كان من المُبرمَج أن تُجرى الانتخابات الرئاسية في ليبيا اليوم بناءً على ما توصّل إليه المجتمعون في جنيف مطلع هذه السنة، لكن تمَّ تأجيل الموعد لشهر آخر ويمكن أن يتمَّ التأجيل مرة أخرى، لأسباب عديدة منها السياسي والأمني، فضلًا عن لعبة المصالح. ومع ذلك يمكن وسط هذه العتمة أن ننظر إلى قرار التأجيل من زاوية أخرى، فمع تأجيل الانتخابات تأجلت أيضًا خطة معدّة مسبقًا لتقسيم ليبيا إلى 3 أقاليم، حتى ترجع كما كانت قبل عقود طويلة، فما هي هذه الأقاليم؟
خطط للتقسيم
يوم 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، اتّفقَ أعضاء منتدى الحوار السياسي الليبي الذي عقدته الأمم المتحدة في تونس، على خارطة طريق لتشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021.
في فبراير/ شباط 2021، انتخب المشاركون في منتدى الحوار السياسي الليبي، المنعقد في جنيف، سلطة جديدة لقيادة البلاد في الفترة المقبلة، وعُهد إليها إطلاق عملية مصالحة وطنية شاملة، تقوم على مبادئ العدالة الانتقالية وتعزيز ثقافة التسامح ودعم اتفاق وقف إطلاق النار بشكل كامل، وترتيب انسحاب جميع القوات الأجنبية والمرتزقة، للوصول إلى إجراء انتخابات عامة نهاية السنة الحالية.
لم تتحقق أغلب الأهداف التي وُضعت للحكومة حتى يصل الليبيون في النهاية إلى الانتخابات، فلا مصالحة حصلت بل زادَ التقسيم السياسي بين مختلف الأطراف الليبية، وبين عدة مناطق داخل البلاد، وبقيت فئات كثيرة مهجَّرة بعيدة عن مدنها الأصلية، كما لم يحصل استقرار أمني في ظل انتشار الميليشيات وسيطرتهم على أغلب مناطق البلاد ومؤسساتها، حيث ظل المرتزقة على حالهم، حتى أن أعدادهم قد زادت وانتشارهم قد تدعّم، فبعض القوى الداخلية والخارجية ما زالت في حاجة إليهم، كما أن توحيد المؤسسات لم يحصُل، فلا سلطة مركزية لها أن تُحكم سيطرتها على كل المؤسسة.
تشير تقارير عديدة إلى أن فرنسا كانت دائمًا ما تؤكد في الاجتماعات الدولية والأممية المغلقة التي تخصَّص لبحث الأزمة الليبية أن المجتمع الليبي غير متجانس.
كل هذا لم يتحقق، ومع ذلك أصرت عدة قوى على القيام بالانتخابات في موعدها المحدَّد اليوم 24 ديسمبر/ كانون الأول، ليس رغبة في استقرار البلاد، وإنما سعيًا وراء تقسيمها بعد أن عجزت عن ذلك في مرات سابقة، إذ تعلمُ هذه القوى أن إجراء انتخابات في الوضع الذي تعرفه ليبيا حاليًّا، سيؤدّي حتمًا إلى تقسيم البلاد، ذلك أنه لن يرضى أي طرف بنتائج الانتخابات، فكل منطقة ومجموعة عسكرية لها مرشّحها الخاص، ولا يمكن لها أن تقبل بغير فوزه والحصول على كرسي الرئاسة.
وأخيرا إذا لم يتم قبول نتائج الإنتخابات من قبل الأطراف المتناحرة أعتقد لا سمح الله سوف يتم تقسيم ليبيا على أساس الفيدرالية القبلية مثل الصومال ، برقة ، فزان ، وطرابلس.
— Ahmed Abdella (@scppso) December 21, 2021
وتحاول بعض القوى الخارجية بالاستعانة بجهات داخلية إلى استغلال حالة الفوضى والعنف التي ستفرزها الانتخابات في حال إنجازها في هذا المناخ، حتى تخرج الأوضاع عن السيطرة وتطرح خيار التقسيم ويرضى به الليبيين كونه الخيار الأفضل.
وعملت هذه القوى منذ فترة إلى تهيئة الأرضية لطرح حلّ التقسيم على الليبيين، وذلك عبر دعم الانقسام بين مختلف أقاليم البلاد، وخلق كيانات موازية للمؤسسات المركزية في طرابلس، ونشر الفوضى والعنف وتهيئة الليبيين نفسيًّا لهذا الأمر.
فرنسا والإمارات على رأس القائمة
تقوم الخطة على تقسيم ليبيا إلى 3 دول على أساس أقاليمها العثمانية الثلاث القديمة: طرابلس في الغرب، برقة في الشرق، فزان في الجنوب؛ ويُذكر أنه وإلى غاية 26 أبريل/ نيسان 1963، كانت ليبيا دولة فيدرالية تتكون من 3 أقاليم تعتمدُ النظام الاتحادي.
