ترجمة وتحرير: نون بوست
على مدى ثلاث سنوات كان خط المواجهة يمر عبر هذا الساحل. وكانت شواطئ وأسواق مدينة الحديدة الواقعة في شمال غرب اليمن تعتبر منطقة خطرة على الزوار، وغابت عنها وفود اليمنيين الذين كانوا يأتون في أشهر الشتاء بحثا عن أشعة الشمس والطقس الدافئ، وهروبا من المناطق الجبلية الباردة مثل صنعاء.
ولكن خلال الشهر الماضي مع تقدم الحوثيين، انتقل القتال بعيدا عن هذه المدينة الساحلية، وفجأة عاد الناس إلى شواطئ الحديدة.
واليوم يبدو أن هذه الحرب التي تدور رحاها منذ سبع سنوات في اليمن قد ابتعدت قليلا عن هذه الشواطئ. حيث أن المعارك بين الحوثيين والقوات الموالية للحكومة المعترف بها دوليا انتقلت إلى ميادين أخرى، وهو أمر استغله الزوار على أكمل وجه.
وقبل 2018، كان حسين عبد الوهاب البالغ من العمر 42 عاما والذي يعيش في صنعاء، يقضي كل في سنة بضعة أسابيع في الحديدة. وهو يقول لميدل إيست آي: “تعتبر الحديدة أفضل وجهة في الشتاء، حيث أن الطقس يكون جميلا، ولكننا حرمنا من هذا المكان خلال السنوات الثلاث الماضية، لأن المدينة لم تكن آمنة والوصول إلى البحر لم يكن ممكنا.”
“إن السلام أمر ضروري للحياة. الآن تمتلئ الحديدة بالزوار وعادت الحياة لطبيعتها، ونحن نأمل أن يبعث هذا رسالة إلى كل الأطراف المتصارعة من أجل وقف العنف والسماح لنا بالاستمتاع بالحياة.”
وبعد رحيل المسلحين شهدت المدينة غزوا من نوع جديد، إذ أن عبد الوهاب وعائلته على سبيل المثال واجهوا صعوبة في إيجاد فندق فيه غرف شاغرة في الحديدة، وذلك بسبب العدد الكبير من اليمنيين الذين توجهوا إلى هذه المنطقة الساحلية للاستجمام. وفي هذه الشواطئ في البحر الأحمر يمكن رؤية أعداد كبيرة من النساء والرجال والأطفال من كافة محافظات اليمن، يتجول بينهم باعة المثلجات ومختلف المنتجات الأخرى.
القتال الدائر في اليمن، والصراع بين بنكين مركزيين، والحصار الذي تقوده السعودية، أدى إلى تدهور الاقتصاد بشكل كبير، وارتفاع معدلات التضخم بسرعة صاروخية
وتتزامن هذه الحركية مع عطلة مدرسية تدوم أسبوعين، استغلها الأطفال أيضا للتمتع والاحتفال بعد إنهاء الاختبارات. ويقول عبد الوهاب: “كلنا نستمتع بالسباحة وركوب القوارب واللعب بالرمال وحتى الاستماع إلى صوت البحر. إن الأطفال نادرا ما يعودون إلى الفندق، حيث أنهم يقضون كامل الوقت في اللعب على الشاطئ.”
نصنع المشبك بدل الحرب
في سوق المطراق يبيع علاء الدين المشبك، وهو نوع من الحلويات المحلية التي يصنعها بنفسه. ولقد مضى وقت طويل منذ آخر مرة يمتلئ فيها السوق بالزوار بهذا الشكل، وقد عانى علاء الدين من صعوبة في توفير احتياجات عائلته على مدى ثلاث سنوات، في ظل غياب الزوار الذين يشترون حلوياته.
يقول لميدل إيست آي: “فاقت مبيعاتي ما كانت عليه قبل الحرب، ويمكنني أن أوفر كل احتياجات عائلتي وأدخر بعض المال. أنا سعيد جدا لان معاناتي انتهت ويمكنني العودة الآن لمزاولة العمل.”
يشار إلى أن القتال الدائر في اليمن، والصراع بين بنكين مركزيين، والحصار الذي تقوده السعودية، أدى إلى تدهور الاقتصاد بشكل كبير، وارتفاع معدلات التضخم بسرعة صاروخية. ويؤكد علاء الدين أن كل شيء اليوم بات أغلى ثمنا مما كان عليه قبل أربع سنوات، ولكنه ليس منزعجا كثيرا، لطالما هنالك حركية وهنالك طلب على المشبك.
ويضيف علاء الدين: “مؤخرا عاد سكان الحديدة إلى بيوتهم وباتت المدينة مليئة بالزوار الذين جاؤوا إلى السوق لشراء المشبك. أغلب زوار الحديدة يشترون مني، لأن هذا النوع من الحلويات تشتهر به الحديدة.”
لماذا الحديدة؟
تشهد الحديدة حاليا انتعاشة سياحية افتقدتها منذ أن اندلعت الحرب في أواخر 2014. وفي العادة كان سكان صنعاء يرغبون في التمتع بأشعة الشمس ويختارون بين الحديدة أو عدن في الجنوب. ولكن مع اندلاع الحرب، وانقسام البلاد بين صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون وعدن التي تسيطر عليها القوات الحكومية، بات من غير الآمن السفر نحو الجنوب.
واليوم في كافة شوارع الحديدة وشواطئها وأسواقها، يمكنك أن تسمع لهجات يمنية من كافة أنحاء البلاد. ويأمل السكان أن تكون هذه علامة على عودة الحياة إلى سالف عهدها وأن تتحد البلاد مرة أخرى.
وفي الماضي كان أشرف الزريقي يفضل قضاء العطلات في عدن، ولكن كان يتوجب عليه شق مناطق قتال والمرور من طرقات خطرة وغير ممهدة. وهو يقول: “إضافة إلى هذه المشاكل في الطريق، كنا نعاني من التمييز ونتعرض للكثير من الإهانات في عدن. بعض الناس لم يرحبوا بالزوار من الشمال.”
واليوم يسيطر على عدن المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يطالب باستقلال جنوب اليمن، ويشتكي الشماليون من أنهم يواجهون عدائية متزايدة هناك.
ويقول الزريقي: “إن الخدمات والشواطئ في عدن قد تكون أفضل من الحديدة، ولكن سكان الحديدة أحسن، فهم يرحبون بالجميع ولا نشعر هنا أننا جئنا من محافظة أخرى.”
إلا أن الزريقي يشير إلى أنه بعد ثلاث سنوات من المعارك، باتت الحديدة في حاجة إلى بعض الاستثمارات. ويضيف: “صحيح أن الحديدة اليوم مليئة بالزوار، ولكن هذا ليس بسبب جودة الخدمات بل لأنها آمنة ومفتوحة للزيارات. إنها تحتاج لبعض الخدمات مثل افتتاح مطاعم أخرى وفنادق ومشاريع قرب البحر.”
ويتوقع الزريقي أن يشعر المستثمرون بالتردد حيال وضع أموالهم في الحديدة، بعد كل الاضطرابات التي مرت بها، ولكنه رغم ذلك يأمل أن يقرر البعض منهم المخاطرة والمراهنة على هذه المدينة. ويقول: “إن الحديدة الآن مفتوحة للزوار ونحن نستمتع بوقتنا هنا. هذا هو الأمر الأكثر أهمية، والبقية تأتي.”
المصدر: ميدل إيست آي