لم يكن عام 2021 عامًا عاديًّا على القضية الفلسطينية، بل كان بلا منازع أكثر أعوام العقد الأخير أحداثًا، فقد بدأ العام بمرسومٍ رئاسي يحدِّد موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية قبل أن يتبخّر حلم الفلسطينيين في اختيار قيادة جديدة لهم، ثم تلى ذلك مواجهات في حي الشيخ جراح وباب العامود تبعتها المعركة الأكبر “سيف القدس”.
كما شهد هذا العام عددًا كبيرًا من الشهداء، إذ سجّلت الضفة الغربية المحتلة استشهاد 87 فلسطينيًا، بالإضافة إلى شهيدَين في الأراضي المحتلة عام 1948 و255 شهيدًا في قطاع غزة المحاصر، بإجمالي شهداء يصل إلى 344 شهيدًا. أما عدد الأسيرات في سجون الاحتلال فقد بلغ 33 أسيرة، في الوقت الذي نفّذ فيه الاحتلال في الفترة من يناير/ كانون الثاني 2021 وحتى بداية ديسمبر/ كانون الأول من العام ذاته 7500 حالة اعتقال، كانت أغلبها في الضفة والقدس المحتلتَين.
وبحسب التقديرات، فإن عمليات الهدم سجّلت خلال عام 2021 ارتفاعًا بنسبة 21%، خصوصًا في الفترة ما بين يناير/ كانون الثاني وأكتوبر/ تشرين الأول من العام ذاته، فيما تزايدَ عدد المشرّدين الفلسطينيين بنسبة 28% خلال الفترة نفسها، وفق تقرير أصدره مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
شمّاعة القدس
شكّل توافق فتح وحماس على إجراء أول انتخابات تشريعية برلمانية منذ عام 2006، مدخلًا بالنسبة إلى الفلسطينيين للتفاؤل بإمكانية إنهاء الانقسام، غير أن هذا التفاؤل سرعان ما تبدَّد رغم تشكيل القوائم وانتهاء كافة الإجراءات الفنية الخاصة بالانتخابات، ليعلن رئيس السلطة محمود عباس في 30 أبريل/ نيسان 2021 تأجيل الانتخابات.
وبرَّر عباس، الذي دخل عامه الـ 85 وهو على رأس السلطة الفلسطينية، قرارَه بعدم مشاركة الفلسطينيين في القدس الشرقية، رافضًا ما ذهبت إليه الفصائل بفرض إجرائها وتحويل الانتخابات لمواجهة سياسية مع الاحتلال ومحاولة إيجاد بدائل أخرى.
وتحدّث عباس في اجتماع دعا إليه فصائل منظمة التحرير وحركتَي الجهاد الإسلامي وحماس، غير أن الأخيرتين قاطعتا اللقاء بالقول: “قررنا تأجيل موعد إجراء الانتخابات التشريعية إلى حين ضمان مشاركة القدس وأهلها في هذه الانتخابات، فلا تنازل عن القدس ولا تنازل عن حق شعبنا في القدس في ممارسة حقه الديمقراطي”.
نتنياهو خارج الحلبة السياسية
في 13 يونيو/ حزيران 2021 غادرَ رئيس وزراء الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو سدّة الحكم بعد 12 عامًا من حكمه، بعد تحالف 8 أحزاب من بينها حزب “راعام” الذي يتزعّمه منصور عباس، ليتولّى نفتالي بينت منصب رئيس الحكومة بالشراكة مع يائير لبيد.
وشهدت هذه الحكومة سابقة تاريخية لدى الاحتلال، إذ حصدت أصوات 60 نائبًا لصالح الائتلاف الجديد المتنوِّع ما بين اليمين واليسار والوسط بالإضافة إلى حزب عربي، في حين عارضه 59 نائبًا معظمهم من حزب الليكود والأحزاب اليمينية المتشدِّدة.
القدس تنتفض
في يوم الثلاثاء 13 أبريل/ نيسان (1 رمضان)، أعلنت جماعات استيطانية عن تنفيذ اقتحام كبير للمسجد الأقصى يوم 28 رمضان، بمناسبة ما يُسمّى “يوم القدس”، تبعه مواجهات اندلعت في محيط البلدة القديمة واعتُقل على إثرها 6 مقدسيين، وفي اليوم التالي 14 أبريل/ نيسان قطع الاحتلال أسلاك سمّاعات مآذن المسجد الأقصى في باب المغاربة والسلسلة والغوانمة وحِطة والأسباط.