وتقود خطة التقسيم فرنسا التي كانت داعمًا كبيرًا للّواء المتقاعد خليفة حفتر، في حربه ضد حكومة الوفاق الوطني المعترَف بها من قبل الأمم المتحدة، بغية تحقيق أهدافها في هذا البلد الغني بالنفط، وقد سبق أن كشفت رسالة إلكترونية، من بين آلاف الرسائل التي نشرتها وزارة الخارجية الأمريكية لرئيسة الدبلوماسية السابقة، هيلاري كلينتون، بعثَتْها لمستشارها سيلفان جاكوب، في 9 مارس/ آذار 2012؛ أن المخابرات الفرنسية والبريطانية كانت تدبِّر لانقسام الشرق الليبي عن الغرب منذ منتصف يناير/ كانون الثاني 2012.
مشروع تقسيم ليبيا بات يلوح في الافق … تحقق بسرعة بفضل العملاء والخونة والكلاب المسعورة …
— عبدالباسط بن هامل (@bnhamel1) December 18, 2021
جاء في الرسالة الإلكترونية، التي وصلَت الوزيرة السابقة من جهة لم تتّضح هويتها، قبل أن تعيد إرسالها إلى مستشارها، تحت عنوان “بريطانيا وفرنسا وراء الانقسام في ليبيا”؛ أن ضباطًا من المخابرات الفرنسية (دي جي إس إي) والمخابرات البريطانية الخارجية (إم آي 6) عملوا منذ منتصف يناير/ كانون الثاني 2012 إلى شهر مارس/ آذار من السنة نفسها على تحفيز القبائل الشرقية والنشطاء المدنيين في برقة على طلب الحكم الذاتي، والسعي إلى الانفصال عن حكومة طرابلس.
وأوضحت الجهة التي كتبت الرسالة الإلكترونية “السرّية”، أن المعلومات الواردة فيه استقتها من مصادر على اتصال مباشر بالمجلس الوطني الليبي، وكبار المسؤولين في الحكومات الغربية، والإخوان المسلمين في مصر، والمخابرات الغربية، وأن هذا المخطط تمَّ تدبيره بإيعاز من مستشار للرئيس الفرنسي آنذاك، نيكولا ساركوزي، بعد شكاوى رجال الأعمال الفرنسيين من الحكومة الجديدة التي رأوا أنها لا تخدم مصالحهم التجارية بالشكل الذي يناسبهم.
مهما تعقّدت الأزمة في ليبيا واشتدَّت كل الصعوبات، فالليبيون قادرون على تجاوز وتخطّي كل العراقيل، بعيدًا عن لغة السلاح.
تشير تقارير عديدة إلى أن فرنسا كانت دائمًا ما تؤكّد في الاجتماعات الدولية والأممية المغلقة التي تخصَّص لبحث الأزمة الليبية، أن المجتمع الليبي غير متجانس ولا يمكنه أن يكون كذلك، وبناءً عليه وجب إيجاد حلّ لهذا الأمر، ووفق عدة مؤشرات نتأكد من أن عين فرنسا على إقليم فزان المليء بالثروات الطبيعية.
إلى جانب فرنسا، نجدُ الإمارات أيضًا، فهذه الدولة الخليجية تعمل على دعم بعض القوى في جنوب ليبيا للانفصال عن طرابلس وتكوين دولة مستقلة هناك، وأثبتت عدة تقارير استخباراتية الدعم الإماراتي القوي لقبائل التبو التي تسعى إلى الانفصال عن ليبيا وإعلان دولة مستقلة كما حصل مع دولة جنوب السودان، بالاستعانة بمرتزقة أفارقة.
ويحاول قادة الإمارات استغلال حالة الكره التي تكنُّها جماعات “التبو” للدولة المركزية الليبية، من أجل دفعهم لبثّ الفوضى والعنف في الجنوب حتى تخرج المنطقة عن سيطرة الحكومة، ويسهل إعلان الانفصال، ويحتوي الجنوب الليبي على مدخرات كبيرة كما يسيطر على تجارة البشر.
تتركّز عيون الدول الغربية وبعض الدول العربية على النفط الليبي، ومحاولة السيطرة عليه، فاحتياطات النفط في ليبيا هي الأكبر في قارة أفريقيا، وتحتل المرتبة التاسعة بين 10 دول لديها أكبر احتياطيات نفطية مؤكدة في العالم، بمعدّلات تُقدَّر بـ 46.4 مليار برميل.
تأجيل الانتخابات الليبية يدل على تدخل ال13 لاعبا دوليا في ليبيا على العملية والمترشحين
انهزم الليبيون في أول تحدي
لا أحد يريد العودة خطوة للخلف
الصراع على أشده. وكلما ازداد الصراع كان تقسيم ليبيا أسرع https://t.co/k3l64JCsIi pic.twitter.com/ABFM8CrW78
— د/ عصام بن الشيخ ?? (@IssamBENCHEIKH1) December 23, 2021
هذه القوى تُريد التهام الكعكة الليبية، لذلك على الليبيين أن يبنوا على ما توصّلوا إليه في الفترة الأخيرة ويجلسوا مجددًا على طاولة الحوار، حتى يتوصّلوا إلى اتفاقات وتوافقات تخدم مصلحة البلاد والشعب. رغم أن الأمر صعب في وجود هذه القوى المناهضة لمصلحة الليبيين، لكن المحاولة خير من التسليم بالأمر الواقع.