مع بدء توارُد الأخبار التي تحدّثت عن وفاة السفير الإيراني في صنعاء، والجنرال في الحرس الثوري، حسن إيرلو، حتى بدأ طرح السيناريوهات حول مستقبل الدور الإيراني في اليمن بعد وفاته، ورغم تضارُب الروايات حول طريقة الوفاة، إلا أنه لم يثبت أيٌّ منها بعد.
ففي الوقت الذي أشارت فيه المواقع الإخبارية الإيرانية، وتحديدًا المقرَّبة من الحرس الثوري، إلى أن أيرلو قضى بسبب مضاعفات فيروس كورونا، تحدثت مصادر أخرى قريبة من المملكة العربية السعودية بأن أيرلو قضى بعد هجوم جوّي شنّته طائرات التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن، رفقة عدد من الضباط الإيرانيين أثناء اجتماع خاص في إحدى ضواحي صنعاء، أما الرواية الثالثة فقد تحدثت عن احتمالية تعرُّض إيرلو لهجوم بيولوجي مميت، بسبب خلافات سابقة بينه وبين بعض قيادات الحوثي.
وفي هذا الإطار أيضًا، أشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية يوم الأحد الماضي، إلى أن إيرلو أدار عدة اجتماعات عسكرية في اليمن قبل إصابته الأخيرة، مستبعِدة فرضية أن يكون سبب الوفاة هو فيروس كورونا.
إلا أنه من جهة أخرى تُطرح تفسيرات أخرى معارضة لهذه الرواية، وهي أن عملية نقل جثمان إيرلو إلى طهران تمّت عبر وساطة عراقية قام بها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، بالتنسيق مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورغم أن وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبد اللهيان حمّل السعودية مسؤولية وفاة إيرلو بسبب تأخُّر موافقتها على خروجه، إلا أن هذا يشير إلى أن إيرلو قد لا يكون متوفيًا بسبب هجوم شنّته السعودية، ما يجعل سيناريو رحيل إيرلو ملفوفًا بالغموض.
إيرلو والحوثيون واليمن
لا يختلف الكثير من المتابعين للشأن الإيراني حول أهمية ومكانة إيرلو في الشأن اليمني، وتحديدًا على مستوى العلاقة بين إيران وجماعة الحوثي، فدور إيرلو في اليمن لا يقلّ أهمية عن الدور الذي كان يقوم به قاسم سليماني في العراق وسوريا، فهو همزة الوصل بين الحرس الثوري والحوثيين، ومهندس الهجمات الصاروخية والطائرات المسيَّرة على السعودية.
كما أنه يُعتبَر من الجيل الأول للحرس الثوري، وأحد محاربي الحرب العراقية الإيرانية، وأيضًا لعبَ دورًا كبيرًا في ضبط هرمية جماعة الحوثي، ورغم أنه دخلَ في خلافات حادة مع بعض قيادات الجماعة، إلا أنهم يقرّون بأهمية دوره على مستوى الدعم والإدارة.
برز اسم إيرلو مع بدء الحرب في اليمن عام 2015، حيث كان اسمه يتداول في وزارة الخارجية الإيرانية، على اعتبار أنه أشبه بحلقة الوصل ما بين طهران والحوثيين، وينتمي إلى عائلة كان معظم أفرادها في الحرس الثوري، حيث كان ضمن صفوف معسكر حمزة 21، وشقيقه حسين قائد لكتيبة التدمير التابعة لفرقة المهدي، وشقيقه الآخر من عناصر الفرقة العاشرة في كتيبة سيد الشهداء، وفق الموقع الإلكتروني لمنظمة مجاهدي خلق، كما أن إيرلو كان ضابط دفاع جوي، وهو “خبير أسلحة مضادة للطائرات”، وأُصيب في الحرب الإيرانية العراقية.
لم تقتصر أهمية إيرلو على دوره كسفير فوق العادة، أو الحاكم العسكري الإيراني في اليمن، بل كان له دور في إدارة معارك الحوثيين ضدّ قوات الشرعية، حيث لعب دورًا مهمًّا في نقل فرضيات الحرب الهجينة التي يطبّقها مستشارو فيلق القدس في العراق وسوريا.
كما أنه أخذ يلعب دورًا أكثر مركزية في إدارة الملف الإيراني في اليمن، فبعد اغتيال سليماني، ونظرًا إلى الاستراتيجية الجديدة التي بدأها قائد فيلق القدس الجديد إسماعيل قآني على مستوى القيادة والعمليات، تمَّ إجراء تحول جديد نحو نمط يمتاز باللامركزية العملياتية في الشرق الأوسط، بحيث يتمُّ إدارة كل ملف عبر قيادة إقليمية بحدّ ذاتها.
وفي هذا السياق تمَّ منح إيرلو مهمة إدارة الملف اليمني بمعزل عن قيادة فيلق القدس، وبالشكل الذي يجعله مرتبطًا بصورة مباشرة بالجنرال أصغر حجازي، مدير المكتب العسكري للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي.
ممّا لا شكّ فيه أن الدور الإيراني في اليمن سيدخل في حالة سبات استراتيجي مرحلي حتى يتمّ تعيين خليفة لإيرلو.
إن التحدي الأبرز الذي ستواجهه إيران في اليمن، يتمثّل في إيجاد بديل لإيرلو في المرحلة المقبلة، وتحديدًا في إمكانية إدامة الدور الإيراني بالنسق ذاته الذي كان عليه في فترة إيرلو، كما أن غياب إيرلو سيخلق تحديًا حقيقيًّا في إدامة قنوات الدعم اللوجستي السرّي التي كان يديرها في اليمن.
ورغم امتلاك إيران لخزّان كبير من الجنرالات في الحرس الثوري، إلا أن الإشكالية تتعلق بالنوعية وقدرة الإدارة، فإيران استُنزفت كثيرًا منذ بدأَ الصراع العسكري في الشرق الأوسط بعد عام 2011، وتحديدًا في العراق وسوريا، فإلى جانب سليماني خسرت إيران حميد تقوي وحسن همداني وذاكر حيدري وأحمد غلامي وغيرهم.
ممّا لا شكّ فيه أن الدور الإيراني في اليمن سيدخل في حالة سبات استراتيجي مرحلي حتى يتمّ تعيين خليفة لإيرلو، حيث ستكون مهمة خليفته إعادة ضبط إيقاع الدور الإيراني، وردم الخلافات الجانبية التي أثيرت بين إيرلو والحوثيين، وإعطاء دفعة مهمة للدبلوماسية النووية الإيرانية، عبر تحقيق نجاحات جديدة على الأرض اليمنية، بناءً على التأثيرات المتبادلة بين الدبلوماسية والميدان التي يؤمن بها عبد اللهيان وقآني وجنرالات الحرس الثوري.
إلا أن الخشية الكبيرة تكمن في إمكانية أن يفشل الخليفة الجديد في تحقيق هذه الأهداف، ما سينعكسُ سلبًا ليس على الاستراتيجية الإيرانية في اليمن فحسب، بل على مجمل الشرق الأوسط، وذلك نظرًا إلى الترابط الوثيق بين ساحات النفوذ الإيراني والعلاقة الاستراتيجية التي تربط حلفاء إيران في المنطقة.