ترجمة وتحرير: نون بوست
قال قادة سياسيون وأمنيون لموقع “ميدل إيست آي” إن الفصائل الشيعية المسلحة المدعومة من إيران، التي تمر بحالة من الوهن والضغط، وجدت متنفسها في ظل عدم انسحاب القوات الأمريكية بالكامل من العراق بحلول نهاية العام.
وأضافوا أنه مع اقتراب الموعد النهائي للانسحاب في 31 كانون الأول/ ديسمبر، تستغل هذه الفصائل الفرصة لإعادة إبراز نفسها على الساحة السياسية والأمنية من خلال العودة إلى شن هجمات على أهداف أمريكية وإلى الخطابات العدوانية.
في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، دخلت هدنة غير رسمية حيز التنفيذ بين الفصائل الشيعية والولايات المتحدة، وعدت بموجبها الجماعات المدعومة من إيران بإلغاء هجماتها حتى العام الجديد شريطة أن تغادر القوات الأمريكية بحلول ذلك الوقت.
في أواخر تموز/ يوليو، أعلنت الحكومة العراقية عن إبرام اتفاق مع واشنطن يقضي بانسحاب القوات القتالية الأمريكية بحلول نهاية 2021. ولكن على أرض الواقع، بدا أن الولايات المتحدة تُعيد نشر قواتها بشكل متزايد بدلا من الانسحاب.
حسب ما صرّح به قادة سياسيون وقادة فصائل مسلحة لموقع “ميدل إيست آي” فإن “تلاعب الحكومة العراقية بالمفردات” فيما يتعلق بـ “الانسحاب”، وفشلها في المطالبة بانسحاب القوات الأميركية كما وعدت أعاد هذه الفصائل إلى الواجهة وعزز موقفها.
صرّحت بعض الفصائل المسلحة، بقيادة عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، باستئناف عملياتها العسكرية اعتبارًا من 1 كانون الثاني/ يناير المقبل، واستهداف جميع المصالح الأمريكية في العراق بما في ذلك المواقع العسكرية والمقرات الدبلوماسية في جميع أنحاء البلاد.
ومع أن الموعد النهائي لم يحن بعد، استهدفت الفصائل في عدة هجمات أرتال دعم لوجستي على الطريق السريع الرابط بين البصرة وبغداد الأسبوع الماضي. ويوم الأحد استهدف هجوم بصاروخ كاتيوشا السفارة الأمريكية يوم الأحد في بغداد دون سقوط قتلى.
تشهد الفصائل المدعومة من إيران حاليا أسوأ أيامها، بعد ما تكبدته من خسائر في الانتخابات البرلمانية لتشرين الأول/ أكتوبر، وتعرضها لضغوط إثر اتهامها بمحاولة اغتيال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في تشرين الثاني/ نوفمبر. عمقت الانتخابات، على وجه الخصوص، الخلافات بين قادة الفصائل حول توجهاتهم والثروة التي يكتسبونها من مختلف المشاريع المشروعة والمشبوهة.
حسب ما صرّح به قادة سياسيون وقادة فصائل مسلحة لموقع “ميدل إيست آي” فإن “تلاعب الحكومة العراقية بالمفردات” فيما يتعلق بـ “الانسحاب”، وفشلها في المطالبة بانسحاب القوات الأميركية كما وعدت أعاد هذه الفصائل إلى الواجهة وعزز موقفها.
أخبر سياسي شيعي بارز مقرب من إيران موقع “ميدل إيست آي” بأن الفصائل المسلحة كانت في مأزق حقيقي، ويمكن القول إنها كانت في أضعف حالاتها منذ سنوات وتترنح تحت وطأة الضربات الأخيرة التي تلقتها من عدة جهات. وأضاف المصدر ذاته أن إيران اكتفت بالمراقبة ولم تمد يد العون لهذه الفصائل، وامتنعت عن التدخل حتى الآن، على الرغم من أنها تخدم مصالحها. وهو يقول: “للأسف، أعادت لعبة الكاظمي، إن صح التعبير، إحياء هذه الفصائل وعززت مكانتها وساهمت في عودتها إلى الواجهة كلاعب رئيسي على الساحة السياسية والأمنية”.
الاحتفاظ بالسلاح يحتاج إلى مبرر
أظهرت النتائج الأولية للانتخابات حصول الفصائل المسلحة المدعومة من إيران على نحو 20 مقعدًا فقط في البرلمان، وهو رقم بعيد كل البعد عن عدد مقاعد التيار الصدري الذي خرج منتصرًا بواقع 74 مقعدًا.
لا تزال نتائج الانتخابات البرلمانية محل نزاع، خاصة من قبل الفصائل المسلحة التي تم تجاهل دعواتها لإلغاء الانتخابات بسبب مزاعم التزوير – على الرغم من الاحتجاجات العنيفة خارج المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد.
