ترجمة حفصة جودة
فوق أرضية من الأنقاض المتناثرة، يجلس 50 طفلًا صغيرًا بلا سقف أو مقاعد أو طاولات وبلا أقلام أو أوراق، لكن الطلاب في تلك المدرسة المؤقتة في قرية حيس بمحافظة الحديدة ما زالوا الأكثر حظًّا في البلاد، لأن لديهم ببساطة معلمًا ومكانًا يتعلمون فيه.
بعد 7 سنوات من تلك الحرب الكارثية التي تفتّقَ عنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم، لا يبدو أن الصراع اليمني سينتهي قريبًا، وأصبح مستقبل جيل كامل معرّضًا لخطر الدمار، فحوالي 3 ملايين طفل غير قادرين على الذهاب إلى المدرسة وفقًا للصليب الأحمر، وهناك 8.1 ملايين بحاجة لمساعدة تعليمية عاجلة.
يقول المصوِّر اليمني لوكالة “فرانس برس”، خالد زياد، والذي التقط الصورة في شهر سبتمبر/ أيلول: “هناك ضغط كبير على الطلاب لترك المدرسة والعمل لإعالة أسرهم، هناك بعض الأطفال في اليمن تبلغ أعمارهم 10 سنوات الآن ولم يحظوا بأي فرصة لدخول مدرسة، إذا كانت العائلات لا تملك المال للطعام والدواء وفواتير المستشفيات، فكيف يمكنها أن تتحمل تكلفة التعليم؟”.
لم تصدر الأمم المتحدة بعد إعلانها الرسمي عن المجاعة في اليمن لعدم وجود بيانات كافية موثوق بها للالتزام بالتعريف الفني، لكن 16.2 مليون شخص -حوالي نصف السكان- يعانون من انعدام الأمن الغذائي، فقد تركت الظروف الشبيهة بالمجاعة حوالي 2.3 مليون طفل تحت عمر الخامسة يعانون من ضعف التغذية الحاد.
تسبّب ضعف الأجهزة المناعية كذلك في أن يصبح الرضّع أكثر عرضة لوباء الكوليرا وحمى الضنك المتفشيَين في اليمن، ويقول الكثير من الناس إن كوفيد-19 هو أقل ما يثير مخاوفهم.
تنتهي الطفولة في اليمن مبكّرًا للغاية، فمتوسط عمر زواج الفتيات في بعض المناطق الريفية 14 عامًا فقط وذلك قبل اندلاع الأزمة، وقد انخفض أكثر منذ الأزمة، أما الفتيان فيجنَّدون للقتال من قبل الأطراف المختلفة في هذا الصراع المعقّد من عمر 11 عامًا.
يقول زياد إن معظم الأطفال الذين حصلوا على دروس لمحو الأمية والحساب في قرية حيس هم نازحون من مناطق أخرى، حيث تحاول العائلات الفرار من القتال بين المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران والذين يسيطرون على معظم المنطقة، والتحالف السعودي الإماراتي الذي يقاتل لإعادة الحكومة اليمنية المعترَف بها دوليًّا.
وفقًا لليونيسف، هاجمت الأطراف المتصارعة المدارس حوالي 231 مرة على الأقل منذ مارس/ آذار 2015 عندما تدخل التحالف العربي في القتال، وفي عام 2018 أسقطت ضربة جوية للتحالف صاروخًا أمريكي الصنع على حافلة مدرسية للأولاد في قلب مدينة صعدة، التي يسيطر عليها الحوثيون وقتلَت 44 طفلًا.
يقول زياد: “لا يشعر الطلاب بالأمان أثناء تلقّيهم دروسهم، ولا يمكنهم تحمّل تكلفة الأدوات المدرسية، لقد دُمِّرت المدارس ودُمِّرت المنازل، وتمرُّ السنين دون أي فرصة للحصول على تعليم مناسب”.
لم يحصل موظّفو الخدمة المدنية في بعض المناطق على رواتبهم منذ سنوات، ما يعني أن الكثير من المعلمين والأطباء يواصلون عملهم بفاعلية دون مقابل، وبينما تملك اليمن 170 ألف معلم في المدارس الابتدائية والثانوية، فإن ثلثَي هؤلاء المعلمين لا يحصلون على راوتبهم بشكل منتظم.
يقول زياد: “يقول المعلمون إنه رغم عدم حصولهم على رواتبهم ومعاناتهم من الظروف القاسية، إلا أنهم يشعرون بمسؤوليتهم تجاه مواصلة العمل، إذا تركوا التعليم فإنهم يعلمون أن الكارثة ستكون أكبر، إنهم يواصلون أداء واجب جليل”.
يضيف زياد -الذي يعيش في مدينة الحديدة المجاورة- أنه يأمل في أن يساعد عمله كمصوِّر في فهم العالم لمأساة اليمن، فهو قلِقٌ باستمرار بشأن ما يحمله المستقبل لابنه ذي العامَين، ويقول: “إذا استمرت الحرب فلا أعتقد أن طفلي أو بقية الأطفال في الحديدة سيكون لهم مستقبل أفضل، يجب أن ينتهي ذلك”.
المصدر: الغارديان