ترجمة وتحرير: نون بوست
سلّمت مضيفة طيران الإمارات حنان العتر هاتفيها بنظام إندرويد وحاسوبها المحمول وكلمات المرور الخاصة بها عندما حاصرها رجال الأمن في مطار دبي. وقالت إنهم اقتادوها، معصوبة العينين ومقيدة اليدين، إلى زنزانة على أطراف المدينة حيث تم استجوابها طوال الليل وحتى الصباح بشأن خطيبها الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
في اليوم التالي، وتحديدًا على الساعة 10:14 صباحًا في 22 نيسان/ أبريل 2018، وبينما كانت أجهزتها لا تزال بحوزة السلطات الرسمية، تم فتح متصفح كروم على أحد أجهزة الإندرويد التابعة لها.
وفقًا لتحليل جديد من قبل خبير الأمن السيبراني بيل ماركزاك من مجموعة الأبحاث المتعلقة بالأمن السيبراني “سيتيزن لاب”، نقر شخص على عنوان أحد مواقع الويب “على لوحة مفاتيح الهاتف، وهو يكتبه بالمفاتيح الصغيرة ارتكب خطأين إملائيين ثم ضغط “على زر البحث” واستغرقت العملية 72 ثانية.
ووفقا للتحليل الجديد، أرسل الموقع إلى الهاتف حزمة برامج تجسس قوية تعرف باسم “بيغاسوس”.
يشير التحليل الجديد إلى أن وكالة حكومية إماراتية استهدفت هاتف شخص من الدائرة المقربة من خاشقجي في الأشهر التي سبقت مقتله من خلال برنامج تجسس من الدرجة العسكرية.
وخلال الأربعين ثانية التالية، أرسل الهاتف 27 تقرير حالة من متصفح الويب الخاص به إلى خادم موقع الويب، لتحديث التقدم الذي كان يحرزه في تثبيت برنامج التجسس.
تدعي الشركة الإسرائيلية “إن إس أو” المطورة لبرنامج التجسس بيغاسوس أن أدواتها هدفها ملاحقة الإرهابيين والمجرمين. لكن حسب بيل ماركزاك المشرف على مركز أبحاث في جامعة تورنتو للكشف عن جرائم التجسس الإلكتروني، فإن الشركة قامت بإنشاء برنامج تجسس إلكتروني لصالح عميل من الإمارات العربية المتحدة.
يشير التحليل الجديد إلى أن وكالة حكومية إماراتية استهدفت هاتف شخص من الدائرة المقربة من خاشقجي في الأشهر التي سبقت مقتله من خلال برنامج تجسس من الدرجة العسكرية.
وأضاف مارزاك، الذي قام بفحص جهازي أندرويد تابعين لزوجة خاشقجي حنان العتر بناء على طلب من صحيفة واشنطن بوست وطلبها: “وجدنا الدليل الدامغ على هاتفها”. ويُذكر أن السلطات الإماراتية أعادت إليها هواتفها بعد عدة أيام من إطلاق سراحها.
ذكر مارزاك أنه كشف محاولة لتحميل برنامج التجسس “بيغاسوس” على هاتف حنان العتر، لكنه لم يستطع تحديد ما إذا كان البرنامج قد ثُبّت بنجاح، الأمر الذي سيمكن “بيغاسوس” من سرقة محتوياته وتشغيل الميكروفون. وقد أشار إلى أن الوكالة الإماراتية لم تعاود كتابة عنوان الموقع الإلكتروني للمرة الثانية ما يعني نجاح المحاولة الأولى.
صودر هاتف حنان العتر بعد خطبتها من خاشقجي مباشرة، لكنهما لم يكونا معًا نظرًا لكثرة سفرهما. ففي حين كانت العتر تقيم في دبي، كان خاشقجي يقيم في واشنطن، وكانا يناقشان غالبًا خطط السفر والاجتماعات في الولايات المتحدة وخارجها عبر تطبيقات الدردشة، وذلك وفقًا للعتر وتسجيلات هواتفها.