في أعقاب هذه الهجمات والقرارات الإسرائيلية، تمَّ فضّ ساحات المسجد الأقصى ومنع الشبّان من الجلوس قرب باب العامود وفُرِّقوا بالقوة، تبع ذلك نصب حواجز حديدية على شكل ممرّات في باب العامود لمنع المقدسيين من الجلوس على المدرّجات والانتشار في محيط المكان.
تطور الأمر لاحقًا ليصل إلى المواجهات بين الشبّان والأهالي من جانب والاحتلال من جانب آخر، ليصل الأمر ذروته في 22 نيسان/ أبريل بعد اندلاع مواجهات عنيفة في باب العامود، تبعها تهديد لكتائب القسام، الجناح المسلح لحركة حماس، أعقبه إطلاق صواريخ على مستوطنة إسرائيلية قريبة من القطاع، ردًّا على “انتهاكات الاحتلال في القدس”.
بعدها بيومَين تطور الأمر بوتيرة متسارعة لتدخل المقاومة وترفع عدد الصواريخ المطلقة من القطاع، ليقرِّر الاحتلال في 25 أبريل/ نيسان سحب جنوده من منطقة الباب ليقوم بعدها الشبّان الفلسطينيون بإزالة الحواجز الحديدية من ساحاته.
تهجير قسري
تواجهُ أحياء فلسطينية في القدس المحتلة خطر التدمير والإخلاء الجبري، مثل الشيخ جراح وحي البستان وعمليات هدم في الطور والمقبرة اليوسفية، إذ أجّل الاحتلال عدة مرات إخلاء هذه الأحياء في ضوء ما شهدته المنطقة من مواجهة مع المقاومة في غزة.
راوغ الاحتلال كثيرًا في اتخاذ القرار بإخلاء هذه الأحياء خشية من اشتعال المواجهة من جديد مع المقاومة، بالإضافة إلى وجود طلب أمريكي بتأجيل الإخلاءات، وهو ما تحقّق عبر قضاء الاحتلال الذي كان يماطل في البتّ بهذه القضايا.
وتُعتبر الأحياء المقدسية مهدَّدة منذ لحظة احتلالها عام 1967، وفرض واقع جديد باستخدام ذرائع دينية، فقد دُمِّر في البداية حي المغاربة، المحاذي لحائط البراق وباحة الحرم القدسي الشريف، بشكل كامل، بعد مصادرته وطرد 900 عائلة فلسطينية كانت تسكن فيه، كما حوّله الاحتلال إلى ساحة كبيرة للمصلّين اليهود.
ويهدد خطر الترحيل نحو 500 مقدسي يقطنون 28 منزلًا في حي الشيخ جراح، وذلك بسبب الضغوط الكبيرة التي تمارسها الجمعيات الاستيطانية بتساهُل وتكاتُف مع المحاكم، إذ رغم المواجهة مع المقاومة ورفض العائلات حلول المحاكم الإسرائيلية، فإن بلدية الاحتلال تحاول الانتقام من سكان حي الشيخ جراح، الذي يقطنه أكثر من 3 آلاف فلسطيني على مساحة أراضٍ تقدَّر بألف دونم (الدونم ألف متر مربع).
ووضعت الجمعيات الاستيطانية يدها على مساحة 4700 متر مربع تعود لعائلات عودة وعبيدات ومنصور وجار الله، لإقامة حديقة عامة عليها، إلى جانب مصادرة 6 دونمات من عائلة شرف، لإقامة مشروع استيطاني وموقف للسيارات.
ويُضاف إلى مخطط التهجير والإخلاء والتطهير العرقي، عشرات العائلات التي تقطن الأحياء الملاصقة لمسجد الشيخ جراح، و28 منزلًا يقطنها نحو 500 فلسطيني على جانبَي شارع نابلس وطول شارع عثمان بن عفان القريبَين من الحي في القدس المحتلة.
غزة تحت القصف
في مايو/ أيار من هذا العام وقعَ الحدث الأبرز للعام الماضي، حيث انتقلت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة من مرحلة الدفاع عن النفس إلى مرحلة الهجوم وبقوة، والتهديد والوعيد، وكان ذلك بعد الاعتداءات المتكرِّرة على المقدسيين لا سيما في باب العامود وحي الشيخ جراح المهدَّد بالتهجير.
ومع توتُّر الأوضاع وجّه صاحب الظل، القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، تهديدًا وتحذيرًا بالغَين اللهجة للاحتلال في حال استمرَّ باعتداءاته، ووسط عنجهية الاحتلال وتكبُّره واستمراره في انتهاكاته بحقّ القدس، خرج الملثّم أبو عبيدة، الناطق العسكري باسم القسام، بكوفيته الحمراء، وأمهلَ الاحتلال ساعتيَن قبل أن تدوّي صفارات الإنذار في المستوطنات المقامة على مدينة القدس المحتلة.
