في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي هاجم رجل شابة تركية تُدعى باشاك جنكيز (28 عامًا) في الجانب الآسيوي من إسطنبول بسيف ساموراي، ما أدّى إلى مقتلها على الفور في جريمة هزّت تركيا، حيث قال الجاني في إفادته إنه لا يعرف الفتاة وإنما قرر ارتكاب جريمة قتل، واختارها “كونها أنثى وأقل قدرة على المقاومة”، ما أثار الرأي العام حول انتشار ثقافة “استضعاف” الأنثى في المجتمع. عدا عن كون منفّذها “مضطربًا نفسيًّا” وهاجم فتاة لا تربطه بها أي صلة أو معرفة، وذلك على خلاف الجرائم المعتادة التي ارتفعت نسبها بشكل غير مسبوق، ويجري تنفيذها بالعادة من قبل الزوج أو الأقارب أو الصديق، حيث شهدَ عام 2021 ارتفاعًا كبيرًا في نِسَب جرائم قتل النساء التي تشير تقديرات أنها وصلت إلى متوسط جريمة واحدة يوميًّا على الأقل.
اختلفت الدوافع والجريمة واحدة
في أغسطس/ آب الماضي قتلَ شاب تركي والدته وأخته باستخدام آلة حادة، لرفضهما بيع الشقة التي تعيشان بها، في منطقة كارتال التابعة لولاية إسطنبول، حيث اتصل الجيران بالشرطة عندما انبعثت رائحة كريهة من داخل الشقة، لتجدَ الشرطة سيدتَين مقتولتَين في جريمة صُنِّفت على أنها نتيجة خلافات عائلية.
وفي الشهر ذاته، أصبح اسم الطالبة الجامعية أزرا غولجاندام حياة أوغلو (21 عامًا) الاسم الأكثر انتشارًا في تركيا، بعد الكشف عن مقتلها بجريمة وحشية واعتراف القاتل البالغ من العمر 48 عامًا بارتكاب جريمة القتل في مدينة أنطاليا، حيث قام بفصل جسد الطالبة إلى 5 أجزاء في محاولة لإخفائه في إحدى الغابات، حيث اعترف أنه اعتدى على الضحية جنسيًّا في جريمة هزّت المجتمع التركي، ونُظِّمت حملات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي لمطالبة الحكومة بمزيد من الإجراءات لوقف الجرائم المتصاعدة ضد المرأة.
وقبل أيام فقط، أقدمَ رجل يبلغ من العمر 82 عامًا على قتل زوجته التي تبلغ من العمر 77 عامًا في مدينة بورصة غربي البلاد، حيث كشفت التحقيقات عن أن الزوج أطلق النار من سلاح ناري على رأس زوجته وهي نائمة، حيث تُعتبر جرائم قتل الزوج لزوجته أو طليقته بسبب خلافات زوجية هي الدافع الأكثر انتشارًا بين جرائم قتل النساء بشكل عام.
الجرائم تنفَّذ بالأسلحة النارية بالدرجة الأولى، وبآلات حادة ثانيًا، ومن ثم الخنق والضرب والتعذيب، ووسائل أخرى مختلفة.
وبداية ديسمبر/ كانون الأول الجاري، أقدمَ عمر سنجار (28 عامًا) على قتل زوجته نازيك سنجار (27 عامًا) بإطلاق الرصاص عليها بمدينة أضنة جنوبي تركيا، قبل أن يتصل بالشرطة ويخبرها بالجريمة لتسليم نفسه، وفي اعترافاته يقول القاتل إنه أقدمَ على ذلك بسبب خلافات نتيجة رفض زوجته إنجاب طفل.
