قبل نهاية العام 2021 بـ 72 ساعة، شهد اليمن أحداثًا كبيرة، بدأ فيها التحالف العربي بعرض تأكيد بالصوت والصورة لتدخُّل إيران وحزب الله في اليمن بشكل مباشر، وتحرك قوات عسكرية إلى محافظة شبوة (جنوب شرق البلاد)، ما يبدو أنها مقدمات لعام قادم أكثر سخونة في الأحداث عنوانه “نكون أو لا نكون”.
بعد أقل من 24 ساعة من عرض التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن أدلة مادية جديدة تؤكد ضلوع ميليشيا حزب الله اللبناني في التخطيط والدعم للحوثيين، خرج المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، ليعلنَ في مؤتمر صحفي أن طهران تعتزم الإعلان عن تعيين سفير جديد لها في اليمن.
التصريحات الإيرانية الاستفزازية والمصرّة على مساعدة الحوثيين، تزامنت أيضًا مع تحركات عسكرية يمنية من الساحل الغربي متّجهة صوب الساحل الشرقي للبلاد (محافظة شبوة)، فيما يبدو أن هناك استعدادًا لعملية عسكرية كبيرة ستنطلق خلال أيام.
إصرار إيراني
إصرار طهران على تعيين مندوب أو حاكم عسكري لها في اليمن، يعكس زيف تصريحات المسؤولين الحوثيين حول وجود خلافات مع إيران، وكذلك ما تحدث به المسؤول السعودي لصحيفة “وول ستريت جورنال” بأن الحوثيين تعهّدوا بعدم إدخال سفير جديد إلى اليمن.
ويبدو أن تلك الضمانات الشفوية كانت عملية تضليل حوثية بهدف نقل الحاكم العسكري حسن إيرلو المصاب إصابة خطرة إلى طهران، وإيهام المجتمع الدولي أن الخلافات هذه قد تفضي إلى حوار سياسي، وكان يهدف الحوثيون من ذلك تخفيف الضغوط على إيران بطريقة أو بأخرى في مفاوضاتها النووية مع الغرب.
لكن إعلان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية تعيين مندوب جديد لطهران لدى الحوثيين، أو ما يُسمّى إعلاميًّا بـ”الحاكم العسكري”، جاء بعد أقل من 24 ساعة من كشف التحالف العربي عن أدلة قاطعة حول تورُّط إيران وميليشياتها في المنطقة بمساعدة الحوثيين، والهجوم على السعودية كان بمثابة التأكيد على صحّة ما ورد في المؤتمر الذي عقده العقيد تركي المالكي، متحدث التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، رغم النفي الخجول من قبل الحوثي.
وإصرار إيران وتأكيدها بمواصلة دعمها للحوثيين بالخبراء والسلاح المتطور، يشيران إلى أنها لا تريد أن يكون هناك حل دبلوماسي وسياسي في اليمن، وإعلان ذلك هو طمأنة الحوثيين بأنها سوف تستمرّ بدعمهم عسكريًّا مع تنامي التوافق اليمني وتوحيد الصف لمواجهة المشروع الإيراني في المنطقة.
ورغم إعلان إيران عزمها تعيين سفير لها في اليمن، وفقًا لمتحدث الخارجية الإيرانية، فإن عملية كيفية دخوله هي ما يشغل كافة المتابعين والمهتمين في الشأن اليمني، هل تنجح إيران في ذلك؟ وما موقف الحكومة اليمنية والتحالف العربي وجامعة الدول العربية من الانتهاكات المتواصلة للقانون الدولي من قبل إيران؟ وهذا ما سنحاول الإجابة عنه في سياق هذا الموضوع.
تهريب السفير
في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وصلت طائرتان، عُمانية وأممية، مصرّح لهما بالدخول إلى صنعاء من دون تفتيش من قبل التحالف العربي وفقًا لتفاهمات دولية، وكانتا تقلّا أكثر من 250 جريحًا حوثيًّا عائدين من العلاج في الخارج وفقًا لإعلان الحوثيين حينها، لكن مصادر أكّدت وصول 20 خبيرًا برفقتهما من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله كان يتقدمهم السفير السابق حسن إيرلو (أعلنت إيران وفاته بحجّة إصابته كورونا)، وفي اليوم ذاته أعلنت إيران خطيب زاده سفيرًا مفوضًا ومطلق الصلاحيات في اليمن.
ووفقًا لمصادر “نون بوست”، فإن السفير الإيراني الذي تحدث به زادة، قد وصل إلى صنعاء الاثنين 27 ديسمبر/ كانون الأول 2021، ضمن موظفين أمميين دخلوا صنعاء على متن 3 طائرات كانت تقلُّ مساعدات طبية وإغاثية.