بينما كان مارزاك يبحث عن برنامج التجسس “بيغاسوس” على الشبكات العالمية في 2017، عثر على عنوان الصور. ومن خلال البحث المكثف عبر الإنترنت، تمكنت مجموعة أبحاث الأمن السيبراني “سيتيزن لاب”، التي يشرف عليها مارزاك، من تحديد شبكة من أجهزة الكمبيوتر وأكثر من ألف عنوان ويب تهدف إلى اختراق الهواتف المستهدفة في 45 دولة ببرنامج التجسس “بيغاسوس”، وذلك وفقًا لتقرير المجموعة “لعبة الغميضة“. وقد تم استخدام هذه المنهجية من قبل باحثين آخرين لتحديد عمليات اختراق “بيغاسوس” في جميع أنحاء العالم.
تمكن الباحثون من العثور على مجموعة معينة من عناوين الويب، المرتبطة في معظمها بالأطراف المستهدفة في الإمارات العربية المتحدة.
من خلال العمل مع اتحاد دولي صحفي بقيادة منظمة “فوربيدن ستوريز” (قصص محرمة) غير الربحية التي يقع مقرها في باريس، ذكرت صحيفة “ذا بوست” أنه في تموز/ يوليو استخدم مشغل غير معروف برنامج “بيغاسوس” وقام بإرسال خمس رسائل نصية قصيرة على مدار 18 يومًا في تشرين ثاني/ نوفمبر 2017، ثم في 15 نيسان/ أبريل 2018، قام بإرسال رسالة سادسة في 15 نيسان/ أبريل 2018، وذلك وفقًا لتحقيق أجراه مختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية لأجهزة الأندرويد الخاصة بالعتر. لكن لم يتمكن من تحديد ما إذا كانت هذه النصوص قد أدت إلى تثبيت “بيغاسوس” على الهاتف.
أشار كلير إلى أن هذه الفرضية “معيبة للغاية”، وأن التفاصيل “لا معنى لها من وجهة نظر تقنية”، موضحًا أن عملية تثبيت “بيغاسوس” تتم عن بعد، مما يعني أنه لا حاجة “لكتابة عنوان موقع ويب مرتبط بـ “بيغاسوس” في هاتف الشخص المستهدف.
يعمل مارزاك على توضيح ما حدث لهاتف العتر من خلال تحديد مشغل الوكالة الإماراتية خلال عملية تثبيت “بيغاسوس” على الجهاز أثناء احتجازها في الإمارات. وأشارت البيانات الجنائية إلى أن هناك محاولة لتثبيت برنامج “بيغاسوس” على جهازها الأندرويد.
بعد التقرير الذي نشرته الصحيفة في تموز/ يوليو الماضي، أفاد الرئيس التنفيذي لمجموعة “إن إس أو” شاليف هوليو بأن الفحص الشامل لسجلات عملاء الشركة لم يظهر قيام أي منهم باستخدام “بيغاسوس” لاختراق هواتف خاشقجي أو العتر قبل قتله من قبل فريق سعودي في إسطنبول في 2 تشرين أول/ أكتوبر 2018.
في تصريح له لأحد مواقع التكنولوجيا الإسرائيلية في تموز/ يوليو، قال هوليو “فيما يتعلق بزوجة الصحفي السعودي جمال خاشقجي … لم يظهر الفحص أنها كانت مستهدفة، ولا توجد آثار لبيغاسوس على هاتفها”.
بعد أحدث تقرير للصحيفة، قال محامي شركة “إن إس أو” توماس كلير: “أجرت مجموعة “إن إس أو” تحقيقا أظهر أن بيغاسوس لم يتم استخدامه للتصنت على هواتف العتر أو تتبعها لجمع معلومات عنها. إن الجهود المستمرة التي تبذلها صحيفة واشنطن بوست لربط مجموعة “إن إس أو” بشكل خاطئ بجريمة القتل الشنيعة لخاشقجي محيّرة”.
