كان عام 2021 حافلًا بالتحديات الاقتصادية والسياسية، على الصعيدين الداخلي والخارجي، فقد انهمكت أنقرة في ملفات محلية وإقليمية ودولية، شملت أزمات اقتصادية متنوعة واحتجاجات وتوترات سياسية داخلية من ناحية، وتحركات عسكرية في كل من سوريا وليبيا وإقليم القوقاز وشرق البحر المتوسط، وتطبيع دبلوماسي مع عدة أنظمة دولية.
أزمة اقتصادية وتوتر سياسي
خاضت تركيا هذا العام صعوبات اقتصادية ترجمها سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار، ففي الأول من كانون الثاني/يناير عام 2021 وصل سعر صرف الليرة التركية إلى 7.4 ليرة للدولار الأمريكي الواحد الذي اعتبر وقتها كأسوأ رقم تصل إليه قيمة صرفها منذ سنوات طويلة.
لكن أقسى فصول الأزمة كانت بدايات شهر كانون الأول/ ديسمبر عام 2021، الذي حمل معه انهيار غير مسبوق لليرة التركية التي خسرت نصف قيمتها أمام الدولار، حيث سجل سعر الصرف حوالي 17 ليرة للدولار، فيما تسارعت وتيرة الانهيار مع كل قرار يتخذه البنك المركزي التركي بخفض الفائدة عليها، ترتب عليها تغيير المحلات التجارية أسعار المواد الغذائية الأساسية يوميا تقريبًا.
وعلى الرغم من تراجع قيمة العملة وارتفاع التضخم إلى نسبة 21% وفقًا للأرقام الحكومية، وأكثر من 50% وفقًا للمعارضة، أصر الرئيس التركي على تطبيق ما أسماه النموذج الاقتصادي الجديد والبدء بمخطط لخفض أسعار الفائدة، وهو ما سيؤدي بدوره إلى خفض نسبة التضخم. ووسط هذه الخطوة التي خالفتها أحزاب المعارضة وشخصيات اقتصادية، جرى تغيير وزير الاقتصاد بعد سلسلة من التغييرات لرؤساء البنك المركزي.
وعلى الرغم من هذه الأزمات الضخمة، أضف عليها أثار جائحة كورونا وانتشار متحور “أوميكرون”، حققت الصادرات التركية أرقامًا قياسية بلغت 221 مليار دولار على أساس سنوي (خلال عام)، وقد سجلت تركيا أعلى عائدات شهرية من الصادرات في تاريخها خلال نوفمبر بواقع 21 مليار و468 مليون دولار.
وفي نهاية العام، وبعد فترة من عدم استقرار في أسعار الصرف وهبوط قيمة الليرة التركية، أعلن الرئيس التركي إن احتياطي النقد الأجنبي للبنك المركزي التركي يتجاوز 115 مليار دولار في الوقت الراهن، وأنه لا يوجد دين على تركيا لصندوق النقد الدولي.
تغيير الدستور ودعوة لانتخابات مبكرة
انعكست الحالة الاقتصادية الصعبة على المسار السياسي في تركيا، فقد أجمعت كافة أحزاب المعارضة على رفضها وتشكيكها لسياسات أردوغان الاقتصادية، وبدأت تضغط نحو انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة وعدم انتظار موعد الانتخابات المقررة في حزيران/يونيو 2023.
ولكن الرئيس التركي أعلن في مناسبات مختلفة أنه لن تجرى انتخابات مبكرة في البلاد، كما أنه فاجأ الطبقة السياسية في بداية شهر فبراير بدعوته إلى صياغة دستور جديد في إطار إصلاحات يقول إنه يريد تطبيقها، لكن معارضيه يشككون في دوافعه الفعلية قبل سنتين من انتخابات حاسمة، ومن المتوقع عرض التصورات حول الدستور الجديد مطلع 2022.
لكن المحافظات التركية عايشت خلال هذا العام نوعًا من أجواء ما قبل الانتخابات، تخللها حراك سياسي ومساعي لتمكين التحالفات وحتى اختيار مرشحيها للانتخابات الرئاسية، وأصبح من المعتقد لدى المعارضة أن انتخابات مبكرة قد تجري في بدايات العام 2022.