أكّد المصدر أن الحوثيين تراجعوا عن إعلان خروج مطار صنعاء عن الخدمة بسبب ضربات طيران التحالف العربي، بأمر مباشر من طهران التي أعلمتهم بوجود شخصية مهمة ستصل المطار ضمن 100 شخص عاملين في الأمم المتحدة، لتعلن إيران في زمن وصول الطائرات الأممية عزمها عن تعيين سفير لها لدى الحوثيين.
مسألة تسميته والكشف عن هويته وتعيينه رسميًّا من قبل طهران، تتعلق فيما يبدو بالمحادثات الدولية التي تجريها مع دول الغرب بشأن ملفّها النووي، إضافة إلى أنها لا تريد أن تخسر ميزة تهريب الخبراء والسلاح عبر طيران الأمم المتحدة وأطباء بلا حدود، في حال أعلنت عن تسميته بالتزامن مع دخول تلك الطائرات، لكنها اكتفت بالقول إنها عازمة على تعيين سفير لها خلفًا لحسن أيرلو.
كيف يمكن أن يصل المندوب أو الحاكم العسكري، أعتقد أنه وصل الاثنين الماضي، ضمن 100 شخص وصلوا مطار صنعاء على اعتبار أنهم موظفون أمميون وجرحى عائدون إلى الحوثيين؛ لماذا هذا الاعتقاد؟ أولًا لأن الحوثي أعلن قبل أسبوع تقريبًا خروج المطار عن الخدمة، ليعود ويعلن وصول 3 طائرات أممية إلى صنعاء، وهذا يذكّرنا بطريقة دخول حسن أيرلو صنعاء في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، والذي وصلَ بين موظفين أممين وجرحى من الميليشيا، وفي اليوم ذاته أعلنت إيران تعيينه سفيرًا لها لدى الحوثين.
موقف الحكومة اليمنية
لا يبدو أنه سيكون هناك موقف حازم من قبل الحكومة اليمنية كالعادة، وستكتفي بتغريدة وزير الإعلام والثقافة على الإنترنت معربًا عن إدانته لهذا التصرف، ويدعو الأمم المتحدة لتحمل مسؤوليتها، وسيقابل ذلك من قبل المجتمع الدولي بتجاهل تام، لاعتياده على هذه الإدانات، أو لأنه يستمتع بالتدخل الإيراني في المنطقة، مستغلًّا الضعف الدبلوماسي والسياسي للحكومة اليمنية.
يفترض على الحكومة، المسؤولة عن حدود وأجواء وموانئ الجمهورية اليمنية، أن يكون لها ردّ حاسم على الأرض، وتعلن بشكل كامل عن مكافآت لمن يدلي بمعلومات عن المندوب الإيراني، وتسمّيه “إرهابيًّا” لكونه دخل البلاد بطريقة غير قانونية بهدف مساعدة الحوثيين وقتال الشعب اليمني، وتعلن الطوارئ في كل المناطق، وتعمل جاهدة للقبض عليه ومحاكمته، بتهمة دخول البلاد بطريقة غير شرعية وممارسة الإرهاب والتخطيط لعمليات إرهابية وقتل الجيش وأبناء الشعب.
موقف التحالف العربي
حتى ساعة كتابة هذا الموضوع، لم يردّ التحالف العربي بشكل مباشر على تصريحات الخارجية الإيرانية، لكنه ردَّ بشكل عام وخصوصًا على الصواريخ البالستية التي تُطلق من مناطق يمنية يسيطر عليها الحوثيون تجاه السعودية، في رسالة بعثها المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي، طالبَ فيها مجلس الأمن الدولي بتحمُّل مسؤولياته تجاه ميليشيا الحوثي ومورِّدي أسلحتهم والموارد التي تموِّل أعمالهم الإرهابية، من أجل وقف تهديداتهم للسلم والأمن الدوليين.
واعتبرَ المعلي أن غياب الإجراءات الصارمة من قبل المجتمع الدولي، لا سيما مجلس الأمن، تجاه مورِّدي أسلحة ميليشيا الحوثي، سيُسمح لها بمواصلة أعمالها الإرهابية في المنطقة، متعهّدة باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية أراضيها والحفاظ على سلامة مواطنيها والمقيمين فيها.
يبدو أن التحالف العربي قد سئم من الردّ على إيران بالتصريحات والإدانة، وبدأ بإجراءات عملياتية على أرض الواقع، وهو ما كشفه المتحدث باسم التحالف العربي تركي المالكي، الأحد 26 ديسمبر/ كانون الأول 2021، حينما قال إن على الحوثيين أن يبدأوا في عدّ أنفاسهم، بعد إشاراته إلى اختراق الهرم القيادي للحوثيين.