وأشار كلير إلى أن هذه الفرضية “معيبة للغاية”، وأن التفاصيل “لا معنى لها من وجهة نظر تقنية”، موضحًا أن عملية تثبيت “بيغاسوس” تتم عن بعد، مما يعني أنه لا حاجة “لكتابة عنوان موقع ويب مرتبط بـ “بيغاسوس” في هاتف الشخص المستهدف.
تم إتاحة هذه الخاصية في المواد التسويقية الخاصة بمجموعة “إن إس أو”، التي نُشرت لأول مرة في تسريب غير مصرح به في سنة 2014. وقد تم تقديم المستندات في دعوى قضائية تم رفعها من قبل شركة “واتس آب” ضد “إن إس أو” في سنة 2019، بدعوى استخدام “بيغاسوس” في خدمة المراسلة في هذا التطبيق لاستهداف الهواتف المعنية. وقد ورد فيها ما يلي: “يكون تنزيل بيغاسوس يدويا وتثبيته في أقل من خمس دقائق ممكنا بمجرد الوصول إلى الجهاز”.
أقر محامي الشركة كلير بأن برامج التجسس تستخدم رسائل “النصية القصيرة” لإرسال روابط مواقع الويب التي تقوم بعمليات الاختراق عبر “بيغاسوس”. لكنه قال إن “الضمانات التكنولوجية تمنع” استخدام هذه الطريقة ست مرات في فترة 18 يومًا. وتنص المواد التسويقية لـ “إن إس أو” على أنه “يمكن لمشغل النظام أن يختار إرسال رسالة نصية قصيرة أو بريد إلكتروني لإغراء الشخص المستهدف للقيام بفتحه، وبمجرد النقر على الرابط، لا يدرك أنه يتم تثبيت البرنامج على الجهاز”. وأضاف كلير أن المواد التسويقية “قديمة ولا تقدم بالضرورة أوصافًا دقيقة لإمكانيات البرنامج وقيوده اعتبارًا من 2018”.
قالت رندا فهمي، محامية العتر في واشنطن: “يسعدني أن الحكومات بدأت تفهم أن الافتقار إلى لوائح قانونية يمكن أن يؤدي إلى عواقب مميتة”.
تطلب وزارة الدفاع الإسرائيلية من شركة “إن إس أو” الحصول على موافقتها قبل بيع بيغاسوس إلى أي دولة أجنبية للتأكد من أن البيع يصب في مصلحة إسرائيل. وتقول “إن إس أو” إنها باعت “بيغاسوس” إلى 60 وكالة حكومية في 40 دولة.
ذكرت “إن إس أو” أنها لا تملك أدنى فكرة في الوقت الفعلي عن كيفية استخدام البرنامج من قبل عملائها بعد ترخيص برمجياتها لهم، لكن يمكن للشركة أن تطلب الوصول إلى سجلات العملاء للتحقيق في مزاعم سوء المعاملة. وقالت الشركة إنها ألغت عقودا مع خمس عملاء في السنوات العديدة الماضية وتنازلت عن عائدات بملايين الدولارات بسبب اهتمامها بحقوق الإنسان. وأشارت إلى أن تقنيتها أنقذت العديد من الأرواح من خلال تمكين وكالات إنفاذ القانون من القبض على الإرهابيين والمجرمين.
صرّح المدير التنفيذي للشركة هوليو للصحيفة في تموز/ يوليو: “هناك شيء واحد أريد أن أقوله: لقد أنشأنا هذه الشركة لإنقاذ الأرواح”. ورد على التقارير المتعلقة بالاعتداءات على الصحفيين وغيرها من الانتهاكات: “إنه أمر مشين. لكني لا أقلل من شأن ما حدث عندما أقول إن هذا هو ثمن ممارسة الأعمال التجارية. لقد تم استخدام هذه التكنولوجيا للتعامل حرفيًا مع أسوأ ما يقدمه هذا الكوكب، ولابد أن يقوم أحدهم بالأعمال القذرة”.
