تأجلت الانتخابات الرئاسية في ليبيا التي كانت جولتها الأولى مبرمجًا أن تتم أمس الجمعة، لمدة شهر آخر بعد استحالة تنظيمها في موعدها، وعادت الكرة مجدّدا إلى مجلس النواب الساعي إلى احتكار العملية الانتخابية دون تشريك باقي مؤسسات الدولة على عكس ما نصت عليه الاتفاقات السابقة.
تأجيل بشهر فقط، جعل العديد من الليبيين يتساءلون حول ما إن كانت هذه المدة القصيرة كافية لتجاوز كل العقبات التي فشلوا في تجاوزها طيلة سنة كاملة أَو أكثر، خاصة وأن العقبات الكبرى لم يتم البدء في تفكيكها أصلًا؟
التأجيل
المفوضية الوطنية العليا الانتخابات في ليبيا أعلنت التأجيل، مقترحة موعدًا جديدًا، إذ قالت المفوضية في بيان صحفي إنها “تقترح وبالتنسيق مع مجلس النواب تأجيل يوم الاقتراع (الجولة الأولى) إلى 24 من شهر يناير 2022، على أن يتولى مجلس النواب، اتخاذ الإجراءات بإزالة “القوة القاهرة” التي تواجه استكمال العملية الانتخابية”.
وأشارت المفوضية إلى أن مرحلة الطعون الانتخابية شكلت منعطفًا خطيرًا في مسار العملية بسبب قصور التشريعات فيما يتعلق بدور القضاء في مسألة الطعون والنزاعات الانتخابية، مؤكدة أن قراراتها فيما يتعلق باستبعاد عدد من المترشحين الذين لا تنطبق عليهم الشروط، أوجدت حالة من عدم اليقين بأن قرارات الاستبعاد “جانبها الصواب”.
العقوبات التي كانت من المُفترض أن تُفرض على الكيانات المساعدة للمرتزقة في الداخل والخارج بقيت مجرد كلام ولم تفعل
سبق هذا الإعلان الرسمي للتأجيل مؤشرات تفيد التأجيل منها حل اللجان الانتخابية في جميع أنحاء البلاد، وإنهاء أعمالها، وعدم نشر القوائم النهائية للمرشحين إلى جانب عدم السماح بإطلاق الدعاية الانتخابية والمشاكل القضائية التي رافقت عملية الطعون في حق المرشحين.
وتزامن اقتراح المفوضية مع إعلان اللجنة البرلمانية المكلفة بمتابعة العملية الانتخابية استحالة إجراء الانتخابات الرئاسية في الوقت الحالي، بسبب ظروف مرتبطة بتقارير فنية وقضائية وأخرى أمنية، ووجه رئيس اللجنة الهادي الصغير رسالة إلى رئيس مجلس النواب عقيلة صالح يدعوه إلى العودة إلى منصبه كرئيس للمجلس بهدف حشد الجهود ووضع خريطة طريق تتماشى مع المعطيات الجديدة.
مدة غير كافيه
هذا التأجيل ليس وليد اللحظة ولا نتيجة قوة قاهرة حدثت فجأة، بل كان يلوح في الأفق خلال الأسابيع الماضية، فكل المؤشرات كانت تؤكد ذلك، منها غياب قانون انتخابي متفق عليه وتواصل انتشار المرتزقة والانقسام الحاد داخل مؤسسات الدولة وبين مختلف الفرقاء السياسيين وغيرها من المؤشرات.
تأجلت الانتخابات وعادة الكرة مجددًا إلى ملعب مجلس النواب، الذي قرر يوم الخميس، تشكيل لجنة من 10 أعضاء مهمتها وضع خارطة طريق للانتخابات المقبلة، خلال أسبوع، وتسليمه لرئاسة البرلمان، أي أن المجلس مازال يصر على احتكار العملية الانتخابية دون استشارة المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري)، رغم مخالفته مخرجات الحوار السياسي.
يعني ذلك أن ليبيا ستبقى مجددًا دون قاعدة دستورية وقوانين لانتخابات رئاسية وتشريعية، تحظى بموافقة مؤسسات الدولة، فالبرلمان يصر على احتكار العملية حتى يكون القانون على عقيلة صالح وحلفائه، فصالح يسعى أن يتحكم في اختيار الليبيين لرئيسهم القادم.
المشري: لن تكون هناك انتخابات في 24 يناير#بوابة_إفريقيا_الإخبارية #ليبيا #afrigatenews pic.twitter.com/Rcym5srBQl
— بوابة أفريقيا الإخبارية (@afrigatenewsly) December 24, 2021
تؤكد عديد الأطراف الليبية، من ذلك رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد دبيبة أن العملية الانتخابية تتطلب دستورًا دائمًا أو قاعدة دستورية، فضلًا عن قوانين توافقية تضمن عملية نزيهة، حتى يسهُل القبول بالنتائج، وفي حال إصرار مجلس النواب على القانون الانتخابي الحالي فإن ذلك يعني أن فترة شهر غير كافية لإنجاز انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية، ذلك أن الخلل الذي عطل إنجاز الانتخابات في موعدها الأول مازال على حاله.
