يؤدي الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني زيارة رسمية للجزائر تمتدّ 3 أيام، وهي الزيارة الأولى من هذا النوع منذ فترة طويلة.
صحيح أن الرئيس الموريتاني هو الذي يزور تبون، لكن مصالح الجزائر من هذه الزيارة أكبر، خاصة أنها تأتي بعد أيام قليلة من زيارة تبون لتونس، ومساعٍ لإعادة التموضع في ليبيا، وتوتر علاقات بلاده مع المغرب.
حراك دبلوماسي
زيارة محمد ولد الغزواني إلى الجزائر، التي تنطلق اليوم الاثنين، هي الأولى من نوعها لرئيس موريتاني منذ 10 سنوات، أي منذ آخر زيارة كان قد قام بها الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز في ديسمبر/ كانون الأول 2011.
ويرافق الرئيس الموريتاني في هذه الزيارة وفد وزاري رفيع للتوقيع على عدد من الاتفاقيات في مجالات التجارة والصيد البحري والطاقة والأمن والدفاع والحدود، إضافة إلى البنوك.
لن نتحدث في هذا التقرير عن مصالح موريتانيا ولا عن أهدافها من وراء هذه الزيارة، وسنكتفي بالحديث عن الأهداف الجزائرية، ذلك أن زيارة ولد الغزواني لقصر المرادية في هذا التوقيت، بالغة الأهمية على الصعيد السياسي والإقليمي للجزائر.
تزداد أهمية زيارة ولد الغزواني إلى الجزائر، إذا علمنا أنها تأتي بعد أيام قليلة من زيارة أدّاها عبد المجيد تبون لتونس ولقائه بالرئيس التونسي قيس سعيّد، أيضًا بعد الرحلات المتكررة لوزير الخارجية الجزائري إلى دول الجوار من إثيوبيا والسودان والنيجر ومصر وتركيا، فضلًا عن استقبال الجزائر لعدة مسؤولين بارزين.
ضمن الأهداف المهمة لهذا الحراك الدبلوماسي الجزائري، الحد من حركة المغرب خارجيًّا، خاصة أن العلاقة بين البلدَين تتسم بالتوتر.
كما يولي النظام الجزائري أهمية كبرى لما يحصل في ليبيا، إذ حرّكت الدبلوماسية لدعم الاستقرار في هذا البلد العربي، مُحاوِلةً تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين، فضلًا عن مساهمتها في التصدّي لتهور اللواء المتقاعد خليفة حفتر في حربه ضد الأجهزة الشرعية للدولة الليبية.
ليس هذا فقط، فالنظام الجزائري مهتم أيضًا بالأزمات الكثيرة في منطقة الساحل والصحراء، فضلًا عن اهتمامه بأزمة سد النهضة، حيث رمت الدبلوماسية الجزائرية بثقلها في أزمة حوض النيل، وتقدّمت نحو أديس أبابا والخرطوم والقاهرة بحثًا عن حلّ للعقدة الإقليمية.
نُلاحظ هنا وجود حراك دبلوماسي كبير من طرف الجزائر في الفترة الأخيرة، فالنظام يسعى إلى العودة للمشهد الإقليمي، إذ انتقلت هذه الدبلوماسية من خيار “الصمت” إلى خيار “الفعل” هذه المرة، ذلك أن مزيد الصمت في منطقة متحرِّكة سيكلّف النظام الجزائري الكثير.
الخروج من “الانطواء”
يُفهم من هذا الحراك الدبلوماسي الكبير، كما قُلنا، وجود نية لدى الجزائر للخروج من “الانطواء” الذي عُرفت به في العقود الأخيرة، إذ خيّرت الجزائر خلال فترة حكم عبد العزيز بوتفليقة الانكفاء على الذات والانعزال عن العالم الخارجي، لأسباب عديدة سنذكرها في تقارير لاحقة.
يُذكر أنه لم يزر رئيس جزائري موريتانيا منذ الثمانينيات، كما لم يحطَّ رئيس جزائري في تونس منذ عام 2009، وغادرت الجزائر ليبيا واكتفت بدور المتفرج منذ عام 2011، أما مالي والنيجر فمنذ عقود طويلة لم تكن هناك زيارات متبادلة، دون الحديث عن المغرب، إذ إن العلاقة بين البلدين دائمًا ما كانت متوترة وجامدة.
لكن يبدو أن النظام الجزائري اختار التغيير، إذ يسعى منذ فترة إلى العودة بالبلاد إلى سابق عهدها، إذ كانت لها مكانة إقليمية كبرى، وتعمل الجزائر على أن يكون بيدها الحل والربط في منطقة المغرب العربي وفي منطقة الساحل والصحراء، مستغلة إمكاناتها الكبيرة وحاجة دول المنطقة إلى الدعم.
هناك حلف آخذ في التشكّل في المنطقة المغاربية بقيادة الجزائر. التحالف يضم تونس وموريتانيا ويقوم على تنسيق المواقف وتعزيز التبادل الاقتصادي بين الشعوب. بعد زيارة الدولة التي قادت تبّون إلى تونس، رئيس موريتانيا يحلّ بالجزائر الإثنين.