وجد التحقيق الدولي أن الحكومات الاستبدادية استخدمت برنامج “بيغاسوس” ضد الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والدبلوماسيين والمحامين وقادة المعارضة المؤيدين للديمقراطية. وتتواصل الحقائق الجديدة في الظهور. عثرت فرنسا على آثار لبرنامج التجسس على هواتف خمسة وزراء، وأعلنت وزارة الخارجية الأمريكية العثور على مؤشرات على وجود برنامج بيغاسوس على هواتف 11 موظفًا في أوغندا. وبعد النفي الأولي، عادت المجر لتعترف بأنها استخدمت برنامج التجسس.
كان رد فعل الدول عن عمليات التحسس قويًا. تحدثت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا مع مسؤولين إسرائيليين رفيعي المستوى للتعبير عن مخاوفهم، وأدرجت إدارة بايدن الشهر الماضي مجموعة “إن إس أو” في القائمة السوداء لمنعها من الوصول إلى تقنيات أمريكية معينة، وأضافتها إلى “قائمة الكيانات” المخصصة للشركات التي تتعارض أنشطتها مع مصالح الأمن القومي أو السياسة الخارجية الأمريكية. من جانبها، أعربت “إن إس أو” عن استيائها من هذه الخطوة وهي تسعى إلى إعادة الأمور إلى نصابها. كما تقاضي شركة “آبل” هذه المجموعة لمنعها من استهداف أجهزة آيفون بواسطة برنامج “بيغاسوس” مستقبلا.
قالت رندا فهمي، محامية العتر في واشنطن: “يسعدني أن الحكومات بدأت تفهم أن الافتقار إلى لوائح قانونية يمكن أن يؤدي إلى عواقب مميتة”.
الإمارات العربية المتحدة حليف قديم للمملكة العربية السعودية. وفي سنة 2013، وقع البلدان اتفاقية أمنية متبادلة للتعاون في مسائل الاستخبارات وإنفاذ القانون.
تعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة من بين أكثر عملاء مجموعة “إن إس أو” شهرة، وهي تستخدم برنامج بيغاسوس لاستهداف نشطاء مناهضين للنظام وصحفيين وحتى أميرة كانت تحاول الهروب من والدها، وذلك وفق ما توصل إليه تحقيق إعلامي دولي وآخرون. وقد كشفت محكمة بريطانية في تشرين الأول/ أكتوبر، أن المجموعة أنهت عقدها مع الإمارات لأن حاكم دبي استخدمه لاختراق هواتف زوجته السابقة ومحاميها، عضو مجلس اللوردات البريطاني.
تواصل الإمارات نفي جميع الادعاءات ضدها، كما نفت في السابق مزاعم استخدام بيغاسوس ضد نشطاء حقوق الإنسان وغيرهم من شخصيات المجتمع المدني. ولم تستجب سفارة الإمارات في واشنطن لطلبات التعليق المتعددة.
الإمارات العربية المتحدة حليف قديم للمملكة العربية السعودية. وفي سنة 2013، وقع البلدان اتفاقية أمنية متبادلة للتعاون في مسائل الاستخبارات وإنفاذ القانون.
والإمارات متهمة بالتجسس على معارضين سعوديين في الخارج وإرسالهم إلى الرياض، وذلك وفقًا لمنظمات حقوقية ودعوى قضائية رُفعت مؤخرًا في محكمة اتحادية في بورتلاند بأوريغون نيابة عن ناشط حقوقي سعودي مسجون.
العواقب الإنسانية لسوء استخدام بيغاسوس
قبل ثلاث سنوات، كانت حنان العتر موظفة في طيران الإمارات. كانت متزوجة من أيقونة مؤيدة للديمقراطية وتتقاضى راتبًا يسمح لها بإعالة والدتها وإخوتها، لكنها اليوم تخشى على حياتها. قالت في مقابلة أجريت معها مؤخرًا: “كل يوم عندما أرى ضوء النهار، أتساءل لماذا ما زلت على قيد الحياة، إنني الضحية الثانية بعد جمال في هذه المأساة”، وأضافت “لقد فقدت حياتي … كنت أعول عائلتي والآن لا يمكنني حتى توفير قوت لنفسي”.
