ترجمة وتحرير نون بوست
كم عدد مواطني بلدان آسيا الوسطى الذين يحاربون في صفوف الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)؟ وهل ينوون يومًا ما العودة إلى أوطانهم؟ تلك أسئلة لا تُعرَف لها إجابة قاطعة، ولكن المسؤولين الروس يبدون قلقًا شديدًا بشأنها، وهم يستخدمون هذه المخاوف حيال داعش لتعزيز القبضة الروسية في آسيا الوسطى، باسم حماية روسيا لجيرانها الأضعف، ولتوسيع نطاق نفوذ الكرملين، بل ووجوده العسكري أيضًا، في المنطقة.
على سبيل المثال، حذّر نيكولاي باتروشيف، أمين مجلس الأمن الروسي، في سبتمبر الماضي، من أن داعش قد تستهدف روسيا وآسيا الوسطى، قائلًا في كلمته الافتتاحية بمؤتمر أمناء مجالس الأمن لأعضاء كومنوولث الدول المستقلة (منظمة دول الفضاء السوفيتي السابق): “نحن ندرك أن هؤلاء المقاتلين يكسبون خبرات قتالية، ومن الممكن أن يشكلوا خطرًا حقيقيًا على أوطانهم وأمنها القومي حال عودتهم.”
يولي الإعلام الروسي اهتمامًا كبيرًا بكُل ما يصدر من المتشائمين بشأن الإرهاب في أي مكان بالعالم، مهما كان مصدره. ففي أكتوبر الماضي، قال رافال روهوزينسكي، خبير كندي بشؤون الإرهاب كما تم تعريفه، لمؤتمر في مدينة أستانة بكازاخستان، أن هناك أربعة آلاف مقاتل من آسيا الوسطى يقاتلون في صفوف داعش، وادعى أنه حصل على هذا الرقم — وهو أعلى كثيرًا مما يعتقده معظم الأكاديميين — من قراءة دقيقة للمواد المتاحة على الإنترنت (!). لا يبدو “الخبير”، أو ما قاله، ذا مصداقية حقيقية، ولكن الإعلام الروسي تداول كلماته على نطاق واسع.
هناك الكثير من منظّري المؤامرات الروس، وهم يقولون بأن الدول الغربية تساهم في تأجيج الصراع في المنطقة بشكل مستتر، بل ويقول بعضهم أن الاستخبارات الأمريكية تدعم داعش مباشرة لكي تهاجم روسيا في نهاية المطاف. مثلًا، في أكتوبر، قال أليكساندر سوبيانين، محلل روسي، لصحيفة نِزافيسيمايا جازيتا الروسية، أن الاستخبارات الأمريكية تتبنى المسلحين القادمين من آسيا الوسطى، وأن الولايات المتحدة تحاول زعزعة الاستقرار في آسيا الوسطى لتُقنِع الأنظمة الحاكمة هناك أن تسمح لها ببناء قواعد جديدة في المنطقة تطوّق بها روسيا.
تحتفظ روسيا بوجود عسكري في قرغزستان وطاجيكستان فقط. حتى عام 2005، كانت هناك قوات روسية تحمي الحدود الطاجيكية الأفغانية، وهو وضع تطمح روسيا أن تستعيده. يستخدم المشرّع الروسي سِميون باجداساروف، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، مخاطر الانزلاق إلى عدم الاستقرار ليبرر الحاجة إلى عودة القوات الروسية إلى الحدود الأفغانية مع طاجيكستان وتركمنستان وأوزبكستان، وهو وجود ضروري لحفظ الأمن في هذه المنطقة، كما يقول.
حذّر باجداساروف في مقابلة بُثَّت على محطة رادية فيستي في سبتمبر من أن حركة أوزبكستان الإسلامية ستعمل مع داعش لقلب أنظمة الحكم في آسيا الوسطى، وستبدأ مخططها من تركمنستان. بالنظر للقبضة الحكومية الشديدة للنظام في عشق آباد، وأيضًا للدلائل المحدودة حول انخراط مقاتلين تركمن في صفوف المنظمات الإرهابية، لا يبدو أن هذا مرجحًا كما يدّعي.
تلفت النظر هنا مبالغة المسؤولين الروس دومًا فيما يخص المخاطر المحيطة بتركمنستان وأوزبكستان، اللتين لا تستضيفان قوات روسية. فقد أعلن مؤخرًا نيكولاي بورديوزا، الأمين العام لمنظمة معاهدة الأمن المشترك التي تقودها روسيا، أن الإسلاميين يحاولون خلق دولة متطرفة تحت الأرض في آسيا الوسطى، وحث تركمنستان وأوزبكستان تحديدًا على التعاون في كافة الجهود لضمان أمن واستقرار المنطقة.