لم ينتهِ الأمر هنا فحسب، بل بدأ حينها العدوان الرابع على قطاع غزة المحاصر في القرن الواحد والعشرين، وأسفرَ عن استشهاد 248 فلسطينيًّا، حاولت خلاله “إسرائيل” الانتقام لكبريائها التي جُرحت بالتهديد وتنفيذ الوعيد الذي أتقنته المقاومة.
قد لا يكون ضربًا من المبالغة القول إن الفلسطيني ما زال حتى اللحظة يحتفل باليوم الذي ضُربت فيه مدينة تل أبيب المحتلة، ووقفت على قدم واحدة تنفيذًا لأمر صاحب الظل، وفرضت المقاومة الفلسطينية -لأول مرة في تاريخ النضال الفلسطيني- حظر التجوال في الداخل المحتل.
وخلال هذه المعركة، كشفت المقاومة الفلسطينية عن بعضٍ من جعبتها، حين أعلنت عن صاروخ “عياش 250” الذي يصل مداه جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، من أم الرشراش جنوبًا إلى رأس الناقورة شمالًا.
مع العدوان على غزة، وفي تحول خطير يعكس تصعيدًا في معركة الصراع على الوجود في فلسطين التاريخية، أعطت حكومة الاحتلال الضوء الأخضر لعصابات المستوطنين بمهاجمة فلسطينيي 48، والاعتداء عليهم في المدن الساحلية، في محاولة لترويعهم وردعهم عن المشاركة في الهبّة الشعبية، وسلخهم عن القضية الفلسطينية.
ورغم اعتداءات المستوطنين وقمع الشرطة الإسرائيلية للاحتجاجات داخل البلدات العربية، وتهديدات المؤسسة الإسرائيلية باستعمال القوة المفرطة لإخماد الهبّة الشعبية، إلا أن الاحتجاجات تواصلت، ودفع فلسطينيو 48 ضريبة الدم باستشهاد موسى حسونة (31 عامًا) من مدينة اللد برصاص مستوطن، واستشهاد محمد كيوان (17 عامًا) من أم الفحم برصاص الشرطة الإسرائيلية، كما كان الداخل الفلسطيني سبّاقًا في إعلان إضراب الكرامة يوم 18 مايو/ أيار ليعمَّ كل فلسطين التاريخية، في مشاهد عززت وحدة الكل الفلسطيني وأسّسَت لمرحلة جديدة في التعامل مع الاحتلال.
ودشّنت هذه المواجهة، التي عكست الروح الفلسطينية الكامنة في فلسطينيي 48، واقعًا دفعَ مؤسسة الجيش والأمن للخشية والخوف من أي مواجهة مستقبلية، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل وصل إلى إقرار قانون يتيح الاستعانة بالجيش إلى جانب الشرطة لمواجهة أية أحداث مستقبلية.
نفق الحرية
في 6 سبتمبر/ أيلول 2021 تمكّن 6 أسرى فلسطينيين من الهروب من سجن جلبوع، بينهم 4 محكوم عليهم بالسجن المؤبَّد، ومن بينهم زكريا الزبيدي ومحمود العارضة، حيث استطاعوا الهرب من خلال نفق حُفر في زنزانة السجن.
شكّلت هذه العملية ضربة أمنية قوية للاحتلال، خصوصًا أنه كان يروِّج لفكرة أن هذا السجن الأقوى تحصينًا من بين سجونه، وفي 10 سبتمبر/ أيلول تمكّن من الإمساك باثنين منهم: يعقوب قادري ومحمود عارضة، وفي ساعات الفجر الأولى من تاريخ 11 سبتمبر/ سبتمبر تمّت إعادة اعتقال زكريا الزبيدي ومحمد عارضة، وفي 19 سبتمبر/ أيلول تمكّن الاحتلال من إعادة اعتقال مناضل نفيعات وأيهم كممجي في مدينة جنين.
تعهّدت كتائب القسام بعدم إتمام أية صفقة تبادل جديدة مع الاحتلال الإسرائيلي دون الأسرى الستة الذين أعاد الاحتلال اعتقالهم، حيث صرّح أبو عبيدة الناطق باسم حماس أنه “إذا كان أبطال نفق الحرية حرروا أنفسهم هذه المرة من تحت الأرض، فإننا نعدهم ونعد أسرانا الأحرار بأنهم سيتحررون قريبًا بإذن الله من فوق الأرض”.