أنفقت حنان معظم مدخراتها، وكانت تنام على مرتبة هوائية لفترة من الزمن في شقة فارغة. في سن 53، انتقلت حنان مؤخرًا للعيش في غرفة في الطابق السفلي لمنزل شخص غريب في انتظار النظر في طلب اللجوء السياسي الذي قدمته.
حصلت مؤخرًا على تأشيرة عمل مؤقتة بمساعدة النائب جيمي راسكين. بالإضافة إلى محاولة تنظيم حياتها الجديدة، لا تتوان حنان عن ارتداء أفضل ملابسها وأحذية الكعب العالي ووضع المكياج وتصفبف شعرها ثم تستقل المترو أو الحافلة لإجراء مقابلات العمل في الفنادق والمطاعم المحلية. وفي الأسبوع الماضي، حصلت على وظيفة كنادلة مقابل 2.70 دولارًا في الساعة بالإضافة إلى الإكراميات.
قالت العتر إنها تشعر بأنها أصبحت منسية في أعقاب مقتل خاشقجي. وقد اكتشفت أنه اختفى على تويتر بعد أن استيقظت من رحلة طويلة وحيدة في شقتها في دبي.
وبينما كانت تتعامل مع احتمال تعرضه للقتل، اكتشفت أنه كان يخطط للزواج من امرأة أخرى.
كانت خطيبته خديجة جنكيز في انتظاره خارج القنصلية السعودية في إسطنبول، حيث ذهب للحصول على وثيقة ضرورية للزواج منها. لكن بدلاً من ذلك، قُتل بموافقة الأمير السعودي محمد بن سلمان حسب ما خلصت إليه وكالات المخابرات الأمريكية في وقت لاحق. وقد نفى الأمير السعودي أي تورط له في الموضوع، بينما أدين بعض أعوانه وصدرت أحكام في حقهم.
أصبحت جنكيز، التي أطلقت عليها صحيفة “لوموند” فيما بعد اسم “الوريثة غير الرسمية لجمال خاشقجي”، متحدثة رسمية مؤثرة أمام حشد من كاميرات التلفزيون التي تجمعت خارج القنصلية. في غضون ذلك، كانت العتر تكافح لجذب الانتباه باعتبارها الزوجة الرابعة لخاشقجي – بعد طلاقه ثلاث مرات – ولم يعرف الكثير من أصدقائه في واشنطن بزواجه منها في فيرجينيا في حزيران/ يونيو 2018.
قالت سارة ليا ويتسن، مدافعة عن حقوق الإنسان والمديرة التنفيذية لمنظمة “الديمقراطية الآن للعالم العربي”، وهي منظمة تركز على الشرق الأوسط أسسها خاشقجي: “لا أحد يعرفها، أبقى جمال زواجه سرًا، لا أعرف ما الذي كان يدور في رأسه”.
ظلت الخطوات الأولى التي اتخذتها منظمة العفو الدولية لمساعدة العتر في أيار/ مايو متشابكة مع البيروقراطية في ظل سوء التواصل بعد سبعة أشهر، وذلك وفقًا لمراسلات بين المنظمة ومحامي العتر. وقالت المنظمة إن الزيادات المفاجئة في عدد اللاجئين تسببت في تعطيل الإجراءات، وأضافت: “للأسف كانت هناك تأخيرات غير متوقعة” في التعامل مع قضية العتر، لكنها تعتزم إعادة الاتصال معها لاستكمال مراجعة الملف.
في تركيا، دُمرت حياة جنكيز أيضًا، وذلك حسب ما أخبرت به صحيفة واشنطن بوست في مقابلة في إسطنبول هذا الصيف. فقد عيّنت تركيا حراسا شخصيين دائمين لها، ومُنعت من السفر في المنطقة لاعتبارات السلامة أو العودة إلى منصبها الأكاديمي.
قالت سارة ليا ويتسن: “في حالة كل من حنان وخديجة، انقلبت حياتهما رأسًا على عقب، كلاهما دفع ثمنًا باهظًا. حنان تعرضت للاستجواب والمضايقة من قبل الإمارات وهي الآن في ضائقة مالية شديدة، وخديجة هي الأخرى تعاني”.
