يُنهي الرئيس الموريتاني، محمد ولد الغزواني، اليوم الأربعاء زيارته الرسمية الأولى للجزائر منذ وصوله لقصر الرئاسة مكان سلفه الرئيس محمد ولد عبد العزيز.
زيارةٌ وضع لها ولد الغزواني عدة أهداف، أبرزها الوساطة بين الجزائر والمغرب في ظل توتر العلاقات الدبلوماسية بين البلدَين العربيَّين، وانقطاع قنوات التواصل بينهما منذ عدة أشهر، لكن خلال أيام الزيارة الثلاثة لم يركِّز الرئيس الموريتاني على الوساطة فقط، فقد كان له أهداف أخرى.
إذابة الجليد
كما أسلفنا، جاء الرئيس الموريتاني إلى الجزائر ساعيًا للوساطة بينها وبين جارها الغربي المغرب، ووفق مصادر خاصة لـ”نون بوست” فقد عملَ طيلة هذه الزيارة للجزائر، وهي الأولى لرئيس موريتاني منذ 10 سنوات، على رأب الصدع وتذويب الخلاف الدبلوماسي بين المغرب والجزائر.
وقبل أيام قليلة من هذه الزيارة، عبّر ولد الغزواني في حوار أجراه مع مجلة “الاقتصاد والأعمال” اللبنانية في عددها الخاص بموريتانيا، عن قلقه “من عوامل التوتر التي تظهر من حين لآخر”، مضيفًا: “ونعبِّر بشكل دائم عن أن بلادنا يمكن أن تلعب دورًا رئيسيًّا في استعادة اللُّحمة بين البلدان المغاربية، وقد ظلت مواقفنا تصبُّ في هذا الاتجاه دائمًا”.
وأردفَ الرئيس الموريتاني: “لا يمكن تصور حجم الكلفة التي تدفعها شعوب المنطقة جرّاء عدم قيام اتحاد مغاربي قوي وفعّال ومتكامل، نحن ندرك الصعوبات التي تواجه هذا الحلم، ونأسف للعقبات التي تقف في طريقه”، وتتمثّل مصلحة موريتانيا في التقارب بين المغرب والجزائر، فالتوتُّر لا يخدم مصالحها.
لن يركِّز الرئيس الموريتاني في زيارته للجزائر على جهود الوساطة فقط، بل سيعمل أيضًا على تحقيق بعض الأهداف الاقتصادية.
تشهد العلاقة بين المغرب والجزائر توترات حادة، في ظل غياب الحوار، وغلق كل سُبل الاتصال بينهما منذ أشهر، آخر هذه التوترات اتهام الجزائر للرباط بقتل 3 من مواطنيها، في قصف قالت إنه وقعَ في المنطقة الحدودية بين موريتانيا والصحراء الغربية المتنازَع عليها، وقبلها قرّر الرئيس عبد المجيد تبون إيقاف نقل الغاز الجزائري عبر الأراضي المغربية إلى إسبانيا.
وسبق أن اتّهمت الجزائر المغرب بمساعدة الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل (الماك)، في التخطيط لهجمات تستهدف المساس بأمن البلاد والوحدة الوطنية، ونهاية أغسطس/ آب الماضي قطعت الجزائر العلاقات الدبلوماسية مع المغرب، وقرّرت سحب سفيرها من العاصمة الرباط بسبب ما وصفته بـ”أعمال عدائية” من جانب المملكة، وهو قرار اعتبرته الرباط “غير مبرَّر على الإطلاق”.
مصالح سياسية
يرى الباحث في الشؤون المغاربية، الشيخ يب ولد أعليات، أن موريتانيا، بعد وصول محمد ولد الشيخ الغزواني للحكم، أصبحت تحاول الخروج من وضع المتلقّي إلى وضع المُبادر، ويتّضح ذلك جليًّا من خلال إصرار نواكشوط على إبراز نفسها، وهذا ما يفسِّره تعدد الزيارات الدبلوماسية للمغرب والجزائر.