يبدو أن الطعون القانونية والنداءات الخاصة بإعادة فرز الأصوات يدويًا منح هذه الفصائل وقتًا لإعادة ترتيب أوراقها وإعاقة محاولات الصدر لتشكيل حكومة تقصيهم من المشهد السياسي. وقد عرض عليهم الصدر دورًا في حكومة مستقبلية شريطة تسليم أسلحتهم إلى الدولة – وهو اقتراح غير معقول بالنسبة للفصائل.
ولعل كثر ما يثير قلق هذه الفصائل أن راعيتها إيران، ليس لديها – على ما يبدو – مشكلة في تشكيل الصدر حكومةً من دونها. وكل هذه التطورات تضع الفصائل في موقف دفاعي، وهو ما لم تعتد عليه. مع ذلك، ربما تكون الأمور قد تغيّرت.
وفقًا لما صرّح به مستشار سابق لرئيس الوزراء لموقع “ميدل إيست آي فإن “الاحتفاظ بالسلاح يحتاج إلى مبرر، ووجود القوات الأمريكية في العراق هو أفضل عذر لهم للاحتفاظ بأسلحتهم وإضفاء الشرعية على وجودهم. تخضع هذه الفصائل لضغط كبير، لذلك سوف تستخدم هذه القضية. وستكون هذه الحجة أهم الأوراق التي سوف تلعبها الفصائل مع التيار الصدري وبقية الأحزاب السياسية في الفترة المقبلة. لنقل إنها تذكرة عودتها إلى الساحة السياسية”.
لا وجود لانسحاب حقيقي للقوات الأمريكية
روّج الكاظمي مرارًا وتكرارًا لانسحاب “القوات القتالية الأمريكية” باعتباره انتصارًا لحكومته، مؤكدًا أن القوات التي ستبقى سوف يكون لها أدوار مختلفة.
لكن مسؤولين عراقيين مطلعين على جولات المناقشات الاستراتيجية التي تمخض عنها الاتفاق أخبرا موقع “ميدل إيست آي” بأن وصف “القوات غير القتالية” روج له المسؤولون العراقيون لتبرير وجود ما لا يقل عن 2500 جندي أمريكي في البلاد بعد 31 كانون الأول/ ديسمبر.
ذكر أحد المسؤولين أن “الولايات المتحدة لا تصنف قواتها إلى قتالية أو غير قتالية، وقد استخدم توصيف القوات غير القتالية من طرف رئيس الوزراء وفريقه للترويج إلى نجاحهم في إقناع الأمريكيين بسحب قواتهم من العراق بحلول نهاية السنة”. وأضاف: “لن تنسحب القوات الأمريكية من العراق، بل ما يحدث بالفعل هو إعادة انتشار للقوات”.
قال مسؤول ثاني لموقع “ميدل إيست آي” إن الاتفاق لم يتضمن كلمة “الانسحاب” من حيث المبدأ، وإنما نَصّ على إنهاء المهام القتالية وتحويلها رسميًا إلى مهام استشارية وتدريبية، وهذا يعني تقليص عدد القوات. وقد تم نشر القوات الأمريكية في العراق سنة 2014 بناء على طلب الحكومة العراقية آنذاك للمساعدة في دحر تنظيم الدولة.
أضاف المسؤول ذاته: “لم ترِد كلمة الانسحاب في الاتفاق الموقع بيننا وبين الأمريكيين، إذ رفض المفاوضون الأمريكيون إدراج هذه المفردة رغم إصرارنا على ذلك”، لينشأ عن ذلك خلاف بين الفريقين المفاوضين. ثم اتفق الطرفان في النهاية على اعتماد مصطلح “الرحيل” لكن فريق التفاوض الأمريكي غيرها في آخر لحظة بعبارة “إعادة الانتشار من العراق” بدلاً من ذلك.
كان التحدي الآخر الذي واجهه الفريقان المفاوضان هو الوصف المشار به إلى القوات الأمريكية التي ستظل في العراق بعد الموعد النهائي المحدد للانسحاب. في هذا الصدد، كان العراقيون حريصين على توضيح أن الجنود الأمريكيين لن يكون لهم دور قتالي، في حين كان الجيش الأمريكي لا يعتمد في الواقع هذا التصنيف. في نهاية المطاف، اتفق الطرفان على تعديل هذه الفقرة بحيث تطالب بإنهاء “المهام القتالية” بدلاً من إنهاء عمل “القوات القتالية”.
أفاد المسؤول الأول: “علمنا أن هذه التفاصيل ستكون القنبلة التي ستنفجر في وجوهنا فيما بعد. حذرنا من ذلك، لكن كل من شارك في المحادثات طلب المضي ومعالجة هذه المشكلة في وقت آخر”. وأضاف: “كان الكاظمي يسعى لتحقيق نصر حتى لو كان وهميًا. لنرى الآن من سيدفع الثمن”.
المصدر: موقع ميدل إيست آي