التهديدات بالقتل والاستجوابات والإقامة الجبرية
في مساء يوم 21 نيسان/ أبريل 2018، وصلت العتر من رحلة دامت 15 ساعة من تورنتو إلى الإمارات العربية المتحدة، وهي مرهقة وترغب في النوم بشدة. لكن عندما دخلت دائرة الهجرة كالمعتاد في مطار دبي الدولي لاحظت على الفور وجود مجموعة من الرجال الذين يرتدون زيا رسميا يحدقون إليها. كانت تعلم أن خاشقجي كان مستهدفًا بسبب دفاعه عن حقوق الإنسان، فهرعت إلى الحمام للاتصال بأختها.
أرسلت رسالة لأختها وهي في دورة المياه تقول فيها: “هناك شيء ما ليس على ما يرام”. وسرعان ما حذفت تطبيق واتساب، الذي كانت تستخدمه هي وخاشقجي للتواصل، من هاتفها. عندما خرجت من دورة المياه، حاصرها رجل ضخم من جهة والمرأة الوحيدة في تلك المجموعة من الجهة أخرى. همس الرجل: “امشي معنا بهدوء وأحسني التصرف”.
حسب ما ورد في إفادة خطية مشفوعة بيمين في قضية لجوءها، انتابتها رغبة في التقيؤ وبدأت ترتجف بشكل لا يمكن السيطرة عليه. اقتادها العملاء إلى منزلها معصوبة العينين ومقيّدة اليدين للبحث عن وثائق وأجهزة حاسوب. قدم ثلاثة من أصدقاء العتر لمحاميها إفادة خطية مشفوعة بيمين تشهد على أن العتر روت لهم نفس الحقائق بعد فترة وجيزة من إطلاق سراحها.
اقتادوها إلى سجن العوير المركزي، وهو مجمع كبير يخضع لحراسة مشددة يقع على أطراف المدينة، حيث أخذ بصمات أصابعها. أخذ الوكلاء مسحة من الحمض النووي من فمها. قاموا بتصوير وجهها من زوايا مختلفة. ثم طرحوا عليها أسئلة عديدة حول خاشقجي في وقت متأخر من الليل وحتى الصباح.
تتذكرهم وهم يسألون: ما هي نشاطات جمال؟ ما هي شبكة علاقات جمال؟ كم يبلغ دخل جمال؟ كيف هي صحة جمال؟ وقد أجابت على كل هذه الأسئلة. قالت إنها أخبرتهم أنه لا توجد شبكة تستعد لإسقاط ممالك الخليج العربي. وصحيح، أراد خاشقجي إطلاق سراح ناشطين سياسيين من السجون السعودية. صحيح، لقد كان يسعى لإرساء الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في العالم العربي. لكن ينبغي أن يكون للعائلات المالكة أدوار لتعزيزها، مثل تلك الموجودة في بريطانيا والسويد. وعندما تركها العملاء بمفردها انزلقت على الأرض لتنام من شدة التعب.
أعادها العملاء إلى منزلها بعد 17 ساعة، لكنها وُضعت رهن الإقامة الجبرية لمدة 10 أيام. أشارت حنان إلى أن الاستجوابات والإقامة الجبرية استمرت لأشهر على مدار السنة التالية، وكذلك المضايقات الهاتفية من قبل مسؤول المخابرات، الذي أطلق على نفسه اسم محمد عبده. كما تم استجواب أشقاء العتر في دبي ومصر ومصادرة جوازات سفرهم عندما حاولوا السفر لرؤية والدتهم المريضة أو زيارة العتر.
دون علم العتر، كان الإماراتيون يستخدمون برنامج بيغاسوس لمحاولة التجسس عليها منذ شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، وفقًا لمختبر الأمن التابع لمنظمة العفو الدولية. خلال تلك الفترة، كانت علاقتها بخاشقجي لم تتخط مرحلة المغازلة عبر المكالمات الهاتفية بينما كانا في سفر دائم، حيث كانت هي موظفة في شركة طيران بينما كان هو يلقي الخطب ويلتقي بزملائه في أوروبا وتركيا.