شتّان بين من يجلب الخير ومن يجلب إسرائيل للمنطقة
— Bachir Mohamed Lahsen (@ml_bachir) December 26, 2021
يقول الإعلامي الجزائري، عبد الحفيظ سجال، في حديث لـ”نون بوست”: “من المؤكد أن العودة إلى الساحة الدولية تشكل أحد التحديات التي تعمل إدارة الرئيس تبون على تحقيقها، وقد ظهر ذلك في العودة إلى الساحة الأفريقية من خلال الجولات التي قام بها وزير الخارجية رمطان لعمامرة وقبله سلفه صبري بوقادوم، خاصة بالنسبة إلى دول الجوار كتونس وليبيا ومالي، وحتى مع النيجر ونيجيريا وليبيا”.
ويكمل: “هذه الدول لا تشكّل أهمية سياسية وعمقًا أمنيًّا للجزائر فقط، إنما أيضًا مجالًا للتعاون الاقتصادي الذي تراهن عليه بأن يسهّل الطريق العابر للصحراء الذي يربط عدة دول أفريقية، وكذا ميناء الحمدانية بشرشال الموجَّه للتبادل التجاري مع أفريقيا أساسًا لرفع صادراتها خارج المحروقات”.
يؤكد محدثنا أن “انفتاح الجزائر على جيرانها كان ظاهرًا من مخطط الحكومة الحالية الذي وضع تنشيط الدبلوماسية وخاصة الاقتصادية ضمن أولوياته، وهي نقطة لم تكن تلقى الاهتمام الكافي من قبل مسؤولي الدولة”.
يسعى النظام الجزائري إلى تقوية علاقته مع باقي الدول الحدودية وضمّها إلى صفّه وكسب صوتها السياسي.
بدوره يرى الصحفي رياض المعزوزي في حديث مع “نون بوست”، أن هذا الحراك الدبلوماسي الكبير لبلاده يندرج في “إطار محاولة الجزائر فرض سياستها ونظرتها إلى ملفات إقليمية، وعلى رأسها الملف الصحراوي والملف الليبي والمالي”.
يشاطر عبد الله كامل، الناشط السياسي، رياض المعزوزي في قراءته لهذا الحراك الدبلوماسي الجزائري، ويقول في هذا الشأن لـ”نون بوست”: “الجزائر ومنذ مجيء الرئيس تبون تبحث عن مساحات وفرص اقتصادية ودبلوماسية جديدة تربط بها علاقاتها، خصوصًا مع جيرانها”.
الحدّ من حركة المغرب
ضمن الأهداف المهمة لهذا الحراك الدبلوماسي الجزائري، الحدّ من حركة المغرب خارجيًّا، خاصة أن العلاقة بين البلدَين تتسم بالتوتر في أغلب الأحيان والصراع على النفوذ ومن يتزعّم المنطقة، ويخشى النظام الجزائري إن بقيَ على صمته أن يزداد نفوذ الجارة الغربية وتخسر الجزائر مكانتها الإقليمية بصفة نهائية، في ظل دخول لاعب ثالث إلى المنطقة وهو كيان الاحتلال الإسرائيلي.
ويرى النظام الجزائري أن التطبيع المغربي مع كيان الاحتلال “خطوة سلبية من شأنها اقتياد المنطقة إلى الجحيم، وهي الفكرة التي تريد تسويقها إلى دول الجوار من خلال الزيارات المتبادلة”، وفق الصحفي الجزائري رياض المعزوزي.
زيارة مهمة جدا لرئيس #موريتانيا ?? الشقيقة يجب العمل على تطوير العلاقة بيننا وبين موريتانيا على كافة الأصعدة كونها دولة جارة وهامة بالنسبة لأمننا القومي المباشر إذا كان لموريتانيا حليف فالمنطقة يجب أن تكون #الجزائر ?? لقطع الطريق أمام دويلة الخيانة والغدر . pic.twitter.com/yXemsiheka
— أسود نوفمبر (@osoud1nofambar) December 26, 2021
يضيف المعزوزي في حديثه لـ”نون بوست”: “هذا الحراك الدبلوماسي سيزيد بشكل أكبر في عزلة النظام المغربي الذي بات اليوم يعتمد على دعم دول تبعد عنه بعشرات الآلاف من الكيلومترات، كالكيان الإسرائيلي، الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الخليج”.
يتابع محدثنا: “تسعى الجزائر لقطع الطريق أمام التمدد المغربي في العمق الأفريقي انطلاقًا من موريتانيا، فالجزائر تبحث التضييق أكثر على المغرب الذي يرى موريتانيا متنفّسًا اقتصاديًّا نحو أفريقيا، وبالتالي تكون الجزائر بعد غلق الحدود وقطع الغاز أمام وضع اليدَين على القصبة الهوائية للمملكة المغربية نحو أفريقيا، ألا وهي موريتانيا”.
مكملًا: “حتى أن المغرب بحدّ ذاته متخوف من هذا التقارب، بدليل انتقاد متابعين ومحللين مغربيين إدراج ملف الصحراء ضمن أجندات زيارة الرئيس الموريتاني، وهم الذين كانوا يعتبرون موريتانيا بعيدة عن القضية وتلعب دور الحياد”.
بالمحصلة، تسعى الجزائر إلى تقوية علاقتها مع باقي الدول الحدودية وضمّها إلى صفّه وكسب صوتها السياسي، في مسعى منها لضمان مكانة إقليمية مهمة للبلاد بعد سنوات من الغياب عن الساحة وعن الفعل البنّاء.