بدورها، تقوم حكومات آسيا الوسطى باستمرار بالتقليل من شأن الأعداد المقاتلة في داعش وغيرها من منظمات، لتُظهِر نفسها بمظهر قوي، ولتتفادى فخ استضافة القوات الروسية. ففي سبتمبر الماضي، قال الرئيس الطاجيكي إمام علي رحمن، مخاطًا مجموعة من المسؤولين الطاجيك، أن هناك حوالي 200 طاجيكي فقط يقاتلون في سوريا.
لا تستخدم روسيا تأجيج المخاوف من التطرف الإسلامي لتعزيز وضعها في آسيا الوسطى فقط، بل ولترسيخ معاداة الأجانب في الداخل الروسي نفسه ضد المهاجرين، خاصة المهاجرين من مسلمي آسيا الوسطى الباحثين عن لقمة العيش — حيث تتشابه الكثير من الأوضاع نظرًا للنظام السياسي الواحد الذي حكمهما على مدار عقود، ولإجادة الروسية بين مواطني دول الفضاء السوفيتي السابق. في مطلع هذا الشهر، وأثناء مسيرة قومية بموسكو، رفع المتظاهرون لافتات يدعون فيها أن مواطني آسيا الوسطى يجلبون التطرف الديني إلى روسيا، مطالبين موسكو بالتدخّل لكيلا تُصبح “موسكوآباد”.
في الواقع، تشير الدلائل أن بعضًا من مواطني آسيا الوسطى المقاتلين في صفوف داعش، انجذبوا إلى الفكر المتطرف أثناء إقامتهم بروسيا لا ببلدانهم. تلفت النظر هنا حالة المقاتل الطاجيكي أوليم يوسف، البالغ من العُمر 25 عامًا، والذي ألقت الحكومة العراقية القبض عليه في سبتمبر. فقد ترك أوليم موطنه، ككثير من شباب آسيا الوسطى، للعمل بموقع بناء بروسيا، والذي تقاضى عنه 250 دولارًا في الشهر. لم يكن أوليم متدينًا قبل سفره إلى روسيا، ولكنه انضم إلى “جيم” رياضي في مطلع هذا العام للاستعداد للقتال في سوريا، قبل أن يذهب إلى هناك بالفعل. لاحقًا، ظهر أوليم في فيديو على اليوتيوب، بثته محطة تلفاز العراق الرسمية، وقال أنه كان يعمل سائقًا لصالح داعش في الرقّة.
السواد الأعظم من عمال آسيا الوسطى المهاجرين بالملايين إلى روسيا، تُعَد آراؤهم الدينية والسياسية معتدلة، غير أن الضغوط التي يعيشونها في روسيا، حيث تتم معاملتهم بقسوة ويتعرضون باستمرار لهجمات المعادين للأجانب، قد تكون الدافع الرئيسي لتحوّل بعضهم نحو التطرف.
البعض في آسيا الوسطى يهاجم حملة التخويف التي تقودها روسيا، إذ يقول المدوّن الطاجيكي رحمن علي ميرزا، أن محاولات موسكو المستمرة والحثيثة للعودة إلى الحدود الطاجيكية الأفغانية لا تتوقف أبدًا، وأن داعش لا تشكل خطرًا مماثلًا للخطر الذي يشكله التدخل الروسي.
بمحاولاتهم تأجيج القلق من التطرف الإسلامي في آسيا الوسطى، يحاول المحللون والمسؤولون الروس تصوير المنطقة وكأنها على شفا الانزلاق إلى نيران الميليشيات مباشرة. هذا القلق لن يحقق أمن واستقرار المنطقة كما يدّعي الروس، بل سيُستَخدَم في نهاية المطاف من قبل حكومات آسيا الوسطي القمعية لتعزيز قبضتها الأمنية وتضييق الحريات، وهو ما سيؤدي تباعًا إلى زيادة احتمال اشتعال العنف لمواجهة القمع. عدم قدرة روسيا على رؤية هذه التبعات لما تروّجه حاليًا سيشكّل تهديدًا حقيقيًا لها، أكثر بكثير مما تدعيه اليوم باستخدام فزّاعة داعش.
المصدر: آوراسيا