صمم المحللون رسائل نصية قصيرة مزيفة لدفعها على النقر على رابط واختراق هواتفها: لقد أغروها بباقة من الزهور كانت ستتلقاها في المنزل بنقرة واحدة… وجاء في نص الرسالة: “عزيزتي حنان، تم إرسال باقة ورد إليك. اختاري موقع التسليم من خلال النقر على هذا الرابط: https://bit.ly/…”، ناهيك عن إرسال صور من أختها منى لتنقر عليها على رابط آخر مفادها: “شاركت منى العتر صورة معك على فتو بوكيت! انقر هنا لمشاهدتها وتنزيل تطبيقنا. https://bit.ly/ …”
وفي رسالة نصية أخرى تم إعلامها بأنه وصلها طرد في مكتب شركة طيران إماراتية مشترك كتب فيها: “عزيزتي حنان، لديك طرد من القاهرة عبر أرامكس، أدخلي رقم التعريف الشخصي 3483 واختاري موقع التسليم على خريطتنا: https://bit.ly/ …”
في بداية شهر نيسان/ أبريل، كان في انتظار العتر وخاشقجي أسبوع حافل. قالت إنه اقترح عليها في 3 نيسان/ أبريل الزواج، وقدم لها خاتم الخطوبة. استخدم برنامج بيغاسوس لاختراق أحد هواتفها مرة أخرى في 15 نيسان/ أبريل 2018، من خلال إرسال رسالة نصية باستخدام تطبيق صور على أجهزة أندرويد.
استمر الثنائي في الالتقاء والتواصل عبر الهاتف، باستخدام العديد من التطبيقات الجديدة التي أكد خاشقجي للعتر أنها صعبة الاختراق. بعد منتصف ليلة السابع من أيلول/ سبتمبر، عندما رتبا آخر لقاء شخصي بينهما، راسلته بعد أن وصلت إلى مدينة نيويورك. لقد خططا للبقاء معًا في فندق شيراتون.
وقد ورد في إحدى الرسائل: “مرحبا جمال. أنا في الحافلة في طريقي إلى الفندق. أين أنت جمال؟ فأجاب: “في بهو الفندق”. وقد تلتها رسالة عن نفاد صبره في انتظار رؤيتها. وبعد ثلاثة أسابيع، أرسلت له جدول رحلتها، قائلة إنها ستصل إلى مطار دالاس الدولي في رحلة 20 تشرين الأول/ أكتوبر إلى واشنطن، حيث خططا للقاء مرة أخرى.
في 30 أيلول/ سبتمبر، كان خاشقجي في تركيا للترتيب للزواج من خديجة جنكيز، لكنه أرسل تهنئة عيد ميلاد للعتر من هاتفين مختلفين. وقد ورد في إحدهما: “بارك الله فيك، عيد ميلاد سعيد، أتمنى أن تكوني بصحة جيدة وسعيدًا هذا العام”.
في الأول من شهر تشرين الأول/ أكتوبر، على الساعة 2:12 صباحًا، أجابت: “أقدر ذلك كثيرًا وأتمنى أن تكون بخير وسعيدا … أنا في الطائرة عائدة إلى دبي”. لكن في اليوم التالي قُتل.
تعتزم العتر مطالبة السلطات التركية بالحصول على هواتفه. وقد رفضت السلطات تسليم أجهزته أو نشر ما تحتويه من رسائل بشكل علني. وفي ظل تحسن العلاقات بين تركيا والسعودية والإمارات، تشك العتر في احتمال الاستجابة لطلبها.
مؤخرًا، صرحت العتر في مقابلة لها مع صحيفة واشنطن بوست الأمريكية: “أشعر بصدمة شديدة لأنني كنت أداة لمراقبة جمال”. وأضافت: “أريد أن أعرف عدد الدول التي كانت تراقب تحركات زوجي وما هي الأدوات التي استخدموها لاستهدافه”.
المصدر: واشنطن بوست