جاء هذا التحول، وفق محدثنا، بعد أن كانت موريتانيا تسعى دائمًا للنأي بنفسها بعيدًا عن الصراع المستمر بين المغرب والجزائر، وتحاول أن تتبنّى سياسة مستقلة عن هاتين الدولتين والموازنة بينهما قدر الإمكان، ما جعلها الحلقة الأضعف في المعادلة الإقليمية، حتى أصبح من المألوف أن تبقى علاقاتها جيدة مع المغرب إذ كانت سيّئة مع الجزائر والعكس صحيح، وفق قول ولد أعليات.
يعي ولد الغزواني جيدًا صعوبة المهمة نظرًا إلى مدى تعقيد العلاقات المغربية الجزائرية، وحدّة الأزمة بين البلدَين، لكنه أصرَّ على قيادة جهود الوساطة خدمةً للمنطقة المغاربية، التي من شأن الصراع بين الجزائر والمغرب أن يزيدها ضعفًا وتفرقة، وأيضًا من أجل مصالح بلاده، فتواصُل الأزمة من شأنه التأثير سلبًا على بلاد شنقيط.
أبرز النقاط في زيارة رئيس #موريتانيا إلى #الجزائر??
– الإرهاب في مالي ??
– تعزيز العلاقات الثنائية.
– مستقبل إتحاد المغرب العربي.
– تسريع إنشاء المراكز الحدودية بين البلدين????
– لإنجاز الطريق الرابط بين تندوف?? والزويرات??
– القمة العربية في الجزائر شهر مارس القادم pic.twitter.com/orlvDx5Btl
— نورالدين ختال (@roiducondor) December 27, 2021
يسعى الرئيس الموريتاني من خلال هذه الوساطة إلى الدفع ببلاده نحو لعب أدوار متقدِّمة على المستوى الدبلوماسي في المنطقة، بهدف تعزيز حضورها على مستوى المغرب العربي، بعد سنوات من الغياب على المستوى الإقليمي والانكفاء على المسائل الداخلية.
يعمل ولد الغزواني على استغلال الإمكانات التي لديه لإنجاح هذه الوساطة لتجنيب المنطقة خطر التصعيد، ذلك أن موريتانيا تُعتبر البلد الوحيد الذي يملك حدودًا مشترَكة مع كل من المغرب والجزائر (سبق أن تقاسمت نواكشوط الصحراء مع الرباط بعد انسحاب الاستعمار الإسباني منها عام 1975)، فضلًا عن كونها بوابة لهذين البلدَين إلى السوق الغرب أفريقية، إلى جانب الاستثمار في حياد موقفها تجاه النزاع في الصحراء.
تسعى السلطات الموريتانية إلى تبنّي خيار الحياد والبقاء على علاقتها مع الجزائر والمغرب بالدرجة نفسها حتى لا تخسر الطرفَين، خاصة أن إمكاناتها أضعف منهما، وبذلك تضمن مصالحها في المنطقة المشتعلة، لأن أي اصطفاف لطرف على حساب آخر سيكلفها خسائر كبيرة لا تقوى نواكشوط عليها في الفترة الحالية.
أهداف اقتصادية
لم يركِّز الرئيس الموريتاني في زيارته للجزائر على جهود الوساطة فقط، بل يعمل أيضًا على تحقيق بعض الأهداف الاقتصادية، التي من شأنها أن تخدم بلاده وتساعدها على النهوض باقتصادها المتعثِّر، ويأمل ولد الغزواني في إمضاء أكبر عدد ممكن من الاتفاقيات الاقتصادية مع نظيره تبون.
ذلك أن ولد الغزواني يسعى، وفق الباحث في الشؤون المغاربية الشيخ يب ولد أعليات، إلى استغلال التوتر القائم بين الجزائر والمغرب لتحقيق بعض الأهداف الاقتصادية من كلا الطرفَين، كما استغلال التنافس الجزائري المغربي للوصول إلى السوق الأفريقية.
تُعتبر موريتانيا من أهم البوابات للمنتَجات الجزائرية باتجاه أفريقيا، كونها آمنة، في ظل وجود حدود ملغّمة بالمشاكل جنوبًا مع مالي وتشاد والنيجر وشرقًا مع ليبيا.