وتشير إحصاءات وتقديرات مختلفة إلى أن الأغلبية العظمى من جرائم القتل بحقّ النساء تقع على خلفية اجتماعية وينفّذها مقرَّبون، حيث تذكر دراسات تفصيلية أن الأغلبية العظمى من الضحيات قُتلن على أيدي أزواجهن بالدرجة الأولى، أو الزوج السابق، أو الصديق الذي تعيش معه الفتاة، أو الأب والأخ أو أحد أفراد العائلة.
وتشير دراسة أكاديمية استدنت إلى تحليل جرائم القتل في السنوات العشر الأخيرة، إلى أن الجرائم تنفَّذ بالأسلحة النارية بالدرجة الأولى، وبآلات حادة ثانيًا، ومن ثم الخنق والضرب والتعذيب، ووسائل أخرى مختلفة.
وحول الأسباب، تشير الدراسة ذاتها إلى أنها تتعلق بالدرجة الأولى بالخلافات الأسرية: الطلاق أو طلب الطلاق، رفض الزواج، الخيانة والغيرة، إلى جانب الظروف الاقتصادية.
إحصاءات صادمة
لا يوجد إحصاءات دقيقة محدَّدة رغم صدور إحصاءات دورية من وزارة الداخلية وجمعيات مختصة بحقوق المرأة، إذ يكون التفاوت بينهما كبيرًا جدًّا وذلك لأسباب مختلفة، أبرزها أن الحكومة توثِّق الحالات المؤكدة بينما المؤسسات الحقوقية تضيف إلى إحصاءاتها وفيات النساء التي تعتبرها الداخلية “وفاة مشبوهة”، ولم يتم التحقق من أنها جريمة بشكل قاطع بعد.
فعلى سبيل المثال، تشير إحصائية وزارة الداخلية إلى أن عام 2020 شهدَ 268 جريمة قتل بحقّ نساء، بينما تشير إحصاءات حقوقية إلى أن العام المذكور شهدَ 436 جريمة قتل بحق نساء، سُجِّل 275 منها رسميًّا على أنها جرائم مؤكدة، بينما سُجِّلت 161 حالة على أنها “وفاة مشبوهة”.
وبحسب أحدث تصريح لوزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فإن العام الجاري شهد منذ بدايته وحتى منتصف شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 251 جريمة قتل ضد نساء في عموم تركيا، لافتًا إلى أن العام الماضي (2020) شهدَ بمجمله 268 جريمة قتل ضد النساء، وهو ما يعني أنه بنهاية العام الجاري يتوقع أن يتجاوز إجمالي الضحايا ما تمَّ تسجيله في العام الماضي.
في المقابل، تقول هيئة حقوقية محلية تختصّ بمتابعة إحصاءات جرائم قتل النساء تحت اسم “سنوقف قتل الإناث“، إن 25 جريمة قتل تعرضت لها نساء في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي في عموم تركيا، وهو ما يرفع الحصيلة إلى أكثر من 260 منذ بداية العام حتى نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني.
وتقول الهيئة إن أسباب القتل تتعلق بعوامل من قبيل “الرغبة في الطلاق، ورفض المصالحة، ورفض الزواج، ورفض إقامة علاقة، ولأسباب اقتصادية”، وحذّرت من أنه “ما لم يتمَّ تحديد الجاني ولماذا قُتلت النساء، وما لم يتمَّ إجراء محاكمة عادلة، ومعاقبة المشتبه بهم والمتهمين والقَتَلة بعقوبات رادعة، وتنفيذ الإجراءات الوقائية، سيستمر العنف في التغير من حيث الحجم”.
بالتزامن مع دخول قرار الانسحاب من الاتفاقية حيّز التنفيذ، أعلنَ أردوغان عن “خطة وطنية لمكافحة العنف ضد المرأة”، موضّحًا أن الخطة تشمل “مراجعة التشريعات المتعلقة بمكافحة العنف ضد المرأة وتنفيذها بشكل فعّال”.
