسِّس لقاعدة مهمة للعمل الخارجي العراقي، لتحقيق تحولات مهمة على الصعيد الخارجي في العام المقبل.