المقاومة في الضفة
تنامت عمليات المقاومة ضد الاحتلال في الضفة المحتلة والقدس على حدٍّ سواء، وأخذت طابعًا يزاوج بين العمليات الفردية والعمليات التابعة للمقاومة، إذ كانت عملية المقاوم فادي أبو شخيدم وعملية “حومش” قرب نابلس بين سلسلة من العمليات التي تكبّد فيها الاحتلال خسائر كبيرة.
وبحسب إحصائية صادرة عن المكتب الإعلامي لحركة حماس، فإن الضفة والقدس المحتلتَين شهدتا حتى منتصف ديسمبر/ كانون الأول 174 عملية إطلاق نار و38 عملية طعن أو محاولة طعن و19 عملية ومحاولة دهس و53 عملية زرع أو إلقاء عبوات ناسفة، وتشير الأرقام إلى 109 عمليات حرق منشآت وآليات ومناطق عسكرية و17 عملية تحطيم وتهشيم مركبات عسكرية تابعة للاحتلال و3 عمليات أسقط خلالها طائرات درون.
وتعكس هذه الإحصاءات حالة التنامي في العمل المقاوم بالضفة، خصوصًا في أعقاب معركة سيف القدس في غزة، بالإضافة إلى اشتباكات مخيم جنين وحضور الفصائل، خصوصًا الجهاد الإسلامي وحركة حماس، وتنفيذ عمليات اشتباك شبه يومية امتدَّ صداها إلى بعض المحافظات في مناطق شمال الضفة.
الاغتيال السياسي
لا يمكن الحديث عن عام 2021 دون الإشارة إلى جريمة اغتيال الناشط السياسي والمعارض نزار بنات، التي نفّذتها قوة تابعة لأجهزة أمن السلطة في 24 يونيو/ حزيران من هذا العام، بعد اعتقاله وضربه في مختلف أنحاء جسده.
هزت هذه الجريمة الرأي العام الفلسطيني، التي انعكست على شكل موجة غضب ضد السلطة ورئيسها وصلت حدّ المطالبة برحيله للمرة الأولى منذ أحداث الانقسام الفلسطيني، فيما كان الردّ بقمع التظاهرات واعتقال المشاركين فيها.
لا تُعتبَر هذه الجريمة الوحيدة التي اقترفتها أجهزة أمن السلطة، إذ شهد ديسمبر/ كانون الأول جريمة أخرى تورّطت فيها قوة تابعة للأمن الوقائي بحقّ الشاب أمير اللداوي، بعد أن تمّت مطاردته هو ومجموعة شبّان أثناء مشاركتهم في موكب استقبال أحد الأسرى المحرَّرين في أريحا، إذ تمَّ الاعتداء عليهم وضرب سيارتهم ما تسبّب في انقلابها ووفاة الشاب في 22 ديسمبر/ كانون الأول.
خيبات عربية جديدة
لم يكن عام 2021 أفضل حالًا من سابقه على صعيد الانفتاح العربي على الاحتلال، إذ شهد هذا العام اتفاقًا على المستوى العسكري مع المغرب، يشتري الأخير بموجبه أسلحة من دولة الاحتلال إضافة إلى تبادل المعلومات والخبرات.
وبموازاة ذلك الاتفاق تسلّلَ التطبيع إلى البُعد الرياضي، إذ وقّع المغرب عبر اتحاده لكرة القدم اتفاقًا يتمُّ بموجبه إقامة مباريات ومعسكرات رياضية مشتركة، وتبادل الخبرات على الصعيد الرياضي ولجان التحكيم.
أما الأردن فذهبَ هو الآخر نحو التطبيع من بوابة الإمارات، إذ وقّعَ اتفاقًا ثلاثيًّا في دبي في 22 نوفمبر/ تشرين الأول 2021 يتمُّ بموجبه مقايضة الطاقة بالمياه مع الاحتلال بشراكة إماراتية، وهو ما أحدث ضجّة في الشارع الأردني لرفض الاتفاقية.
لا يمكن فصل ما جرى خلال عام 2021 عن سياق ما هو متوقَّع خلال العام الجديد، سواء على الصعيد الملفات الداخلية مثل الانقسام والمصالحة، حيث لا يبدو أن هناك أفقًا جديدًا في ضوء مطالبة رئيس السلطة لحماس بالاعتراف بالقرارات الدولية كشرط لتشكيل حكومة وحدة؛ أو حتى على صعيد المواجهة مع الاحتلال.
وتبدو ملفات حصار غزة وأحياء القدس والأسرى قنابل موقوتة قد تشعل المنطقة من جديد، في ضوء المماطلة الإسرائيلية والممارسات القمعية الحالية، إلى جانب تصاعُد عمليات المقاومة الفردية بوتيرة غير مسبوقة منذ عام 2007.