وبحسب إحصائية هيئة “سنوقف قتل النساء”، فإن السنوات العشر الأخيرة شهدت ارتفاعًا وصل إلى 3 أضعاف في جرائم قتل النساء بتركيا، وتشير إحصاءاتها إلى أن عام 2008 شهد مقتل 80 امرأة، وعام 2009 مقتل 109 نساء، وعام 2015 مقتل 303 نساء، وعام 2019 مقتل 474 امرأة.
الانسحاب من اتفاق إسطنبول
في آذار/ مارس الماضي قررت تركيا الانسحاب من اتفاقية إسطنبول المعنية بحماية المرأة من العنف، وذلك عقب سنوات من الجدل الداخلي المتصاعد بين المحافظين الذين عارضوا الاتفاقية، بدعوى “دعمها المثلية الجنسية ومساهمتها في تفكيك الأسرة والمجتمع”، بينما دافع معظم أحزاب المعارضة وممثلي الجمعيات الحقوقية عنها بقوة، معتبرين أن الانسحاب منها سوف يفتح الباب أمام المزيد من العنف ضد المرأة.
وبالتزامن مع دخول قرار الانسحاب من الاتفاقية حيّز التنفيذ، أعلن أردوغان عن “خطة وطنية لمكافحة العنف ضد المرأة”، موضِّحًا أن الخطة تشمل “مراجعة التشريعات المتعلقة بمكافحة العنف ضد المرأة وتنفيذها بشكل فعّال وتعزز الكفاح لإنهاء العنف ضد المرأة، ومنحها حقوقها كاملة”، مشددًا على أن “العنف ضد المرأة هو انتهاك واضح لحقوق الإنسان ويضرّ بشكل خطير بكرامة النساء والأطفال وأسرهم ومجتمعاتهم والأجيال القادمة، ويمثل مشكلة ليس لهم فقط، بل لجميع البلدان”.
وتتهم مؤسسات حقوق الإنسان والمرأة بشكل خاص الحكومة التركية بعدم المساعدة في تقليل هذه الجرائم، بسبب بطئها في سنِّ قوانين رادعة بحقّ المتهمين، وعدم اتخاذ الاحتياطات الكافية لمنع هذه الجرائم أو التقليل منها، وبالتالي ما زالت أرقامها تتصاعد في مؤشر بات يثير الخوف لدى أوساط واسعة في المجتمع.
زوّدت وزارة الداخلية التركية تطبيق KADES بخاصية اللغة العربية، وأوضحت مديرية الأمن أنه أصبح بالإمكان استعمال التطبيق بـ 6 لغات عالمية.
ومع ذلك، كانت وزارة الأسرة الاجتماعية التركية، بالتنسيق مع وزارة الداخلية، قد أطلقت في عام 2018 تطبيقًا لحماية المرأة من العنف والتهديد تحت اسم KADES، ففي حال تعرّضت المرأة لأي عنف أو تهديد خطر بإمكانها استخدام التطبيق من خلال لمسة زر واحدة، بحيث يقوم التطبيق بإرسال موقع المرأة بشكل تلقائي إلى مركز الشرطة، وتقول الداخلية إن الفترة المحددة للاستجابة السريعة هي 5 دقائق كحدٍّ وسطي.
ومؤخرًا، زوّدت وزارة الداخلية التركية تطبيق KADES بخاصية اللغة العربية، وأوضحت مديرية الأمن أنه أصبح بالإمكان استعمال التطبيق بـ 6 لغات عالمية من بينها اللغة العربية، وأشار بيان الأمن إلى أنه “يكفي أن تقمن بضغطة زر واحدة، لنكون بجانبكن ونمنع العنف”.
وعند الضغط على الزر عبر التطبيق الذي يمكن تحميله على الهواتف المدعومة من نظامَي أندرويد وiOS، يُبلغ أقرب مركز شرطة رئيسي بحدوث اعتداء، ثم يحوِّل المركز الإبلاغ إلى أقرب دورية شرطة في المكان الذي بلّغَ الشخص منه.