احتجاجات داخلية
بعد فترة من الجدل حول قرارها النهائي، قررت تركيا الخروج رسميًا في الأول من يوليو/تموز 2021 من اتفاقية إسطنبول الدولية لمنع العنف ضد المرأة، التي جرى التوقيع عليها في عام 2011، وألزمت الموقعين عليها بمنع العنف الأسري ومحاكمة مرتكبيه وتعزيز المساواة.
الحكومة التركية بررت موقفها لقولها إن هذه الاتفاقية تقوض الروابط الأسرية وتروج للمثلية الجنسية، وأن الانسحاب منها لن يؤدي إلى أي تقصير قانوني أو عملي في منع العنف ضد المرأة، الأمر الذي أثار ردة فعل وحالة من الجدل لدى الجمهور التركي والمعارضة التركية.
حالة أخرى من الجدل أثيرت في أوائل شهر يناير/كانون الثاني من عام 2021، بعد أن تحول حرم جامعة “بوغازيتشي” العريق في تركيا، إلى ميدان للاحتجاج عقب إعلان الرئاسة التركية عن تعيين أستاذ الهندسة والإدارة مليح بولو في منصب رئيس جامعة البوسفور أو كما يطلق عليها بالتركية بوغازيتشي “Boğaziçi Üniversitesi”.
الدبلوماسية التركية
منذ بداية 2021، أظهرت تركيا رغبتها الواضحة في إعادة رسم السياسة الخارجية للبلاد والانتقال من مرحلة الصدام والمواجهات العسكرية التي انخرطت بها البلاد في السنوات الأخيرة إلى سياسة “صفر مشاكل” والانفتاح على تجاوز الخلافات.
ووفقًا لهذه الرؤية، جرى تطبيع علاقات تركيا مع الإمارات عقب سنوات من العداء العلني حيث زار ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد أنقرة في نوفمبر 2021، وجرى توقيع 10 اتفاقيات في مجالات مختلفة، فضلًا عن ضخ استثمارات إماراتية بقيمة 10 مليار دولار في تركيا.
بينما تتواصل مساعي تحسين العلاقات مع مصر والسعودية والاحتلال الإسرائيلي حيث يؤكد أردوغان قرب تحقيق اختراق في العلاقات مع هذه الدول، كما تجرى اتصالات سياسة متقدمة مع البحرين، مع انتظار قدوم مسؤولين بحرينيين لزيارة أنقرة في وقت لاحق، لعقد لقاءات ومباحثات لتعزيز التعاون.
وفي حدث غير مسبوق أيضًا، اختتم العام باعلان عقد اجتماع لممثلي تركيا وأرمينيا بشأن تطبيع العلاقات الثنائية بين البلدين سيعقد في موسكو الفترة القادمة.
الدبلوماسية التركية أظهرت كذلك تغيرًا في سياستها مع الجارة العدوة اليونان، ففي يناير عام 2021، أعلنت كلًا من تركيا واليونان إطلاق المحادثات لتسوية خلافهما بشأن التنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط بعد أزمة خطرة تشهد على الهوة الفاصلة بين هذين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي.
وعلى الرغم من التراشقات الإعلامية المتواصلة بين البلدين، إلا أن هذا العام كان غير مسبوقًا على مستوى تطور العلاقة بين البلدين، ففي شهر مايو 2021 زار وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو أثينا وعمدة مدن يونانية، الذي التقى ممثلي الأقلية التركية المسلمة في منطقة تراقيا الغربية شرقي اليونان، وهي الأقلية التي تواجه أزمة شائكة في تصنيفها باليونان.
وبعدها بشهر، التقى الرئيس التركي مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، في لقاء مغلق على هامش قمة “الناتو” في العاصمة البلجيكية بروكسل، استمر نحو ساعة، وقد تم النقاش حول التعاون في مجالات عدة بين البلدين. وعقب الحرائق التي اندلعت في تركيا واليونان نهاية شهر يوليو، تعاون البلدان سويًا لإطفاء الحرائق في بلديهما.
وإلى ذلك، يبقى باب التساؤلات والتوقعات مفتوحًا حول أداء الاقتصاد التركي ومسار العلاقات التركية الخارجية خلال العام الجديد، ولكن قد يكون السؤال الأبرز ما إذا كانت البلاد ستشهد انتخابات رئاسية كما تدعو أحزاب المعارضة أم أن المستقبل السياسي ما زال على موعد مع عام 2023.