إذا أرادت الحكومة والتحالف العربي إنهاء الحرب في اليمن، لا بدَّ ألّا يستمعان إلى النداء الدولي، كما فعل الحوثيون طيلة عام 2021، وأن يتجاهلا النداء لمنح العملية السياسية فرصة أخيرة.
وهذه التصريحات وموقف التحالف العربي لم تكن لولا أن هناك موقفًا أمريكيًّا يبدو أنه منح التحالف والحكومة الشرعية ضوءًا أخضر للضغط على الحوثيين عسكريًّا، بهدف إجبارهم على القبول بمبادرات السلام، وفقًا للمرجعيات الدولية التي عادَ الحديث عنها بقوة بعد أن تمَّ تجاهلها لعامَين سابقَين.
وما يؤكد ذلك هو تركيز الجهود الأميركية والدولية بالتنسيق مع السعودية لإصلاح أداء الحكومة الشرعية، ومعالجة تداعيات انهيار الاقتصاد والعملة وزيادة أسعار السلع الأساسية التي تزيد من تعميق أكبر أزمة إنسانية في العالم، وكذلك قيادة السعودية لجهود استكمال تنفيذ اتفاق الرياض، لتوحيد صفوف كل القوى الوطنية المناهضة للحوثي.
عملية عسكرية
ومع إشارة التحالف العربي في الدلائل التي أعلنَ عنها الأحد الماضي حول مشاركة حزب الله اللبناني في الحرب ضد اليمنيين، إلى أن الأمم المتحدة ساهمت في إطالة أمد الحرب عندما ضغطت باتجاه وقف تحرير الحديدة في نهاية عام 2018، والتي استفاد منها الحوثيون والأذرع الإيرانية، وهي إشارة تبدو معاتبة شديدة للدول التي ضغطت في هذا الاتجاه، وفي الوقت نفسه لتحذيرها من عدم التدخل بعد أن فشلت في إقناع الحوثي بالسلام، وساهمت بطريقة أو بأخرى بتوسيع سيطرة الحوثيين على الأراضي اليمنية.
تلك المواقف تشير إلى اقتراب إطلاق عملية عسكرية كبرى تشارك فيها قوات الجيش والمقاومة الوطنية وألوية العمالقة خلال الفترة القادمة، تهدف إلى تحرير مديريات بيحان بمحافظة شبوة وعدد من مديريات البيضاء ومأرب، ولعلّ تحرك القوات العسكرية من الساحل الغربي إلى الساحل الشرقي لليمن تأكيد لهذه الفرضية.
قلق أممي
ومع هذه التحركات، استنكر المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانز غروندبرغ، في بيان نُشر على موقع الأمم المتحدة الإلكتروني، التصعيد العسكري الكبير في اليمن، ودعا ما أسماهم “الأطراف المتحاربة” إلى الخفض الفوري للتصعيد، معتبرًا أن ذلك يقوِّض فرص الوصول إلى تسوية سياسية مستدامة لإنهاء النزاع في اليمن.
وقلق المبعوث الأممي، الذي رفضَ الحوثيون استقباله، يشير إلى أنه يعمل جاهدًا لوقف هذه التحركات العسكرية المنتظرة، ويسعى جاهدًا لممارسة الضغط على التحالف العربي، لمنحه فرصة أخيرة لإقناع الحوثيين بالسلام، لكنه لا يدرك أن من سبقه وأكثر خبرة منه ومن كان لديه إسناد قوي من بلاده بريطانيا (مارتن غريفيث)، فشل في كل الإغراءات التي قدّمها للحوثي، بأن ينتزع منهم موافقة على السلام.
ويبدو أنه لم يستوعب الرسالة التي أرسلها التحالف العربي في المؤتمر الصحفي، والتي تقول إن التدخلات الأممية في إنقاذ الحوثي مرارًا وتكرارًا ساهمت في إنهاء الحرب وزادت من معاناة اليمنيين.
الخلاصة
الحرب في اليمن لن يكون لها نهاية طالما تدخلت الأمم المتحدة أو المنظمات الدولية لوقف استعادة الدولة أراضيها، وانقشاع الغمّة عن الشعب الذي يعاني منذ أكثر من 7 سنوات بسبب اغتصاب الحوثي للسلطة والأرض اليمنية.
إذا أرادت الحكومة والتحالف العربي إنهاء الحرب في اليمن، لا بدّ ألّا يستمعان إلى النداء الدولي، كما فعل الحوثيون طيلة عام 2021، وأن يتجاهلا النداء لمنح العملية السياسية فرصة أخيرة، ويواصلا في تحرير القرى والمديريات والمحافظات واحدة تلو الأخرى، ووضع المجتمع الدولي تحت الأمر الواقع.