تأجلت الانتخابات شهرًا، دون أن يتم الحديث عن معضلة المرتزقة، كأنها مشكلة بسيطة حُلت، والحال أنها مشكلة كبيرة تهدد استقرار ليبيا ووحدتها وليس نجاح العملية الانتخابية فقط، فالمرتزقة المنتشرين في أماكن عدة من البلاد أصبح لهم نفوذ وامتيازات من الصعب جدًا أن يتخلوا عنها، خاصة وأنه لا أحد يضغط بهذا الاتجاه الضفط الكافي.
العقوبات التي كانت من المُفترض أن تُفرض على الكيانات المساعدة للمرتزقة في الداخل والخارج بقيت مجرد كلام ولم تُفعّل، الجميع يعرف من يقف وراء هؤلاء المرتزقة سواء الأفارقة أو الروس لكن ليست هناك تحركات جدية لإخراجهم من ليبيا، فالأطراف التي جلبتهم مازالت في حاجة لهم، ما يعني أن إنجاز انتخابات في ظرف شهر من الآن، حتى وإن تم الاتفاق على قانونها يبقى صعب المنال.
ليس هذا فحسب، مسألة الانقسام أيضًا، فمن الصعب أن تتوحد مؤسسات الدولة خلال شهر، وهي التي ازدادت انقسامًا في الفترة الماضية، في ظل عدم وجود إرادة حقيقية في توحيدها، خدمة لمصالح عديد القوى الخارجية التي تستثمر في هذا الانقسام وتُغذيه خدمة لمصالحها.
من الصعب أو لنقل من المستحيل إزاحة العراقيل المتسببة بتعذر إقامة الانتخابات في موعدها المحدد، خلال شهر فقط
من أسباب تعذر إجراء الانتخابات في موعدها، المرشحين أنفسهم، فوجود اللواء المتقاعد خليفة حفتر ونجل القذافي سيف الإسلام في قائمة المرشحين، لخبط كل الأوراق، صحيح أن هذه الأسماء لها مناصريها، لكن معارضيهم أكثر؛ فحفتر يُنظر إليه على أنه مجرم حرب وجب محاكمته على المجازر التي ارتكبها في حق الليبيين، أما نجل القذافي فيُنظر إليه على أنه امتداد لنظام والده الذي كان سببًا في تخلف ليبيا، كما أنه مطلوب لمحكمة الجنايات الدولية.
بقاء هذه الشخصيات الجدلية في السباق الانتخابي، حتى وإن تأجل لأكثر من شهر، يعني فشله قبل انطلاقه، فمن الصعب أن تقبل عديد القوى في ليبيا فوز حفتر أو سيف الإسلام برئاسة البلاد، فبقاء الدولة دون رئيس أهون عندهم من أن يجلس عليه أحدهما.
فترة انتقالية جديدة
أمام استحالة إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها واستحالة إنجازها في ظرف شهر من الآن، وجب التفكير جديًا في الذهاب إلى مرحلة انتقالية جديدة مُحددة المدة، ولا تتعد 6 أشهر، لضمان الوصول إلى انتخابات ديمقراطية.
عديد الخطوات الهامة تحققت؛ من ذلك تسجيل الناخبين وتهيئة أماكن الاقتراع وغيرها من الأمور اللوجستية، الآن على الليبيين أن يتفقوا على بعض المسائل الخلافية للوصول إلى توافقات فيما بينهم حتى يُنقذوا بلادهم المهددة بالتقسيم.
المستشارة الأممية إلى ليبيا : لا ينبغي استغلال التحديات الحالية لتقويض الاستقرار وندعو المؤسسات الفاعلة لتهيئة ظروف إجراء انتخابات نزيهة pic.twitter.com/86FiWXsPBJ
— معالي / موجز الأخبار ?? (@KSA24) December 23, 2021
وجب على مجلسي النواب والدولة أن يتفقوا على أرضية صلبة للوصول للانتخابات مع بقاء حكومة عبد الحميد دبيبة لتسيير الأعمال، فالبلاد لا تقبل الفراغ في السلطة التنفيذية، ففي حال التركيز على إيجاد بديل لحكومة الدبيبة مع إغفال مسألة الانتخابات سيتأزم الوضع أكثر.
هذه الفترة الانتقالية الجديدة يتم فيها تجاوز المطبات، ووضع قانون انتخابي توافقي وتشديد العقوبات على من يُعرقل إنجاز الانتخابات سواء كانت قوى داخلية وخارجية، وتغليب مصلحة البلاد على مصلحة الأجانب، وذلك بهدف الوصول إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية تحظى بحدٍّ أدنى من التوافقات.