حكومة الإنقاذ التي أتت إلى رأس السلطة في السودان بليل بهيم وخديعة كبرى دبرها عراب الجبهة الإسلامية “حسن الترابي” وبقيادة “عمر حسن البشير” لم تتجاوب مع مشاكل البلد، ولم تحقق آمال وأحلام شعب ظل يعاني لسنوات طويلة بعد الاستقلال، ولم تحقق تطور ملموس في أي منحى من مناحي الحياة للشعب المكلوم، خمس وعشرون سنة من التقدم للوراء، وعرابو الإنقاذ وبإسلوبهم الفظ المستفز ووجوههم القاسية الكالحة، لم يلتمسوا العذر من الشعب، ولم يسوقوا حججًا منمقة تسد الفجوة بين شعاراتهم التي أتوا بها وعلى رأسها “نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع”، فقد استورد السودان في عهدهم الخضر والفواكه من شتى البقاع حتى غور الأردن شحيح المياه، ولا مشاريعهم التي وعدوا بها (أبرزها المشروع الحضاري)، فالذي لا يختلف فيه اثنان أن السودان الآن دولة على حافة الانهيار، أصاب مواطنوها من التعب والنصب ما يستعصي على الوصف، نقاد كُثر تناولوا هذه الفترة من تاريخ السودان ومن بينهم إنقاذيين وعلى رأسهم الصحفي الإنقاذي “حسين خوجلي” عبر برنامجه “مع حسين خوجلي” الذي يذاع على فضائية “أم درمان” حيث رصد بالأدلة والبراهين انهيار اقتصادي واجتماعي وأخلاقي غير مسبوق.
تسرب اليأس إلى نفوس الناس ترافقه خيبة أمل عظيمة واحتقان متصاعد، مع فجوة سحيقة بين واقعهم المعاش وواقع الإنقاذيين الذين ينظرون إليهم شذرًا من أبراجهم العاجية، لا يحسون المطحنة الكبرى التي تطحن السواد الأعظم منهم، فكأنما إخفاق خمس وعشرين سنةً غير كافٍ حتى تأتي لهم الأخبار باعتزام البشير الترشح لولاية أخرى دون حياء أو خجل، كأنما السودان رفل في ازدهار ونماء طيلة عهده! وكأنما الانفصال لم يكن! وكأنما الحرب في كردفان والنيل الأزرق لم تشتعل! وكأنما إقليم دارفور لم يشرب أهله كأس الذل قتلاً وتهجيرًا واغتصابًا للحرائر!
وإن تعجب فإنك تعجب للمبدأ الذي انطلق منه الإنقاذيون لإعادة ترشيح البشير! هل اعتمد الإنقاذيون على اعتقادهم بأنهم شعب الله المختار وأن الله حباهم من العلم والذكاء والفطنة مالم يهبه لأحد من أبناء السودان، فهم بذلك أحق بحكمه؟! أم أن الإنقاذيين استندوا إلى استطلاع رصد تسامح أهل السودان وعفوهم عند المقدرة؟!، ولكن أبشركم أنكم عار على الإنسانية وأن ما فعلتموه بأرض السودان وأهله لا يجدي معه إلا القصاص العادل، وأن السودان مازال به من الشرفاء الذين لن يتركوا حقًا لمواطن أهدرتموه.
إن فرضنا أن أهل السودان مسحوا ذاكرتهم المعاصرة، وصموا آذانهم عن ضجيج الفساد والإفساد الممنهج، وغضوا طرفهم عما حدث من انفصال وتدمير وتهجير جراء حكم الإنقاذ السابق .. فالسؤال هو: ما الذي سيجنيه السودان وأهله من ترشح البشير لولاية جديدة؟!!
لا يمكن لعاقل أن يتوقع إصلاح الأمور تلقائيًا، فالهموم تكالبت على أكتاف الشعب أرتال، والأمور بلغت حدًا من التعقيد لا يمكن معه معرفة أين المبدأ وأين المنتهى، والجميع يعلم أن ترشح البشير له من السلبيات الكثير وإن شئت قل “الكوارث”.
أكبر التحديات التي تواجه السودان وأكثرها استحقاقًا للمعالجة العادلة هي الديون الخارجية التي فاقت “أربعين مليار دولار” تثقل كاهل البلد المتهالك أصلاً، وتنقل لنا الأخبار أن الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها من الدول الدائنة تشترط عدم ترشح البشير للتخفيف منها وبالتالي تفادي الشق الأعظم من تأثيرها على الوطن والمواطن، وآفة أخرى سيجرها ترشح البشير على السودان ألا وهي حرمانه من الدعم الدولي للمشاريع التنموية.
إن إصرار الإنقاذيين على ترشح البشير مصيبة المصائب، وليس هنالك إثم أعظم من جحود قلوبهم وعدم خفقانها لما يحيّ الوطن .. لعائن الرحمن على كل انتهازي وصاحب مصلحة ساهم في تفتيت الوطن، إن كان عمدًا أو غباءً.