تأتي هذه الزيارة بعد أسابيع قليلة من انعقاد أول دورة للجنة الثنائية الحدودية الجزائرية-الموريتانية بالجزائر العاصمة، كان الطرفان قد مهّدا لها الطريق في شهر أبريل/ نيسان بنواكشوط، من خلال التوقيع على مذكرة تفاهم تتعلق بإنشائها.
من المشاريع المهمة التي يعوِّل عليها النظام الموريتاني، الطريق الرابط بين تندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية، ومن شأن هذا الطريق أن يضمنَ مسارًا آمنًا لنقل البضائع وتسهيل التبادلات التجارية من خلالها، وتحتاج موريتانيا لهذا الطريق لتسهيل وصول منتجاتها من الأسماك واللحوم إلى السوق الجزائرية.
كما يعوِّل النظام الموريتاني على إنشاء منطقة حُرّة للتبادل على مستوى الحدود بين البلدَين، فضلًا عن تنظيم المعارض الاقتصادية والتجارية في نواكشط بصفة دائمة، والعمل على زيادة التسهيلات المرتبطة بعمل التجّار بين البلدَين، بما في ذلك تسهيل مرور العاملين في المجالات الاقتصادية.
?وقعت #الجزائر و #موريتانيا مذكرة تفاهم ، لإنجاز طريق بري يربط مدينتي تندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية على مسافة ما يقارب 800 كلم.
تحقيق هذ الإنجاز يعتبر اختراق استراتيجي للبلدين سيوفر لهما جانب كبير من العائد الاقتصادي والامني على طول الطريق.
?????
— صـــــــلاح (@mafihachk) December 29, 2021
وتشير الأرقام إلى أن الجزائر تُعتبر أحد أهم المموّنين الرئيسيين لموريتانيا، حيث ارتفعت قيمة الصادرات الجزائرية نحو موريتانيا بـ 205% خلال الثلث الأول من السنة الحالية، مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2020، حسب معطيات المديرية العامة للجمارك الجزائرية.
إلى جانب ذلك تمَّ تسجيل 111 عملية تصدير باتجاه موريتانيا عبر المركز الحدودي البرّي “الشهيد مصطفى بن بولعيد” بولاية تندوف، خلال الفترة ما بين يناير/ كانون الثاني حتى مارس/ آذار من العام الجاري، ويمثَّل ذلك بزيادة عمليات التصدير عن طريق المعبر المذكور بنسبة تتجاوز 113%، مقارنة بالثلث الأول من سنة 2020.
الجزائر/موريتانيا: التوقيع على مذكرة تعاون لإنجاز طريق بري يربط مدينتي تندوف والزويرات pic.twitter.com/ztbshpjSV0
— lotfi (@awweze) December 29, 2021
تُعتبر موريتانيا من أهم البوابات للمنتَجات الجزائرية باتجاه أفريقيا، كونها آمنة، في ظل وجود حدود ملغّمة بالمشاكل جنوبًا مع مالي وتشاد والنيجر وشرقًا مع ليبيا، لذلك فإن هذا الطريق لن يكتفي بربط الجزائر بموريتانيا، بل حتى بربط الجزائر مع دول العالم من خلال المحيط الأطلسي.
كما تُعتبر موريتانيا أيضًا خطّ عبور لأسواق دول غرب القارة الأفريقية أو مجموعة الإيكواس، وهو ما تأمل أن يمكّنها من جلب استثمارات جزائرية على الحدود بين البلدَين، فنواكشوط تسعى إلى إقناع المستثمرين الجزائريين بالاستثمار لديها.
بالمحصلة، تسعى موريتانيا إلى استغلال هذه الأزمة للظهور بثوب الدولة الإقليمية التي لها كلمتها في المنطقة، والخروج من ثوب المتلقّي والمفعول به إلى الفاعل، فضلًا عن استغلالها لتحقيق بعض المصالح الاقتصادية في ظل الوضع المتردّي الذي تعيش على وقعه البلاد منذ سنوات، فهل تتمكّن من ذلك؟